القاعدة 33 من كتاب 48 قانون للقوة (قواعد السّطوة) للكاتب روبرت جرين
الحكمة:
لكل إنسانٍ نقطةُ ضعفٍ وخرق في الدرع التي يحمي بها نفسه. غالباً ما يكون هذا الضعف على شكل خَوَرٍ أو هوى أو رغبة جامحة أو متعة دفينة. بمجرد أن تَكتَشِفَ نقطة الضعف لدى الشخص يُمكنكَ أن تستغلّها لصالحك.
اکتشاف
مفاتيح الشخصية: خطة عمل إستراتيجية:
لدينا
جميعاً ما نخفيه ونُقاوم اضطلاع الآخرين عليه؛ ونضع دروعاً نحمي بها أنفسنا من
فضول الأصدقاء والخصوم ومن اقتحامهم لأسرارنا، کا نحب أن نفعل ما نريد بحرية دون
إجبارٍ أو تأثير من أحد. محاولتك المستمرة لِكَسرِ هذه المقاومة لدى الآخرين يُكَلِّفُك
الكثير من الجهد، وأهم ما يجب أن تعلمه عن الناس هو أن لديهم جميعاً نقاط ضعفٍ
وخروق في دفاعاتهم النفسية لا تستطيع المقاومة، وتجعلهم يفعلون ما تريد إن اكتشفتَ
هذه الخروق وضغطتَ عليها. بعض الناس يعلنون نقاط ضعفهم صراحةً، بينما يحرص آخرون
على إخفائها، وستجد أن الأجدى لك في أغلب الأحوال أن تَتَحَكَّمَ فيمن يخفون نقاط
ضعفهم من خلال اكتشافك واستغلالك للخروق في دفاعاتهم.
عليك
حين تخطط للهجوم على أحد أن تراعي المبادئ التالية:
عليك
أن تنتبه للتلميحات والإيماءات اللاشعورية.
كَشَفَ لنا سيجموند فرويد أن «لا أحد على وجه الأرض يستطيع أن يخفي سراً، وحين
تصمتُ شفتاه تتكلم أنامله، فالأسرار تتسرب منه من كل ثغرٍ» هذا مفهوم مصيري عند
البحث عن نقاط الضعف لدى الناس والتي يمكن كشفها من الإيماءات التي لا تبدو هامة
ومن الكلمات التي قد تبدو عابرة.
السرُّ
ليس في ما تبحث عنه، ولكن في الطريقة التي تبحث بها، فالمحادثات اليومية مليئة بما
تكشفه من نقاط الضعف، وعليك أن تُدَرِّب نفسك على الإنصات إليها. بداية عليك أن تُظهر
الاهتمام - فإظهار أنك تُصغي بتعاطفٍ يُحَفِّزُ الناس على الكلام. ومن الحِيَلِ
البارعة التي كان يستخدمها تاليران رجل الدولة الفرنسي في القرن الثامن عشر، هي أن
تتظاهر بأنك تَبوحُ بمكنونات صدرك لمن تتحدث معه، وأنك تكشفُ له أسرارك. يمكنك أن
تختلق سراً، أو أن تبوح بسرٍّ حقيقي لا يؤثر عليك - المهم هو أن تجعل كلامك يبدو
صادقاً ونابعاً من القلب، وستجد الآخر يبوح لك أيضاً بما لديه، إلا أن الأَهَمَّ
هو أن انطلاقه في الحديث سيكشف لك بعضاً من نقاط ضعفه.
إن
تَشَكَّكتَ أن لدى الشخص بعض اللين في جانب، عليك أن تَتَحَقَّقَ من ذلك دون أن تُشعره،
فإن رأيت مثلاً أن رجلاً بحاجة لمحبة الآخرين، تَوَدَّد إليه صراحةً، وإن رأيتَه
يلين أكثر لمجاملاتك الفَجّة، فستعلم أنك كنت محقاً في شكوكك. وعليك أن تُدَرِّب
عينيك على ملاحظة التفاصيل - مثل قدر الإكرامية التي يُقدّمها الشخص للنادل، أو
الأشياء التي تُبهجه، أو المعاني الخفيّة في طريقة ملبسه. عليك أن تَتَعَرَّفَ
أيضاً على مُثُل الناس وغاياتهم، وما قد يبذلون كل جهد لتحقيقه - فذلك يمكنك من أن
تصيغ لهم أحلامهم. وتذكر: لن يفيدك كثيراً أن تَتَأَمَّلَ السلوك الواعي والإرادي
للناس، لأننا جميعا نعمل على إظهار أنفسنا أقوى بإخفاء نقاط ضعفنا، لذلك عليك أن
تنتبه للتلميحات التي يفعلها الناس عفواً دون قصد إو إرادة.
اكتشف
الطفل البائس داخل الرجل. أغلب نقاط الضعف تبدأ
في الطفولة قبل أن تتكون لدى الشخص أساليب الدفاع: ربما كان في طفولته مدللاً أو مُنغمساً
في أمرٍ ما، أو ربما كان محروماً من إحدى احتياجاته العاطفية، ويكبر الشخص وقد
ينسى ما كان منغمساً فيه أو محروماً منه، ولكن المَيل والحرمان لا يزولان عنه أبداً
تماماً. معرفتك بحاجات الشخص في طفولته تمنحُك مدخلاً قويا للتعرف على نقاط ضعفه.
إحدى
العلامات للتّعرُّف على الجانب الضعيف من الشخص هي أنك ستجده حين تلامس لديه هذا
الجانب يتصرف وكأنه عاد طفلاً من جديد. عليك إذن أن تلاحظ الرواسب المتبقية من أي
سلوكٍ تخلى عنه الشخص حين اشتدَّ عودُه، وإن رأيت أن مَن تنافسه أو تستهدفه قد
عانى حرماناً من شيء أساسي كحب الوالدين، قَدِّمْهُ له، وإن رأيت أنه كان يهوى
شيئاً ما شاركه فيه، في الحالتين سيجد الشخص صعوبةً في مقاومة تأثيرك.
ابحث
عن التناقضات، الصفة الظاهرة غالباً ما تُخفي نَقيضها،
فالشخص الذي يبالغ في إظهار الجرأة غالباً ما يكون جباناً، ومن يتباهى بالتقوى
كثيراً ما يكون فاحشاً، والكثيرون من المتشددين يتوقون للمغامرة والتجدد، والخجلون يتمنون مَن يَلتفِتُ إليهم ويهتم
بهم. وحين تَتَحَقَّق من السِّمات العميقة خلف المظاهر، غالبا ما تجد أن نقاط ضعف
الناس هي بالضبط عكس ما يظهرونه.
اكتشف
الحلقة الضعيفة في السلسلة، في بحثك عن نقاط الضعف
يهمّك أحياناً أن تجد الشخص وليس الصفة. في جماعات الصَّفوة المعاصرة غالباً ما
يوجد أشخاص في الكواليس يحركون المشهد وتكون لهم سطوة هائلة وتأثير كبير على
الأشخاص الذين يقفون على قمة السلطة. سماسرة السلطة هؤلاء هم الحلقات الأضعف في
سلسلة الصفوة: إن فُزتَ بحظوتهم يكون لك تأثير غير مباشر على الزعيم، حتى في
الجماعات التي تبدو يداً واحدة كالجماعات التي تتعرض للاضطهاد وتعمل على إبعاد
الغرباء عنها تظل هناك حلقة ضعيفة، وعليك أن تكتشف هذا الشخص الذي قد يلين لك تحت
الضغط.
اشبِع
القلوب الخاوية، النوعان الأساسيان من خواء المشاعر
اللذان عليك أن تملأهما هما الخَوَر والتعاسة، الخائرون دائما يتوقون للتقدير
الاجتماعي، أما التعساء فعليك أن تتعرف على جذور تعاستهم. وبصفة عامة فإن الخائرين
والتعساء هم أقل الناس قدرة على إخفاء نقاط ضعفهم، وقدرتك على إشباع ما يشعرون به
من خواء يمنحك سطوة عليهم دون حد أو أمد.
استغل
المشاعر الجامحة، قد تتخذ المشاعر الجامحة شكل الخوف
الارتيابي الذي لا يبرره الموقف أو الجشع أو الشبق أو الغرور أو الحقد. والأشخاص
الذين يقعون في قبضة هذه المشاعر لا يمكنهم أن يتحكموا بها، ويمكنك أنت أن تكون
الناصح الذي يساعدهم في السيطرة عليها.
مراعاة
القاعدة:
في
عام 1615
قام أسقف لوسون الذي عُرف لاحقاً باسم الكاردينال روشيليو بإلقاء خطبةٍ أمام
ممثلين عن الطبقات الثلاث الأساسية في فرنسا، أي رجال الدين والنبلاء والعامة. كان
روشيليو قد اختير متحدثاً رسمياً باسم رجال الدين، وهو
تكليفٌ كبيرٌ على شابٍ لا يعرفه الكثيرون. تناولت الخُطَب
كل الشئون الهامة للعصر من منظور الكنيسة، لكن في الخاتمة أضاف روشيليو شيئاً ليس
له علاقة بالكنيسة بل بمستقبله المهني: التفتَ إلى الملك لويس الثامن عشر وكان في
الخامسة عشرة من عمره، وإلى الملكة ماري دي مديتشي التي كانت وَصِيَّةً على الملك
الشاب إلى أن يبلغ سن الرشد، وتَوَقَّعَ الجميع أن يكرر روشيليو الكلمات المعتاد
قولها للملك الشاب، لكنه فاجَأَهم بأن وَجَّهَ للملكة الأم مديحاً مُطَوَّلاً وتَمَلُّقاً
صريحاً لدرجة أزعجت بعض الرجال في الكنيسة، إلا أن الملكة تَقَبَّلَت المديح
بابتسامةٍ عذبةٍ تَوَّجَت الخطبةَ تتويجاً لطيفاً.
بعدها
بعامٍ قامت الملكةُ بتعيين روشيليو وزيراً للخارجية، وهي نَقلةٌ لم يتوقعها أحدٌ لِأُسقُفٍ
شاب. أدخلتْ هذه النقلةُ روشيليو إلى أعلى دوائر السَّطوة وجَعَلَته يدرسُ آلِيَّةَ
عملِ مجتمع الصفوة وكأنه يدرس طريقة عملِ ساعةٍ. كان الإيطالي کونشينو کونشيني
أقرب المقربين من الملكة، والأصح أنه كان عشيقها، وقد جعله ذلك أقوى رجلٍ في
البلاد. كان كونشيني مُتَأَنِّقاً ومغروراً، واستطاع روشيليو أن يَتَحَكَّمَ به
ببراعةٍ، وكان يعامله وكأنه الملك، وبعدها بأشهر أصبح روشيليو من المقربين من
كونشيني. لكن في عام 1617
حَدَثَ شيءٌ قَلَبَ الأمورَ كلها رأساً على عَقِب: دَبَّرَ الملكُ الصغيرُ الذي
كان الجميعُ يظنه حتى حينه أَبلهاً قَتْلَ کونشيني وسَجْنَ رفاقه المهمين وتَفَرَّدَ
بضربةٍ واحدةٍ بِحُكمِ البِلادِ ونَحّي الملكة.
هل
أخطأَ روشيليو إذن في حسابات اللعبة؟. كان روشيليو في دائرة المقربين من ماري دي
مديتشي ومن کونشيني وقد خَرَجَ هؤلاء جميعاً عن الحظوة بل أن بعضهم قد تم سَجنُه،
وحتى الملكة نفسها قد تَحَدَّدَت إقامتها في قصر اللوفر وأصبحت شبه سجينة. لم يُهدر
روشيليو أيّ وقتٍ، وفي حين قرر الآخرون التَّخَلّي عن ماري دي مديتشي، قَرَّرَ هو
أن يقفَ بجانبها لأنه كان يعرف أن لويس لن يقدر على التخلص من أمه، لأنه كان لا
يزال صغيراً، ولأنه كان يحبها حباً جماً. أصبح روشيليو صديق ماري الوحيد المُتبقي
في دائرة الصَّفوة، ومَكَّنَه ذلك أن يكون الصلة بين الملك وأمه، ومقابل ذلك نالَ
حمايةَ الملكة، واستطاعَ أن ينجو من الخطر الذي تَعَرَّضَ له رجالُ البلاطِ، بل
وأن تزدهر سطوته. في السنوات التالية زادَ اعتماد الملكة الأم على روشيليو، وفي عام
1622 عَوَّضَته عن
إخلاصه لها، وجَعَلَتْ حلفاءَها في روما يتوسّطون لِتَرقيته إلى مرتبة الكاردينال
القوية.
في
عام 1623
كان الملك يمرُّ بمشکله، ذلك أنه لم يستطع أن يجد أيَّ مستشار ثقة. كان لويس وقتها
راشداً، لكن من داخله كان لا يزال طفلاً ويشعر أن شئون الدولة أكبر من قدراته،
وبعد أن تولى العرش رسمياً لم تعد لماري أي وصاية عليه، ومن الناحية النظرية لم
تعد لها أي سلطة، لكن الحقيقة أنها ظَلَّت تحتفظ بإنصات الملك لآرائها، وظلت تردد
عليه أن روشيليو هو الوحيد الذي قد ينقذه من ورطته. لم يستجب لها لويس في البداية
لأنه كان يكره روشيليو کرهاً شديداً، ولم يكن يحتمله إلا من أجل ماري، لكن في
النهاية وبسبب عزلته في القصر وعجزه عن اتخاذ قرارٍ، استجاب لإلحاحات أُمّه وجعل
روشيليو مستشاره الأول وبعدها عينه رئيسا لوزرائه.
بعدها
لم يعد روشيليو في حاجة لماري دي مديتشي، وتَوَقَّف عن زيارتها والتودد إليها، ولم
يعد ينصت لآرائها، بل كان يعارضها ويخالف ما تريده صراحةً. بدلاً عن ذلك رَكَّزَ
روشيليو كل جهوده على الملك وحرص أن يجعل وَلِيَّه الجديد مُعتمداً عليه اعتياداً
لا يترك له الفرصة للاستغناء عنه. كان رؤساء الوزراء السابقون يعرفون بطفولية
الملك ويحرصون على إبعاده عن المشاكل، لكن روشيليو الماكر عامله بطريقة مختلفة،
فأخذ عامداً يدفعه إلى مشروعاتٍ طَموحة واحداً بعد الآخر، مثل الحملة التي شَنَّها
على البروتستانت، والحرب التي خاضها ضد إسبانيا، وقد أدت هذه المشروعات الضخمة إلى
اعتماد الملك المتزايد على رئيس وزرائه القوي لأنه كان الوحيد الذي يستطيع أن
يحافظ على النظام في المملكة. وطوال ثمانية عشر عاماً ظل روشيليو يستغل ضعف الملك
ويحكم فرنسا ويُشَكِّلُها على الصورة التي يريدها، فَوَحَّدَها وجعل منها واحدةً
من أقوى الأمم في أوروبا للقرون التالية.
التعليق:
كان
روشيليو يقوم بكل أموره وكأنه يشنُّ حملةً حربية، ولم يكن يرى في تحركاته
الاستراتيجية شيئاً أهم من اكتشاف نقاط الضعف لدى عدوه والضغط عليها. ومنذ خطبته
عام 1615
كان يبحث عن الحلقة الضعيفة في سلسلة السَّطوة وعرف أنها الملكة الأم. لم يكن لدى
ماري ضعف واضح، فهي التي كانت تقود فرنسا وابنها معاً، ولكن ما اكتشفه روشيليو أن
لديها خور يجعلها راغبةً دائماً في استثارة إعجاب الرجال واهتمامهم، ولهذا السبب
ظل يُغدق عليها بالمديح والتَّمَلُّق، بل أنه أخذ يداهن عشيقها كونشيني. كان يعلم
أن الملك سيتولى الحكم يوماً ما، ولكنه كان يعلم أيضاً مدى حب لويس لِأُمِّه، وأنه
سيظل أمامها دائماً طفلاً، ورأى أن التحكم بلويس لا يكون بالتقرب منه ونيل حظوته
والتي قد تتغير فجأة بسبب طفوليته وتقلبه بل بالسيطرة على أمه التي لن يتغير أبداً
حبه لها.
وبمجرد
أن حصل روشيليو على منصب رئيس الوزراء الذي كان يريده تَخَلَّصَ من الملكة الأم
وانتقل إلى الحلقة الضعيفة التالية: أي إلى الصفات الشخصية للملك، فقد كان لويس في
جزء منه الطفل الضعيف الذي يحتاج لرعاية وتوجيهات الكبار. وقد أسس روشيليو سطوته
وشهرته باستغلال هذا الضعف في شخصية الملك.
تَذَکَّر:
أن عليك حين تدخل مجتمع الصفوة أن تكتشف الحلقة الضعيفة، فمن يتحكم بالأمور لا
يكون غالباً الملك أو الملكة، بل شخص آخر خلف الكواليس قد يكون من المقربين أو حتى
مهرج القصر. وقد يكون لدى هذا الشخص خلف الكواليس نقاط ضعف أكثر من الملك نفسه،
لأن سطوته تقوم على الود والروابط العاطفية التي قد تزول عنه في ليلة وضحاها.
أخيراً،
حين تتعامل مع الأطفال وغيرهم من غير القادرين على اتخاذ القرارات بأنفسهم، عليك
أن تستغل ضعفهم وتدفعهم لمغامرات جريئة، فذلك يزيد من اعتمادهم عليك، لأنك ستكون
النموذج الأبوي الذي يرجعون إليه ليخلصهم من المحن ويشعرهم بالأمان.
مراعاة
القاعدة 2:
في
ديسمبر من عام 1920
أخذ زُوّارُ أَحَدِ أفخمِ الفنادق في بالم بيتش يتأمَّلون باهتمامٍ وصول رجلٍ غامضٍ
في سيارته الرولز رويس التي يقودها سائق ياباني، وظلوا في الأيام التالية يشاهدون
هذا الزائر وهو يَتَجَوَّلُ في أرجاء الفندق بعصاه الأنيقة ويتلقى التلغرافات على
رأس كل ساعة ولا يتحدث إلا قليلاً. عرفوا من الشائعات أنه كونت، وأن اسمه فيكتور
لوسنج، وأنه سَليلُ إحدى أَعرقِ العائلات في أوروبا، ولم يستطيعوا أن يعرفوا عنه
أكثر من ذلك.
تَخَيَّلْ
دهشتَهم وهم يرون لوستج يَتَوَجَّهُ إلى شخصٍ من أقلِّ رُوّاد الفندق شأناً، هو
السيد هيرمان لولر، رئيس إحدى الشركات الهندسية ويتبادل معه حديثاً مطولاً. كان
لولر حديثَ عَهْدٍ بالثراء، وكان يهمّه كثيراً أن يكتسب علاقاتٍ اجتماعية مُؤَثِّرة،
لذلك شَعَرَ بالفخرِ وبشيءٍ من الرهبةِ أن يَتَقَرَّبَ منه هذا الرجل النبيل الذي
يَتَحَدَّثُ الإنجليزية بطلاقة لكن بِلَكْنَةٍ أجنبية. وفي الأيام التالية تَكَوَّنَت
صداقةٌ بين الرجلين.
كان
لولر بالطَّبعِ هو الذي يقودُ دَفَّةَ الحديث، وذات ليلةٍ اعترف لصديقه الجديد أن
أعمالَه مُتَعَثِّرَةٌ وينتظرها العديد من المشاكل، وباحَ إليه لوستج بأنه هو
الآخر قد مَرَّ من قبل بمشکلاتٍ ماليةٍ خطيرةٍ بعد أن استولى الشيوعيون على
ممتلكات وأراضي عائلته، وأنه كان أكبرَ من أن يَتَعَلَّمَ حِرفَةً أو أن يبدأَ في
العمل، لكن الأقدارَ أَسعَفَته بحلٍّ وهو «آلةُ صُنعِ النُّقود». هَمَسَ إليه لولر
مذهولاً "هل تُزَيِّفُ النُّقود؟" فأجابَه لوستج بالنَّفي، وشَرَحَ له
أنه باستخدامِ عملية كيماوية سِرِّيَّةٍ يُمكنه أن ينسَخَ أيَّ عملةٍ ورقيةٍ بدِقَّةٍ
تامّةٍ، وأنك لو وَضَعتَ ورقةً بدولارٍ ستجدها بعد ستِّ ساعات ورقتين لا يمكن التَّفريقُ
بينهما بأيِّ وسيلةٍ. واستَمَرَّ يشرحُ له كيف استطاع أن يُهَرِّبَ آلتَه إلى خارج
أوروبا، وأن الألمان كانوا قد صنعوها في الأصل لتدمير الاقتصاد الإنجليزي، وكيف
أنقذته من الإفلاس في سنوات العُسر.
بعد
إلحاح شديدٍ من لولر
أخذه لوستنج إلى غرفته وأخرج إليه صندوقاً أنيقاً من خشب الماهوجني به شقوق وأذرع
وأقراص مُرَقَّمَة، وأخذ لولر يراقبه وهو يضعُ ورقةً بدولار داخل الصندوق، وفي
الصباح التالي سَحَبَ لوستج واثقاً الورقتين من الصندوق مبللتين بالمواد الكيماوية.
أخذَ
لولر الورقتين، وذهب بهما إلى أحد البنوك المحلية، فتَقَبَّلَها العاملون ولم
يجدوا فيها شائبة، فعاد إلى لوستج يَتَوَسَّلُ إليه بحرارة كي يبيع له الآلة.
أجابه لوستج أنه لم يصنع من هذه الآلة غير تلك التي يملكها، فعرض عليه لولر سعراً
كبيراً هو 25,000
دولار (وهو ما يوازي 400,000
دولار في وقتنا الحالي)، ولكن ظل لوستج يُبدي التَّرَدُّدَ لأنه لم يكن يحب أن
يدفع صديقه هذا المبلغ الكبير، لكن في النهاية وافقَ على البيع قائلاً «لن يُضيرك
كثيراً ما تدفعه لي لأنك سَتُعَوِّضه في أيام قليلة بمضاعفة العملات»، ووافق على
أخذ المال بعد أن جعل لولر يُقسم بأنه لن يُخبرَ أحداً بسرِّ هذه الآلة، وفي وقت متأخر
من نفس اليوم دفعَ حساب الفندق وغادر.
بعدها
بعام، وبعد محاولات مستميتة لمضاعفة النقود، تَوَجَّهَ لولر إلى الشرطة يحكي لهم
كيف خدعه کونت لوستج مستخدماً دولارين وبعض المواد الكيماوية وصندوقا رخيصاً من
الماهوجني.
التعليق:
كانت
لدى کونت لوستج عينُ صقرٍ في اكتشاف نقاط الضعف لدى الناس، والتي كان يقرأها في
أصغر الإيماءات والهفوات. كان لولر مثلاً يفرط في دفع الإكراميات للنُّدُل، ويتوتر
في حديثه مع البواب، ويرفع صوته أثناء الحديث عن عمله، فعرف لوسنج أن نقطة ضعفه
تكمن في رغبته في اكتساب الاحترام والتقدير الاجتماعي الذي كان يظن أنه قد يناله بماله،
وكذلك كان لديه خَوَر مزمن. أتى لوستج للفندق يبحث عن فريسةٍ، ورأى في لولر المُغَفَّل
الأمثل الذي يريده، لأنه رجلٌ يتعطش لأحدٍ يروي له شعوره بالخواء.
كان
لوستج يعلم أنه بعرض صداقته على لولر يمنحه مباشرة احترام باقي رواد الفندق، ولأنه
كونت كان يفتح لهذا الرجل حديث الغنى نافذة ليرى رقي من عرفوا الثراء من قديم،
وأظهر أنه أيضاً من الفضل والنبل بحيث ينقذ لولر من أزمته بيعه آلة صنع النقود، بل
أنه جعله يشعر أنه في مساواةٍ مع لوستج نفسه، لأنه كان أيضاً يستغل الآلة للحفاظ
على مستواه الاجتماعي. مع كل هذا لا نندهش أن نرى لولر يبتلع الطعم.
تذکر:
حين تبحث عن مغفلين عليك أن تنتبه دائماً لمن يشعرون بعدم الرضا والتعاسة والخور،
لأن هؤلاء يعانون باستمرار من الحيرة والضعف ولديهم حاجات يمكنك أن تشبعها لهم.
هذه الحاجات هي الشق الذي تضع فيه المفتاح وتحركه فيخضعون لك برضاهم وإرادتهم.
مراعاة
القاعدة 3:
في
عام 1559
توفي هنري ملك فرنسا في استعراض مبارزة، وخَلَفه على العرش ابنه فرنسيس الثاني،
لكن في الخلفية كانت تحرك المشهد السياسي کاترين دي مديتشي الملكة زوجة فرنسيس،
وهي المرأة التي ظلت لفترة طويلة تؤکد براعتها في إدارة شئون الحكم، في العام
التالي توفي فرنسيس وانفردت کاترين بالحكم كوصية على وليّ العهد شارل التاسع الذي
لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره.
كان
يهدد أحقية كاترين بالسلطة رجلان هما أنطوان دي بوربون ملك نافار، وأخوه لويس
الأمير القوي لمقاطعة كونديه، وكان يمكن لأي منها أن يطالب بالوصاية والحكم لأن
كاترين كانت إيطالية أي أجنبية عن فرنسا. في خطوة ذكية أسرعت کاترين بتعيين أنطوان
قائداً أعلى للجيوش وهو منصب كان يُرضي غروره ويبقيه في البلاط ليظل تحت عينيها؛
لكن خطوتها التالية كانت أذکي: كان أنطوان معروفاً بعدم مقاومته للحسناوات ولذلك
سلطت عليه أجمل وصيفاتها لويز دي روبه لتفتنه وتغريه، وبعد أن وقع في شباكها أخذت
لويز تنقل كل تحركاته للملكة. نجحت الخطوة نجاحاً بارعاً شجع کاترين على تخصيص
وصيفه أخرى لأمير کونديه، وهكذا تَشَكَّلَت لديها الكتيبة الطائرة من أجمل فتيات
البلاط تسلطهن على رجال الصفوة لتضمن ولاءهم.
في
عام 1572
زَوَّجَتْ كاترين ابنتها مارجريت دي فالو لهنري ابن أنطوان وخليفته على ملك نافار،
ولكن كان ذلك خراباً عليها لأنها تُقَرِّب من مركز السلطة الأسرة التي طالما
ناصبتها العداء، ولكي تضمن ولاء هنري سلطت عليه أجمل نساء
الكتيبة الطائرة، شارلوت دي بون سمبلانسي بارونة سوفس،
ولم يردعها عن ذلك کون هنري زوج ابنتها، وبعد أسابيع قليلة كتبت مارجريت دي فالوا
في مذكراتها «ولقد نجحت مدام دي سوفس في إغواء زوجي لدرجة أنه لم يعد يشاركني
الفراش أو حتى الحديث».
كانت
البارونةُ جاسوسةً بارعةً حافظت على هنري تحت طَوْعِ كاترين، ولكن حين جمعت
الصداقةُ بين الابن الأصغر للملكة دوق ألنسون وبين هنري خَشِيَت الملكةُ أن يتآمرَ
الاثنان ضدها، فسَلَّطَتْ البارونةَ على ابنها أيضاً، وبسرعةٍ نَشَبَ الصراعُ بين
الرجلين في حُبِّ شارلوت، وانتهت صداقتهما وانتهي معها خطر التآمر.
التعليق:
عَرَفَتْ
کاترين منذ فترة مبكرة من حياتها سَطْوَةَ العشيقات على الرجالِ من خبرتها مع
زوجها الملك هنري الثاني: فقد كانت لدى هنري واحدةٌ من أبرعِ العشيقات على مَرِّ
التاريخ هي ديان دي بواتييه، تَعَلَّمَتْ كاترين من هذه التجربة أن الرجالَ من أَمثالِ
زوجها يحتاجون لامرأةٍ تُشْعِرُهم بأنها تُحِبُّهم لشخصيتهم وبراعتهم وليس للألقاب
التي ورثوها دون فَضلٍ منهم، وأن هذا الاحتياج يُمثّل نقطةَ عماءٍ رهيبة لديهم:
فبمجرد أن تتظاهرَ المرأةُ في البداية بأنها هي التي وَقَعَتْ في شِباكهم لا يرون
بعدها أبداً أنها تَتَسَلَّطُ عليهم، وهكذا فَعَلَت ديان دي بواتييه مع هنري. قَرَّرَت
کاترين أن تَستَغِلَّ هذا الضَّعف لصالحها كوسيلةٍ تُسيطِرُ بها على الرجال، وكل
ما فَعلته هو أن شَكَّلَتْ «الكتيبة الطائرة» من أجملِ نساءِ القصرِ تُطْلِقُهنَّ
على الرجالِ الذين تعرفُ أنهم يُشارکون زوجَها في نقطة ضعفه.
تَذَكَّر:
أن تكتشفَ دائماً الهاجسَ أو الحماسةَ التي لا يملكُ الشخصُ سيطرةً عليها، لأنه
كلما زادت الحماسةُ زادَ ضعفُ الرَّجلِ. قد يبدو ذلك غريباً عليك أَنَّ الرجالَ المُتَحَمِّسين يبدون
أقوياء، لكن الحقيقة هي أن هؤلاء الرجالَ يستعرضون براعتهم لَشَغْلِ الناس عن
ضعفهم وعجزهم من الداخل. وتنمُّ حاجة الرجل إلى اصطياد المرأة والسيطرة عليها عن
ضعف وعجز عميقين، وهي نقطةُ ضعفٍ سَمَحَت باستغفال أعدادٍ لا تُحصى من الرجال
لآلاف السنين. عليك أن ترى ما لا يستطيع الرجل أن يُخفيه کالجشع أو الشهوانية أو
الخوف الشديد، فهذه المشاعر يصعب حجبُها ولا يمكن للشخص أن يَتَحَكَّم بها، وما لا
يستطيع الناس أن يتحكموا به في أنفسهم يمكنك أنت أن تتحكم لهم به.
مراعاة
القاعدة 4:
كانت
آرابيلا هنتنجتون زوجةَ قطبِ صناعة السكك الحديدية الشهير کولن ب. هنتنجتون من
أصولٍ متواضعة، وكانت ترغبُ دائماً في نَيْلِ التقدير الاجتماعي من رفيقاتها
الثريات، وحين كانت تُقيمُ حفلاً في قصرِها بسان فرنسيسكو، لم يكن يُلَبِّي دَعوتَها
إلا القليلات من نساءِ الطبقة الراقية، فقد كُنَّ ينظُرنَ إليها بأنها محدثة نعمةٍ،
وأنها ليست من طَبقتهنّ. كان تُجّارُ الفنون يَتَقَرَّبون إليها بسبب الثروةِ
الفاحشةِ لزوجِها، ولكنهم كانوا ينظرونَ إليها وكأنها أقلُّ منهم. رَجُلٌ واحدٌ
كان يعاملها بِشكلٍ مختلفٍ هو تاجرُ الفنونِ جوزيف دوفين.
في
البدايات الأولى لتعارفهما لم يكن دوفين يسعى لأن يبيعَ لها لوحاتِه، بل كان يَصحَبُها
للمتاحفِ الرّاقِيَة، ويُحَدِّثُها عن الملكاتِ والأميراتِ اللاتي يعرفهن، وجَعَلَها
ذلك ترى فيه رجلاً من الطبقةِ الراقيةِ يعامِلُها کَنَدٍّ له، بل حتى وكأنها أرقى
منه. كان دوفين في هذه الفترة يمنحُها أفكارَه عن الجمالِ والتي أقنعَتها بأن
الفنونَ الراقيةَ تكون دائماً عاليةَ السِّعرِ، وبعد أن تَقَمَّصَتْ آرابيلا
طريقته في النظر للأمور، أَخَذَ دوفين يُعامِلُها وكأنها كانت دائماً ذات إحساسٍ
رقيقٍ بالجمال، رغم أنها لم تكن قبل أن تَلتَقي به تعرفُ شيئاً عن الفنون.
مات
کولن هنتنجتون في عام 1900
وَوَرِثَتْ عنه آرابيلا ثروةً هائلةً، وبدأت في شراءِ اللوحاتِ الثمينة لرامبران
وفالسكيز وغيرهما، ولم تكن تشتري من أيِّ تاجرٍ آخر غير دوفين، وبعد سنوات باع لها
دوفين لوحةَ الصَّبِيِّ الأزرق بأعلى سعرٍ دُفِعَ لِلَوحَةٍ حتى حينها، وكان ذلك
غريباً على أُسرةٍ لم تُبْدِ من قبلُ أيَّ اهتمامٍ باقتناء الفنون.
التعليق:
فهم
جوزيف دوفين الآلية التي تعمل بها شخصية آرابيلا هنتنجتون، فقد كانت تريد أن تشعر
بأهميتها في بيتها وفي مجتمعها، وكان لديها خَوَرٌ بسبب نشأتها في الطبقة الأدنى
من المجتمع، وكانت في حاجة دائمة لمن يؤكد لها مكانتها الجديدة، تأنّي دوفين
وانتظر ولم يَتَسَرّع ويعرض عليها اقتناء لوحاته، بل تعامل ببراعة مع نقطة ضعفها،
وجعلها تشعر أنه يهتم بها لشخصها وليس لأنها زوجة أكثر الرجال ثراءً في العالم،
وقد فَتَنَها ذلك تماماً. لم يكن دوفين يتعالى أبداً على آرابيلا، ولم يكن يُلقي
عليها المحاضرات التي تُشعِرُها أنها جاهلة في الفن، بل كان يبثّ إليها الأفكار
بطرق غير مباشرة، وكان حصاد ما زرع أنها أصبحت أكثر زبائنه شراءً للوحاته وأكثرهم
إخلاصاً له، كما أنها مَكَّنَته من بيع لوحة الصبي الأزرق فاحشة السعر.
أفضلُ
نقاط الضعف التي يمكنك استغلالها هي حاجة الناس للتقدير والاعتراف بمكانتهم، أولاً
لأنها عند كل الناس تقريباً، ثانياً لأن من السَّهل استغلالها، فكل ما عليك فعله
هو أن تجد الطريقة التي تُشعِر الشخص بالثقة في ذوقه أو مستواه الاجتماعي أو
ذكائه، وبمجرد أن يَبتَلِعَ الطُّعْمَ يمكنك أن تحرکه مراراً وتكرارا لسنوات -
لأنك تمنحه دوراً إيجابياً لا يستطيع أن يحققه بنفسه، ولن يعرف أنك تقوده حسبما
تريد، وإن عَرَفَ فلن يبالي، لأنك تُوَفِّر له الرضا عن نفسه، وهو شعورٌ يَستحِقُّ
لدى الشخص أي ثمن يدفعه.
مراعاة
القاعدة 5:
في
عام 1862
قام ويليام ملكُ بروسيا بتعيين "أوتو فان بسمارك" رئيساً للوزراء ووزيراً
للخارجية، وكان بسمارك معروفاً بِجُرأته وطموحه ورغبته في تقوية الجيش، كان ويليام
مُحاطاً في الحكومة ومجلس الوزراء بالليبراليين الذين كانوا يرغبون في الحَدِّ من السلطات الممنوحة للملك. وكان خطراً
على الملكِ ويليام أن يَضَعَ بسمارك في هذا المنصب الحسّاس، وقد حاولت الملكةُ
التي كانت غالباً ما تُؤَثِّرُ على قرارات الملك أن تُثنيه عن هذا الاختيار، لكن
هذه المرة تَشَبَّثَ ويليام برأيه.
بعد
أسبوعٍ من تَسَلُّمِهِ مهام منصبه ألقى بسمارك خطاباً مُرتَجلاً أمام أعضاء
الوزارات يُقنعهم بضرورة زيادة عَدَدِ وعتاد الجيش، وانتهى بقوله «لن تُحَلَّ
المعضلاتُ الكبيرة في عصرنا بالخُطَبِ وعزائم جموع الشعب، وإنما بالسيوف والدماء».
انتشرت خُطبته في أنحاء ألمانيا، وصَرَخَت الملكةُ في وَجْهِ زوجها بأن بسمارك ليس
إلا جنديٌ بربري يعشقُ سَفْكَ الدِّماءِ ويسعى لاغتصاب الحُكم في بروسيا، وأن على
ويليام أن يَفصِلَه من مَنصبه، وقد أَيَّدَها في ذلك الليبراليون في الحكومة،
وكانت الاحتجاجات من الشِّدَّة لدرجةٍ جَعَلَت ويليام يخشى أن تنتهي حياتُه على
المقصلة كما حدثَ للويس السادس عشر ملك فرنسا إن أَبقى على بسمارك رئيساً للوزراء.
أَدرَكَ
بسمارك أن عليه أن يحتوي الملكَ قبل أن يفوتَ الأوان، وأَدرَكَ أيضاً أنه ارتكبَ
خطأً كبيراً، وأنه كان واجباً عليه أن يُخَفِّفَ من حِدَّةِ كلماته، لكن حين فَكَّرَ
في الاستراتيجية التي عليه اتخاذُها للتعامل مع الموقف قَرَّرَ أن لا يعتذر، بل أن
يفعل عكس ذلك تماماً لأنه كان يعرفُ الملكَ جيداً.
حين
التقى بسمارك بالملك، وَجَدَهُ کما تَوَقَّعَ غاضباً بتأثيرٍ من شَحْذِ الملكة
لمخاوفه، وأَسَرَّ لبسمارك بقلقِه من أن تنتهي حياتُه تحت نَصْلِ المقصلة، لكن بسمارك
رَدَّ ببساطةٍ قائلاً «نعم، الموتُ حَقٌ علينا جميعاً، وإن آجلاً أو عاجلاً سيموت
كل من عليها، فهل هناك ميتةٌ أشرف من هذه؟ أن أموتَ أنا فداءً لِمَلِكِي وسيدي، أو
تموت أنت وتمهرون جلالتكم بدمائكم حقكم الملكي الذي أنعم الله به عليك. لا فرق إذن
أن نموت بالمقصلة أو في ساحة الحرب طالما نُدافعُ عن الشرف والمَكَانة التي كَرَّمَنا
الله بها». واستمر بسمارك يناشد في الملك روحَ العِزَّةِ وجلالِ موقعِه كقائدٍ
أعلى للجيوش، وتَساءَلَ كيف يسمحُ للآخرين أن يفرضوا عليه أهواءَهم؟ أليس شَرَفُ
ألمانيا أغلى من التلاعبِ
بالكلماتِ والخُطَبِ؟. لم ينجحْ بسمارك فقط في الاستمرار کرئيس وزراءٍ بعد إقناع
الملك بالتصدي للملكة وللبرلمان، بل جَعَلَهُ يوافقُ على تقويةِ الجيشِ وهو ما كان
يريده دائماً.
التعليق:
كان
بسمارك يعرفُ أن الملكَ يَتَعَرَّضُ للضغط والترويع من المحيطين به، وكان يعرف أنه
رجلٌ عسكري تَرَبّى على الإحساس العميق بالعِزَّة والشَرَفِ، وأنه كان يشعرُ
بالعار من تلاعب زوجته وحكومته بإرادته، وأنه في داخله يَحِنُّ لأن يصبح ملكاً
قوياً وعظيماً، لكنه كان يخافُ من أن يُظهر هذا الطموح حتى لا ينتهي إلى ما انتهى
إليه لويس السادس عشر، وكما يُخفي التَّهَوُّرُ جُبْنَ الشخصِ، كان جُبْنُ ويليام
يُخفي رَغبتَه الدفينة في إظهار الشجاعة والعزم.
أَحَسَّ
بسمارك بحنينِ ويليام العميقِ للمجدِ المُتَخَفّيِ تحتَ مظهرِه الهادئ، وتَلاعَبَ
بنقطةِ ضَعفِ الملكِ المُتَمَثِّلَة في احتياجه لإثباتِ رجولته، ونَجَحَ في دَفْعِهِ
إلى شَنِّ ثلاثِ حروبٍ انتهت بتكوين الإمبراطورية الألمانية. الجُبْنُ نقطةُ ضَعفٍ
قويةٍ عليك استغلالها، فالجبناء غالبا ما يشتاقون لنقيض جُبنهم ويريدون أن يشعروا
وكأنهم نابليون، لكن ينقصهم العزم. يمكنك أنت أن تكون لهم نابليون الذي يدفعهم
للقيام بالأعمال الجريئة التي تَخدمُ مصالحك، وفي نفس الوقت تُبقي اعتمادهم عليك.
وتَذَكَّر أن تبحث دائماً عن النقيض الكامن تحت السطح ولا تحكم على الأمور بظاهرها.
المفتاح: لدى عدوك أسرارٌ يخفيها وأفكار لا يجب أن يضطلع الناس عليها، لكنها تظهر بطرق لا يمكنه السيطرة عليها. وفي مكان ما من عقله أو قلبه أو شهواته شقٌّ من الضعف، بمجرد أن تكتشفه وتُدخِلَ فيه المفتاحَ المناسب، ستجده خَضَعَ لك برضاه وإرادته.
اقتباس
من معلم: اكتشف مفتاحَ الشخصية لدى كل من تعرفهم،
فذلك هو فنٌّ جَعَلَ الناس يفعلون ما تريدهم أن يفعلوه، وهو فنٌّ لا يتطلب القوة
بقدر ما يتطلب المهارة والتدريب. كُلُّ إرادةٍ يُحَرِّكها دافعٌ يختلف حسب مَيْلِ
صاحبها، فلا يوجد من الناس إلا قليلون لا يخضعون لوثن ما، فالبعض يعبدون الشهرة
وآخرون مهووسون بالامتلاك والمصالح الذاتية والغالبية يخضعون للشهوات. المهارة هي
أن تَعرِفَ وَثَنَ كل شخص وتُخضِعَه به، فمعرفتك بمَنبَعِ الدوافع التي تُحَرِّك
الشخص أَشبَهُ بامتلاك المفتاح لإخضاع إرادته. (بالتسار جراتسيان، 1601-1658).
عکس
القاعدة: التلاعب بنقاط
الضعف لدى الآخرين له خطرٌ واحد أساسي: ذلك أنك قد تستثير لدى الشخص أفعالاً لا
تستطيع أنت أيضاً أن تسيطر عليها.
في
لعبة السطوة يَتَوَجَّبُ عليك دائماً أن تَتَنَبَّأَ بعدة خطوات للأمام وأن تُعِدَّ
لها مُقدماً ما يلزمها، وأن تستفيد من أن من حولك تحكمهم انفعالاتهم ويعجزون عن
القيام بهذه الرؤية المسبقة، ولكن حين تتلاعب بنقاط ضعف الآخرين التي لا يمكنهم
السيطرة عليها قد تطلق لديهم مشاعر تُفسِدُ عليك ما خَطَّطْتَ له. فحين تدفع
الجبناء مثلاً للقيام بأعمال جريئة، قد تجدهم يتهورون ويبالغون في اندفاعهم، وإن أَشبعتَ
حاجةَ شخصٍ للاهتمام والتقدير، فقد يطالبك بأكثر مما تريد أن تمنحه له. أي أن هذا
الجانب الطفولي الذي توقظه لدى الشخص قد ينقلب ضدك وليس لصالحك.
وكلما
زادت نقطة الضعف ارتباطا بالمشاعر كلما زاد خطرُها عليك، ولذلك عليك أن تفهم حدود
هذه اللعبة وأن لا تبالغ في تَحَكُّمِكَ بضحاياك، ولا تنسي أن غَرَضَك في ذلك هو
السَّطوة وليس حُبّ التَّحَكُّم في الآخرين.
المصدر: THE 48 LAWS
OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)
إقرأ أيضاً:
48 قانون للقوة (قواعد السّطوة) للكاتب روبرت جرين
10 خطوات تعززين بها الحب في قلب طفلك
الصدمات النفسية عند الأطفال: الأعراض والأنواع وطرق التعامل
التوجيه والإرشاد مفتاح النجاح الأكاديمي
التنمر في المدارس: علامات التنمر واستراتيجيات العلاج
12 موقفاً لطفلك وكيف تردين عليها
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق