الخميس، 19 يوليو 2012

الانطوائية عند الأطفال و المراهقين



قد تكون معظم المشكلات النفسية مجرد أعراض لأمراض ومشكلات إجتماعية و إقتصادية
و هذا يعني أن هنالك سبب بشري يقف بشكل مباشر أو غير مباشر وراء تلك الحالات و
يعني أن هنالك ضحية كانت الطرف الخاسر في تركيبة إجتماعية ما و لذلك فقد يكون من
الأفضل ألا نعزل السبب عن النتيجة أي ألا نعزل ما هو نفسي عما هو إجتماعي و إقتصادي
فالإنسان موجود دائماً ضمن ظروف إجتماعية و إقتصادية لا يمكن تجاهلها و الإنطوائية هي
إحدى المشكلات الشائعة لدى الصغار و الكبار و التي تمثل إلى حد ما رفض الإنسان للواقع
وتدل على وجود خلل ما في علاقة الإنسان بالآخرين وعلاقتهم به و هي مشكلة مصيرية يجب
أن تؤخذ على محمل الجد و ألا ينظر إليها على أنها مجرد طبع من طباع الأطفال أو الكبار.
و الإنطوائية يمكن أن تنبع من داخل الطفل دون أن يكون لها أسباب خارجية واضحة و قد
يكون سببها خارجياً أي أن يكون لدى الطفل إستعداد لتقبل الآخرين لكن أولئك الآخرين
يرفضونه و يعرضون عنه و هي الحالة الأكثر شيوعاً و في هذه الحالة نلاحظ أن الصغير
يحاول مرات و مرات أن يتقرب من الآخرين إلا أنه لن يكرر تلك المحولات الفاشلة إلى
ما لا نهاية أي أن الصد الخارجي الذي يواجهه الصغير سيتحول إلى سبب داخلي يدفعه
إلى تحاشي الآخرين و ذلك عندما ترتبط في مخيلته فكرة التقرب من الآخرين بفكرة الألم
و هكذا فإنه سيضطر إلى الإنسحاب من الحياة الإجتماعية و في الوقت الذي سينمو فيه زملاؤه
من الناحية الإجتماعية من خلال اللعب و التفاعل الإجتماعي سيبقى ذلك الطفل بمنئى عن تلك
التفاعلات أي أن نموه الإجتماعي سيتوقف و يتمثل ذلك التوقف لدى الإنسان غالباً بتكون
فجوة زمنية في حياته و بينه و بين الآخرين كنتيجة لعجز ذلك الإنسان عن تجاوز مرحلة معينة
من الحياة على المستويين النفسي و الإجتماعي أما النقطة التي لم يستطع ذلك الإنسان أن
يتجاوزها فقد تشكل محوراً ستدور حوله حياة الإنسان بأكملها في المستقبل و غالباً ما يضطر
ذلك الإنسان لإتخاذ شخصية يرضى عنها المجتمع تمثل عمره الزمني ليغطي بها شخصية
أخرى حقيقية توقف نموها عند مرحلة عمرية معينة.
و غالباً ما تظهر تلك المشكلة بشكل واضح في المدرسة حيث تكون العلاقات الإجتماعية
ضمن المدرسة على درجة عالية من الحدة و التناقض و يزداد هذا التناقض في المدارس
التي تجمع تلاميذ ينتمون بالأساس إلى شرائح إجتماعية متناقضة حيث أن الصغار
يستخدمون تقريباً الآليات و المعايير الإجتماعية ذاتها التي يستخدمها الكبار فيما يتعلق بالقبول
و الرفض الإجتماعيين فعندما يطلب الآباء من أطفالهم ألا يلعبوا مع طفل ما و غالباً ما يتم ذلك
لاعتبارات إجتماعية و يشجعونهم على اللعب مع طفل آخر فإن أولئك الصغار يتعلمون بعد فترة
من الزمن أن يتجاهلوا جميع الأولاد الذين تنطبق عليهم المواصفات التي لا يحبذها الكبار كما أن
الصغار عادة ما يرفضون تقبل الأولاد الذين لديهم مشكلات إجتماعية أو نفسية أو إعاقات
جسدية و قد يتصرفون بشكل عدائي تجاه أولئك الصغار.
و من جهة أخرى فإن كون مجال تركيز الصغار الإنطوائيين مختلف عن مجال تركيز أقرانهم
و ذلك يرجع غالباً إلى إستغراقهم المفرط في ذواتهم الأمر الذي يجعل منهم لاعبين سيئين و
هذا بحد ذاته يشكل سبباً كافياً حتى لا يرغب الصغار بطفل إنطوائي ضمن فريقهم
في الوقت الذي يتهافتون فيه على ضم صغير إجتماعي يملأ الملعب صراخاً و مشاكسةً و
الحقيقة أن وصف الأولاد لصغير ما بأنه ماهر في اللعب هو وصف غالباً ما يكون غير دقيق
إذ أن جرأة الصبي الإجتماعية و صراخه المرتفع هما الذين يجعلا منه لاعباً ماهراً في نظر
أقرانه .
وهكذا فإن وجود ميول إنطوائية لدى الطفل يمكن أن يدفع الآخرين إلى الإعراض عنه مما
قد يسبب تفاقم تلك الميول لدى الصغير و لعل الصد الذي يكون مصدره أحد الوالدين أو كلاهما
هو من أخطر أنواع الصد الذي يمكن أن يتعرض له الطفل و يحدث ذلك في حالات نادرة
يكون فيها أحد الوالدين أو كلاهما فاقداً للعوطف الطبيعية تجاه ذلك الصغير و يحدث ذلك
لأسباب عدة كأن يكون أحد الزوجين قد أرغم على الزواج من شخص يكرهه أو في حالات
الخلل النفسي و العاطفي الشديدة و حالات الإنهيار الخلقي و الإجتماعي وا لإدمان الشديد على
المخدرات و الخمور ووجود خلل في تربية الآباء و الأمهات كأن تربى الفتاة كصبي الأمر
الذي يمكن أن يقتل فيها عاطفة الأمومة في المستقبل بالإضافة إلى أن تعرض الآباء للضرب
المبرح و المتكرر و الإهمال في الطفولةغالباً ما يؤدي إلى نتائج مماثلة.
.

نميز الطفل الإنطوائي دائماً بنظرته الشاردة الحزينة و بصوته الخافت و تصرفاته الحذرة
المترددة إنه الصغير الذي نراه ملتصقاً بجدار الملعب في الوقت الذي يتدافع فيه زملاؤه و
يتراكضون و يملأون الملاعب بهجةً و حياةً .
و الكآبة تترافق غالباً مع الإنطوائية حتى أنه يصعب التمييز بينهما على أرض الواقع و يصعب
تحديد العلاقة بينهما و فيما إن كانت الكآبة إحدى أعراض الإنطوائية أم أن الإنطوائية هي
إحدى أعراض الكآبة أم أن الإنطوائية هي الوجه الإجتماعي و الكآبة هي الوجه النفسي للمشكلة
عينها حيث يصعب تخيل وجود إحداهما دون وجود الأخرى كما أن النجاح في علاج إي منهما
كفيل بالتخفيف من أضرار الأخرى .
و لكي نقترب أكثر من فهم الطفل الإنطوائي علينا أن نلاحظ أن الفاعلية لديه تتجه بشكل شبه
تام نحو ذاته و ذلك لأن ذلك الطفل غالباَ لم يجد من يفهمه و يمنحه القدرة على التعبير الفاعل
عن ذاته فهو ليس بأي حال من الأحوال طفلاً بليداً كما قد يتصور البعض لكنه يخوض صراعات
نفسية شديدة تستنفذ طاقاته و تفوق مقدرته الضئيلة على المقاومة و الإحتمال رغم ما يبدو عليه
من مظاهر الإستكانة و الدعة فإن لم نمكنه من تجاوز قلقه الذاتي و نمنحه السكينة الداخلية
فلن يستطيع أن بتفرغ لمواجهة تحديات العالم الخارجي فالإنسان لا يستطيع أن يترك عدواً
ما في بيته و يخرج لمواجهة عدو في الشارع فكيف يكون الحال لو كان ذاك العدو في داخل
الإنسان .
ولعل تلك الصراعات التي غالباً ما تنشأ في نفوس الإنطوائيين قد ترجع إلى أن الإنسان
عندما ينسحب من الحياة الإجتماعية يجد نفسه مجبراً على الخوض في حوارات صامتة
و مراجعات مع الذات حتى ولو كان طفلاَ صغيراً – و هذه الحوارات غالباً ما تكون حوارات
إنتقائية أي أنها تركز على النقاط السلبية و الذكريات الحزينة و تقوم بإحيائها و تضخيمها
و تكرارها المرة بعد المرة مما يضاعف من آثارها السلبية عشرات بل مئات المرات أما
بالنسبة للأطفال الإجتماعيين فإن إنهماكهم في اللعب يخرج تلك الرسائل السلبية من
دائرة تركيزهم سيما و أن الطفل لا يستطيع إلا أن يركز على موضوع واحد فقط مما يقلل
كثيراً من تأثير الرسائل السلبية التي يتلقاها حيث أن ردة الفعل السلبية لموضوع سلبي ما
تقل كلما احتل ذلك الموضوع حيزاً أقل من تركيز الإنسان فالحياة الإجتماعية الحافلة بالأحداث
و المناسبات الإجتماعية و الزيارات العائلية لها مفعول إيجابي جداً على صحة الطفل
النفسية و في عالم الكبار تلعب مجالس العزاء الدور ذاته تقريباً حيث أن إشغال ذوي المتوفى
بالطقوس و الترتيبات المعتادة إضافة إلى إجتماع عدد كبير من الناس يبعد ذوي الفقيد إلى
حد كبير عن الإستغراق في أفكار مرعبة عن الموت و ما بعد الموت. و خصوصاُ في الأيام
الأولى للصدمة.

وقد يصاب الصغار بحالة من الإنطوائية المفاجئة و هي حالة يمكن أن يصاب بها أي طفل
وغالباً ما تخفي تلك الإنطوائية الطارئة حادثةً غير سارة أو موقفاً يفوق درجة تحمل و إدراك
الصغير و في هذه الحالة يجب أولاً و قبل كل شيء إخراج الصغير من تلك الحالة قبل أن
تتمكن منه و من ثم يتوجب معرفة الحادثة التي تقف وراء تلك الحالة كما يمكن أن تحدث تلك
الحالة كنوع من إحتقار الذات و معاقبتها أو كنوع من رفض الجسد و ذلك عندما يرفض الطفل
أو المراهق مواجهة الأخرين بجسد لا يرغب به حيث يشعر المراهق أن جسده لا يناسبه أو
أنه قد فرض عليه فرضاً و يحدث ذلك غالباً لدى الأطفال المعوقين أو الصغار قصار القامة
أو البدينين و يمكن للأهل إكتشاف تلك الظاهرة من خلال ملاحظة تصرف المراهق حيال
الصور الشخصية و المرايا حيث تشتد هذه الحالة في مرحلة المراهقة و تشمل أولاداً آخرين
حيث ينتج النمو السريع و غير المتوازن في تلك المرحلة الحرجة ملامح غير مقبولة لدى
أولئك الصغار كتحول الأنف الطفولي إلى أنف بحجم و شكل لا يناسبان الوجه أو ظهور
حب الشباب أو عدم التناسب بين أبعاد الجسم و غيرها في مرحلة يكون الجمال الجسدي
فيها موضوعاً على درجة كبيرة من الأهمية و تجب عدم السخرية من الطفل أو المراهق
أو إنتقاد ملامحه و خصوصاً من قبل الأشخاص المقربين و الذين يثق بهم و بحبهم له
رغم أنه قد يبدو على الصغار عدم الإكتراث لهذه السخرية و عدم الإكتراث بحد ذاته
قد يكون مؤشراً على إحتقار الذات و هذا الشعور يمكن أن ينبع من داخل الصغير و يمكن
أن يقوم الآخرون بزراعته فيه و ذلك عندما يتعرض الصغير للسخرية الدائمة من شكله
أو من تصرفاته علماً أن أخطر أنواع الأذية التي يمكن أن يتعرض لها الطفل هي الأذية
التي قد تصدر عن أشخاص مقربين له كما ذكرنا سابقاً و ذلك لأنه سيقنع نفسه بأنه
يستحق ما حدث له و سيقوم دائماً بلوم و احتقار نفسه وهو ما لن يحدث على الأغلب عندما
يتعرض الصغير للإهانة من أشخاص لا يحبهم و يعتقد بأنهم يبادلوه المشاعر ذاتها و على
كل حال يجب أن تؤخذ شكاوى الصغار على محمل الجد و يجب إقناعهم أن الحياة أكبر
من أن توقفها تلك المصاعب الصغيرة وأنه لا يوجد إنسان كامل حتى و لو بدى كذلك
فلكل إنسان نقطة ضعف وعليه أن يتغلب عليها .

بالإضافة إلى ما تقدم فإن عدم التناسب الحاد بين الصغير و بين زملاؤه في المدرسة أو
في الجوار من الناحية الإجتماعية يمكن أن يكون أحد أسباب إبتعاد الصغير عن الآخرين
فالأولاد لا يتقبلون فكرة أن يكونوا مختلفين عن أقرانهم أو أقل منهم و خصوصاً فيما يتعلق
بمظهرهم و بحاجياتهم الشخصية و بالتالي يفضل أن يسجل الصغير في مدرسة تضم تلاميذ
مقاربين له في الوضع الإجتماعي كما يجب الإنتباه إلى مسألة عدم التناسب الإجتماعي بين
عائلتي الزوجين و خصوصاً فيما يتعلق بالطرف الذي سيتولى الإنفاق على الأسرة إذ أن
عدم التناسب بين الصغار و بين أقاربهم قد يكون أحد أسباب تجاهل و نبذ أولئك الصغار
في المستقبل وهكذا يمكن أن تكون الإنطوائية إحدى أشكال رفض الواقع و الإحتجاج عليه
كما يلاحظ أن ما يدفع ببعض الأولاد إلى الإبتعاد عن الآخرين يمكن أن يدفع بالبعض الآخر
إلى القيام بالأفعال العدوانية فالأولاد الذين يشعرون دائماً أنهم أكبر سناً أو حجماً من رفاقهم
في الصف أي أنهم مميزون بصفة سلبية عن رفاقهم يمكن أن يدفعهم ذلك الشعور إلى القيام
بتصرفات عدوانية تجاه الأولاد الأصغر سناً أو حجماً و تجاه المعلم و المدرسة كما أنهم
سيرفضون التعلم لأن المدرسة هي المكان الذي يشعرون فيه بأنهم أكبرمن الآخرين أو
متأخرين عنهم و قد يكون في تجميع أولئك الأولاد العدوانيين الأكبر سناً أو حجماً في غرفة
صف مستقلة أثر إيجابي عليهم حيث تكون تلك العدوانية بمثابة إحتجاج و رفض و هكذا
فإن عدم قدرة الأولاد على التعبير عن مشاكلهم بالكلمة يدفعهم إلى التعبير بالفعل وأفعال
الأولاد العدوانية -إن لم يقم أحد الكبار بتحريضهم- هي أفعال عدوانية بالقدر الذي تهدف فيه
إلى التسبب بالألم للآخرين و هي أفعال تعبيرية بالقدر الذي تهدف فيه إلى التعبير عن مشاكل
أولئك الأولاد فقد يميل بعض المراهقين أو حتى البالغين إلى النيل من القيم الروحية أو
الإجتماعية و بالرغم من أن هذا الهجوم غالباً ما يتم تحت مسميات و ذرائع مختلفة إلا أن
معظم تلك الحالات غالباما تكون وسيلة للإحتجاج أو للتعبير عن الذات و لفت الأنظار و قد
تخفي تلك الحالات جروحاً نفسيةً عميقةَ لا علاقة لها لا بتلك القيم و لا بالذرائع التي باسمها
تهاجم تلك القيم حيث ينسب ذهن المراهق سبب آلامه إلى إحدى تلك القيم و هي منه براء
و بالتالي فإن مشاعر الألم التي سيسببها للآخرين كلما نال من تلك القيم ستعوضه عن الألم
الذي لم يستطع أن يتسبب به لسبب آلامه الحقيقي و المشكلة هنا هي أن توجهات الإنسان
و مواقفه في مرحلتي الطفولة و المراهقة لا تتبدل و لا تتغير عندما يكبر لكنها تتنكر بأسماء
و مسميات تناسب سن وثقافة الإنسان .
إن أفعال الصغار الإنطوائيين العدوانية لا تكون غالباً موجهة نحو الأذية أو التسبب بالألم
إذ أنها غالباً ما تكون ذات طبيعة تعبيرية خصوصاً و أن
الإنطوائيين هم من أكثر الأولاد حاجةً للتعبير عن أنفسهم كما أنهم من أكثر الصغار الذين
يساء فهمهم .
والأولاد الإنطوائيون غالباً ما يمتازون بالحس المرهف و تنشأ صداقات قوية بينهم وبين
الحيوانات الأليفة فهم دائماً بحاجة إلى من يفهمهم و يبادلهم المودة وعلى الأغلب فإنه كلما ازداد استغراق الانسان في ذاته
كلما ازداد تعاطفه مع الآخرين وازداد إحساسه بآلامهم و وكلما انخفض احتمال أن يمارس
ذلك الإنسان العنف تجاههم و العكس صحيح و يذهب البعض إلى القول بأن عتاة المجرمين
لا يتميزون فقط بإنعدام تعاطفهم مع الآخرين بل يتعداه إلى ضعف إن لم نقل إنعدام الإحساس
بالألم النفسي لذلك فإن معظم المجرمين هم شخصيات تتميز بالسعادة المرضية.

أما المستقبل فإنه يحمل للأولاد الإنطوائيين الكثير من المتاعب و المشكلات فالصوت الخافت
و الحرمان من المهارات الإجتماعية وصعوبة التواصل مع الأخرين كل تلك عوامل تحرم
الإنطوائيين من الكثير من فرص الحياة الجيدة كما تحرمهم من الإستفادة من مواهبهم و
إمكانياتهم علماً أن اكتساب الصغير للمهارات الإجتماعية يتطلب من جهة توفير أجواء
إجتماعية و من جهة أخرى يتطلب قيام الأبوين بمراقبة تفاعله مع الأخرين و تفاعل الأخرين
معه غير أن اكتساب تلك المهارات يمكن أن يتاح بشكل تلقائي في بعض الأوساط كما هي
الحال في الأسواق و في بيئة الأرياف و تتمثل تلك المهارات في المقدرة على إقامة العلاقات
الإجتماعية مع الآخرين بشكل سريع وفق ما تقتضيه المصالح و المقدرة على التحكم بنبرة
الصوت طبقاً للمواقف إضافةً إلى المقدرة على القيام بتحليل سريع لشخصية الإنسان الذي
يتم التعامل معه من خلال طريقته في الكلام و الحركة و ذلك لمعرفة نقاط ضعف و نقاط
قوة ذلك الشخص كما يعني اكتساب تلك المهارات المقدرة على القيام بالمناوشات اللفظية
و التي تهدف إلى دراسة إستعدادات الطرف الآخر و درجة تحمله للضغوط النفسية و
مستوى تدريبه بشكل غير مباشر و تقريباً بذات الآلية التي يقوم فيها مهاجموا كرة القدم
باختبار حارس مرمى الفريق الخصم و ذلك بتسديد كرات ضعيفة إلى زوايا المرمى
المختلفة و ذلك لمعرفة إمكانيات و نقاط ضعف حارس المرمى قبل الإقدام على شن
هجمات قوية و منظمة وهذه المهارات يصعب اكتسايها بعد تجاوز مرحلة الصبا كما أنها
على درجات و مستويات طبقاً للبيئة التي نشأ فيها الإنسان رغم أن وسائل الإتصال الحديثة
قد حلت الكثير من مشاكل الإنطوائيين الذين يفتقرون إلى تلك المهارات الإجتماعية و ذلك
فيما يتعلق بأن مكنتهم تلك الوسائل من التواصل مع الآخرين دون أن يتعرضوا لإستغلال
نقاط الضعف في شخصياتهم حيث تنقل تلك الوسائل مضمون الرسائل دون أن تنقل الحالة
النفسية أو مستوى تدريب مرسلها على أن مجتمعاتنا ما زالت لا تأخذ هذه الوسائل على محمل
الجد و ما زالت تعتمد على جلسات (البازار) التقليدية و التي تستعرض فيها المهارات
الإجتماعية في الكر و الفر.

يساعم تشجيع الصغار و مساعدتهم على تكوين صداقات مع الأطفال في الجوار أو مع أبناء
الأقارب في التقليل من أضرار النبذ الذي قد يلاقيه الصغير في المدرسة و خصوصاً أن
العلاقات الإجتماعية ضمن ضمن إطار الجوار أو العائلة غالباَ ما تكون أقل حدةً و تعقيداً
من العلاقات الإجتماعية ضمن المدرسة إذ أنها تشكل إمتداداً لعلاقات الكبار الإجتماعية
المتبادلة و لأن هنالك تمهيد لهذه الصداقات من قبل الكبار و تدخل دائم لتوجيهها إلى المسار
الصحيح كما أنها تمتاز بأنها علاقات دائمة و استراتيجية و تبنى دائماً إنطلاقاً من تلك النظرة
بينما غالباً ما تكون الصداقات ضمن المدرسة عابرة و قصيرة الأمد نسبياً.
كما تلعب مرحلة رياض الأطفال دوراً هاماً في دمج الصغير مع الأولاد الآخرين في سن مبكرة
جداً و ذلك لأن بيئة رياض الأطفال هي بيئة ملطفة و مخففة عن بيئة المدرسة و لذلك تشكل
تلك المرحلة حلقة وصل هامة بين بيئة البيت و بيئة المدرسة و التي غالباً ما تكون بيئة
متوترة و غير أليفة .
كما أن إشراك الصغار في القيام ببعض الأعمال التي تناسب أعمارهم بالإضافة إلى القيام
بتنمية مواهبهم و تشجيعهم على اكتساب و ممارسة المهارات المتنوعة كالعزف على الآلات
الموسيقية أو الغناء ورعاية الحدائق وغيرها من المهارات التي يمكن أن تزيد من جرأتهم
الإجتماعية و تزيد من تقديرهم لذواتهم و تمنحهم طرائق صحية للتعبير عن أنفسهم كما أن
ازدياد مهارات الإنسان و إهتماماته يؤديان إلى ازدياد فرص التقائه السليم مع الآخرين
الذين تجمعهم معه الإهتمامات ذاتها عبر تبادل المعلومات التي تخص تلك الهوايات إضافة
إلى أن التركيز على تعلم و ممارسة هذه المهارات يبعد تركيز الصغير عن الرسائل
السلبية و الذكريات الحزينة كما تلعب دوراً في تنمية ذكاء الطفل في كافة الميادين وليس
المهم أن يكون الصغير موهوباً حتى نشجعه على ممارسة هواية أو مهارة ما لكن المهم
أن يحب تلك المهارة حتى يتمكن من الإستمرار في ممارستها علماً أن قليل جداً من اللاعبين
الصغار يمكن أن يحترفوا الرياضة في المستقبل و قلة قليلة من العازفين الصغار يمكن
أن يصبحوا موسيقيين في المستقبل إذغالباً ما تتلاشى تلك الهوايات مع إنقضاء الطفولة و
تصبح من ذكريات الصبا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق