الأربعاء، 29 مايو 2019

• ملاحون عرب يواجهون قراصنة البحر


كما في الحياة تحت سطح الماء يكون الوجود فوقه، فإن لم تكن كبيرا أُكلْتَ كما يؤكل الصغار، والمسألة هنا لا خيار فيها، فالوطن العربي الذي توشك أن تطوقه مياه البحر من كل جانب، ينبغي أن يحسن التعامل مع البحر كما أحسن الأسلاف. خصوصا أن القرصنة البحرية ما زالت تعيث في بحار الدنيا وإن غيرّت ملامحها، وهذه لمحة عن حوت عربي- بالمعنى الاقتصادي والتقني- يجوب بحار العالم في اقتدار، وإن في هدوء، مواجها قراصنة البحر في عصرنا، وقابلا التحدي.

في الطريق إلى مبنى شركة الملاحة العربية المتحدة الضخم بطريق المطار بالشويخ، تداعت إلى الذاكرة صورة رأيتها منذ سنوات عديدة حين كنت طبيبا للحجر الصحي بقناة السويس، وقناة السويس لمن ينظر من إحدى زواياها تشبه معرضا تتعاقب في مجراه سفن الدنيا، عارضة ضخامتها أو هزالها، فخامتها أو بؤسها، وكان مشهد العرض يتجلى مع مرور القوافل أو عند الرسو، حيث تتبدى السفن كعمائر أو جبال أو جمال تجري على صفحة الماء أو تطفو راسخة عليه. وبينما كنا ندور في قلب ميناء القناة مفتشين على السفن الراسية، إذ بسفينة ضخمة من نوع الحاويات "مدخل سلمها الخارجي كانت زوارق البمبوطية (تجار البحر) تتأرجح في جذل، ومن أحد الزوارق كانت نغمات السمسمية تتصاعد صانعة لحنا- لا بد أنه كان تلقائيا ومن بنات أفكار اللحظة- وعلى إيقاع اللحن كان البمبوطية يغنون رافعين وجوههم التي لوحتها الشمس وقد تعلقت القبعات القماشية عريضة الحواف عند قذال رءوسهم، كانوا يغنون للسفينة ولبحارتها الذين يطلون من عند حافتها العالية البعيدة، وعلى الرغم من أن اللحن كان يعزفه زورق واحد إلا أن كل الزوارق كانت تشارك في الغناء، وكانت الأغنية المتقافزة على إيقاعات السمسمية السريعة الفرحة تقول:
"مركبنا والله.. عربي
وقبطانه والله.. عربي
وكلامنا كله.. عربي
وحضرة نبينا.. عربي
صلي وكبر.. صلي
الله أكبر.. صلي
ومركبنا والله.. عربي"
لم أنتبه لكون السفينة الهائلة عربية حقا، إذ طالما كانت تصيبني بالأسى سفننا العربية، فعلى الرغم من أننا أصحاب تاريخ عريق في ترويض البحر، وأننا من أسلاف أسد البحار وجوابي البحار العرب، ومع أن البحر يوشك أن يكون عربيا لفرط ما تحيط مياهه من كل صوب ببلاد العرب، إلا أن السفن العربية التي كنت أراها تمر أو ترسو في قناة السويس كانت تشي ببؤس الحال، في أغلب الأحوال، فهي على الأرجح ضئيلة وتوشك أن تكون صدئة، لهذا عندما صعدت إلى السفينة لاستكمال إجراءات الحجر الصحي على ظهرها لم أقرأ الكتابة العربية على جسمها، ثم إن الصواري التي تحمل أعلام السفينة كانت تختفي من الجانب الذي رحنا نصعد عليه، كنت أظن أن البمبوطية يغنون كنوع من ترويج بضائعهم التي يحملونها في بطون الزوارق، وتذهب بالحبال إلى ظهر السفينة، وتعود أثمانها إلى الزوارق بالحبال، لكنني اكتشفت وأنا على ظهر السفينة أنها عربية حقا، وقبطانها عربي، وأغلب بحارتها من العرب، وأنها كانت في رحلة طويلة قادمة من المكسيك، ومتجهة إلى التانكرز" تقف على حافة المرسى القريب من الشاطىء، وتحت جسمها الفولاذي الهائل عند الكويت. كانت تلك إحدى سفن شركة الملاحة العربية المتحدة التي توقفت عند بوابتها في شارع المطار وكنت على موعد مع القائمين عليها للاستضاءة بآرائهم في مسألة ظلت تؤرقني طويلا منذ أيام عملي البعيدة في الموانىء، فلقد اكتشفت حينها أن القرصنة البحرية- في جوهرها- لم تنته في بحار ومحيطات العالم وعلى شواطئه، وأن البحر غابة يفترس فيها الكبار الصغار، فإن لم تكن حوتا لقيت مصير الأسماك الصغيرة، ولقد كانت شركة الملاحة العربية المتحدة- في ذهني- منذ ذلك الزمن البعيد، حوتا عربيا يجوب بحار العالم في ثقة واقتدار دون أن يعلم عنه كثير من العرب شيئا، حوتا من فولاذ وإلكترونيات وعنفات جبارة، يقوده ملاحون عرب يصارعون- دون ضجيج - في خضم بحار العالم ومحيطاته التي لا تعرف الهدوء أو السكينة.
للقرصنة وجوه أخرى
ولقد أدهشني ذلك الهدوء الذي يتحلى به قادة هذا الحوت العربي الجبار، فهم يواجهون تحديا يوشك أن يكون صراعا عاتيا مع إمبراطوريات النقل البحري العالمية، لكنه هدوء- بحجم الإنجاز والأداء وقوة الشركة- يعبر عن طمأنينة الواثقين، وقد كان سمة كل من التقيت بهم: المهندس محمد حسن الريس رئيس مجلس الإدارة، والأستاذ عبدالله ماضي الماضي المدير العام، والسيد شاكر جاسم الصانع نائب المدير العام.
لم يبخل بالإجابة عن أسئلتي أحد ممن التقيت بهم في الشركة، سواء في الإدارة، أو الأقسام الفنية، أو إدارة العلاقات العامة والإعلام، خصوصا الأستاذ عبدالرحمن الحمود مدير العلاقات العامة والإعلام، والأستاذ سالم العجمي من القسم الصحفي، إذ كان لهما فضل تنسيق اللقاءات وفتح أبواب الميناء لنا، وتسنُم أبراج سفن الشركة في الخليج، وإحالتنا بعد ذلك إلى أعداد مجلة المرساة العربية التي تصدرها الشركة، وملف ندوة الاحتيال البحري العالمية التي نظمتها الشركة من قبل، ومن مزيج كل الإجابات التي حصلت عليها توافر المداد الذي أعالج به هذا الموضوع الخفي عن عيون القراء القابعين على البر، ولعل المدخل يكون في الإجابة عن أول الأسئلة التي كنت أطرحها في ذلك الخضم:
ما هي القرصنة البحرية وهل انتهت؟.
تتجمع كل الأصوات التي أصغيت إليها في جولتي بمبنى الشركة وعلى ظهر السفن لتقول إن القرصنة PIRACY - البحرية خاصة- هي كل نهب أو عنف ينتهي إلى غايات خاصة دون مرجعية للهيئات المسئولة، وخارج كل قانون دولي أو محلي، ولهذا فإن القانون يتيح لأطقم السفن المعتبرة أن تقبض على أي سفينة للقرصنة وتقود بحارتها للمحاكمة في أي ميناء على البر ليدانوا إذا أجرموا وتصادر سفينتهم، وعلى الرغم من أن كلمة القرصنة صارت أكثر اتسـاعا من وجهة نظر القانون الدولي والمحلي في كثير من البلدان، إلا أن القرصنة البحرية التي نعنيهـا هي تلك التي وقعت في ثنايا كل مراحل التاريخ البحري، ففي ساحة البحر الأبيض المتوسط قديما تعرضت التجارة البحرية لقرصنة الفينيقيين واليونان والرومان وشوارد بحارة قرطاجنة. وفي العصور الوسطى كان الفايكنج الآتون من الشمال والبربر الآتون من الجنوب قراصنة تلك العصور، ونتيجـة للحروب الأوربية في عصر النهضة وما تلاه، فإن القرصنة اتسعت رقعتها لتشمل بحارة السفن الحربية الذين كانوا يتحولون فيما بعد إلى قراصنة لحسابهم الخاص وعلى ظهور سفن خاصة، وأثناء الحروب الإليزابيثية مع إسبانيا في نهاية القرن السادس عشر تحولت "الغلايين" المتجهة إلى البحر الكاريبي من المكسيك إلى هدف تقليدي للقنص من قبل القراصنة، ومن القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر، ونتيجة لتهاوي قبضة الحكم التركي فإن ولايات البربر فى شمال إفريقيا تحولت إلى القرصنة، وصارت القرصنة شائعة في البحر المتوسط حتى أن هناك كثيرا من الموانىء المعروفة صارت تتسمى باسم موانىء القراصنة. وفي القرن التاسع عشر قُمعت القرصنة ببروز وتبلور الهجمات عليها من قبل الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، ولكن العامل الحاسم في القضاء على القرصنة- بصورها القديمة- في القرن العشرين يرجع بعد ذلك إلى نمو وتضخم السفن التجارية وتطور المراقبة الدولية على الخطوط البحرية وعبر المحيطات، والاتفاقات بين الدول لمكافحة القرصنة، وباستثناء بعض الحوادث الصغيرة في بحر الصين الجنوبي إضافة لحوادث نادرة لاختطاف السفن، فإن القرصنة البحرية - بمعناها القديـم- قد تلاشت، لكنها عادت إلى الظهور في ثيـاب جديدة ووراء أقنعة متقنة هي ثياب وأقنعة ما يسمى ب "الاحتيال البحري" الذي لا يعدو كونه نوعا مختلفا وأخطر من القرصنة البحرية في عصرنا.
وكما يقول الدكتور يوسف عطاري في بحثه المقدم لندوة الاحتيال البحري العالمية التي نظمتها شركة الملاحة العربية المتحدة في الكويت: يجب أن نفرق بين نوعين من الاحتيال، النوع الأول هو ما يطلق عليه بالإنجليزية اصطلاح "Fraud" ويقصد به الحيلة والخديعة والغش والتدليس والمزاعم الكاذبة التي يلجأ إليها الشخص لإيهام الآخرين لأخذ ما ليس له فيه حق، وهذا غير القرصنة Piracy وهي لصوصية البحر التي تنطوي على العنف والإكراه.
ورغم خلو الاحتيال من شرط العنف والإكراه، إلا أن ما ينطوي عليه من خبث يتضمن نوعا من العنف والإكراه أشد إيذاء، لهذا كان لا بد لنا من ضرب الأمثلة.
حتى لا يكون طعامك في يد غيرك
كيف يمكن تبيان التحايل البحري في صور ملموسة؟.
يجيب عن سؤالنا "إريك الين" - مدير المكتب البحري الدولي الذي استضافته الكويت ضمن المحاضرين في ندوة الاحتيال البحري، ويبدأ بذكر مثال مدهش من وراء المحيط، ومن خضم المدهشات الكاريبية، فالحكومة الكوبية تبيع معظم إنتاجها من البن بأعلى سعر ممكن للبلدان الخارجية، أما للاستهلاك المحلي فإن الكوبيين يشترون من الخارج بنا أرخص، وفي إحدى المرات اتصل بالكوبيين تاجر ألماني يدعى "ف"، وعرض عليهم سعرا أقل بكثير من الأسعار العالمية، ووافقت الحكومة الكوبية على شراء البن، وقررت أن تدفع بواسطة الاعتماد المصرفي حوالي تسعة ملايين دولار عن طريق مصرف "نوفا سكوتيا" في "تورنتو"، عندئذ اشترى "ف" سفينة قديمة بمبلغ لا يزيد على 700 ألف دولار، وكان من المفترض أن تحمل هذه السفينة- على الأقل- البضاعة إلى كوبا، ولكنها لم تفعل، وقدّم التاجر "ف" وثائق مزورة لمصرف "نوفا سكوتيا" الذي دفع القيمة مقابل الاعتماد المصرفي، لكن الحقيقة المذهلة تتمثل في أن البن لم يتم تحميله أبدا على متن السفينة لأنه لم يكن هناك بن أصلا، علاوة على ذلك فقد قام التاجر بإغراق سفينته القديمة، وحصل على قيمة التأمين أيضا، أما البن فلم يصل بالطبع إلى كوبا، وكانت أزمة، وتم ضبط التاجر "ف" في ميامي ومعه بقايا نقود، وكان قد اشترى يختا وشقة أنيقة وسيارة من أحدث طراز، لقد أدين وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين، لكن الحقيقة أنه تم ترحيله بعد شهرين ليكون - في واقع الأمر- قد قضى شهرين من الحبس مقابل الاستيلاء بالتحايل على مبلغ تسعة ملايين دولار.
مثال آخر:
صفقة أخشاب من سنغافورة تم الاتفاق عليها، وتم التعاقد مع سفينة اسمها "أدفنت" لقاء نقل شحنتين من الخشب وحصل مالكها مقابل ذلك على مبلغ 4 ملايين دولار، لكن السفينة أغرقت بعد أن تغير اسمها مرتين، ولم يكن على متنها أي أخشاب، أي أن المتحايل أغرقها ليوهم بغرق شحنة الخشب التي لا بد أنه باعها لمشتر آخر، ويقال إن تجار الأخشاب السنغافوريين فقدوا في نصف عام فقط ما يقارب 13 مليون دولار في حوادث اختفاء سفن شحن أخرى.
ومن الشائع في هذا الصدد أن تذهب السفن بحمولتها إلى مكان آخر، غير الذي ينتظر فيه المشتري الأصلي، عندئذ يتم بيع الشحنة مرة ثانية لمشتر جديد، ويتم تسريح بحارة السفينة في هذا الميناء ويستأجر المالك بحارة غيرهم يذهبون بالسفينة إلى المياه العميقة حيث يجري إغراقها عمدا لتختفي آثار الجريمة وليقبض المالك قيمة التأمين من الشركة التي يستحيل عليها حشد بعثة من الغواصين والخبراء لتبين الحقيقة في متاهة المياه العميقة تلك.
صور غريبة من التحايل تقطع بوجود حقيقة واضحة مؤداها أنك عندما تضع طعامك في يد غيرك، فإنك تصبح عرضة لاحتمالات عديدة: ألا يصل هذا الطعام إلى فمك من الأصل، أو يصل منقوصا أو مغشوشا أو متأخرا.. إذن.. ما دمت تحيا على شاطىء البحر، تورد وتستورد، فلا مفر من أن تكون يدك أنت هي التي تأتمنها على ما تحمله إلى فمك، ويدك أنت هي التي تأتمنها على ما تريد نقله إلى العالم.
وشركة الملاحة العربية المتحدة، كخط ملاحي عربي وطني، هي يد الخليج العربي التي يمنع وجودها حدوث الاحتمالات المريرة للتحايل البحري، الصورة العصرية من القرصنة القديمة التي انقرضت. فهل لنا أن نتعرف على قدرة هذه اليد التي تكافح- بمجرد أنها موجودة- تلك القرصنة البحرية.
يد الخليج العربي عبر بحار الدنيا
في شهر يوليو عام 1976 اشتركت دول الخليج في تأسيس هذه الشركة برأسمال مصرح به قدره 1771 مليون دولار أمريكي، وكان القصد الأول لمهمتها الأساسية كخط وطني لدول الخليج العربي هو تلبية احتياجات النقل البحري لمنطقة الخليج العربي، إضافة لذلك فإن توسعها للمشاركة في خدمة التجارة العالمية، أخذاً وعطاء، كان طموحا حيثما كان ذلك ذا جدوى اقتصادية تعود على المنطقة وتعود على الشركة ذاتها لتطوير إمكاناتها.
ولم تخذل السنوات التالية حلم المؤسسين، فقد قفزت الشركة لتتبوأ بجدارة- إذ لا سبيل آخر غير الجدارة في بحار لا تعرف إلا قيم العمل وقوانين العرض والطلب والسباق على الأفضل والأوفر- مركز الناقل الأكبر للحمولات البحرية الجافة إلى منطقة الشرق الأوسط، وهي تقدم لمناطق الخليج العربي/ البحر الأحمر ومن مختلف مناطق التجارة في العالم، خدمات أكثر من أي خط ملاحي آخر بمفرده، ولم تتوقف خدماتها الحيوية للمنطقة رغم اشتعال نيران الحرب في الخليج مرتين، بل إن الشركة خلال الفترة من 1990 إلى 1992 زادت حمولة الحاويات بها إلى 75% لتشمل خدمة الحاويات لديها النشاط التجاري العالمي بين شرق أوربا والبحر الأبيض المتوسط والشرق الأقصى وأمريكا الشمالية، وجنوب وشرق إفريقيا.
وحتى تشغل هذا المركز، بإجمالي حركة مبيعات سنوية تزيد على نصف بليون دولار، وبأصول إجمالية تزيد على بليون دولار، فإن الشركة تعمل بأسطول تمتلكه مائة بالمائة ويتكون من 47 سفينة بينها 31 سفينة لنقل الحمولات العامة وتتم صيانتها جميعا طبقا لأرقى مستويات الصناعة العالمية وتصنف في درجة لويدز 1100A المرموقة.
ومن بين سفن الأسطول الذي تمتلكه شركة الملاحة العربية المتحدة تبرز سفينتان من طراز "فيودوسيا"، الطاقة التحميلية لكل منها 860 حاوية نمطية، 4 سفن من طراز 1A طاقتها التحميلية 1240 حاوية نمطية، 9 سفن من طراز 2A الطاقة التحميلية لكل منها 1846 حاوية نمطية، بالإضافة إلى عدد 7 سفن مستأجرة من الحجم ذاته وحتى نتخيل حجم كل من هذه السفن نشير إلى أن أبعاد الحاوية النمطية الواحدة هي 20 أو 40 قدما 8 X أقدام، أي أن أصغر سفينة من سفن الحاويات تشبه جبلا يجري على الماء. لقد كانت السفينة التابعة لشركة الملاحة العربية المتحدة التي رأيتها في قناة السويس منذ سنوات بعيدة جبلا يجري على الماء، لكنني في مياه الخليج شاهدت جبالا أخرى، ورحت أراجع أسماء هذه السفن الجبال التي يبلغ حجم أسطولها من صناديق الحاويات 92 ألف حاوية نمطية، وقد كانت كلها جبالا عربية تجري علي الماء، ولنقرأ هذه الأسماء لبعض من سفن شركة الملاحة العربية المتحدة: ابن خلكان، ابن قتيبة، ابن حزم، ابن رشد، حجاز، ابن زيدون، ابن الأثير، ابن حيان، ابن النفيس، تبوك، ابن الرومي، ابن بسام، ابن مالك، ابن المعتز، ابن العيار، ابن بطوطة، صلاح الدين، ابن طفيل، ابن الهيثم، ابن عساكر، فتح الخير، جبل علي، الاحساء، حمورابي، قطري بن الفجاءة.
شيء مدهش، وكأن هذه الجبال العربية العائمة، التي تقطع بوجودها الطريق على القراصنة الجدد في بحار عالمنا المعاصر، أي المتحايلين، إنما تقوم بنوع من التظاهرة الثقافية العربية وهي تتنقل بين موانىء الدنيا حاملة اسم حكيم عربي، أو فيلسوف عربي، أو قائد عربي، أو طبيب عربي، فكأنها تذكر الدنيا بأننا أصحاب حضارة فلا تستكثروا علينا أن تكون لنا ذراعنا الخيرة الطويلة التي تمتد بالخير وللخير عبر بحار العالم.
نعم.. إنها تظاهرة ثقافية، وحس عروبي يزهو بجذوره عند مرافىء العالم، فعلى سبيل المثال تتردد السفينة خالد بن الوليد بين لندن وأزمير ويوكوهاما، وابن جبير بين فينيسيا وبومبي وخورفكان، وابن سينا بين نيويورك وفينيسيا، وابن زيدون بين بالتيمور وناجويا، وقطري بن الفجاءة بين لوهافر ويوكوهاما.
لقد وقفت في أحد أبراج القيادة بواحدة من سفن الشركة في ميناء الشويخ، وكان الربان عربيا يشرح لي التطور الإلكتروني الذي أدخل في بناء السفن، فنقلها إلى مستوى دقة الطائرات الحديثة الضخمة ورهافتها، وكنت أتطلع إلى بعض من الجبال العربية العائمة التي كانت جميعها من سفن شركة الملاحة العربية المتحدة، وخطر لي أن العمل الصحيح يحمل كل سمات الصحة في أصغر أجزائه وأكبرها، فعندما اختارت الشركة أن تكون خطا وطنيا عربيا للملاحة البحرية في الخليج، مانعة في شموخها تسلق أفاقي التحايل البحري على جدران التجارة العربية البحرية، فإنها أيضا كانت تتشبث بأصولها الحضارية العربية وتزهو بها أينما ذهبت.
محمد المخزنجي / مجلة العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق