الأحد، 14 أكتوبر 2012

• مقارنة بين تويتر وفيس بوك


         
          بعد سنوات من الارتباط بالفيس بوك، ومثلها سنوات من التردد في الإقبال على شبكات اجتماعية أخرى مثل  Linkedin، وTwitter، آن الأوان لبحث الفوارق بين الشبكتين الاجتماعيتين الأكثر شهرة في العالم اليوم "فيس بوك"، و«تويتر»، خصوصًا وأن تصفح التويتر أحيانًا تبوء بالفشل لإحساس غامض بأن هذه الشبكة يبدو الفرد فيها معزولا، كأنه وحيد يصرخ في البرية، لكن بقليل من الدأب والإصرار والتصفح اليومي لتويتر، تتغير الفكرة تدريجيًا، واليوم يمكن القول إن " تويتر" لا يقل أهمية بطبيعة الحال من حيث قدرته على التأثير والتغيير الثقافي والاجتماعي والسياسي في العالم، خصوصًا بعد أن يكيفت الفرد معه يهتف لنفسه قائلا "المجد للتصميم"!

تصميم خاص جدًا
          تصميم تويتر هو تصميم ينتمي للتكثيف والتدفق، فلا يمكن لأي تعليق يدونه المستخدم أن يزيد على 140 حرفًا، في كل تدوينة، ولا في الرسائل المتبادلة حتى بين المستخدمين، ويبدو متصفح تويتر كأنه يجلس أمام نشرة وكالة إخبارية افتراضية تتدفق فيها المعلومات حيث تتوالى التغريدات في كل لحظة مشكلة نهرًا معلوماتيا متدفقًا مكثفًا. وبالتالي فلا مجال للثرثرة، وبمرور الوقت يتعلم مستخدم «تويتر» كيف يعبر عما يريد بأقل قدر ممكن من الكلمات.
          إنه تصميم رأسي، لو صح التعبير؛ تتوالى فيه الأخبار والتعليقات والروابط، لكن لا مجال للمساحات الأفقية التي يتيحها «الفيس بوك» مثلاً، مثل المساحة الشخصية المخصصة للصور، وهي موجودة في تويتر لكن بشكل محدود، أو كافة الإمكانات الأخرى مثل التدوين وكتابة المقالات وإظهار الإعجاب بتعليقات الأصدقاء والاستبيانات إلخ.
          يمتاز تويتر بأنه واحد من أسرع وسائل الاتصال سرعة في متابعة أي حدث، يمكن لشخص يتعرض حتى للاعتقال أو الخطف أن يبلغ الخبر في ثوانٍ لعدة آلاف من الأشخاص في أرجاء العالم، وهو ما يجعل منه وسيلة إعلامية تنافس اكبر الوكالات الإعلامية والخبرية. فضلاً عن قدرته على المتابعة المستمرة، وعلى سبيل المثال فقد كانت الأخبار عن محاكمات الرئيس المصري المخلوع مبارك في الجلسات السرية تتوالى من تويتر، عن طريق بعض المحامين الذين حضروا الجلسات. وسوف نعود لهذه الخاصية ودورها المؤثر في أحداث كبيرة أحدثت تاثيرًا كبيرًا في المنطقة هذا العام.
قصائد تويتر!
          لكن على مستوى التدوين نفسه فإن «تويتر» يحقق لمستخدميه بمرور الوقت بعض المهارات التي تتشكل بناء على هذا التصميم الخاص جدا لهذا الموقع الاجتماعي، وبينها مثلا ما يعرف باسم «الميكرو قصائد » Micro Poem، سواء بين المستخدمين العرب او المغردين الذين يغردون بالإنجليزية حيث يتبارون في كتابة قصائد مكثفة جدًا، لا تزيد كل منها على 140 حرفًا بخلق معاني عميقة وشعرية.
          ومع ذلك فربما يتهم «تويتر» بأنه يقضي على مساحات القراءة العميقة لصالح ثقافة التصفح السريعة اللاهثة، في غياب فرصة تصفح أي مادة مطولة على خلاف الأمر مع الفيس بوك او حتى البلوجز (المدونات) التي تقوم أساسًا على فكرة التسجيل والتدوين والتحليل، وهذا صحيح، فمتابع التويتر، ومع مرور الوقت، يصاب بحالة تشبه إدمان المتابعة المتلاحقة للأخبار والتعليقات، ويصبح هو نفسه طرفًا في توسيع رقعة تداول المعلومات المبثوثة عبر قائمة الأصدقاء الخاصة به. وفي حال بقائه بعيدًا عن تصفح الموقع يشعر بأن هناك الكثير مما يفوته في كل لحظة من أخبار او متابعات لحدث أو قضية.
          وتفرض سخونة الأحداث مدى تدفق التغريدات، ففي الوقت الذي تمر فيه منطقة ما بحدث من الأحداث مثل التظاهرات في ميدان التحرير، أو في اي من ميادين الحرية في اليمن أو سواها، تتدفق الأخبار بشكل بالغ السرعة من المتظاهرين إما برصد ما يحدث أمامه ونقله أو الاستغاثة في حالة تعرض البعض لخطر أو إصابة أو التحذير من خطر من المخاطر لمن يتوقع أن يصل لموقع الأحداث.
          وبالرغم من الإحساس بالعزلة التي قد تصيب الشخص حين يستعمل هذا الموقع لأول مرة، فإنه سيافجأ بالتفاعل الشديد في حال سخونة الأحداث أو نقاش مسألة تحتاج إلى قرار مثل الجدل الذي سبق الانتخابات التونسية وتوقعات فوز الإسلاميين أو الليبراليين، وهو تقريبًا نفس الجدل الذي حدث في تويتر مع المصريين قبل الانتخابات، خصوصا في ظل دعاوى الكثير ممن نادوا بمقاطعة الانتخابات بسبب إجرائها تحت حكم المجلس العسكري المصري.
أصدقاء أم أتباع؟
          يختلف تويتر عن فيس بوك في مجال عدد الأشخاص الذين يمكنهم الارتباط بصداقة مع مستخدم، فهم يصلون أحيانا إلى مئات الآلاف خصوصًا بالنسبة للاعبي الكرة ، وقد يصلون الى ما يفوق المائة الف، لكن الرقم قد يتجاوز الملايين في حالة نجوم البوب (بريتني سبيرز مثلا يتبع حسابها على تويتر أكثر من 11 مليون شخص، وجوستين بايبرJustin Bieber  يصل عدد متابعيه الى 15 مليون شخص ويصل عدد متابعي نجمة البوب البريطانية ليدي جاجا ما يزيد على 16 مليون متابع).
          ولهذا لا يطلق مؤسسو «تويتر» كلمة «أصدقاء» على مجموعات المرتبطين بإمكانية متابعة كل منهم للآخر وإنما يستخدمون كلمة  followers، أو أتباع. وربما يكون هذا العدد الكبير من الأتباع عائقًا في التواصل لدى الكثير من المستخدمين خصوصا العرب، الذين لا يمتلكون القدرة على التواصل مع الأعداد الكبيرة من المتواصلين.
          هذا المجال الدعائي، وهو في جوهر فكرة هذه الشبكة على أي حال، بإيجاد حلقات اتصال بين افكار الأشخاص الذين تعجبك مقولاتهم أو أفكارهم أو رؤاهم للعالم وما يحدث حولهم، في استخدام تويتر هناك حسابات لها أهمية كبيرة من حيث طبيعة الخدمات التي تقدمها منها مثلاً حسابات تويتر للمواقع الإخبارية ووكالات الأنباء التي تبث اهم الأخبار أو ملخصاتها ساعة بساعة، أو المواقع الخبرية الخاصة بالعلوم وأحدث الابتكارات العلمية في العالم، وهناك مستخدمون أفراد إما ذوو ميول علمية أو انهم يعملون في مجالات البحث العلمي وهؤلاء يمكن لمتتبعي حساباتهم متابعة عدد هائل من التقارير الخبرية عن أحدث ما يدور في حقول العلم المختلفة، بالإضافة لحسابات المجلات العلمية المتخصصة أو بعض القنوات الأمريكية المتخصصة في العلوم والتي تبث بين آن وآخر عددا من التقارير المترجمة أو البرامج الوثائقية العلمية وتقوم برفع الروابط على حسابها على «تويتر».
          والحقيقة أن مساحة التنوع في الاهتمامات على تويتر تبلغ حدًا كبيرًا جدًا ويمكن للشخص أن يبحث عن كلمة تعبر عن اهتمامه في أي من فروع الموسيقى أو العلم أو الكتب أو متابعة بعض مؤلفي الكتب والروائيين العالميين ممن يمتلكون حسابات شخصية على تويتر، حتى تتاح له مئات من حسابات المشتركين في هذا الفرع أو سواه ويمكنه عبر تتبع حساب أي منهم أن يتزود بما يرغب.
تمويل ذو طابع خاص
          من اللافت على «تويتر» أنه موقع غير إعلاني، بمعنى أنه لا يتضمن إعلانات من أي نوع على عكس فيس بوك، فما هي قصة هذا الموقع الاجتماعي وكيف تتم إدارته؟
          ظهر الموقع في أوائل عام 2006 كمشروع تطوير بحثي أجرته شركة أميركية في مدينة «سان فرانسيسكو، كاليفورنيا» سان فرانسيسكو، لاستخدام رسائل نصية قصيرة في شبكة داخلية، وبعد ذلك أطلقته الشركة رسميًا للمستخدمين بشكل عام في أكتوبر 2006. وكان الشخص صاحب الفكرة هو جاك دورسي Jack Dorsey ، وبعد ذلك بدأ الموقع في الانتشار كخدمة جديدة على الساحة في عام 2007 من حيث تقديم التدوينات المصغرة، وفي أبريل 2007 قامت شركة Obvious ، بفصل الخدمة عن الشركة وتكوين شركة جديدة باسم Twitter  وبدءًا من ديسمبر 2009 قامت شركة جوجل بعرض نتائج بحث فورية في محرك بحث جوجل لمدخلات المستخدمين الجديدة في تويتر.
          وارتفع عدد النصوص المبثوثة على تويتر يوميًا من 20 ألفاً الى 60 ألفاً فور الإعلان عن بدء تشغيل الخدمة بشكل علني في العام 2007. ووصلت الى 50 مليون تدوينة يوميًا في العام2010، والرقم في تصاعد مستمر، مع الأخذ في الاعتبار أن وجود مناسبات استثنائية أو أحداث خاصة يسهم في ارتفاع معدل كتابة التدوينات، حيث سجلت إحصاءات تويتر بلوغ عدد التدوينات المكتوبة في الثانية الواحدة خلال مباريات كأس العالم الماضية في 2010 ما يقترب من 3000 تدوينة في الثانية.
          وقد تم تمويلها بدعم عدد من الشركات بما يسمى رأس مال مخاطرة استثماري بلغ في مرحلته الأولى بين مليون وخمسة ملايين دولار، ولاحقا تم رفع قيمته إلى نحو 22 مليون دولار أمريكي. وبلغ إجمالي الاستثمار فيه حتى 2010 نحو 57 مليون دولار في العام. وفي العام نفسه في شهر مارس بلغت قيمة أسهم 35 الف مساهم في الشركة نحو7.8 مليار دولار حيث بلغت قيمة السهم نحو 34 دولاراً. وهذا النوع من الاستثمار يقوم على دعم مشروع استثماري نام حتى تزداد قيمته السوقية، عبر الأسهم والسندات، ويتم بيعه لاحقا بنسبة ربح من الاستثمار.
          وفي أبريل من العام 2010 بدأت الشركة في استجلاب إعلانات من شركات مقابل بث تدوينات إعلانية عشوائية في الموقع وفقا لطريقة يتم الاتفاق عليها في عقود الإعلان مما رفع قيمة الاستثمار في الشركة الى 800 مليون دولار وهو رقم قياسي في زيادة استثمارات أي شركة وليدة قياسًا لسنوات عملها.
          ويعود هذا التوسع المستمر لزيادة إقبال المستخدمين بشكل هائل في أرجاء العالم مما دفع تويتر لزيادة عدد اللغات المستخدمة إلى الألمانية والفرنسية والإيطالية واليابانية التي حقق مستخدموها نسبة عالية جدًا من نسب الاستخدام.
تويتر يغير العالم
          الحقيقة أن تويتر قد حظي بشهرة كبيرة خلال مجموعة من الأحداث المهمة بدأت بأحداث الانتخابات الإيرانية في العام 2010 ، حيث شهد الموقع حركة تغريد عالية جدًا بسبب سخونة الاحداث والاتهامات المتبادلة بين أنصار المرشحين الرئاسيين، ثم عادت موجة جديدة من الاستخدام المرتفع لتويتر خلال الانتفاضات العربية بدءًا بتونس ثم مصر وما لحق بهما من أحداث لا تزال تلقي بظلالها على الشارع العربي حتى هذه اللحظة.
          وتشير إحصاءات المراقبين إلى أن عدد من يقومون بالدخول الى حساباتهم الشخصية على تويتر يوميا الآن نحو ربع مليون شخص يقومون بكتابة وبث نحو 100 مليون تغريدة يوميا، وقد اختير للعام 2011 عدد من المغردين بعد فحص قرابة 9 مليارات تغريدة بوصفهم الأكثر تأثيرًا في العالم من خلال استخدام موقع تويترالاجتماعي.
وائل غنيم..الأكثر تأثيرًا
          يأتي في مقدمة أكثر المغردين تأثيرًا للعام، وفقا لصحيفة Daily Mail البريطانية الناشط المصري وائل غنيم الذي لعب دورًا بارزًا، عبر تويتر، في التشجيع على خروج مظاهرات يوم 25 يناير ومنذ أحداث قضية قتل الشهيد المصري خالد سعيد على يد قوات الشرطة في الإسكندرية، وهو ما أدى الى اعتقال وائل غنيم عقب أحداث يوم 25 يناير على يد جهاز أمن الدولة المنحل في مصر، واستمرار اعتقاله 22 يوما قبل إطلاق سراحه وظهوره في ميدان التحرير مؤكدًا أنه ليس بطل هذه الثورة ومؤكدًا أن الملايين الذين خرجوا استجابة لوسائل بسيطة وحديثة هم الأبطال الحقيقيون.
          ويأتي في المركز الثاني الباكستاني صهيب أتار، الذي سجل كأول مغرد على تويتر يلفت الانتباه إلى وجود مروحية تحلق فوق أحد المواقع الباكستانية الذي أعلن لاحقا عن اعتقال وقتل بن لادن فيه عشية ظهور المروحية التي قامت بالعملية.
          كما كان لتويتر هذا العام دور كبير في إعادة ابنة لأبيها عقب 11 عاما على اختفائها حين قام الأب ببث اسم ابنته على تويتر. فقد كتب مشرد يعيش في نيويورك ويدعى دانيال مورالس تغريدة على تويتر عبر حساب أحد اصدقائه في شهر فبراير 2011 الماضي التقطتها إحدى المؤسسات المهتمة برعاية المشردين التي قامت بمنحه جهاز هاتف ففتح حسابا خاصا على تويتر ونشر صورة لابنته حين اختفت وعمرها 16 عامًا، وفي اليوم التالي تلقى أول اتصال من ابنته بعد 11 عامًا متواصلة من غيابها.
          من بين القصص المختارة في الدايلي ميل أيضًا قصة شاب أمريكي من أوكلاهوما يدعى كيفن ديورانت وعمره 23 عامًا لا يعمل ويعاني من البطالة فكتب في تويتر عن رغبته في الالتحاق بإحدى فرق السلة في المدينة لكي يجد من موهبته وسيلة للحصول على المال. وقد تلقى بعد دقائق أحد الشباب من المهتمين بكرة السلة تدوينته وارسلها للمهتمين وفي اليوم التالي كان كيفن قد حصل على موعد للحاق بتدريب إحدى الفرق.
          القصة الخامسة بطلها ممثل بريطاني هو أندرو هايدن سميث الذي اطلق على تويتر دعوة لبدء تنظيف المناطق التي تعرضت للشغب من المتظاهرين ضد الحكومة البريطانية في أغسطس الماضي، وبعد عدة ساعات بلغ عدد المتطوعين لمساعدته 700 ألف شخص ممن وصلتهم تغريدته وأعلنوا مشاركتهم عبر تويتر في حملة تنظيف المدينة.
مكوك الفضاء أمامي الآن!
          من بين المصادفات الغريبة التي رصدتها الصحيفة من تويتر إحدى التدوينات التي بثتها ستفاني جوردان التي صادف وجودها في طائرة استقلتها من نيوجرسي في طريقها لزيارة والدتها في فلوريدا حيث كانت تنظر من النافذة فشاهدت عن بعد مكوك الفضاء «إنديفور»، Endeavour  الذي كانت «ناسا» قد أطلقته في ذلك اليوم في رحلة استكشافية في شهر مايو الماضي.
          كما لعب تويتر دورًا بارزًا في مواجهة كارثة الزلزال الضخم الذي هز اليابان العام الماضي وأثار الفزع بعد إصابته للمحطات النووية اليابانية وكان لمستخدمي تويتر دور في استباق الحدث وتحذير السكان ومحاولة السيطرة على تحركاتهم وعمليات الإنقاذ التي أعقبته.
          وهو نفس ما حدث خلال أحداث الزلزال في تركيا في نهايات العام الماضي.
          وهكذا يبدو تويتر مستمرًا مثل غيره من وسائل التواصل الاجتماعي في تغيير العالم، عبر تغيير قيم الاتصال من جهة، وفي توسيع دوائر الاتصال الثقافي بين شعوب العالم، وفي تغيير هيراركية (تراتبية) السلطة الإعلامية والسياسية من المراكز التقليدية التي كانت تمسك الحكومات بقبضتها على مدى العقود الماضية بحيث تتخلخل هذه السلطة على نحو غير مسبوق حيث يتم تداولها الآن بشكل شعبي، على الإنترنت بشكل عام، ووسائط الاتصال الحديثة، وبقوة غير معهودة، وهو ما يعني الكثير من التغيرات التي سوف يشهدها العالم قريبًا، وربما أقرب مما نتصور، حول مفاهيم تصب في مصلحة الجمهور الذي امتلك وسائل النقد الشعبي على أعلى مستوى والرقابة الشعبية التي تريد أن تحقق كل ما كان وهماً من الأوهام التي تبيعها السلطات، ليس في عالمنا العربي فقط بل حتى وصولا إلى أوربا وأمريكا عن الحرية وتحقيق الرفاهية لشعوب العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق