الأحد، 29 يناير 2023

• احذر من البائسين فقد تنتقل إليك عدواهم


الراقصة التي دَمَّرَت الملايين

بؤس الآخرين قد يقتلك- فالمشاعر معدية كالمرض، قد تظن أنهم غرقى وأنك تساعدهم بينما أنت بذلك لا تفعل سوى أنك تدفع بنفسك إلى الكارثة، البائسون أحياناً يجلبون العُسر لأنفسهم وقد يجلبونه لك أيضا. دعك منهم وخالط السعداء والمحظوظين حتى ينتقل إليك حظهم.

ولدت ماري جلبرت في ليمريك بأيرلندا عام 1818، وهاجرت إلى باريس في عام 1840 بحثاً عن فرصة للعمل كراقصة وممثلة، واتخذت لنفسها اسم لولا مونتيز (فقد كانت أمها من أصول إسبانية بعيدة)، وادعت أنها راقصة فلامنجو من إسبانيا.

في عام 1845 كان عملها متعثرا ولكي تستمر كان عليها أن تصبح مَحْظِيَّة، وبسرعة أصبحت أشهر محظية في باريس. كان هناك رجل واحد يستطيع أن ينقذ مستقبل لولا كراقصة وهو ألكسندر دو جارييه صاحب الجريدة الأكثر توزيعاً في فرنسا وقتها والناقد الفني في الجريدة. عزمت لولا على أن تتقرب منه وتسيطر عليه. درست عاداته وعرفت أنه يخرج كل صباح لركوب الخيل، وكانت هي ذاتها متميزة في ركوب الخيل، وذات صباح مرت بالحصان واصطدمت به «صدفة»، وبعدها بدءا في الالتقاء كل صباح يتجولان معا بالخيل وبعدها بأسابيع انتقلت لتسكن معه.

عاشا سعيدين معاً لفترة، وتمكنت لولا بمساعدة دوجاريه أن تُرَسِّخَ عملها كراقصة، وعلى الرغم من أن علاقته بها كانت تُهَدِّدُ وضعه الاجتماعي، فقد أخبر الكسندر أصدقاءه أنه سيتزوج لولا (والتي لم تخبره أبداً أنها فرت من منزلها في عمر التاسعة عشرة مع رجل إنجليزي وأنها لا تزال قانوناً زوجته)، على الرغم من أن حب ألكسندر لها كان عميقاً وصادقاً إلا أن حياته بدأت في التداعي والانهيار، بسببها تعثرت أعماله وبدأ أصحابه النافذون يبتعدون عنه، وذات مرة تَلَقَّى دعوة لحضور حفل يضم أثرياء باريس من الشباب وأرادت لولا أن تَصحَبه ولكنه رفض، وبدأ شجارهما الأول، وذهب للحفل بمفرده، وهناك وفي سُكْرِهِ سَبَّ ناقداً فنياُ لأنه قال كلام سيئاً في حق لولا سابقاً،  الناقد استفزه وطلبه للمبارزة التي كان بارعا فيها، حيث كان أشهر من يُصَوِّبُ بالمسدس في فرنسا، وحاول ألكسندر أن يتهرب ولكن أُجْرِيَت المبارزة وأُصِيبَ ألكسندر ومات، وهكذا انتهت حياة واحد من أنشط الشباب في باريس وأكثرهم نجاحاً...

انهارت حياة لولا فغادرت باريس. في عام 1846 استقرت لولا في ميونيخ وقررت أن تتقرب من لودفيج ملك بافاريا ووجدت أن أفضل طريقة للوصول إلى لودفيج هي عن طريق مساعده الكونت ريشبرج والذي كان مغرماً بالحسناوات، ذات يوم وحين كان الكونت يتناول إفطاره في أحد المقاهي مَرَّتْ لولا على حصانها ووقعت أمامه عن السرج «صدفة» ، فقام الكونت ليساعدها وافتتن بها، ثم وعدها أن يقدمها إلى الملك لودفيج.

دَبَّرَ ريشبرج مقابلة للولا مع الملك، لكن حين وصلت إلى حجرة الانتظار سمعت الملك يقول أنه ليس لديه وقت لمقابلة امرأة أجنبية تطلب الحظوة، فدفعت لولا الحراس ودخلت إليه غير عابئة وأثناء ذلك تَمَزَّقَ صدرُ ثوبها (ربما بفعلها أو على يد أحد الحراس) وأخذت الدهشة الجميع خاصة الملك أن يظهر صدرا لولا عاريان بصفاقة، وتمت الموافقة على أن تقدم لولا عرضاً راقصـاً أمام الملك، وبعد ذلك بأيام ظهرت لولا لأول مرة على خشبة المسرح البافاري، تلقت نقداً رهيباً، ولكن ذلك لم يمنع الملك من أن يُرَتِّبَ لها فرصة أخرى للعرض. لقد كان حسب تعبيره هو «مسحوراً» بلولا، وبدأت تظهر معه في المناسبات العامة متعلقة بذراعه، واشترى لها شقة وأسسها في أرقى الشوارع في ميونيخ، وعلى الرغم من أنه كان مشهوراً بالبخل وأنه لم يكن من النوع الذي يستجيب للأهواء، أخذ يُغدِقُ عليها بالهدايا ويكتب الشعر من أجلها، ولأنها أصبحت محظيته المقربة فقد نالت الشهرة والثروة بين ليلة وضحاها. بدأت لولا تفقد الإحساس بالمعقولية.

ذات مرة وبينما كانت تتجول بحصانها كان يتجول أمامها رجل مُسِنٌّ ولم يعجبها تباطؤه، وعندما لم تستطع أن تتخطّاه بدأت تجلده بسوط الحصان. مرة أخرى خرجت مع كلبها غير مقيد للتنزه فهاجم أحد العابرين، وبدلا من أن تساعد العابر بإبعاد الكلب عنه بدأت تضرب الرجل باللجام، أثارت مثل هذه الأحداث غضباً شديداً لدى مواطني بافاريا المعروفين بالشدة، ولكن لودفيج ناصر لولا بل ومنحها الجنسية وجعلها مواطنة بافارية. وحاولت بطانته أن يبينوا له مخاطر الإقدام على مثل هذه الخطوة ولكن كان كل من ينتقد لولا يطرد سريعاً.

كان البافاريون من قبل يُحَيُّون ملكهم وأصبحوا الآن يحتقرونه، في حين حصلت لولا على لقب كونتيسة وبني لها قصراً جديداً. وبدأت تخوض في السياسة وتقدم للملك نصائح في شئون البلاد، وأصبحت هي القوة العظمى في المملكة وزاد تأثيرها على رئيس الوزراء وكانت تتعالى على الوزراء الآخرين. النتيجة أن اجتاحت الاضطرابات أنحاء البلاد، وأصبحت هذه المملكة التي كانت تنعم من قبل بالسلام على شفا حرب أهلية، وأخذ الطلاب في كل مكان يهتفون الموت للولا...

في فبراير عام 1848 لم يعد لودفيج قادراً على تَحَمُّل الضغط، وفي حزنٍ أَمَرَ لولا أن تغادر بافاريا فوراً، ورحلت ولكن ليس قبل أن تتلقى تعويضا كافياً، وطوال الأسابيع الخمسة التالية استمر غضب الشعب البافاري ضد الملك الذي خسر محبتهم له، وفي مارس أجبر على النزول عن العرش.

رحلت لولا مونتيز إلى إنجلترا، وكان أكثر ما تريد هو الشعور بالاحترام والتقدير، وعلى الرغم من أنها لا تزال متزوجة قانوناً وضعت أنظارها على جورج ترافولد هيلد، وكان قيادياً واعداً بالجيش وابن محامٍ نافذٍ بالمحاكم العليا، وعلى الرغم من أن هيلد كان يصغرها بعشرة سنوات وكان يمكنه أن يَتَخَيَّرَ زوجةً من أجمل وأغنى الفتيات بالمجتمع الإنجليزي، إلا أنه وقع في سحرها وتزوجا عام 1849، وبسرعة تم القبض عليها بتهمة الجمع بين الأزواج ولكنها خرجت بكفالة وهربت مع هيلد إلى إسبانيا، كانا يتشاجران بعنف، وذات مرة جرحته لولا بسكين، وفي النهاية طردته من حياتها. حين عاد لإنجلترا وجد أنه فقد منصبه في الجيش وأنه منبوذ من المجتمع الإنجليزي. رحل إلى البرتغال وعاش في فاقة وبعد أشهر قليلة انتهت حياته القصيرة في حادثة بالمراكب.

بعدها بسنوات أفلس الرجل الذي نشر قصة حياة لولا مونتيز.

في عام 1853 هاجرت لولا إلى كاليفورنيا حيث قابلت وتزوجت رجلا هو بات هل، وكانت علاقتهما عاصفة كباقي علاقاتها، وهجرته إلى رجل آخر، فهرب هل إلى الخمور وأصيب باكتئاب استمر معه إلى أن مات بعدها بأربع سنوات وكان لا يزال في ريعان شبابه.

في عمر الوحد والأربعين تخلت لولا عن تأنقها وممتلكاتها المترفة واتجهت إلى الدين، وطافت أنحاء أمريكا تلقي محاضرات دينية في زي أبيض وحول رأسها وشاح يشبه الهالة. ماتت لولا بعد ذلك بعامين أي في عام 1861.

التعليق:

كانت لولا مونتيز تجذب إليها الرجال بالإغواء لكن سطوتها عليهم كانت تتجاوز الجنس، فقوة شخصيتها هي التي كانت تبقي العشاق في أسرها. كان من يعرفونها من الرجال يشعرون وكأنهم ينجذبون إلى دوامة تدور حولها، وكانت توّلد لديهم إحساسًا بالتشوش والاضطراب ولكن ما تستثيره فيهم من انفعالات كانت يشعرهم بقوة بنبض الحياة.

وكما في كل حالات العدوى، كانت المشكلات تظهر بمرور الوقت. كان تقلب لولا الفطري يتسلل إلى من يحبونها، ويجدون أنفسهم متورطين في مشاكلها لكن ارتباطهم العاطفي بها كان يجعلهم في مساعدتها تلك كانت النقطة الحرجة في المرض- فلم يكن ممكنا تعافي لولا من مشاكلها، لأن مشكلاتها كانت عميقة بداخلها، وبمجرد أن يتوحد عاشقها مع هذه المشكلات كان يضيع ويجد نفسه متورطًا في النزاعات، وكانت العدوى تنتقل إلى أسرته وأصدقائه، وفي حالة لودفيج انتقلت العدوى إلى أمة بكاملها. كان الحل الوحيد لمن يعرفها هو أن يستأصلها من حياته حتى لا يعاني من الانهيار المحتوم.

نمط الشخصية المعدية لا يقتصر على النساء، فهو سمة لا ترتبط بالجنس بل تنشأ عن حدة اضطراب عميقين في مشاعر الشخص وأهوائه وتتسربان إلى تصرفاته وعلاقاته للشخص فتجلبان عليه الكوارث وتدفعانه للدمار والفوضى. قد يتطلب الأمر منك عمراً لتفهم الأسباب التي تؤدي لتكوين هذه السمات لكن الأفضل أن تدخر وقتك وجهدك وأن تتعلم الدرس، وحين ترى أن أحد المقربين منك ليس لديه السمات لا تجادله ولا تحاوله أن تهديه وتصلحه ولا تقدمه إلى معارفك وأصدقائك، بل فقط ابتعد حتى تحمي نفسك من عواقب صحبته.

المصدر: THE 48 RULES OF POWER, ROBERT GREEN

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

كيف تُعَلِّمين طفلك الامتنان

نصائح لتربية طفل منظم

حديقة الحيوان من أين تأتي بحيواناتها؟

قصة للأطفال: فأرة الإمبراطور

كيف يتعلم الطفل من خلال اللعب

طرق تعليم الطفل عن طريق اللعب

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق