السبت، 3 نوفمبر 2012

• علمُ النحو!.. من تنقيط القرآن إلى حركات الإعراب



          عندما اتسعت الفتوح الإسلامية واختلط العرب بالعجم (غير العرب)، أخذت اللغة العربية تفسد تدريجيًا. وظهرت الحاجة إلى وضع قواعد تعصم اللسان من الخطأ.
          بعث والي البصرة زياد ابن ابيه إلى أبي الأسود قاضي البصرة وقال: "يا أبا الأسود، إن (الأتباع) قد كثرت وأفسدت ألسن العرب، فلو وضعت لهم شيئًا يقوِّمون به كلامهم".

          فأبى أبوالأسود.
          فأمر زياد رجلاً أن يقعد في طريق أبي الأسود ويتعمد قراءة القرآن ملحونًا. فلما سمع أبو الأسود ذلك استقبحه ورجع إلى زياد فقال: قد أجبتك إلى ما سألت.
          كان والي البصرة زياد قد تزوج من جارية مجوسية اسمها مرجانة. ورزق منها أولادًا نشأوا مع أمهم يلحنون لحنًا مستهجنًا. والعرب يعدون اللحن عيبًا في الشريف ودليلاًَ على دناءة نسبه.
          اشتكى والي البصرة زياد إلى أبي الأسود وطلب إليه أن يضع لهم رسمًا يستعينون به على تصحيح لغتهم.
تنقيط القرآن:
          كان القرآن يكتب من غير تنقيط أو تحريك. ولهذا كان الناس يلحنون في قراءته أحيانًا.
          فطلب أبو الأسود من الوالي زياد أن يبعث له بثلاثين رجلاً يحذقون (الماهر في صنعته) القراءة والكتابة، واختار منهم أمهرهم وأذكاهم. وأتى له بمداد (حبر) أحمر ثم قال له: "إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه، وإن ضممت فمي فانقط بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت".
          بهذه الطريقة ظهر أول مصحف منقوط، واستعمله أبو الأسود في تعليم أولاد زياد وتدريبهم على النطق الصحيح.
          نالت طريقة أبي الأسود في تنقيط القرآن إعجاب المسلمين، وصاروا يهرعون بمصاحفهم إليه ليتعلموا منه التنقيط أو يسألوه عما غمض عليهم منه.
          وفي زمن الحجاج ظهر رجل من تلاميذ أبي الأسود هو نصر بن عاصم. الذى خطى بتنقيط القرآن خطوة جديدة، فقد كان الناس لا يفرقون بين الباء والتاء والثاء والياء وغيرها من الحروف المعجمة (المتشابهة). ولهذا كثر الخلط في لفظ الكلمات. وجاء نصر فأخذ يضع نقاطًا سوداء على الحروف، وبهذا صار لدينا نوعان من التنقيط، أحدهما أحمر، ابتكره أبو الأسود من أجل الإعراب، والآخر أسود وهو الذي ابتكره نصر من أجل الإعجام.
          ظهرت حلقات في المساجد تعنى بتنقيط القرآن. فكان الأستاذ يجلس على كرسي، والناس جالسون حوله وقد فتحوا مصاحفهم بين أيديهم لينقطوها حسب ما يسمعون من فم الأستاذ.
          ولم يكن الناس يفعلون ذلك دون جدل أو تساؤل. فقد يرفع أحد الجالسين أصبعه بين حين وآخر معترضًا على تنقيط بعض الكلمات والآيات: "لماذا تنقط الكلمة على هذا المنوال ولا تنقط على منوال آخر".
          وينشب الجدل بين الحاضرين. ثم ظهر الخليل بن أحمد الفراهيدي فابتكر الحركات المعروفة بشكلها الأخير. واستعاض الناس بها عن النقاط الحمراء.
          ومن مفارقات الدهر أن الأتباع يفسدون لغة العرب في أول الأمر، ثم يأتون أخيرًا فيضعون القواعد في سبيل التوقي (الحذر) من ذلك اللحن الذي أدخلوه. مر الشعبي بقوم من الموالي يتذاكرون النحو فقال لهم:
          "لئن أصلحتموه، فإنكم أول من أفسده".


هناك تعليق واحد: