السبت، 14 يوليو 2012

من الحضانة حتى الجامعة!....... ضغوط عصبية


من الحضانة حتى الجامعة!....... ضغوط عصبية

          تواكبنا الضغوط العصبية في كل حين، وهي ليست بالضرورة مرادفة للخطر، ولكنها تعني في أحيان كثيرة تفاعلنا واحتكاكنا بالحياة مما يدفعنا لتطوير مهاراتنا ولاكتساب خبرات أكثر. والضغوط في هذه الحالة لا ضرر منها، ولكن أحيانًا تكون هذه الضغوط أكثر مما تحتمل، حينها تنقلب إلى عبء ثقيل يترك بصمته على أفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا ووحش يفترس الصحة والوقت.
          والصغار ليسوا بمنأى عن هذه الضغوط، سواء كانت هذه الضغوط مفيدة أو ضارة. فالامتحانات - على سبيل المثال - قد تتسبب في بعض الضغط الذي يدفع الصغير للجد وعدم الإهمال. ولكنها أيضًا قد تسبب خوفًا شديدًا من الرسوب والفشل مما يشكل ضغطًا عصبيًا ضارًا على الطفل يجعله يتوقف عن المذاكرة والإنجاز مما يستوجب المساعدة. ولكن في أي مرحلة عمرية يبدأ الصغار التفاعل مع الضغوط والتأثر بها؟
          في الحقيقة نحن نتعرض للضغوط قبل أن نولد، فتعرّض الأم للانفعال أثناء الحمل يؤدي إلى إفراز هرمونات الانفعال مثل الإبنفرين والنورابنفرين والكورتزول، التي تمر عبر المشيمة للجنين فيصاب بالتوتر.
          وفي مرحلة الطفولة المبكرة يكون نمو المخ مطردًا، كما أنه يعمل سبعة أضعاف عمل المخ في السنوات اللاحقة كلما تعلم شيئًا جديدًا، وتعد طمأنة الطفل في هذه المرحلة ضرورية، كما أنها تقلل من إفراز الكورتيزول الذي يؤثر إذا ارتفع لمدة طويلة في المناطق الخاصة بالذاكرة والتركيز والتعلم. ويُعدّ انفصال الطفل في هذه المرحلة عن الأشخاص الذين يشعرونه بالراحة ضغطًا عصبيًا، وكذلك إهمال احتياجاته البيولوجية والسيكولوجية.
          ومن هنا، فالحضانة في مرحلة الطفولة المبكرة والمدرسة بعد ذلك هما مكانان حيويان في حياة الطفل، فإلى أي مدى يسهم كل منهما في زيادة الضغوط العصبية على الصغير، وكيف نتفادى هذه الضغوط؟
دوائر عصبية
          إن ذهاب الطفل إلى الحضانة في سنواته الأولى من الممكن أن يكون سلبيًا، وذلك في مرحلة تعرض الطفل للإهمال وسوء المعاملة، فمثل هذه التجارب تسبب ضغطًا عصبيًا على الصغير يترك بصمته على الدوائر العصبية، التي تتكون في مرحلة الطفولة المبكرة مما قد يصيبه لاحقًا بالعديد من الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب وسرعة الاستثارة، والإهمال هنا لا يعني إهمال الاحتياجات البيولوجية للطفل فحسب، ولكنه يشمل أيضًا الإهمال المعرفي والعاطفي لأن الصغار في هذه المرحلة المبكرة يحتاجون إلى التشجيع والحب وإتاحة الفرصة لهم لتنمية مهاراتهم.
          ولذلك على الأم والأب أثناء اختيار حضانة مناسبة لصغيرهما التأكد من توافر الشروط المناسبة لحماية الصغير، وأهم هذه الشروط:  تناسب عدد المشرفات المدرّبات المؤهلات نفسيًا بالنسبة لعدد الأطفال، فوجود عدد كافٍ من المشرفات يمكّن الطفل من الإفادة من ذهابه للحضانة، بل واكتشافه مِتعًا هناك، حيث تعطيه الحضانة فرصة الاندماج في كيان اجتماعي أكبر، وإقامة العديد من العلاقات خارج نطاق أسرته مما يحفّز نموه العقلي والاجتماعي واللغوي.
          كذلك فإن توافر الحضانة المناسبة يعطي فرصة للأم العاملة كي تستمر في عملها، حيث أثبتت دراسات عدة أن نمو الرباط بين الطفل والأم لا يعتمد على عدد الساعات، التي تقضيها الأم مع الطفل بقدر اعتمادها على حساسيتها للإشارات المختلفة، التي يصدرها الصغير والقدرة على ترجمتها والاستجابة إليها بسرعة.
          ومن هنا يمكننا القول إن الحضانة موضوع حيوي وحسّاس في الوقت الراهن، وهي عامل حضاري مساعد للطفل والأم، إذا استطاعت تجنب السلبيات الناجمة عن وجود حضانات غير مؤهلة تعاني نقصًا في المشرفات المدربات.
مكان حيوي آخر
          المدرسة مكان حيوي آخر في حياة الطفل، فمن خلالها يمكنه تطوير مهاراته وبلورة مستقبله، فكيف تتسبب المدرسة في الضغوط العصبية للصغير؟
          هناك العديد من مسببات الضغوط في المدرسة وخاصة في المرحلة الابتدائية منها:
  • ركوب أتوبيس المدرسة لأول مرة.
  • تدهور المستوى الدراسي.
  • التعرض للسخرية من قبل المدرسة أو الأقران.
  • الرغبة في قضاء الحاجة أثناء شرح المدرس.
  • عدم القدرة على تكوين صداقات.
  • العقاب.
  • الامتحانات.
          وبشكل عام تُعدّ البيئة المدرسية ضغطًا عصبيًا إذا لم تكن بيئة آمنة خالية من العنف، وإذا كانت الفصول مكدّسة بأعداد كبيرة من التلاميذ، وكذلك فإن العملية التعليمية نفسها من الممكن أن تشكّل ضغطًا عصبيًا على الصغار لأن الأطفال يتعلمون بطرق مختلفة، ويجب أن يكون المدرسون على دراية بذلك، ويرسّخون داخلهم الثقة بالنفس، والقدرة على التطور وإدراك أن عدم الفهم ليس مرادفًا للغباء، ولتقليل الضغط العصبي أثناء العملية التعليمية يجب غرس قيمة العمل الجماعي والتنافس الشريف، واحترام الآخر لقيمته الذاتية وليس لتفوقه الدراسي، ولتقليل الضغوط أثناء الامتحانات يجب تدريب الصغار على نماذج للامتحانات وإعلاء قيمة التعلم بصرف النظر عن الامتحان.

أعراض وتدابير
          من المهم أن يلمّ المتعاملون مع الطفل بأعراض الضغوط العصبية، التي من الممكن أن تصيبه، وذلك للتدخل وتقديم المساعدة له في الوقت المناسب، وهي كما يلي:
  • تذبذب في الحال المزاجية.
  • صعوبة التركيز.
  • التقوقع.
  • أعراض جسمانية مثل الصداع وآلام البطن في غياب أي مرض عضوي.
  • التغير في عادات النوم.
  • التغير في العادات الغذائية.
  • التبول اللاإرادي.
  • ظهور عادات عصبية مثل مص الأصابع، قرض الأظفار، نتف الشعر.
  • الكذب.
  • الشغب.
          ومع تقدم الصغير في العمر يتمكن من التغلب على العديد من الضغوط لتحل محلها ضغوط أخرى، ففي فترة المراهقة تزيد رغبته في  إثبات الذات، ويتصدّر مظهره ونجاحه اجتماعيًا ودراسيًا أولوياته، وكذلك يزداد قلقه بشأن مستقبله وتحديد ميوله واتجاهاته.
          والضغوط العصبية لا تنتهي كلما تقدمنا في العمر، وإنما تتغير، فتحل الجامعة والعمل في سنوات النضج محل الحضانة والمدرسة عند الصغار، ولذا يجب علينا أن نغرس في الصغار استراتيجية عامة تمكّنهم من مواجهة الضغوط، وذلك باكتساب أسلوب حياة جيد تتوازن فيه السلامة النفسية والجسدية والاجتماعية كما يلي:
  • تناول الغذاء الصحي المتوازن.
  • تجنب بقدر الامكان الأطعمة التي تحتوي على مواد حافظة وشراب الكولا والشوكولاته والسكر والقهوة، وكذلك علينا تعليم الصغير الأكل على مهل.
  • ممارسة الرياضة المنتظمة والبداية عشر دقائق يوميًا.
  • الراحة: النوم واحترام الإجازات.
  • الترفيه وممارسة الهوايات.
  • التنفس بعمق فهو يساعد الصغير على التحكم في الانفعال.
  • تعلم أساليب الاسترخاء المختلفة، فهي تحسن المزاج وتقلل الضغوط.
  • سماع الموسيقى التي تقلل التوتر، وتساعد على إفراز الإندورفينا الجالبة للسلام النفسي وهي من مسكنات الألم الذاتية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق