السبت، 16 أبريل 2022

• 100 عام على قيام دولة لبنان الكبير قراءة نقدية


دولة لبنان الكبير

عندما دخلت السلطنة العثمانية الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا، ألغت نظام متصرفية جبل لبنان، ونظام ولاية بيروت، وألحقت جميع ولايات السلطنة في المشرق العربي بالجيش العثماني بقيادة جمال باشا، فعلّق المشانق لبعض من كانوا متعاطفين مع فرنسا وبريطانيا والثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين.

وكان للمجاعة الكبرى التي أودت بحياة عدد كبير من اللبنانيين في الحرب العالمية الأولى، إلى جانب الأوبئة والجراد والحصار البحري الذي فرضه الفرنسيون والإنجليز على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، الأثر الكبير في الدعوة إلى قيام دولة لبنان الكبير ضمن حدود جغرافية تجاوزت كثيرًا مساحة حدود متصرفية جبل لبنان. وقدّر عدد ضحايا المجاعة بحوالي 180 ألفًا، أي قرابة ثلث سكان متصرفية جبل لبنان. 

عند نهاية الحرب عام 1918، زال نفوذ السلطنة في بلاد الشام لمصلحة فرنسا ذات السيطرة الاستعمارية الواسعة، وبريطانيا الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها، فتكاتفت جهود النّخب السياسية والثقافية والاقتصادية اللبنانية من طوائف متعددة لتشكّل تيارًا سياسيًا جديدًا طالب بقيام دولة لبنان الكبير ضمن حدود لبنان التاريخية أو الطبيعية،

وساهمت منظمات لبنانية بدول الاغتراب في الدعوة إلى توسيع تلك الحدود لضمان سلامة اللبنانيين،

 وتمحورت مطالب اللبنانيين حول القضايا المركزية التالية:

1)    الاستفادة من تجربة المتصرفية وتوسيع حدودها لتضم السهول الزراعية المجاورة لها،

2)    تعزيز الارتباط الاقتصادي بين المتصرفية مع مدينة بيروت وبعض مناطق ولايتها،

3)    التنبّه إلى مضمون اتفاقيات سايكس - بيكو لتقسيم بلاد الشام بين الفرنسيين والإنجليز،

4)    التحذير من مخاطر تنفيذ وعد بلفور عند ترسيم الحدود بين الانتدابين الفرنسي والإنجليزي،

5)    الضغط على الإدارة الفرنسية لإبراز خصوصية لبنان الكبير عن بقية الدويلات السورية، دون الإصرار على ترسيم الحدود معها، نظرًا لعدم اعتراف الشعب السوري بتلك الحدود.

الصراع بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني

لقيت مطالب اللبنانيين دعمًا كبيرًا من وزارة الخارجية الفرنسية التي كانت تقاوم الضغوط البريطانية لتقليص المساحة التي أعطيت لفرنسا بموجب اتفاقيات سايكس - بيكو لعام 1916  وزاد تصلّب الفرنسيين في دعم المطالب اللبنانية بعد تراجُع النفوذ الفرنسي عن كيليكيا، وتبخّر حصتها من نفط العراق، ودعم الإنجليز للقوى السورية واللبنانية التي تعارض الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، وتدعم الملك فيصل في حكم البلدين، فقاومت الضغوط الصهيونية التي طالبت بتنفيذ وعد بلفور لإقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، وكانت تحظى بدعم كبير من بريطانيا والولايات المتحدة،

هناك كمٌّ هائل من الوثائق التي تبرز رغبة الحركة الصهيونية على ضمّ مناطق الحولة، وصور، وصيدا، وبيروت، والجليل، وجبل الشيخ، وسهل البقاع، ومناطق أخرى، وإصرارها كي يصبح مجرى نهر الليطاني الحدّ الفاصل بين مناطق الانتداب الفرنسي ومناطق الانتداب البريطاني،

لكن جهود البطريرك الماروني إلياس الحويك والوفود اللبنانية إلى مؤتمر الصلح في فرساي نجحت في تثبيت حدود دولة لبنان الكبير، لتضم ما وصل إليه نفوذ الأميرين فخر الدين المعني الكبير،   

حضرت مأساة المجاعة بقوة في مطالبهم إلى «الخارجية» الفرنسية ومؤتمر السلام في فرساي معًا لضم سهلَي البقاع وعكار، ونظرًا لعلاقاتها التاريخية والثقافية والاقتصادية الوثيقة مع مبادئ الثورة الفرنسية الكبرى التي نشرتها المؤسسات الثقافية الفرنسية في بيروت وجبل لبنان، فقد قبلت بعض النخب اللبنانية، وخصوصًا من ذوي الثقافة الفرنسية، بالانتداب الفرنسي وفق الصيغة الرسمية لمؤتمر سان ريمو، الذي منح فرنسا الانتداب على لبنان - سورية، ولبريطانيا الانتداب على فلسطين والعراق.

معركة شرسة

خاض الفرنسيون معركة شرسة لتثبيت مناطق نفوذهم في بلاد الشام، إذ كانت بريطانيا والولايات المتحدة تدعم بشدة مطالب الحركة الصهيونية لإقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين امتدادًا إلى مجرى نهر الليطاني.

وبرزت خلافات عميقة في عصبة الأمم على ترسيم الحدود بين مناطق الانتدابين البريطاني والفرنسي، وتحت ضغط الحركة الصهيونية وحلفائها، تنازلت فرنسا عن منطقة الحولة أو «جورة الذهب» التي كانت ملكية غالبية أراضيها تعود إلى لبنانيين، وقبلت بضمّ إصبع الجليل، ومناطق واسعة من جبل الشيخ إلى الانتداب البريطاني، وتم تهجير سكان القرى السبع، اللبنانيين، وكانوا في الواقع سكان أكثر من 40 قرية ومزرعة،

كانت الفترة الأولى من عهد الانتداب حافلة بحوادث دموية على خلفيات سياسية أو طائفية أو مناطقية، أودت بحياة عدد من اللبنانيين،

فقد شنَّ الجيش الفرنسي حملات عسكرية في المناطق التي أعلنت رفضها لدولة لبنان الكبير، وسَجن الفرنسيون عددًا كبيرًا من المعارضين لهم، ونَفوا آخرين إلى خارج لبنان.

واستعاد بعض المؤرخين الطائفيين التذكير بالأحداث المؤلمة التي شهدتها مناطق لبنانية في أواسط القرن التاسع عشر، وحذّروا من تبدلات سكانية على خلفية طائفية، وأزمات اقتصادية في حال لم تترسّخ لبنانية جميع المناطق التي شكّلت دولة لبنان الكبير.

وشهدت مناطق بجنوب لبنان، وفي سهل البقاع، وبشمال لبنان حركات عصيان وتمرّد ضد الانتداب الفرنسي تجاوزت مئتي حركة تمرّد خلال سنوات 1920 - 1922، وبلغت أقصى مداها مع اندلاع الثورة في جبل الدروز عام 1925، والتي سرعان ما تحوّلت إلى ثورة سورية شاملة عمّت جميع المناطق السورية وبعض المناطق اللبنانية، إلى أن رفع المفوض السامي هنري دوجوفنيل شعار: «السّلم لمن يريد السّلم، والحرب على من يريد الحرب»، فكانت ولادة الدستور اللبناني، ثم إعلان الجمهورية اللبنانية عام 1926.

صراع مفتوح

بدأ صراع مفتوح بين لبنان والمشروع الصهيوني، فحاولت إسرائيل مرارًا توسيع حدودها داخل الأراضي اللبنانية، وما زالت اعتداءاتها مستمرة على لبنان برًا وبحرًا وجوًا.

فهي لم تنس عجزها عام 1919  عن توسيع حدود الانتداب البريطاني حتى مجرى نهر الليطاني، فاحتلت إسرائيل مناطق واسعة من جنوب لبنان عام 1978  تحت مسمى «عملية الليطاني»، وأقامت «جيش لبنان الجنوبي»  من عملاء لها لتثبيت سيطرتها، متحديةً القرارات الدولية الداعية إلى خروجها من لبنان دون قيد أو شرط.

وأثبت اللبنانيون كفاءة عالية في الدفاع عن كل شبر من أراضيهم، فخرجت إسرائيل مهزومة عام 2000، وتمت استعادة غالبية الأراضي اللبنانية التي شكّلت لبنان الكبير بموجب اتفاقية حُسن الجوار بين الانتدابَين البريطاني والفرنسي عام 1923

مواقف أيديولوجية متباينة

 تباينت مواقف اللبنانيين الأيديولوجية من دولة لبنان الكبير من خلال دراسات المؤرخين الطائفيين التي لم تُبن على قاعدة وثيقة صلبة، وأبرزها:

·       اعتبار دولة لبنان الكبير، لدى بعضهم، هدية من فرنسا تلبية للمذكرة اللبنانية إلى مؤتمر السلام في فرساي بفرنسا عام 1919، والتي جاء فيها: «شكّل لبنان دومًا كيانًا قوميًا متمايزًا عن التجمعات المجاورة في اللغة والعادات والتشابهات الفكرية، وبثقافته الغربية».

·       ودعت إلى تحقيق المطالب التالية: «الاعتراف باستقلال لبنان الذي أعلنته الحكومة اللبنانية في العشرين من مايو 1919، وإرجاع لبنان إلى حدوده التاريخية والطبيعية، والقبول بانتداب فرنسا على لبنان، لكي تقدّم العون وإسداء النصح للبنانيين دون المساس بسيادة لبنان واستقلاله.

·       ب - تأكيد مطلب لبنان الكبير الذي يضمّ جميع الطوائف اللبنانية، وقد صرّح رائد الدعوة إلى قيام دولة لبنان الكبير، البطريرك إلياس الحويك، مرارًا بقوله: «طائفتي لبنان»، وعندما سأله جمال باشا عن وجود مسلمين لا موارنة فقط في لبنان، أجاب: «أعرف ذلك، لكنّهم لبنانيون جميعًا»،

·       ج - تأكيد تحقيق دولة لبنان الكبير المستقلة ضمن حدودها الطبيعية، ورفض الانضمام إلى مشروع الملك فيصل بن الحسين في إنشاء مملكة عربية تشمل سورية ولبنان وفلسطين والعراق، باعتباره ملحقًا بالسياسة البريطانية من جهة، والتصدي بقوة لمشروع إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين يمتد داخل لبنان حتى مجرى نهر الليطاني من جهة أخرى، فردّ الرئيس الفرنسي كليمنصو برسالة إلى البطريرك الحويك بتاريخ 10  نوفمبر 1919 جاء فيها: «... وأمنية اللبنانيين أن تكون لهم حكومة ذاتية، ونظام وطني مستقل تنسجم تمامًا مع ما لفرنسا من تقاليد تحررية، وإنني واثق بإعطائكم هذه الضمانات، إنني أجيب عن المشاعر التي دفعت أهالي لبنان إلى طلب انتداب فرنسا على بلادهم، وآمل أن يتيح للحكومة الفرنسية تحقيق أفضل الأمنيات لدى أولئك الأهالي الشجعان».

·       د- تأكيد أن فرنسا لبّت معظم مطالب اللبنانيين حين أصدر المفوض السامي الفرنسي الجنرال هنري غورو في 31 أغسطس 1920  قرارًا برسم حدود دولة لبنان الكبير، وإعلانها في الأول من سبتمبر 1920، وردّ الحويك على الذين اعترضوا على قيام دولة لبنان الكبير من مواقع طائفية بقوله: «إن الخلاف بين الطوائف يهدد وجود لبنان... بالنسبة إليّ، لا يوجد في لبنان طوائف، بل طائفة واحدة اسمها الطائفة اللبنانية، ولا أفتش إلا عن مصلحة لبنان، وإنني مستعد أن أتحمّل كل التضحيات لتحقيق هذا الهدف، لبنانيون نحن، ولبنانيين سنبقى».

معارضات لبنانية متنوعة

تباينت مواقف النّخب السياسية اللبنانية بصورة واضحة حول تشكّل دولة لبنان الكبير على أسس طائفية، وسارعت فرنسا إلى معاقبة بعض القادة الذين رفضوا انتدابها بالسجن أو بالنفي، ومنعت أحزابًا وجمعيات سياسية واجتماعية مناهضة للانتداب الفرنسي، وفي طليعتها حزب الشعب اللبناني، الوجه المُعلن للحزب الشيوعي اللبناني، وأغلقت جريدته «الإنسانية»، التي استوحت عنوانها من جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي، ومنعت الحزب القومي السوري، واعتقلت بعض قادته، والحزب الاشتراكي في الشرق، وحزب النداء القومي، وجمعيات سياسية أخرى.

رغم تلك التدابير القاسية، تبلورت معارضات لبنانية متنوعة ضد قيام دولة لبنان الكبير من مواقع قومية عربية تعتبر لبنان الكبير صناعة فرنسية، ومن زعماء لبنانيين لم يكونوا على علاقة جيدة بفرنسا، ومنهم من كان يحبذ انتدابًا بريطانيًا أو أمريكيًا، أو يدعو إلى استقلال لبنان التام دون وصاية أو حماية، وساهمت المعارضة العلمانية في تخفيف حدة الانقسامات الطائفية.

وبرزت أحزاب وكتل سياسية ذات توجهات وطنية جامعة نددت بسياسة الانتداب الفرنسي بقمع الحريات، والاستغلال البشع للشعب اللبناني، وعدم احترام نصوص الدستور اللبناني وتعديله أو تعطيله، وصادرت صلاحيات المؤسسات اللبنانية.

أقام الفرنسيون ومن تعاوَن معهم من اللبنانيين نظامًا سياسيًا بني على تعدّد الطوائف وتنوّع الثقافات في دولة لبنان الكبير، لكنّهم فشلوا في إقامة دولة مركزية ذات ركائز صلبة، وتميّز النظام السياسي الطائفي بخصائص سلبية بسبب كثرة التحركات الشعبية التي قام بها اللبنانيون قبل قيام دولة لبنان الكبير وبعده.

لكنّ تلك الانتفاضات عززت انتماء اللبناني للأرض والحرية والعدالة الاجتماعية، وحملت القيم الجديدة التي عبّرت عنها الدعوة إلى الاستقلال التام دعوة صريحة إلى المساواة بين أبناء الجماعة الواحدة دون التقيد بعلاقات النّسب والمرتبة السابقة في النظام القديم، ولم تعد القيادة في النظام السياسي الطائفي في دولة لبنان الكبير حكرًا على أبناء الأعيان القدامى، فبرزت شخصيات جديدة اكتسبت الولاء الشعبي بنشاطها الفردي وكفاءتها الشخصية عبر المهن الحرة، والحراك الاجتماعي، والقدرة الاقتصادية.

المسار التاريخي لدولة لبنان الكبير

شكّلت دولة لبنان الكبير حدثًا بارزًا في تاريخ لبنان المعاصر، إذ رحّبت النخب الوطنية بقيامها على خلفية الاستقلال التام، والسيادة الوطنية، والعمل على بناء دولة ديمقراطية عصرية، وتجاوز الانقسامات الطائفية التقليدية، وبناء هوية وطنية لبنانية تشكّل ركيزة صلبة غير طائفية، واعتبرت حدودها الجغرافية مقدسة، ولا يحقّ لأي مسؤول لبناني، مهما علا شأنه، التنازل عن أي شبر من أراضيها، وتبلورت سمات الهوية اللبنانية المتميزة والمتعاونة مع سورية وفرنسا معًا.

فقد رفض دعاة الوطنية اللبنانية الجامعة مشروع الملك فيصل بن الحسين بإنشاء مملكة عربية تشمل سورية ولبنان وفلسطين والعراق، لأنّه كان يحظى بمباركة بريطانية.

في الوقت نفسه، رفضت القوى العروبية ودعاة الوحدة القومية السورية الاعتراف بدولة لبنان الكبير، وتمسّكت بوحدة بلاد الشام الجغرافية أو بالوحدة القومية العربية الجامعة.

وطالبت بإلغاء الانتدابَين الفرنسي والبريطاني، وخروج جميع الجيوش الأجنبية من بلاد الشام، وتشكّلت جبهة المعارضة الموحدة من لبنانيين وسوريين لخوض معركة الاستقلال وجلاء الجيوش الأجنبية عن البلدين، والإصرار على استقلال لبنان التام دون انتداب أو حماية خارجية، واستمرت السجالات السياسية حول مشكلات «الاتصال والانفصال» بين المناطق اللبنانية والسورية، وأُسّست منظمات سياسية متعددة يرفض بعضها إلحاق دولة لبنان الكبير بسورية، ويتمسّك البعض الآخر بوحدة بلاد الشام التاريخية.

إبان مرحلة الانتداب الفرنسي تحوّل دعاة الوحدة السورية أو العربية الشاملة إلى تيار شعبي عريض، لكنّه يفتقر إلى الأطر التنظيمية الواضحة، فكان بعض قادته ينادون بوحدة الوطن العربي في جميع دوله وفق نشيدهم المعروف: «بلاد العُرب أوطاني»، وكانت قيادته تضمّ مجموعات كبيرة غير متجانسة سياسيًا، منهم كبار الأعيان، وكبار الملّاك، وزعماء القبائل، ومن أصحاب المهن الحرة، وقام بعضهم بنشاطات وتحركات كثيرة ضد إدارة الانتداب الفرنسي، بدورهم، رفض دعاة العلمانية من الليبراليين. والديمقراطيين، والاشتراكيين، والشيوعيين، منذ البداية، النظام الطائفي اللبناني وكل أشكال الحماية والانتداب.

أثر «لبنان الكبير» في التاريخ المعاصر

لعبت المدارس المحلية والإرساليات الأجنبية والجامعة الأمريكية وجامعة القديس يوسف في بيروت دورًا بارزًا في نشر التعليم العصري الأوربي وتحضير النخب اللبنانية، وبخاصة المسيحية منها في جبل لبنان وبيروت، فمنذ أواسط القرن التاسع عشر انتشرت فيها الدعوة إلى الحرية، والاستقلال، والسيادة، والمواطنة.

ساهمت تلك النخب سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا في الدعوة إلى قيام دولة لبنان الكبير، ونشر أفكار الثورة الفرنسية وعصر الأنوار الأوربي، وتأسيس الأحزاب السياسية العصرية في لبنان وفي دول الاغتراب اللبناني.

وكانت بعض النخب اللبنانية في طليعة التيارات السياسية، داخل لبنان وفي دول الاغتراب.

وشهدت الساحة اللبنانية مواقف متناقضة حول ترسيم حدود قيام دولة لبنان الكبير انطلاقًا من اتجاهات مصلحية متناقضة بين القبول بالانتداب أو التمسك بالدعوة إلى وحدة بلاد الشام الجغرافية على أسس سياسية مرنة تحافظ على استقلال لبنان، وسيادته ووحدة أراضيه ضمن الحدود التي رسمتها سياسة تقسيم النفوذ بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني.

أُسّس ولاء اللبنانيين في دولة لبنان الكبير على عصبيات طائفية متناحرة، مما أدى إلى بروز مشكلات حادة عند تحديد لبنانية الأرض التي شكلت دولة لبنان الكبير، ولبنانية اللبنانيين الذين نالوا الجنسية بموجب الإحصاء الرسمي اليتيم في ظل الانتداب الفرنسي عام 1932  علمًا بأن المقاطعات اللبنانية وريثة حضارات متعاقبة ساهمت فيها شعوب كثيرة، وتضامن اللبنانيون لحماية وحدة الجماعة الطائفية باعتبارها هوية قائمة بذاتها في مواجهة هويات طائفية أخرى تشكّل مجتمعة الهوية اللبنانية.

هويات قاتلة

 تحالف الأعيان القدامى مع زعماء الطوائف، فاستمروا قوة فاعلة ومحددة لمسار النظام السياسي الطائفي الذي يحفظ لهم مصالحهم الشخصية، ويزوّدهم بكل مظاهر النفوذ للسيطرة على رعاياهم، وشهدت دولة لبنان الكبير بروز دور مهم للمرأة اللبنانية التي نجحت في حماية عائلتها إبان الحرب العالمية الأولى وتزايد دورها في مرحلتي الانتداب والاستقلال.

ختامًا، تناغمت إشكالية السلطة مع طبيعة النظام السياسي في دولة لبنان الكبير التي بُني على ركائز طائفية متباينة ومتناحرة أحيانًا، وتمحورت إشكالية ولاء اللبناني انطلاقًا من ثلاثية مكونات الدولة: الشعب اللبناني، والأرض اللبنانية، والنظام السياسي اللبناني.

ومع قيام دولة لبنان الكبير تبلورت قضايا أساسية كبرى أبرزها: إشكالية الانتماء إلى الدولة اللبنانية، وإشكالية توصيف الهوية المميزة للشعب اللبناني على خلفية التنوع الطائفي والتعددية الثقافية، وإشكالية الانتماء إلى لزعامة سياسية ذات طابع عائلي وطائفي.

ووصفت الممارسة السياسية لزعماء الطوائف في لبنان بأنها «دكتاتورية مقنّعة»، وذلك يتطلب اليوم بناء استراتيجية وطنية جامعة لمواجهة التحديات الخطيرة المحدقة اليوم بلبنان واللبنانيين، وأبرز ركائزها: التمسك بالحدود الجغرافية التي رسمت عند الإعلان عن دولة لبنان الكبير، وبناء وحدة داخلية صلبة لمواجهة التدخلات الخارجية التي ما زالت تؤدي دورًا أساسيًا في تفجير الساحة اللبنانية منذ أواسط القرن التاسع عشر، والعمل المتواصل على تطوير النظام اللبناني بالوسائل الديمقراطية السلمية تجنبًا لصراع العصبيات الطائفية المدمرة التي وصفها الروائي أمين معلوف بأنها «هويات قاتلة».

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

ثقافة عصر الـ توكتوك

رهاب القذارة: الأعراض، الأسباب والعلاج

ذيل الحيوانات، فوائد ومهمات

العمل عن بُعد (Online)

ألعاب تساعد على زيادة تركيز الأطفال

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق