الأحد، 15 يوليو 2012

هل يجعل التلفزيون أطفالنا بلهاء؟


          لم ينل اختراع من النقد والتقريع، مثلما ناله التلفزيون، بسبب آثاره السلبية على حياة الأسرة، فقد غير من عاداتنا الاجتماعية، وقلل من التواصل الحميمي بين أفراد الأسرة، واختطف الأولاد من طفولتهم وتواصلهم مع أترابهم من خلال اللعب.
          لا تقف آثار التلفزيون عند حدود الحياة الاجتماعية - بالرغم من خطورتها - ولكنها تجاوزتها إلى آثار نفسية وعضوية، مثل حالات الصرع الحساس للضوء (Epiloscir Photo Sensitive) التي أحدثها التلفزيون وأكدتها المشاهدات السريرية في كل من اليابان والولايات المتحدة وفرنسا، وهي ناجمة عن التعرض المباشر للأضواء الوامضة من نوع الأضواء (الستربوسكوبية Stroposcopi ) في الموجة الترددية التي بين 10 - 30 هرتز (Hertz)، وذروتها تعادل 15 هرتز (Hertz)، حيث تستمر ما بين ثوان قليلة إلى دقيقة دون أن تترك آثارا لاحقة، حسبما أكدته الاختبارات التي أجريت لاحقاً عقب وقوعها.
هل يجعلنا التلفزيون أقل إحساساً؟
          تنطلق هذه الدراسة من فرضيتين تستندان إلى مشاهدة حية للطفلة (ف) في عمر سبع سنوات، تم وخزها بدبوس على سبيل الدعابة، بعد مناداتها أكثر من مرة دون أن تستجيب للنداء، في ظل ظرف غير معد مسبقاً، أثناء مشاهدتها لبرامج الصور المتحركة. وكانت المفاجأة: إن الطفلة (ف) لم تستجب للألم؟ وتم إعادة التجربة مرة ثانية فلم تحدث لها استجابة للألم؟!
          والفرضية الأولى التي تحاول هذه الدراسة التجريبية التحقق من صحتها، هي: هل مشاهدة التلفزيون (وبالأخص برامج الصور المتحركة)، تخفض من عتبة الإحساس عند الأطفال؟
          للتحقق من صحة هذه الفرضية، تم إجراء اختبار تجريبي (عام 2004)، على مجموعة من الأطفال بلغت ستة أطفال، تراوحت أعمارهم ما بين (6 - 8) سنوات، حيث بلغ متوسط أعمارهم من (2 إلى 7) سنوات، ومن كلا الجنسين.
          وبلغ معدل المشاهدة للتلفزيون يوميا (حسب مقياس سبر الماضي) حوالي) 3.4 / ساعة(.
          تم عرض فيلم للرسوم المتحركة مدته ساعتان عبر (C.D)، وأثناء العرض، جرى وخز الأطفال كل على حدة، بدبوس. وكانت النتيجة أن الأطفال لم يشعروا بوخزة الدبوس؟! ثم أعيدت التجربة في ظل ظرف ضابط، أثناء محادثة، فشعر كل الأطفال بوخزة الدبوس.
          وبالتزامن مع هذه التجربة، جرى تقديم أكواب من الزهورات (خلطة من الأعشاب الطبية) الحارة (بعد غليانه مباشرة)، إلى الأطفال أثناء مشاهدتهم للرسوم المتحركة. فأخذ جميع الأطفال يرشفون الزهورات بالرغم من سخونتها برشفات متقطعة وهم يحملون الأكواب ويتابعون الرسوم المتحركة (علماً بأن الأكواب من الزجاج الناقل للحرارة). وعندما أعيدت التجربة في ظل ظرف ضابط، أثناء المحادثة، أخذ كل طفل كوبه ووضعه أمامه ريثما يبرد!
          هاتان التجربتان تؤكدان أن عتبة الإحساس بالألم لدى الأطفال انخفضت أثناء مشاهدتهم للتلفزيون. فما تفسير ذلك؟
          لقد بين الرسم الدماغي للأطفال أثناء مشاهدتهم التلفزيون، بأنه في حالة قريبة جداً من نظم ألفا تواتر نظم ألفا (Alfa Rhythem) وقوته (10 - 13) هرتز Hertz، ويكون هذا التواتر في الدماغ الساكن، حيث الانتباه في حدوده الدنيا، والعملية الإدراكية في حالة سبات، وينقطع الإحساس بالعالم الخارجي. وهذه الحالة تشبه إلى حد بعيد حالة التشبع المغناطيسي، حيث تبدأ بتثبيت الانتباه نحو بؤرة الإثارة (التلفزيون)، ومرور الإلكترونات والأضواء الساقطة (غير المعكوسة)، مع لمعان الشاشة، وفي ظل جو من السمع والهدوء، تؤدي إلى التشبع المغناطيسي. وتتوقف هذه الحالة مع بداية الانتباه الواعي والنشاط الإدراكي تواتر نظم بيتا (Beta Rhythem).
          فهل الأضواء الباهرة والإشعاعات المنبعثة من التلفزيون، وفي ظل سكون الطفل وارتخائه، تدفعان الدماغ - بعد تشويشه وخداعه - إلى اتخاذ وضعية النوم، وما يتبعها من إفرازات هرمونية تنشط أثناء النوم؟
          إن هذا الاستنتاج - بالرغم من عدم إثباته تجريبياً - يظل أكثر منطقية، خصوصاً وأن الباحثين اكتشفوا - مثلا - أن هرمون النمو الذي ينشط بفعالية أثناء النوم، يزداد إفرازه لدى الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون بشكل مكثف، وبالتالي، يصلون مرحلة البلوغ المبكر أكثر من الأطفال الأقل مشاهدة للتلفزيون. وعندما حُرِم هؤلاء الأطفال من مشاهدة التلفزيون لمدة أسبوع واحد فقط، شهدوا زيادة في مستويات هرمون الميلاتونين الذي يمنع البلوغ المبكر بحوالي 30 %. وهذا ما يجعلنا نزعم أن عملية تشويش الدماغ وخداعه أثناء مشاهدة التلفزيون، تدفعه لاتخاذ وضعية قريبة جدا من النوم وما يتبعها من إفراز هرمونات تنشط أثناء النوم، منها على سبيل المثال هرمون الأندروفين المسئول عن إضعاف الإحساس بالألم وتثبيطه. ومما يدعم هذا الاستنتاج، ما لاحظه الباحثون من أن تعرض الطفل للأضواء بما فيها ضوء الشمس، يساعده على النوم، إذ لوحظ إفراز هرمون السيروتونين، وهو هرمون مسئول عن تنظيم عمليات النوم، وفي الوقت نفسه يعمل كمهدئ.
هل يجعلنا التلفزيون بلهاء؟
          الفرضية الثانية التي استندت إلى مشاهدتنا للطفلة (ف)، تتمثل في انخفاض مستوى أدائها التحصيلي عقب المشاهدة للتلفزيون (خصوصا برامج الصور المتحركة)، بشكل ملموس أكثر مقارنة بمستوى تحصيلها الدراسي قبل المشاهدة؟
          فهل هناك ارتباط بين المشاهدة التلفزيونية ومستوى التحصيل الدراسي؟
          للتحقق من صحة هذه الفرضية، أجرينا اختباراً ذا شقين (عام 2006) على مجموعة من الأطفال بلغت ثمانية عشر طفلا، تراوحت أعمارهم ما بين (6 - 7) سنوات، ومن كلا الجنسين.
          الشق الأول اختبار الأشكال الهندسية، حيث بلغ صدق الثبات (75 (%، والشق الثاني اختبار العمليات الحسابية، حيث بلغ صدق الثبات (90 %). وكانت نتيجة الاختبار بشقيه في ظل ظروف ضابطة (اللامشاهدة) كما يلي: اختبار الأشكال الهندسية، وصلت نسبة الإنجاز والتحقق إلى 89 % لدى (16) ستة عشر طفلا. اختبار العمليات الهندسية، وصلت نسبة الإنجاز والتحقق إلى 83 % لدى (15) خمسة عشر طفلا.
          ثم أجرى الاختبار بشقيه،في ظل ظروف المشاهدة، حيث تم توزيع الاختبار بشقيه بعد بداية عرض فيلم للرسوم المتحركة بنصف ساعة، وطلب من الأطفال إنجازهما. فاتضح أن نسبة الإنجاز والتحقق في اختبار الأشكال الهندسية بلغت صفراً في المائة حيث لم يتمكن أحد من الأطفال من إنجازه كاملاً، في حين أن نسبة الإنجاز والتحقق في اختبار العمليات الحسابية وصلت إلى 11 % تقريبا لدى اثنين فقط!
          ثم أعيد الاختبار بشقيه، ولكن بعد نهاية العرض بنصف ساعة، وكانت النتيجة أن نسبة الإنجاز والتحقق في اختيار الأشكال الهندسية ارتفعت إلى 30 % لدى ستة أطفال، بينما اختبار العمليات الحسابية، فقد وصلت نسبة الإنجاز والتحقق إلى 44 % تقريبا لدى اثنين فقط!
          وقد يتساءل المرء: ما الذي حصل لأدمغة الأطفال أثناء مشاهدتهم للتلفزيون؟
          إن ما أصاب الأطفال هو ما أسميه بـ (بله التلفزيون...)
          ومما يدعم هذا الرأي، نتائج الدراسات التي جرت حول ارتباط التلفزيون بتدني التحصيل المدرسي. ولعل أبلغها الدراسة الكندية التي تمت من خلالها مقارنة التطور في القدرة على تعلم القراءة عند الأطفال شملت الدراسة ثلاث مدن على مدى أربع سنوات، في المدينة الأولى لم يكن ثمة تلفزيون، وفي الثانية كان هناك تلفزيون بمحطة واحدة، وفي الثالثة تلفزيون بعدة محطات. في البداية كانت نتائج أطفال المدينة التي من دون تلفزيون هي الأحسن، ثم شرعت هذه النتائج في النقصان بعد وصول التلفزيون إليها وذلك بشكل واضح جعل نتائج أطفال هذه المدينة تتقارب مع نتائج المدينتين الأخريين. وهناك دراسة فرنسية تظهر أن 40 % من عائلات طلبة المدارس العليا مثل مدرسة البوليتكتيك (وهي مدرسة بعد الثانوية يتخرج فيها أكبر العلماء والسياسيين(، لا يملكون التلفزيون لأن هذه العائلات تعيش في منطق ثقافي ينبذ التلفزيون!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق