الخميس، 19 يناير 2023

• شرح معلقة عنترة بن شداد


عنترة العبسي

هو عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد العبسي، المولود في عام 525م، ويعدّ عنترة أشهر شعراء العرب في الجاهليّة، تلك الفترة التي سبقت عهد الإسلام، وهو الشاعر والفارس الذي عُرف بشعره الغزليّ العفيف في محبوبته.

أحبّ عنترة ابنة عمّه عبلة، وتقدّم عنترة لخطبتها ولكنّ عمّه رفض تزويجها لعبد أسود، أمّه من الأحباش السّود واسمها زبيبة، وقد كانت إحدى سبايا والده شدّاد ومن عبيده، وقد ورث عنترة عن أمّه البشرة السوداء، وكان كنيته أبي المغلس؛ لأنّه كان يسير لغاراته في الغلس، أي في ظلمة الليل، كما لُقّب بعنترة الفوارس؛ لأنّه من الفرسان المعدودين عند العرب، فقد كان من أشدّ الرجال وأشجعهم في زمانه، كما كان حليمًا يعرف الفرق بين التهوّر والشجاعة، وقد اعترف به والده ابنًا بعد أن أظهر شجاعةً وفروسيّة في الحرب لم تكن عند غيره من العرب، وهو من شعراء المعلقات، توفّي عام 601م، وسيكون في هذا المقال شرحٌ لمعلقة عنترة بن شداد.

معلقة عنترة بن شداد

سُمّيت المعلقات بهذا الاسم من "علق" أي كل ما عُلّق، وهي من أروع قصائد العصر الجاهلي، وسميت كذلك لأنّها خيطت من الحرير وعلقت على أسنتار الكعبة إعلاءً من شأنها، ومعلقة عنترة بن شداد هي إحدى القصائد الشعرية التي كتبت باللغة العربيّة، من نظم الشاعر العربيّ عنترة العبسي، وقد نظمها في القرن السادس الميلادي، وهي على البحر الكامل، وكانت الأغراض الشعريّة الموجود فيها بشكلٍ أساسي هي الحماسة والوصف، وهي تحتوي على تسعة وسبعين بيتًا من الشّعر، وقد تنوعت الموضوعات فيها بين مخاطبة الشاعر لمحبوبته ووقوفه على الأطلال ووصفه لفرسه ووصفه للخمر، وقد قام عنترة بنظم معلقته بسبب رجل قام بشتمه وتعييره بسواد بشرته وبأمّه وبأخوته، وقال بأنّ عنترة لا يعرف قول الشعر، فبدأ عنترة إبّان ذلك بنظم قصيدته هذه بادئًا كغيره من شعراء الجاهلية بوصف الفرق ثم وصف حبيبته عبلة ومخاطبتها، ثم الحديث عن الشجاعة والفروسية وغيرها، وفيما يأتي بعضٌ من أبيات معلقة عنترة:

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ     أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي     وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّه     فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا     بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ     أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ

حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت     عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ

عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها     زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ

شرح معلقة عنترة بن شداد

قال التبريزي إنّ عنترة نظم معلقته بعد أن نال حريته من العبوديّة، واعترف أبوه به ولدًا له، كما قيل إنّ رجلًا من عبس قد شتم عنترة وعيّره بأمّه وبانّه عبدٌ أسود، فبدا عنترة يقول الشعر مفتخرًا بنفسه وببسالته وبشجاعته وفروسيته متحدّيًا كل خصومه، فكانت هذه الأبيات من أجمل ما قيل في الشعر العربيّ والجاهليّ، وقد بدأها بوصف حبّه لابنة عمّه عبلة وفيما يأتي شرح لأبيات معلقة عنترة العبسي:

بدأ عنترة قصيدته بالسؤال عن حال الشعراء الذين لم يتركوا موضعًا لكتابة الشعر إلا كتبوا به ووصفوه ثم انتقل ليتساءل عن معرفته بدار حبيبته بعد شكّه بها، وطلب من ديار المحبوبة أن تتكلم وتخبره عن أهلها وما فعلوا في كل تلك الأيام، ووقف بعدها عن استخباره وسؤاله وألقى عليها التحيّة فقال: طاب صباحك وطاب عيشك وسلمت يا ديار الأحبّة، وتابع في الحديث عن ديار الحبيبة فقال أنّه حبس ناقته فيها، وشبّه ناقته بالقصر، وقال إن حبسه الناقة كان وقوفًا في ديار المحبوبة من أجل قضاء حاجته من البكاء عليها، والحزن على أيام وصالها، ثم قال بأنّ عبلة وأهلها نزلوا بموضع يدعى الجواء، أمّا أهله فنزلوا بمواضع تدعى الحَزن والصماء والمتثلم، ورجع بعدها لتحية الأطلال وبأنّها قد قدم عليها العهد بعد أن خلت من أهلها كلّ ذلك الزمن وكان من بين أهلها محبوبته عبلة، وكان ذلك في الأبيات الآتية:

هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم     أم هلْ عرفتَ الدارَ بعدَ توهمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي     وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها     فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا     بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ     أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ

ثم وجه عنترة الكلام لمحبوبته بأنّها قد نزلت بأرض أعدائه، فأصبح طلبها صعبًا جدًا عليه، ثم قال بأنّه أحبّها فجأةً ومن غير قصد منه، وكان ذلك من نظرة واحدة نظرها لها فكانت كافية بأن يشغف بها حبًّا، وكان ذلك على الرغم من قتاله وصراعه مع قومها، كما كان طامعًا بوصالها في خضمّ كل ذلك القتال والعداء وهذا طمع ليس في موضعه، وتابع في وصف حبّه لها بقوله أنّها نزلت في قلبه منزلة المحبّ المكرم، ولتكن متيقنة من ذلك وألا يخطر لها أن تظنّ غيرهن ثم تساءل عن طريقة ليزورها بها وقد أقام أهلها وقت الربيع بموضعين وأقام أهله في موضع بعيد عنها، وبين المواضع مسافة كبيرة ومشقّة في السفر، ثم قال لها إن كانت قد اعتادت الفراق ووطّنت نفسها عليه، فإنّه قد شعر بذلك عندما غادرت، ولم ينذره برحيلها في ذلك الوقت إلا انقضاء مدّة الكلأ والانتجاع فصارت إبلهم تستفّ حي الخمخم في وسط الديار، وقد وصف قافلة أهلها عندما غادروا بأنّه كان فيها اثنتان وأربعون ناقة سوداء، وهذه النوق الغالية الثمن هي دليل على ثراء أهلها، وكان ذلك في الأبيات الآتية:

حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت     عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ

عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها     زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ

وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ     مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ

كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها     بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ

إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّما     زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ

ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها     وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ

فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً     سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ

ثم وصف عنترة محبوبته وجمالها، وشبّه رائحتها برائحةالمسك، كما شبهها بالرّياض التي لم ترعى فيها المواشي بعد، بخضرتها وجمالها وقد أمطرت على هذه الرياض أمطار متواصلة لا انقطاع حتى تركت حفر من المياه كأنّها دراهم في استدارتها وصفائها وبياضها وقد استوطنها الذباب وبدأ صوته فيها كصوت غناء شارب الخمر، وكان ذلك في الأبيات الآتية:

إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ    عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ

وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ    سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ

أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها    غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ

جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ    فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ

سَحّاً وَتَسكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ    يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ

وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ    غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ

هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ    قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ

ثم يتابع فيقول إنّها أيّ حبيبته تنعم بالنوم الهانئ وهو يكابد عناء الحروب والأسفار، وأنّه يستوطن ظهر فرسه غليظ القوام ضخم الجنبين كما يستوطن غيره حشية الثياب وكان ذلك في الأبيات الآتية:

تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ    وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ

وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى    نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ

ثم يقول عن ناقته هل تراها ناقة شدن ستبلغه ديار المحبوبة، وهي ناقة قويّة على الأسفار ثم يتابع في وصف الناقة قائلًا بأنّها ناقة نشيطة ومرحة على الرغم من أنّها قد سارت معه الطريق كلّه، وقد شبّه سرعتها بسرعة الظليم الذي تأوي إليه النعام كما تأوي إلى راعٍ أعجمي إبلٌ يمانيّة، فشبه سواد الظليم بسواد الراعي الأعجمي، فجعلت هذه النعام الظليم نصب عينيها ولم تعد تنحرف عنه، ثم شبهه بهودج النساء أيّ كالخيمة على مكان مرتفع، وشبّه هذا الظليم بعبد أسود يلبس الفرو وليس له أذن فليس للنعام آذان، وكان هذا الفرو هو الجناحين، وكان ذلك في الأبيات:

هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ    لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ

خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ    تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ

وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً    بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ

تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت    حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِ

يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ    حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ

صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ    كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ

ثمّ عاد لوصف ناقته بأنّها شربت من ماء هذا الموضع فأصبحت نافرة تميل عن مياه الأعداء، فالعرب تسمي أعدائها بالديلم لأنّ الديلم من أصناف أعدائها، وكأنّ ناقته تتنحى إلى جانبها الأيمن وذلك لفرط نشاطها في السير فهي لا تستقيم في سيرها ، وتبتعد مخافة أن يضربها بالسوط، ويتابع في وصف الناقة فيقول بأنّها إذا بركت صدر عنها أنين فكان صوت أنينها كصوت القصب المكسور الذي يُصدر صوتًا إذا برك شيء عليه، كما شبه العرق الذي يسيل من رأسها وعنقها بالقطران الذي يتقطر من قمقم يغلي على النار، وعرق الإبل لونه أسود لذلك شبهه به، وشبه رأسها بالقمقم لصلابته، ويتابع فيقول بأنّ العرق ينبع من خلف أذن الناقة، وبأنّها ناقة غضوب وتتبختر في سيرها كأنّها فحل في وثاقة خلقها وضخامتها، وكان ذلك في الأبيات الآتية:

شَرِبَت بِماءِ الدُحرُضَينِ فَأَصبَحَت    زَوراءَ تَنفِرُ عَن حِياضِ الدَيلَمِ

هِرٍ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَت لَهُ    غَضَبى اِتَّقاها بِاليَدَينِ وَبِالفَمِ

بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّم    بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ

وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَد    حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِ

يَنباعُ مِن ذِفرى غَضوبٍ جَسرَةٍ    زَيّافَةٍ مِثلَ الفَنيقِ المُكدَمِ

إِن تُغدِفي دوني القِناعَ فَإِنَّني    طَبٌّ بِأَخذِ الفارِسِ المُستَلئِمِ

ثمّ يقول مخاطبًا محبوبته أثني عليّ يا حبيبتي بما تعرفينه عني من المحامد والمناقب، فأنا رجلٌ سهل المُخالقة والمُخالطة مالم يأخذ أحدٌ حقّي، أمّا إذا ظلمني أحد ما فإنّ ظلمي كَريه مُرّ المذاق كأنّه العلقم، فأنا الذي شرب الخمر بالقدح المشوف، وذلك دليل على الجود والكرم، ويتابع فيقول وقد شربتها بزجاجة صفراء عليها خطوط، وبدأت بصب الخمر من الإبريق إلى الزجاجة، ويكما فخره بنفسه فيقول بأنّه ولو شرب الخمر فإنّه يُهلك ماله غير آسف عليه، ولكنّه لا يُشين عرضه، فهو تامّ العرض، وسكره ذلك لا يحمله إلا على مكارم الأخلاق، ثم يقول إذا ما صحى من سكرته، فسيبقى جوادًا غير مقصّر فيفارقه السكر ولا يفارقه الكرم والجود، وويتابع فخره بأنّه امرؤ لا ينقص السكر من عقله شيئًا، وكان ذلك في الأبيات الآتية: أثني عليَّ بما علِمْتِ فإنني سمحٌ مخالقتي إذا لم أظلم وإذا ظُلمْتُ فإنَّ ظُلميَ باسلٌ مرٌّ مذَاقَتهُ كَطعم العَلْقم ولقد شربتُ من المدامة بعد ما رَكَدَ الهواجرُ بالمشوفِ المُعْلمِ بزُجاجة ٍ صفْراءَ ذاتِ أسرَّة ٍ قرنتْ بأزهر في الشمالِ مفدَّم فإذا شربتُ فإنني مُسْتَهْلِكٌ مالي وعرضي وافرٌ لم يُكلم وإذا صَحَوْتُ فما أَقصِّرُ عنْ ندىً وكما عَلمتِ شمائلي وَتَكَرُّمي ثمّ يقول مخاطبًا عبلة بنت مالك تستطعين سؤال الفرسان عن حالي في القتال إن كنت تجهلينها، فإني لم أزل على سرج فرس تتناوب الأبطال على طعنه، فأنا مرة أذهب به إلى الأعداد وينكّلون به، ومرّة ينضم لقوم عددهم كبير، ثم يتابع مخاطبًا عبلة بأنّها إن تسأل الفرسان الذين شهدوا معه الحرب فسوف يخبرونها بأنّه فارس ذو همة عالية في الحروب، ويعفّ عند توزيع الغنائم، وكان ذلك في الأبيات الآتية:

 هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ    إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي

إِذ لا أَزالُ عَلى رِحالَةِ سابِحٍ    نَهدٍ تَعاوَرُهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ

طَوراً يُجَرَّدُ لِلطِعانِ وَتارَةً    يَأوي إِلى حَصدِ القَسِيِّ عَرَمرَمِ

يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني    أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ

ثمّ يقول عنترة بأنّه إذا قابل رجلًا تامّ السلاح تهابُ الأبطال نزاله وقتاله لشدّة بأسه وقوته، يهربون في القتال أو يستسلمون فإذا ما قابله عنترة يسرع في طعنه برمحه المقوّم والصلب فينظم ذلك الرمح في ثياب الفارس، وينفذ من جسمه وثيابه كلها، فحتّى لو كان كريمًا فلن يخلصه كرمه من رمح عنترة الذي تركه للسباع بعد أن قتله، فتتناوله تلك السباع بأسنانها، وكان ذلك في الأبيات الآتية:

وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ    لا مُمعِنٍ هَرَباً وَلا مُستَسلِمِ

جادَت لَهُ كَفّي بِعاجِلِ طَعنَةٍ    بِمُثَقَّفٍ صَدقِ الكُعوبِ مُقَوَّمِ

فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ    لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ

فَتَرَكتُهُ جَزَرَ السِباعِ يَنُشنَهُ    يَقضِمنَ حُسنَ بِنانِهِ وَالمِعصَمِ

ثم يتابع فخره بقوته وصلابة رمحه الذي يخترق الدروع القوية التي يرتديها أشجع الفرسان، وبأنّه هتك درع رجل خفيف اليد وهو من الرجال الذين يلعبون الميسر في الشتاء ويشربون الخمور في الحانات، فإذا ما رأى هذا الرجل عنترة لم يفرح وكشّر عن أسنانه، فهوى الموت في عنترة، ويكره الموت ويخافه، فيقتله عنترة ويراه طيلة النهار بعد قتله وقد جفّ عليه دمه كأنّه بنان مخضّب بنبات العظلم، وكان ذلك في الأبيات:

وَمِشَكِّ سابِغَةٍ هَتَكتُ فُروجَها    بِالسَيفِ عَن حامي الحَقيقَةِ مُعلِمِ

رَبِذٍ يَداهُ بِالقِداحِ إِذا شَتا    هَتّاكِ غاياتِ التِجارِ مُلَوَّمِ

لَمّا رَآني قَد نَزَلتُ أُريدُهُ    أَبدى نَواجِذَهُ لِغَيرِ تَبَسُّمِ

عَهدي بِهِ مَدَّ النَهارِ كَأَنَّما    خُضِبَ البَنانُ وَرَأسُهُ بِالعِظلِمِ

فَطَعَنتُهُ بِالرُمحِ ثُمَّ عَلَوتُهُ    بِمُهَنَّدٍ صافي الحَديدَةِ مِخذَمِ

ويقول لما رأى جموع الأعداء وقد هاجموا قومه بأنّه عطف على قومه وقرر القتال لأجلهم، وكانوا يدعونه عندما تُصيب رماح الأداء صدر فرسه وتدخل فيها، وشبهها في طولها بالحبال التي يستسقي بها الإنسان من الآبار، وظلّت الأعداء تنحر بفرسه حتّى تلطخ بالدماء، ومال فرسه عليه مما أصابه من الرماح ووقوعها فيه وشكا إليه بعبراته وحمحمته، ولو كان يعلم هذا الفرس لغة الخطاب لاشتكى لعنترة مما يقاسيه ويعانيه ولكلّم عنترة، ولو كان يستطيع الكلام لشكى إليه مما أصابه من جراح، وكان ذلك في الأبيات:

لَمّا رَأَيتُ القَومَ أَقبَلَ جَمعُهُم    يَتَذامَرونَ كَرَرتُ غَيرَ مُذَمَّمِ

يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّها    أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ

ما زِلتُ أَرميهِم بِثُغرَةِ نَحرِهِ    وَلَبانِهِ حَتّى تَسَربَلَ بِالدَمِ

فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ    وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ

المصدر: 1

المراجع

1.     "عنترة بن شداد"، www.marefa.org، بتصرّف.

2.     "من هو عنترة ابن شداد"، www.arageek.com،

3.     "عنترة بن شداد"، al-hakawati.la.utexas.edu، بتصرّف.

4.     "تعريف ومعنى المعلقات في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com،

5.     "المعلقات وأصحابها"، www.alukah.net،

6.     "معلقة عنترة بن شداد"، ar.wikipedia.org

7.     "معلقة عنترة بن شداد"، www.wikiwand.com،

8.     "معلقة عنترة بن شداد العبسيّ"، www.uobabylon.edu.iq،

9.     "الشاعر عنترة بن شدّاد العبسي: حياته وتحليل معلقته"، basiceducation.uobabylon.edu.iq،

10. "هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم www.adab.com،

11. حسين بن أحمد الزوزني (2002)، شرح المعقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 131، جزء 1. بتصرّف

12. "شرح المعلقات السبع"، www.noor-book.com،

13. حسين بن أحمد الزوزني (2002)، شرح المعلقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 133، جزء 1. بتصرّف

14. "هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم"، www.adab.com،

15. "هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net،

16. حسين بن أحمد الزوزني (2002)، شرح المعقات العشر (الطبعة 1)، جزء 1.

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

بذور الأرض بأمان

طرق تنمية شخصية الطفل

النمل... كم عدد النمل في العالم؟

قصة للأطفال: الحمل والثعلب الصغير

كيفية تربية الأطفال الأذكياء

كيف يؤثر التنمر الإلكتروني على طفلك

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق