الأربعاء، 22 مايو 2019

• الحماة وعلاقاتها مع زوجة ابنها ومع زوج ابنتها


منذ فترة تناقلت وكالات الأنباء صورة وقصة طريفتين: صورة للفنانة العالمية "صوفيا لورين" وهي تسير في أحد شوارع باريس وتحتضن ابنها وخطيبته. وقصة علاقة الفنانة الإيطالية الأصل بابنيها وخطيبتيهما. بلورت القصة علاقة صوفيا لورين "الحماة" بعيدا عن الكاميرات والأضواء.

قالت الفنانة إنها بكت عندما جاءها ابنها الأصغر إدوارد وأبلغها برغبته في الزواج من فتاة بذاتها. ثم أضافت أنها تريد دائما أن ترعى ابنيها وأسرتيهما.
وقد نتذكر صورة "الحماة" التي قدمتها لنا المرحومة الفنانة "ماري منيب". نتذكر كيف كانت تقدم أدوارا كوميدية تصور الحماة وهي "تشاغب" زوج ابنتها و "تتعارك" مع زوجة ابنها.
أي صورة من الصورتين تمثل الحقيقة وواقع الأمر؟
أم أن "الحماة" التي هي أم الزوج أو أم الزوجة نسيج إنساني متعدد الظروف والعواطف؟.
في اللقاءات التالية نقدم التفسيرات المتعددة لعلاقة الحماة بزوج ابنتها وبزوجة ابنها. وهي تفسيرات مشوقة، وذلك لتنوعها.
الكاتبة فتحية العسال عائدة لتوها من زيارة عائلية عندما التقينا بها كانت تخطب لأصغر أولادها. وبطرح السؤال عليها قالت: "لا شك يحكم هذه العلاقة الموروث الموجود داخلنا. حتى أنا لست متخلصة تماما من الإحساس بملكية أولادي- وإن كنت أحاول- الأمر الذي يخلق لدى الأم حالة من حالات الاستحواذ عندما يرتبط الابن أو الابنة تشعر الأم أن ملكيتها تنتزع منها، وأن أولادها يخرجون من بين أيديها إلى أخرى أو آخر. وقد مررت بهذه التجربة مع حماتي التي كانت تتمنى أن يتزوج ابنها- الكاتب عبد الله الطوخي- فتاة من بلدتهم وأزعجها أن يتزوج قاهرية ولكن حدث في حياتي وحياة عبدالله مواقف كان فيها محتاجا لحبي وحب أمه فشعرت أننا معا نحب هذا الرجل فأحبتني وقد قدرت موقفها مني عندما أنجبت أولادي، أدركت قيمة حب الأم لأولادها".
وعن تجربتها كحماة تقول فتحية العسال : " تزوج أولادي أوربيات ويعيشون في أوربا وعلاقتي بهم طيبة حتى أنني انحاز لزوجة بني أحياناً. أما ابنتي فقد تزوجت هنا في القاهرة. زوجها صديقي وقريب مني ولكن عندما يغضب ابنتي فأنا أتحول إلى حماة حقيقية وأنحاز إلى ابنتي وأحيانا أنتبه لنفسي وأتراجع عن موقف الحماة وأحيانا لا أستطيع".
أما الفنانة سميحة أيوب فتقول : " بالرغم من أنني لست حماة ولم يكن عندي حماة فإنني أعتقد أن المستوى الثقافي والحضاري لجميع الأطراف هو الذي يحكم العلاقة بينهم. وكما أعتقد فإن الأم العاملة المحققة لذاتها لا تقبل السيطرة على أولادها وتحديداً على زوجة ابنها. فزوجة الابن في هذا الزمن لا يقل عمرها يوم عرسها عن ثلاثين عاماً فكيف أسيطر أو أتحكم في فتاة في هذا العمر وبالضرورة على درجة من النضج، أو حتى أوجهها لأن عمر التوجيه يكون قد فات بالنسبة لها، أي بالنسبة لإنسانة اكتملت بالفعل".
أمي منحازة لزوجي
تقول الكاتبة إقبال بركة: "لم أصطدم بحماتي على الإطلاق فهي تعيش خارج القاهرة كمان أن زوجي يتمتع بشخصية مستقلة وقوية فلم يدع الحدود بيننا تختلط. لم يشعرها أنني نازعتها عرضها أو حقوقها، وأنا أعتقد أن العلاقة المتوترة بين الحماة وزوجة الابن أو زوج الابنة سببها المباشر الأبناء أنفسهم الذين ينتزعون أنفسهم من أحضان أمهاتهم وينساقون لحياتهم الجديدة، يحدث هذا مع ضعاف الشخصية. أيضا أرى أن الأم تتعامل مع زوجها ابنتها بشكل أفضل لأنه هو الذي يسعد هذه الابنة. على سبيل المثال العلاقة بين أمي وزوجي علاقة جيدة جدا فهما صديقان، تشعر أنها حصلت على ابن جديد أما زجة أخي فهي لا تتسامح معها على الإطلاق عند أقل هفوة تصدر منها تجاه أخي. وأعتقد أن الأم تتحول إلى حماة شرسة إن تعامل زوج ابنتها مع ابنتها بشكل لا يرضيها. فالأمر يتوقف على شكل تعامل الزوج مع الابنة أو الزوجة مع الابن".
أما الكاتبة سلوى بكر فترى أن البعد الأساسي في هذه العلاقة هو التركيب الذي يميز الحياة في الأسرة العربية وأيضاً تبعية الأفراد اقتصاديا لعائل كبير يعول الجميع. وتضيف سلوى بكر: "إن الحماة تحب زوج ابنتها لأنه هو الذي يعولها وتسترضيه ليرضى عنها. فالأم تعيش خائفة من فكرة تطليق ابنتها، أما علاقتها بزوجة ابنها فهي بالضرورة مختلفة لأنه نزاع على الملكية ومشاركة للأم في حياة هذا الابن. وتزداد حدة العلاقة في حالة ما إذا كان الابن مصدر دخل لأمه. أيضا هذه العلاقة محكومة بعامل تاريخي خاصة في الريف. فالأسرة الكبيرة التي تعيش حياة واحدة مشتركة يؤدي تداخل تفاصيل حياتها إلى الكثير من المشاكل ، وأعتقد أنها سوف تنتهي بتفتيت الأسرة الكبيرة وظهور ما يسمى بالأسرة النووية المكونة من زوج وزوجة وأبناء".
ترحيل القهر
وعن رأي علماء الاجتماع في هذه العلاقة تقول د. ليلى عبدالوهاب أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها : " تحدد هذه العلاقة طبيعة الأسرة الممتدة وهي الأسرة التي تضم أكثر من جيلين تحت سقف واحد، وفي بيت واحد. وهذا الوضع يعطي الأم قيادة هذه الأسرة وبالتالي السيطرة على زوجة أو زوجات الأبناء. يحكم هذه العلاقة أيضا البعد الاقتصادي الذي يحول دون استقلالية الأبناء عن الأسرة الممتدة، ويؤكد خضوع الزوجة للحماة".
وتضيف د. ليلى عبدالوهاب: "أيضا يحكم هذه العلاقة ما يسميه علماء النفس بعملية " الترحيل" أي ترحيل القهر، فالأم المقهورة ترحل قهرها إلى الأبناء وإلى زوجة ابنها. وهذه مسألة نفسية ضرورية لحدوث التوازن النفسي، وترحيل القهر أي قهر زوجة الابن يتضح أكثر في الأحياء الشعبية فالحماة تعبر عن نفسها ببساطة وترد عليها زوجة الابن بنفس البساطة والتلقائية حتى أن الكثير من المشاكل بين الحماة وزوجة ابنها تصل إلى أقسام الشرطة.
الحماة أمٌ أولا
أما د. سامية الساعاتي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس فتقول : "يحكم علاقة الحماة بزوجة الابن تحديد الموروث الاجتماعي، فالمجتمع يرسخ لدى الفتاة أن حماتها عدو يتربص بها، وتؤكد الأمثلة الشعبية على هذا كأن يقال "عرق ورا الودن ما يحبش مرات الابن" والمجتمع يعد البنت وكأنها مقبلة على حرب وليس على زواج. بينما الحماة هي أم أنجبت وتعبت. وتسلم جزءاً من نفسها طواعية لأخرى، ولأنني مؤمنة بأن الأمثلة الشعبية هي تعبير حقيقي عن خبرة الشعوب فإنني أستعين بالمثل القائل "ربي يا خايبة للغايبة" وتزداد الحساسية في حالة ما إذا كانت الحماة أرملة والابن وحيداً في خصوصية علاقة كل واحد منهما بالابن الذي أصبح زوجاً. فإنه من الصعب أن تشعر الأم أنها أصبحت بلا ضرورة في حياة ابنها. أما عن العلاقة بين الحماة وزوج الابنة فهي مختلفة. فالابنة قادرة على استقطاب زوجها لبيت أهلها وبذلك يصبح إضافة جديدة للأم وللأسرة".
وما هو رأي د. يحيى الرخاوي أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي بكلية الطب - قصر العيني-؟ يقول د. يحيى الرخاوي : " ابتداء لا يمكن التعميم. ذلك أن الأمر لا يختلف فقط من عصر إلى عصر أو من ثقافة وبلد إلى ثقافة أخرى وبلد آخر وإنما يختلف الأمر من فرد إلى فرد. وسوف أضع الاحتمالات التي قفزت إلى وعيي من واقع خبرتي الشخصية- كمواطن عربي يمارس الطب النفسي- ثم من خلال رؤيتي المحدودة لبعض التشكيلات المحتملة : فالحماة المصرية مثلا إذا كانت أم الزوجة لا أم الزوج.
وهي ترى أن مصلحة ابنتها أساسا في أن تكسب زوج ابنتها وترضيه، بل ترضي حتى غروره، حتى يظن أنه شيء كبير جدا. وأول ما وصلتني هذه الصورة وصلتني من خالتي التي حكت لي هذه الحكاية: "طارد زوج شهم فأرا في منزله حتى أطبق عليه، وقتله، واعتبر ذلك نصرا مؤزا، لكن تفاعل زوجته لهذا الحدث الصعب كان فاترا" وبنص القصة التي حكتها لي خالتي وكان عندي عشر سنوات قالت الزوجة : "فارة قتلت فارة ما على الاثنين شطارة" وإذا بالزوج يثور ثورة شديدة، فيطلقها، ويطردها إلى بيت أمها، وقالت خالتي: "روحي طلقون، ومرتبتك طلقون، وحلتك طلقون.. إلخ" بمعنى أن كل شيء تأخذه معها فهو طالق مثلها.
ويواصل د. يحيى الرخاوي حكاية خالته فيقول: "وحين ذهبت البنت إلى أمها لامتها لوما شديدا وقالت إنه ما هكذا يعامل الأزواج، وأخذتها وذهبت لتعاتبه وتصلح الموقف، فقص على حماته القصة وما قالته ابنتها، فاستعادت الحماة قصة مطاردته للفأر على الصورة التالية:
ما خفتش يابني من عينه.
فيرد في زهو:
- قتلته وسلم الله.
طب ما خفتش يابني من شواربه.
- قتلته وسلم الله.
طب ما خفتش يابني من أذنيه... إلخ.
وهكذا أخذت تعدد الأعضاء وهو يمتلئ فخراً والابنة تتعجب، وتتعلم، فلما وصل حد الانتشاء من زهو حماته به أرجع ابنتها لتوه. وبألفاظ القصة قال لها : "روحي رجعون ومرتبتك رجعون وحلتك رجعون".
ويضيف د. الرخاوي : "هنا مصدر آخر لمسألة نفسية الحماة نجدة في الأمثال العربية أكثر مما نجده في المراجع النفسية. ولكن لنبدأ بالمسألة النفسية بعد هذه الطرفة. فالحماة والدة الزوج قد تكون مالكة لابنها، أو حتى على مستوى لا شعوري زوجة له ( دون الدخول في مسألة عقد أوديب) وفي هذه الحالة تصبح زوجة ابنها معتدية على حقوقها حتى لو أشهرت في وجهها ورقة المأذون. وتتأكد هذه العلاقة الاملاكية ( أو الزواج اللاشعوري) عند الأمهات اللاتي فقد أزواجهن مبكرا ثم تفرغن لتربية أولادهن ويزداد الموقف صعوبة إذا كان وحيدا أو هو الولد الأكبر. هنا تظهر هذه الصورة بشكل واضح. وهناك الحماة الريفية التي تعتبر زوجة الابن ( وخاصة إذا تم الزواج في نفس البيت الكبير) خادمة لها بحكم العقد الاجتماعي، فعادة ما يقول الشاب لأمه : "لقد كبرت يا أمي، وأريد زوجة تخدمك" فالعقد هنا صريح حتى دون موافقة الزوجة الجديدة إذا كان لها أن توافق أصلا. وفور إتمام الزواج إما أن تنفذ العقد، وإما أن يرجع الابن عن تبريره لزواجه فتتحول الأم إلى خادمة للزوجة".
ويضيف د. الرخاوي حالة أخرى في العلاقة بين الحماة وزوجة الابن فيقول : "هناك حماة لم تنجب بنات فتتبنى زوجة ابنها تبنيا معلنا أو سريا، وليس معنى هذا أنهما سيستمران سمنا على عسل ولكن سوف يسري على العلاقة ما يسري على علاقة الأم بابنتها، وإن بدأ التبني في سن متأخرة مما يزيد الأمر صعوبة أو سهولة حسب النفوس والأحوال.
ابن جديد
وينتقل د. الرخاوي مرة أخرى إلى أم الزوجة فيقول:
"الأمر هنا من واقع ممارستي أقل حساسية وأسهل تناولا، ذلك أن العلاقة بين الحماة وزوج ابنتها هي علاقة طيبة في الأغلب ومع وجود احتمالات لعلاقات سيئة".
وتبدأ العلاقة الطيبة بتقمص الأم لابنتها، وأن زواجها هذا هو إضافة إلى ملكيتها وليس انتزاعا منها، ثم إن من يسعد ابنتها لا بد أن يشكر ويكرم، بل قد يصل الأمر إلى تفضيله على أبنائها. وتنشأ العلاقة السيئة حين تتعدى الأمور إلى طلبات الولاء والطاعة المباشرة، هنا تبدأ الثورة والململة. كذلك قد يدخل في المسألة قدر من الطمع المتزايد إذا كان الزوج على قدر من اليسر. أيضا يضاعف من المشاكل بين الحماة وزوج الابنة عدم نضج الزوجة وفرط اعتمادها على أمها بحيث يضيق الزوج ويقع في حيرة هل هو تزوج الابنة أم أمها!؟
قَبِّل يد حماتك
وبالأمثلة الشعبية يستعين د. الرخاوي مرة أخرى فيقول "بوس إيد حماتك ولا تبوس إيد مراتك". فمن ناحية هي سيدة كبيرة في مقام الأم ومن ناحية أخرى فإن رضاها سينعكس على ابنتها ثم يأتي موقف التهديد، إن لم تنفع الملاينة وتقبيل اليد يقول المثل "حماتي مناقرة طلق بنتها" وهو تنبيه للحماة أنها إذا تطاولت فإن مستقبل ابنتها في خطر، وإن كان تنبيها يصلح لقيم قديمة حين كان يستعمل الطلاق كعقاب، وليس كإعلان فشل المحاولة، وهو يصلح فقط إذا كانت هذه "المناقرة" بموافقة الابنة أو بحفزها".
أما المثل الرائع - كما يراه د. الرخاوي - الذي يخاطب الحماة حتى لا تغلو في جرح وإيذاء زوجة ابنها فيقول: "قالوا يا حماة ماكنتيش كدة قالت كنت ونسيت". فهذا المثل يذكر الحماة بمأساتها حين كانت زوجة ابن امرأة أخرى هي حماتها الكبيرة إلا أن رد الحماة يدل على أن علاقة الحماة السيئة بزوجة ابنها قد تكون "تخليص ثأر" وهذه نظرية نفسية مهمة وصحيحة في كثير من الأحيان.
ويضيف د. الرخاوي والمشكلة تتفاقم حين تضطر زوجة الابن إلى أن تسكن في نفس منزل حماتها الأمر الذي يطرح نفسه بعد أزمة الإسكان وفي ذلك يقول المثل "الميه والنار ولا حماتي في الدار" لكن مثلا أكثر حذقا يشرح علاقة الحماة بزوجة ابنها حين تظهر السماح، وفي الوقت نفسه تضع الشروط التي يستحيل معها التمتع بأثر هذا السماح. يقول المثل "مكسور ما تاكلي وصحيح ما تكسري وكلي يامراة ابني لما تشبعي" فالحماة تظهر العطف على زوجة ابنها إذ تعلن الكرم حين تدعوها أن تأكل حتى تشبع، على شرط ألا تكسر رغيفا صحيحا وفي الوقت نفسه لا تأكل عيشا مسكورا، فبالله ما يبقى لها تأكله".
ويستمر هذا التراث الذي يعكس نفسه في الأمثال الشعبية نتاج وضع اجتماعي أسري قديم كانت الأسرة الممتدة هي خلية المجتمع الأولى فيه. لكن مع التحديث.. لا بد أن تتغير العلاقة لتصبح أكثر سماحة.
بهيجة حسين مجلة العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق