الأربعاء، 1 مارس 2023

• لا تجادل أسيادك


لا تهن رؤساءك بجدالك حتى لو كنت على حق

في عام 131 ق.م. وبعد أن حاصر القنصل الروماني بوبليوس كراسوس مدينة برجاموس اليونانية، وجد أنه في حاجة إلى عمودٍ يستخدمه لِدَكِّ ثغرة لاقتحام أسوار المدينة، وَتَذَكَّرَ أنه كان قد رأى منذ أيامٍ ساريتين ضخمتين في حوض السفن بأثينا، فأمر أن يؤتى إليه فوراً بالسارية الأكبر.

ولكن المهندس العسكري في أثينا كان متأكداً من أن القنصل يحتاج للسارية الأصغر، وَجَادَلَ الجنود الذين أتوا له بالطلب بأن السارية الأصغر تناسب الموقف أكثر ويسهل نقلها.

حَذَّرَ الجنودُ المهندسَ من أن قائدهم ليس من النوع الذي يَقبَلُ الجَدَلَ، لكنه أَصَرَّ على أن السارية الأصغر هي التي تناسب الآلة التي يبنيها القائد للاقتحام، وأخذ برسم المخططات للجنود واحداً بعد آخر إلى أن قال لهم أنه هو الخبير، وأنهم لا يعرفون ما يتحدثون عنه. وأخيراً استطاع الجنود إقناع المهندس أن ينسى خبرته وأن يطيع الأوامر فحسب.

ولكن بعد أن رحلوا فَكَّرَ المهندس في الموضوع مجدداً وتساءل، ما فائدة طاعة الأوامر في أمر سيؤدي حتماً للفشل؟. لذلك أرسل السارية الأصغر متأكداً من أن القنصل سيرى أنها الأنسب للمهمة وأنه سيكافئه على ذلك خير مكافأة.

حين رأي موسيانوس السارية الأصغر طلب من جنوده التفسير فحكوا له عن إصرار المهندس وجداله المطول، وأنه كان قد وعد في النهاية بإرسال السارية الأكبر، فغضب موسيانوس بشدة لدرجة أنه نسي الحصار وأهمية خرق الأسوار قبل أن تأتي التعزيزات. لم يكن يفكر إلا في هذا المهندس الوقح وأمر أن يُحضَرَ إليه فوراً. حين وصل المهندس بعدها بأيام قليلة أخذ يُفَسِّرُ للقنصل مرة أخرى أسباب استخدام السارية الأصغر، واستفاض مُكَرِّراً نفس البراهين التي استخدمها مع الجنود، وأن الحكمة تقضي بالإنصات للخبراء وأن القنصل لن يندم على ذلك. تركه موسيانوس ينهي كلامه ثم أمر الجنود أن ينزعوا ثيابه تماماً وأن يجلدوه ويضربوه بالعصيّ حتى الموت.

التعليق :قضى هذا المهندس الذي لم يذكر التاريخ اسمه... حياته كلها يعمل في تصميم الساريات والأعمدة، وكان الجميع يحترمه لأنه أكفأ مهندس في مدينة تفوقت في هذا العلم، كان متيقناً من أنه على حق وأن الملك على خطأ... السارية الأصغر تسمح بالمزيد من السرعة والقوة والأضخم ليس بالضرورة الأفضل، ومن المؤكد أن القنصل سيعرف في النهاية أن كلامه منطقي ويستسلم لحياد العلم وسطوة المنطق، فكيف كان له أن يستمر في جهله حين يبين له الرسوم التفصيلية التي تبين النظرية التي تقوم عليها نصيحته؟ هكذا كان يفكر.

كان هذا المهندس مثالا للمجادلين الذين نجدهم كثيراً بيننا، وهؤلاء لا يعرفون أن الكلمات لا تكون أبداً محايدة، وأنهم بجدالهم مع من أعلى منهم يهينون أشخاصاً لهم السلطة عليهم، ولم يتنبه كذلك لشخصية من يتعامل معه. ولأن كل شخص يعتقد أنه على حق وأن الكلمات نادراً ما تقنع أحداً بخطأ تفكيره، لذلك لا نجد أحداً يصغي لمنطق المجادلين. وحين تمت محاصرة المهندس ووجد نفسه في موقف صعب أخذ يجادل أكثر حافراً قبره بيده، وبمجرد أن تهدد ثقة من تجادلهم في أنفسهم وتشعرهم بالدونية وتضع نفسك في موقف هذا المهندس فلن تنقدك حتى بلاغة سقراط من مصيرك المحتوم.

المشكلة ليست في محاولة إقناع من هم أعلى منك برأيك، بل في أننا جميعاً نظن أننا أساتذة في عالم الآراء والمنطق، لذلك نواصل الجدال العقيم... عليك إذن أن تكون حريصاً: وأن تتعلم أن تثبت صحة أفكارك بطرق غير مباشرة.

المصدر: THE 48 RULES OF POWER, ROBERT GREEN

إقرأ أيضاً:

الأُبوّة الصارمة وراء اكتئاب الأطفال

طريقة التعامل الجديدة مع الطفل العنيد

أنواع التنمر وكيف تحمين طفلك منها

الغيرة عند الأطفال.. آثارها وعلاجها

الزهايمر بين النسيان والخرف

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق