ابن بطوطة
"كان خروجي من طنجة مسقط رأسي... معتمدا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، منفردا (وحيدا) عن رفيق آنس بصحبته... لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة... فجزمت نفسي على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور (للأعشاش)، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبًا، ولقيت كما لقيا نصبًا".
هل تعرفون من كتب هذه الكلمات؟ إنه ابن بطوطة، الرحالة العربي الذي فاق كل رحالة زمانه، وقطع حوالي 75 ألف ميل تقريبا في أسفاره. كما أنه أيضا الرحالة الوحيد في العصور الوسطى الذي رأى بلاد كل حاكم مسلم من حكام عصره!
ففي رحلته التي أراد منها أن يحج إلى مكة المكرمة، بداية من بلده طنجة شمال المغرب، زار ابن بطوطة شمال أفريقيا وسوريا. ثم خرج يستكشف باقي بلدان ومناطق الشرق الأوسط وبلاد فارس وبلاد الرافدين وآسيا الصغرى، حتى وصل إلى شبه القارة الهندية، وأمضى هناك ما يقرب من عشر سنوات في بلاط سلطان دلهي الذي اختاره سفيرا له، وأرسله إلى الصين!
وقد ولد رحالتنا الكبير ابن بطوطة في طنجة بالمغرب عام 1304 م لعائلة اشتغل رجالها بالقضاء. ودرس هو نفسه الشريعة ليصبح قاضيا، لكنه قرر عام 1325م وعمره 21 عاما فقط، أن يخرج طلبا للحج. وكان يأمل أيضا أن يتعلم في سفره المزيد عن ممارسة الشريعة في أنحاء بلاد العرب.
في أول رحلة له مر ابن بطوطة في الجزائر وتونس ومصر وفلسطين وسوريا ومنها إلى مكة. كما زار ابن بطوطة المدينة المنورة ثلاث مرات. وصلها في المرة الأولى قادما من الشام عام 726 هـ، üوما إن دخلها حتى سارع بزيارة الحرم النبوي الشريف والصلاة بالروضة الكريمة بين المنبر والقبر، ثم توجه للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ومكث ابن بطوطة في المدينة المنورة أياما كان يبيت خلالها في الحرم النبوي الشريف. وقد زار عددا من المشاهد الكريمة في البقيع وأحد، كما زار مسجد قباء ومساجد الفتح.
بعد 29 عاما من الترحال والاستكشاف، وكان ذلك عام 1350م بدأ ابن بطوطة طريق عودته إلى وطنه. وأخيراً عاد إلى مدينة فاس في المغرب. وهناك، في بلاط السلطان ابن عنان، قرأ أوصاف ما رآه في أسفاره على ابن الجوزي. الذي خط منها كتاباً. وهذا الكتاب موجود بين أيدينا اليوم ويعرف بعنوان (تحفة النظار في غرائب الأمصار). ويتحدث كتاب الرحلات عن المغامرات التي عاشها ابن بطوطة في أسفاره.
وكان السفر في ذلك الزمان عبر هذه المسافات الشاسعة والمغامرة بدخول أراض غريبة مجازفةً. غير أن ابن بطوطة كانت لديه الجرأة، والعزيمة، حتى أنه بدأ رحلته وحيدا على حمار. وفي الطريق التحق بقافلة من التجار، وحين وصل معهم إلى القاهرة كان تعداد القافلة قد بلغ عدة آلاف من الرجال ولم يتوقف بعد عن الازدياد.
وقد أذهلت القاهرة ابن بطوطة لأنها كانت أكثر المدن العربية التي رآها صخبا ونشاطا، ولهذا وصفها ابن بطوطة بأنها أم المدن، وسيدة الأرياف العريضة والأراضي المثمرة، لا حدود لمبانيها الكثيرة، ولا نظير لجمالها وبهائها، ملتقى الرائح والغادي، سوق الضعيف والقوي... تمتد كموج البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم!
وحين وصل إلى سوريا سحرت دمشق ابن بطوطة بجو التسامح والتعاضد الذي يسود فيها. وعنها يقول: تنوع ونفقات الأوقاف الدينية في دمشق تتجاوز كل حساب. هناك أوقاف للعاجزين عن الحج إلى مكة، ومنها تدفع نفقات من يخرجون للحج نيابة عنهم. وهناك أوقاف أخرى توفر أثواب الزفاف للعرائس الفقيرات، وعتق رقاب السجناء، ولعابري السبيل تدفع من ريعها أثمان طعامهم وكسائهم ونفقات سفرهم لبلدانهم.
وبعد قضائه مناسك الحج، أدرك ابن بطوطة أن نفسه تواقة أكثر من أي وقت مضي لمواصلة الترحال. ولم يكن لديه بلاد بعينها يريد أن يقصدها، بل كان هدفه الوحيد هو زيارة قدر ما يستطيع من البلدان، وهكذا تنقل في الشرق الأوسط بأكمله، من إثيوبيا جنوبا إلى فارس شمالا. (ثم سافرنا إلى بغداد، دار السلام وعاصمة الإسلام)، ثم توجه ابن بطوطة شمالا ليستطلع بحر قزوين والبحر الأسود وجنوب روسيا.
لكن أسفاره اللاحقة الأكثر متعة كانت إلى الشرق في آسيا. فقد قصد الهند حيث نال هناك إعجاب الإمبراطور المغولي لمعارفه وقصصه. وعرض الإمبراطور على ابن بطوطة منصبا في بلاطه فقبله. وهذا ما أتاح له الفرصة ليجوب كل أنحاء الهند. وبعد اكتسابه معرفة وفيرة ببلاد الهند لكثرة أسفاره فيها، أرسله الإمبراطور سفيرا للهند إلى الصين.
وكان مقدرا لهذه الرحلة أن تكون الأخيرة قبل عودة ابن بطوطة لوطنه. فرغم بعد المسافة قرر أن يقصد المغرب. وقد وصل شمال غرب إفريقيا عام 1351م. وقبل عودته أخيرا إلى فاس في المغرب عام 1353م خرج في رحلة صغيرة إلى إسبانيا ثم في سفرة جنوبية إلى الصحراء الكبرى.
واليوم حصل ابن بطوطة على التقدير الذي يستحقه بجدارة في عالم الاستكشاف. فلتخليد إنجازاته الفريدة في الأسفار، أطلق علماء العصر اسم ابن بطوطة على إحدى الفوهات البركانية على سطح القمر. وعلى واجهة المتحف الوطني (بماليه) عاصمة دولة المالديف في أعماق المحيط الهادي، تستطيع أن تشاهد لوحة ملونة طولها أكثر من متر لهذا الرحالة العربي المسلم، ابن بطوطة، محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف اللواتي المولود في طنجة المغربية. كما جعلت اليونسكو، هذا العام 2004 عام ابن بطوطة تكريما له في ذكرى ميلاده التي تمر عليها 700 سنة.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
كيفية اتخاذ قرار اختيار المهنة
الحرباء تعريفها ووصفها وبماذا تشتهر
معلمو اللغة العربية بين سندان الضحية ومطرقة الجاني
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق