السبت، 29 فبراير 2020

• الحيوانات في الخرافات الشعبية


الإيمان بالخرافات والأساطير كان حاضراً في حياة البشرية على مرِّ العصور، وكانت الحيوانات مرمى لهذه الخرافات في مختلف الحضارات. الثعلب يتخفى بأرواح الأشخاص، البومة تجلب الموت والمرض،أجنحة الخفاش تُذهِب الصلع، وغيرها الكثير من الحكايا التي تخللت التراث الإنساني، لدرجة أنها أثّرت على وجود بعض الحيوانات.

على ضفة أخرى، دحض العلم هذه الخرافات، مؤكداً أهمية هذه الكائنات في تحقيق التوازن البيئي على كوكبنا، ودعم حياة الإنسان في مجالات شتى، بل وقد تسبقه أيضاً، عملاً بقول الجاحظ في كتابه "الحيوان": "فإنّ لها أموراً تدركها وصنعةً تحذِقها تبلغُ منها بالطبائع سهواً وهويّاً ما لا يبلغ الإنسان".
الثعلب شيطان النار
سريعة، ماكرة، متخفية، صورة الثعالب في الأساطير القديمة. في الفلكلور الياباني وردت حكايات عن ثعالب كيتسون kitsune، بأنها مخادعة وتملك سلطات السحرة، ويمكن أن تتحول أرواحها إلى أشخاص. كما صورت الأساطير اليابانية الثعلبَ كرسول وخادم لإيناري إله الأرز، ولا تزال حتى اليوم تماثيل الثعالب تتصدر معابد إيناري في اليابان.
الثعلب الأحمر كانت له حصة في الفلكلور والتراث الإنساني، اعتبره الرومان القدماء شيطان النار، رُبط بالدهاء والمكر والاحتيال، تارة يظهر بصورة الشرير المحتال وأخرى بصورة المظلوم الذي يستخدم دهاءه في اللحظة الأخيرة، الأمر الذي كان مصدر إعجاب بعض الشعوب، بينما كان سبباً لمقته في حضارات أخرى وصفته بالحيوان الطفيلي. ولا يزال أغلب الناس حتى اليوم يربطون الثعلب الأحمر بالأذى والضرر أكثر من اعتباره حيواناً مثيراً للشفقة، خاصة لدى المزارعين ومربي الدواجن.
في حين تشكل الثعالب الحمراء عاملاً هاماً في توازن البيئة، فهي تتكيف مع جميع البيئات المناخية والجغرافية التي تعيش فيها، وغذاؤها يختلف بحسب بيئتها، فمنها ما يتغذى على القوارض والأرانب والطيور، ومنها مايعيش على الأسماك والضفادع والخضروات، أما القريبة من سكن البشر فتقتات على القمامة وأغذية الحيوانات الأليفة.
بين الثعالب لغة تواصل خاصة كالتبول على الأشجار والصخور لتدل بعضها على تواجدها، كذلك تحريك ذيلها الكثيف والطويل، تستعمله أيضا في حماية نفسها في البرد.
البومة شريكة الساحرات
من أكثر المخلوقات ارتباطاً بالأساطير على مرّ العصور واختلاف الثقافات، تارة نراها حكيمة مُكرَّمة وأخرى ساحرة محتقرة، لها حكايات كثيرة في السحر والطب والولادة والموت وغيرها.
تقول الأساطير اليونانية القديمة إن الآلهة أثينا أُعجبت بالبومة وكرمتها دون باقي الطيور، تمت حمايتها ظناً بأن نوراً فيها كان سبباً في قدرتها على الرؤية ليلاً، وكانت إذا طارت البومة فوق الجنود اليونانيين قبل المعركة فذلك دليل على النصر القادم.
خلال العصور الوسطى في أوروبا كانت البومة شريكة الساحرات وساكنة الظلمات ومدنسة المساحات التي تحل بها. رُبطت رؤيتها ليلاً بالخوف والشؤم من المجهول، تقول الأسطورة الإنكليزية، إن وقوف البومة على نافذة مريض يعني أن موته بات وشيكاً، أما صوتها فاستخدموه أيضا للتنبوء بالطقس، وصراخها ينذر بأن عاصفة باردة قادمة.
على ضفة ليست ببعيدة ارتبطت البومة بالدمار والخراب، في بلاد الشرق اعتقد أنها إشارة للموت، رؤيتها في الطريق إلى المعركة يعني وقوع حرب دامية ستخلف الكثير من القتلى والجرحى، ورؤيتها في منزل ما يعني موت أحد من أهله، وقالوا إن رؤيتها في المنام جيدة ما لم تصدر صوتاً، صوتها دليل أن يوماً سيئاً قادم في الطريق.
رغم الظن بأنها جالبة للطاقة السلبية، غير أن البومة كانت أيضاً تميمة لصد الطاقة السلبية، فقد استخدم الإنكليز ريش البوم لإبعاد التأثيرات غير السارة، وكان الريش يوضع على سرير الطفل لإبعاد المرض عنه، أما بيضها فقد استخدم كعلاج شعبي للشفاء من السكر والكحول وتحسين البصر.

غير أن البوم الذي حمل الكثير من الدلالات والمعاني في التراث الشعبي هو طائر يقدّس الحياة الأسرية ويعرف المشاعر الأبوية، لا ينقطع الأبوان عن رعاية صغارهما وإطعامهم وتعليمهم أصول الطيران والقنص، حتى يطمئنا إلى اكتسابهم المهارات الأساسية للانطلاق في الحياة بشكل مستقل.
الضبع... قوى الشر والسحر
ارتبطت الضباع بقوى الشر والسحر لدى بعض الشعوب، اعتقد أن لها تأثيراً كبيراً على أرواح الناس، لدرجة أنها قادرة على التنويم المغناطيسي لضحاياها ثم تتخلص منها، فعوملت على أنها حيوانات مخيفة تستحق الاحتقار، ووجب التخلص منها.
تقول أسطورة في الغرب إن الضبع هو كلب أو قط، في حين أن للضبع عائلة منفصلة عن كليهما، وله أربعة أنواع هي الضبع المرقط، الضبع المخطط، الضبع البني، الذئب – بمعنى أنه يشبه الذئب.
من الخرافات التي قيلت عن الضبع إنه خنثى، أي يمتلك أعضاء تناسلية من الجنسين، والحقيقة أن إناث الضباع المرقطة لديها قضيب زائف، عبارة عن أنسجة دهنية تتمزق عندما تضع وليدها الأول الذي يمر من خلالها.
من الأساطير التي قيلت عن الضباع، أنها قمّامة أي تعيش على الجيف، في حين هي تصطاد فريستها، ولا بأس بأكلها ميتة، بغض النظر عن حجمها وشكلها في ظل فكيها القويين.
سمعة وخرافات سيئة لحقت بالضبع لتغيّب ما تقدمه لتوازن البيئة، فغذاؤها على جثث الحيوانات يخلص الطبيعة من هذه الجثث والأمراض التي تنقلها خلال تحللها، وهذا يعزز النظام البيئي الأيكولوجي، وغياب الضباع سيزلزل هذا النظام.
الخفاش... ضد الشيب والصلع
كغيره من الحيوانات الليلية، ارتبط الخفاش بمفاهيم السحر والإجرام وأرواح الأموات غير المدفونين، في الفلكلور الإنساني الكثير من القصص حول الحيوان الثديي الوحيد الذي يطير، أحدها أن فرك دماء الخفاش على الوجه سيساعد على الرؤية في الظلام، وأجنحتها المجففة بعد مزجها بالقليل من زيت جوز الهند يمكن استخدامها للتخلص من الصلع وشيب الشعر.
رغم هذه الدلالات السلبية التي تحملها الخفافيش إلا أن العلم أثبت فائدتها لحياة الإنسان، يحتوي لعاب الخفاش إنزيمات تعمل كمضاد للتخثر، على اعتبار أنه يعيش على الدماء، غير أن هذه الإنزيمات استخدمت من قبل العلماء لإنتاج أدوية تساعد مرضى القلب.
والخفاش أو الوطواط، ليس أعمى كما يشاع عنه، بل هو كائن مبصر بشكل جيد، غير أن الخفاش الآكل للحشرات يهتدي بالصدى ليصل إلى غذائه في الظلام الدامس، دليل آخر يثبت دور الخفاش في تناسق كوني جدير بالاهتمام.
المصدر: 1
إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق