الأربعاء، 18 يوليو 2012

تربية الطفل في الإسلام

حقوق الطفل قبل مولده

الطفولة عند الإنسـان هي المرحـلة الأولى من مراحـل عمره ... حيث تبدأ منذ ميلاده وتنتهي ببلوغه سن الرشد حيث يكتمل نمو عقل الإنسان ويقوى جسمه ويكتمل تميزه ويصبح مخاطباً بالتكاليف الشرعية .
فواجب الوالدين ولا سيما الأم في هذه المرحلة من أكبر الواجبات الملقاة على عاتقهما إذ لا بد وأن يهتما بطفلهما من جميع جوانبه ، حيث أن توجيه الوالدين في هذه المرحلة له أثره العظيم في حُسن تقويم الطفل وصقل مواهبه واستعداده، ولن يتأتّى ذلك إلا من خلال وعي الأب والأم في اختيار كل منهما الآخر، إذ في مقدمة الحقوق التي شرّعها المولى للطفل مايلي:

الحق الأول : حقّ اختيار الزوجة والزوج

حُسنُ اختيار كلّ من الزوجين لصاحبه يُعتبر حقاً من حقوق الطفل التي أمر بها الإسلام ، ونُجمل في هذا المقام أهمّ الأسس للاختيار فنقول :
1)            أن تختار المرأة الرجل ذا الخُلق والدّين .
2)            هناك صفات في المرأة مرغوب فيها شرعاً وقد حضّ الإسلام عليها لما فيها من بقاء الألفة ودوام العلاقة الزوجية منها الزواج بالمرأة الولود. 
3)            ومنها أن تكون المرأة صالحة .
لو تأملنا هذه التوجيهات الإسلامية لأدركنا كيف أن الإسلام اهتمّ بتربية النشء من قبل ميلاده لما له من أثرٍ في تكوين البيت الذي يكتنفه الحب والوفاء لإنجاب الذريّة القويّة ذات العقل والذكاء والصلاح ، ولأدركنا أن الإسلام سبق النظريات التربويّة في عصرنا الحاضر والتي تنادي بضرورة البدء بتربية الطفل منذ ولادته .



الحق الثاني : واجب رعاية الأم للجنين

أرشدتنا الشريعة إلى أهمّ الأسس التي يجب أن يرعاها كل من الزوجين عند اختيار الآخر بهدف إيجاد النسل والذريّة السلمية لحفظ النوع الإنساني لعمارة الكون ، ووضعت الشريعة الإسلامية القواعد والأسس التي تحمى هذه الذرية منذ تكوينها في بطن الأم حتى تخرج لنا إلى الحياة قوية مكتملة البُنية . ويتّضح لنا هدفَ الشارع في المحافظة على الجنين من جهة :

1)            توجيه الآباء لاتخاذ كافة الوسائل والتدابير التي تكون بها حماية الطفل وصيانته من نزعات الشيطان وذلك عند وضعه في الرحم .

2)            نلاحظ من شدّة حرص الشارع على الجنين والعناية به قبل أن يكتمل نموه أنه أباح للمرأة الحامل الفطر في شهر رمضان. وكذلك على الأم أن تتناول الأطعمة الغنية بالفيتامينات والعناصر الغذائية اللازمة لتكوين الجنين وحمايته ، واكتمال نموه .

3)            نلاحظ أيضاً من شدة حرص الشارع على تعهد الجنين أنه قرّر تأجيل إقامة الحد على المرأة الحامل حتى تضع حملها وذلك حماية له ، وقد أجمع فقهاء المسلمين على عدم جواز القصاص من الحامل قبل وضعها سواء كانت حاملاً وقت وقوع الجناية أو حملت بعدها وسواء كان القصاص في النفس أو في طرف من أطرافها كل ذلك صيانةً ووقايةً لهذا المخلوق الضعيف الذي يقطن أحشاءَها .

4)            ولقد أثبتَ الشرعُ أهليّة الجنين غير أنها أهليّة ناقصةً فأثبت حقه في الإرث إن خرج إلى الدنيا حيّاً وقد اتفق الفقهاء على ذلك ، وعلى أن يوقف توزيع التركة قبل الولادة لحين ولادته حتى يتّضح أهو ذكر أم أنثى ، وهل هو مفرد أم متعدد وذلك فيما إذا لم يكن معه ورّاث أصلاً أو كان معه وراث محجوب بهم .
حقوق الطفل بعد الميلاد  
حقّ الطفل في الغذاء ( الرضاعة)

عملية الرضاعة عملية جسميّة ونفسيّة لها أثرها البعيد في التكوين الجسدي والانفعالي والاجتماعي في حياة الإنسان وليداً ثم طفلاً . ولقد أدركت الشريعة الإسلاميّة ما لعملية الرضاعة من أهميّة للطفل حيث يكون بمأمن من الأمراض الجسميّة والجدب النفسي التي يتعرّض لها الطفل الذي يتغذّى بجرعاتٍ من الحليب الصناعي . فقد فرض المولى سبحانه على الأم أن تُرضع طفلها حَوْليْن كاملين ، وجعله حقاً من حقوق الطفل . فالطفل في أيامه الأولى، وبعد خروجه من مِحضنه الدافئ الذي اعتاد عليه فترةً طويلةً يحتاج إلى التغذية الجسميّة والنفسيّة ليُعَوِّضَ ما اعتاده وألِفَه وهو في رحم أمه .

لذلك نجد أن أول ما تبدأ به الأم بعد الوضع هو ممارسة عمليّة التغذية عن طريق الرضاعة ، أي إرضاع الطفل من ثديها ، تُهديها فِطرتُها التي فَطرها الباري عليها لما يتميّز به لبنها من تَكاملِ عناصره وخُلوِّه من الميكروبات ، ومناعة ضد الأمراض، ولما يحتويه على نسبةٍ من البروتينات المساعدة لعملية الهضم السريع وكمية المعادن والأملاح كالبوتاسيوم والصوديوم ونسبتها بعضها لبعض المساعدة على إراحة الكليتين ، بالإضافة إلى تواجد فيتامين (ث) وفيتامين (أ).

أما الفوائد النفسيّة والاجتماعيّة من هذه العملية فتنعكس على الوليد في شعوره بالدفء والحنان والأمان وهو ملتصق بوالدته يحسّ نبضات قلبها . ولقد أكدّ علماء النفس أن الرضاعة ليست مجرد إشباع حاجة عضويّة إنّما هي موقف نفسي اجتماعي شامل ، تشمل الرضيع والأم وهي أول فرصة للتفاعل الاجتماعي.

ثم تنتهي مرحلة الرضاعة بالفطام الذي يتطلب من الأم التدرّج والصبر والحِلم وعدم القيام بهذه العملية فجأة ، إذ أن ذلك يسبّب للطفل صدمة نفسيّة قاسية لاسيّما إذا لجأت الأم إلى استخدام الوسائل البدائية في عملية الفطام.
    
تسمية المولود باسم حَسَن

قرَرت الشريعة الإسلامية أن من ضِمْنِ حقوق الطفل على والديه أن يُحْسِنَا اختيار اسمه الذي سَـيُدْعَى به بين الناس مسـتقبلاً  فهذا دليل واضح على ضرورة أن يُحْسِـن الوالدان اختيار اسـم طفلهما، ولعلّ الحكمة من ذلك حتى يكون إيحاءً للمعاني الخَيِّرة التي يحملها هذا الاسم، كما أن للفرد الحق في تغيير اسمه إن كان الاسم يحمل معنى سيئاً.

استحباب حلق شعر الرأس والتصدّق بوزنه فضّة على الفقراء والمستحقّين

نستطيع أن نستخلص حكمتين من ذلك :
حكمة صحيّة: لأن في إزالة شعر الرأس تقويةً له وفتحاً لمسام الرأس بالإضافة إلى تقوية حاسة السمع والبصر والشم .
حكمة اجتماعيّة: لأن التصدّق بوزن شعره فضّةً معناه فَتْحُ ينبوعٍ من ينابيع التكافل الاجتماعي، وفي ذلك تحقيق لظاهرة التعاون والتراحم والتكامل في ربوع المجتمع.

ختان المولود

هو من أبرز الشعائر التي يتميّز بها المسلم عن غيره ، فهو واجبٌ العمل به ومُقَدَّمٌ على غيره من الواجبات وهو واجبٌ  للرجال ، مكرمةٌ للنساء.

حق الطفل في الحضانة والنفقة

أوجبت الشريعة على الابوين رعاية الطفل والمحافظة على حياته وصحّته وتربيته وتثقيفه، وهذا ما يُعْرَفُ بمرحلة الحضانة، ولكي يَكتمل نموّ هذه النبتة الغضّة فقد جعل للأم الحقّ في حضانة طفلها في حالة وقوع الخلافات الزوجية حتى سن السابعة من العمر، التي يكون الطفل قد اجتاز فيها المرحلتين، مرحلة المهد، ومرحلة الطفولة المبكّرة إذْ تُعتبر هاتان المرحلتان من أهمّ المراحل في حياة الطفل حيث يقرّر بعدها بقاءَه مع أمّه  أو أبيه ويُترك له حريّة الاختيار بينهما ، فهذا منتهى العدل والرحمة الإلهية التي تضع الأمور في نِصابها. وبالإضافة إلى حقّ الطفل في الحضانة أيضاً له الحق في النفقة، والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسكن.
حقّ الطفل في تربيته من خلال طاقاته المختلفة

اهتمّ الإسلام بالقواعد الأساسيّة في تكوين الأسرة ، ورسم المنهج الذي ينبغي أن يَحتذي به كلّ من الزوج والزوجة عند تكوين الأسرة ، ثم بَيَّن الحقوق التي يجب أن يؤدّيها كلٌّ منهما للطفل حتى يتمكنا من تنشِئتِهِ التنشئة الصالحة . والإسلام عندما يُوَضِّحُ ذلك كلّه لا يقف عند هذا الحدّ إذ أنه يَعتبر مرحلة الطفولة من المراحل المهمّة والأساسيّة التي فيها تُبني شخصية الطفل . وتظهر العلاقات الدالة على مدى نجاحه مستقبلاً في تحقيق الرسالة التي خُلق من أجلها ، وذلك عن طريق استغلال جميع الطاقات الكامنة لديه ـ الجسمية والعقلية والروحية ـ والتي من خلالها يكتسب الطفل العلوم والمعارف ليتحققّ الهدف الأسمى الذي وجد من أجله.

التربية الجسميّة :

المقصود بالتربية الجسميّة إعداد الجسم كله إعداداً سليماً ، حيث أننا بالإضافة إلى الاهتمام بالعضلات وحواس الطفل يجب الاهتمام بالطاقة الحيويّة المنبثقة من الجسم والمتمثلة في مشاعر النفس، وطاقة الدوافع الفطريّة والنزعات والانفعالات ، حيث يراعي الإسلام أمرين هامين :

1)            يراعي الجسم من حيث هو جسم يحتاج إلى الغذاء الجيد والمسكن الصحي ، والراحة والنوم الجيد والحصانة من الأمراض .

2)            يوفر الطاقة الحيويّة اللازمة لتحقيق أهداف الحياة ، وهي أهداف تشمل كيان الإنسان كله .

فالغذاء يلعب دوراً هامّاً في نموّ الطفل ، فهو يزوّد الجسم بالطاقة التي يحتاج إليها للقيام بنشاطه، وتكوين الخلايا وزيادة مناعة الجسم ضد الأمراض ووقايته منها .

أيضا من الأمور التي يجب أن تهتمّ بها الأم حاجة الطفل إلى النوم إذ أن عملية النوم تعتبر من الحاجات العضويّة الجوهريّة اللازمة لنموه .

كما وأن حاجة الطفل إلى الملبس يجب أن تحظى بنفس القدر من الاهتمام بالحاجات السابقة ، إذ أن على الأم الواعية أن تدرك احتياجات طفلها للملابس الصيفيّة أو الشتويّة .

ويُحَبَّبُ إليه ممارسة الألعاب الرياضة مثل العدو والسباحة وركوب الخيل والسباق ... إلخ

وعلى الوالدين أثناء الاهتمام بتربية الطاقة الجسميّة للطفل أن يعوّداه على حياة الجدّ ويبعداه عن التراخي والميوعة والانحلال وكلّ ما يرهق العقل والجسم.

التربية العقلية

أعتنى الإسلام بالتربية العقلية باعتباره دين الفطرة فهو يَحترم الطاقات البشريّة كلها ، إذ لا يُهْمِل جانباً منها أو يُطغي جانباً على آخر شأن بعض الفلسفات .فالإسلام يحترم الطاقة العقليّة

ويشجعها ويضع للأم الوسائل المُعِينة لها في إعداد طفلها .. إن من مسؤولياتها الكبرى توعيته فكريّاً منذ نعومة أظافره إلى أن يصل إلى سن الرُشد والنُضج . ومن هذه المسؤوليات مسؤولية تعليمه وتعويده على الاغتراف من معين الثقافة والعلم والتركيز على حفظ القرآن الكريم ، ومعرفة السيرة النبوية، وكرامات أهل البيت.

وهناك عدة طرق للتربية العقلية نذكر منها

1)            التلقين الواعي من قبل الوالدين حيث يجب أن يلقن الطفل حقيقة الإسلام و تعاليمه .

2)            المطالعة الواعية.

3)            كما أن على الوالدين اختيار الرفقاء الصالحين المتميزين عن غيرهم بثقافتهم الإسلامية .
التربية الروحية

   إن الإنسان لا يبلغ رُقِيّه وحقيقة إنسانيّته إلا بصحوة روحه وتَزْكِيَة طاقاتها وعَقْد الصلة الدائمة بينها وبين الملأ الأعلى. هذا ومنهج القرآن الكريم في تزكية الروح وتربيتها يقوم على :

1)            البدء بتأصيل الإيمان بالله الواحد تأصيل معرفةٍ وحبٍ وتقوى وطمأنينةٍ لذلك فواجب الأم يتضّح في قدرتها على تحيّن الفرص لتفتح ذهن طفلها للتدّبر والتفكّر في عظمة الله .

2)            وتقتضي هذه العقلية السليمة من صاحبها أن يحقّق في ذاته معاني العبودية الحقّة لله ، حيث أن العبادة هي الصلة المباشرة بين العبد وربّه فالصلاة التي يعتاد عليها الطفل وتعرّفه بها أمّه يعتبرها الطفل لقاءً ودعاءً . وكذلك الصوم يعتبر في نظر الطفل هجراً لما تحبه النفس وإيثاراً لما يحبّه الله والحجّ زيارة لبلد الله .. وممارسة للأركان الخمسة. والزكاة تطهير للنفس وإحساس بالفضل.

إنّ هذه الحياة الروحيّة التي يحياها الطفل، وذلك بعد ترويضه وتشجيعه على المداومة عليها وأدائها بإخلاص في كل الأقوال والأفعال والحركات قاصداً بذلك وجه المولى منطلقا من الآية القرآنية الكريمة : " لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً"هي التي ستجعل منه عنصراً فعالاً في هذا المجتمع.

                                                          إعداد : علي رمضان












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق