الثقافة العامة: • عُمر بن أبي ربيعة: دونجوان العصر الأموي

عمر بن أبي ربيعة: قمر الغزل القرشي

في عالم الشعر العربي، تسطع أسماء تألق نجمها عبر القرون، وتظل تلامس قلوب الناس بمشاعرها العميقة وأسلوبها الفريد. ومن بين هؤلاء الشعراء، يبرز نجم عمر بن أبي ربيعة، الشاعر القرشي الذي أضفى على الغزل لمسة جديدة، حيث كان معشوق النساء ومحبوبتهن، يغني بمغامراته في الحج والطواف بأسلوب ساحر وشاعرية متميزة.

كان عمر رمزًا للجمال والجاذبية، يُحطِّم تقاليد الشعر الغزلي بجرأته على ذكر أسماء محبوباته، ويُجيد تصوير مشاهد الحب واللقاء بأسلوب درامي مؤثر.

قالت الكبرى: "أتعرِفْنَ الفتى؟" أجابت الوسطى: "نعم، إنه عمر." فردت الصغرى: "قد عرفناه، وهل يخفى القمر؟"

بهذه الأبيات تُستهلُّ قصة شاعرنا، عمر بن أبي ربيعة، الذي بزغ كقمرٍ في سماء الشعر العربي. كانت قريش يُعترف لها بالفضل في كل شيء إلا الشعر، حتى جاء عمر بن أبي ربيعة، فأقرَّت لها العرب بالشعر أيضًا.

إنه "قمر" قرشي من بني مخزوم، هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، المعروف بحُذيفة بن المغيرة بن مخزوم. سُمِّيَ عمر وكُنِّيَ بأبي الخطاب لأنه وُلد في ليلة وفاة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في السنة 23 للهجرة، الموافق لعام 644 ميلادي.

نشأته وبيئته

وُلد عمر في بيئة مترفة، تختلف الأقوال في مكان مولده؛ البعض يقول إنه وُلد في مكة، والبعض الآخر يقول في المدينة. ورد في كتاب "الأغاني" أن والده، بحيرة، كان تاجرًا ناجحًا يُدير تجارته في اليمن، وكان واليًا للرسول الكريم على الجند، أحد الأقاليم الثلاثة الشهيرة في اليمن. كان يُلقب بالعدل لأنه كان يكسي الكعبة من ماله سنة، والقرشيون يكْسونها من مالهم في السنة التالية، فسُمِّيَ بالعدل لأنه وحده يُعادلهم مجتمعين. والدته كانت سبية من آل العطار، اسمها مجد، من حضرموت، ربَّته وحيدة بعد وفاة والده وهو في سن الثالثة عشرة.

حياة الترف والشعر

نشأ عمر في بيئة غنية بالأموال والحياة الصاخبة، بعيدًا عن السياسة، رغم أن فترة حياته شهدت تقلبات سياسية كبيرة، منها انتقال مركز الخلافة من الحجاز إلى الكوفة في العراق، ثم إلى دمشق في الشام حيث بُدئ العهد الأموي. لم يكن عمر بن أبي ربيعة يُعنى بالسياسة، رغم أنها كانت تغلي من حوله، بل كان يُفضل الحياة المترفة والغزل.

شعره ونمطه الفريد

اشتهر عمر بن أبي ربيعة بأسلوبه المميز في الغزل، حيث كان يذكر أسماء محبوباته علنًا في شعره، وهو ما كان غير مألوف في عصره، إذ كان الشعراء عادةً يُخفون أسماء محبوباتهم بالتورية. تعرض للكثير من النقد بسبب هذا الأمر، لكنه كان يستمر في ذكر النساء بأسمائهن في شعره، مُحطِّمًا تقاليد الغزل التقليدية.

شخصية وسيمة وجذابة

كان عمر بن أبي ربيعة رجلاً وسيمًا، كريمًا، يُجيد مخاطبة النساء بلباقة وجاذبية. كان قلبه رقيقًا، يتأثر بسهولة بجمال السيدات، وكان مغرمًا بالنساء إلى حد الهوس. رغم هذا، كانت النساء تَستَجِبن له، لكن ما إن يكتشفن أنه يُغازل غيرهن، حتى يُعرضن عنه. كان يشعر بالحزن والندم عندما يُصَدُّ عنهن، ويُعبر عن ذلك في شعره بأسلوب درامي مؤثر.

قال في إحدى قصائده الشهيرة:

لَيتَ هِنداً أَنجَزَتنا ما تَعِد وَشَفَت أَنفُسَنا مِمّا تَجِد

وَاِستَبَدَّت مَرَّةً واحِدَةً إِنَّما العاجِزُ مَن لا يَستَبِد

كان لشعره وقعٌ ساحرٌ على الناس، حيث كان يُحسن الوصف بدقة، ويُثير المشاعر بأسلوبه الفريد. كان يُصور مشاهد اللقاء والحوارات في شعره بأسلوب لم يَسبقه إليه أحد، ويبدو كأنه يُجيد فهم نفسيات النساء والتعبير عن مشاعرهن بلسانه.

حضور دائم في عالم الغزل

تَمَيَّزَ عمر بن أبي ربيعة بأنه لم يكن عاشقًا، بل كان معشوقًا. لم يكن يهتم بالسياسة، رغم أن عصره كان مليئًا بالتقلبات السياسية. وكان شيوخ قريش يُفضِّلونه شاعرًا في الغزل، ويتقبلون منه ما كانوا يستقبحونه من غيره، من مدح نفسه والتفاخر. قال نصيب بن رباح عنه: "إن عمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال".

غروره وشهرته بين النساء

قصيدته الشهيرة "وهل يخفى القمر" تعكس غروره واعتداده بنفسه، حيث كان يتحدث عن شهرته بين نساء المدينة وكيف يعرفنه من أول نظرة. يقول في هذه القصيدة:

بَينَما يَذكُرنَني أَبصَرنَني دونَ قَيدِ المَيلِ يَعدو بي الأَغَر

قالَتِ الكُبرى أَتَعرِفنَ الفَتى قالَتِ الوُسطى نَعَم هَذا عُمَر

قالَتِ الصُغرى وَقَد تَيَّمتُها قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَر

أصبح هذا البيت مضرب مثل في وصف الشخص المعروف والشهير. يقال فيمن لا يحتاج إلى تعريف: "وهل يخفى القمر؟"

خاتمة

في ختام رحلتنا مع الشاعر القرشي عمر بن أبي ربيعة، نجد أنفسنا أمام شخصية شعرية فريدة، تمكنت من تخطي قيود التقليد لتبرز بجرأتها وجمال وصفها. لقد كان عمر، بجاذبيته وسحره، يجسد روح عصره بطريقته الخاصة، معبرًا عن مشاعره وتجارب حياته في قصائد خالدة. ظل قمرًا ساطعًا في سماء الشعر العربي، لا يخفى نوره ولا يغيب بريقه، مؤكدًا أن الأدب هو مرآة للإنسان، يعكس أحاسيسه وأفكاره بصدق وشفافية. نودع عمر بن أبي ربيعة ونحن محملون بذكريات شعره العذب وروح التمرد التي ميزت حياته وأشعاره، مؤكدين أن جمال الفن يبقى خالدًا مهما تقادمت الأزمان.

إقرأ أيضاً:

التوظيف الصيفي للمراهقين بين المسؤولية والتحديات

أفكار لقضاء عطلة صيفية ممتعة ومفيدة للأطفال

مهارات أساسية لإعداد طفلك للروضة

حلول سريعة لتخفيف الأزمات النفسية للأطفال

كيف تختارين عربة الأطفال المناسبة

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب