القاعدة 39 من كتاب 48 قانون للقوة (قواعد السّطوة) للكاتب روبرت جرين
الحكمة:
الغضب والانفعال من الأخطاء الاستراتيجية الخطيرة التي تفقدك مكانتك. عليك أن تلتزم دائماً بالرزانة والموضوعية. لكن عليك إن استطعت أن تُغضِب عدوك وتفقده أعصابه بينما تحتفظ أنت بهدوئك ووقارك لأن ذلك سيمنحك تفوقاً كبيراً عليه. واجه عدوك بكل ما ترى أنه يهدد كبرياءه حتى يفقد أعصابه وحينها يمكنك أن تحرکه کالدمية.
انتهاك
القاعدة:
في
عام 1809
أسرع نابليون بالعودة إلى باريس قَلِقاً وغاضباً بعد حربه على إسبانيا، وكان قد
وصلته معلومات أن وزير خارجيته تاليران ووزير الداخلية والشرطة فوشيه يتآمران معاً
للإطاحة به. وبمجرد وصوله طلب الإمبراطور المصدوم عقد اجتماع وزاري عاجل في قصره.
وحين حضر الوزراء أتى إليهم نابليون وهو يتحرك متوترا جيئة وذهاباً وأخذ يتمتم
بكلام غير واضح عن مؤامرة تُعَدُّ ضده وعن المضاربين الذين يتلاعبون بسوق الأسهم
وعن المشرعين الذين يعيقون سياساته وعن وزرائه الذين يسعون لتقويض حكمه.
بينما
كان نابليون يتحدث كان تاليران يستند غير مبال على رف المدفأة، فاتجه إليه نابليون
ووجه إليه كلامه مباشرة قائلا «بدأت خيانة هؤلاء الوزراء حين سمحوا لأنفسهم بان
يتشككوا في قائدهم». تَوقَّع نابليون من وزيره أن يرتعد حين يسمع كلمة «خيانة» لكن
تاليران لم يفعل غير أن ابتسم له ابتسامة تُعبِّر عن الاطمئنان والضجر.
أَدّى
الهدوء الذي يواجه به تاليران تهماً قد تصل به إلى حبل المشنقة بنابليون إلى حد
الانفجار، وقال وهو يقترب خطوة من تاليران أن هناك وزراء يريدون موته فتراجع
تاليران خطوة مرتبكاً. أخيراً فَجَّر نابليون غضبه وصرخ في وجه تاليران «أنت رجل
نذل وبلا مبادئ وليس لديك وفاء ولا ولاء. ولن يمنعك شيء من أن تغدر حتى بأبيك. لقد
أكرمتك بالثروة والهبات ولكنك لم تتردد في أن تفعل أي شيء لتؤذيني». تبادل الوزراء
الآخرون النظرات غير مصدقين ما يسمعون فلم يروا من قبل هذا الجنرال الجرئ الذي هزم
أغلب دول أوروبا في مثل هذا التوتر والتشوش.
أكمل
نابليون كلامه وهو يضرب الأرض بقدميه أنت تستحق أن تتحطم کالزجاج، وسلطتي تمنحني
هذه القدرة واحتقاري لك لا حد له، وعليك أن تسأل نفسك ما الذي يمنعني من شنقك على
بوابة توليري؟ الحقيقة أنه ما زال لدي الوقت لفعل ذلك». واستمر بعد أن جحظت عيناه
واحمر وجهه وتقطعت أنفاسه «ولتعلم بالمناسبة أنك لست أكثر من حثالةٍ في ثياب
أنيقة... ماذا فعلت لامرأتك؟ أنت لم تخبرني أبداً أن زوجتك تخونك مع سان کارلوس». رَدَّ
تاليران بهدوء وثبات «الحقيقة سيدي أنني لم أرَ في ذكر ذلك ما يزيد من كرامة
جلالتكم أو من كرامتي». بعد أن وَجَّه إليه نابليون عدة إهانات أخرى غادر المجلس،
فعَبَرَ تاليران ببطء وبعرجه المميز إلى الجهة الأخرى من الغرفة، وأخذ يرتدي معطفه
بمساعدة أحد الخدم وتوجه إلى الوزراء الذين كانوا يظنون أنهم لن يروه بعد ذلك حيّاً
وقال لهم «أنه لأمر مؤسف أيها السادة أن يكون لهذا الرجل العظيم ذلك الخلق السيء».
على
الرغم من غضبه الشديد لم يأمر نابليون باعتقال وزير خارجيته، واكتفى بعزله من
منصبه وطرده من بلاطه ظنّاً منه أن مجرد الإهانة تكفي كعقاب لأمثال تاليران، ولم
يكن يعرف عن انتشار الشائعات بسرعة عن تهجمه المطول وعن أن الناس لا يتكلمون إلا عن
فقدان الإمبراطور لأعصابه وإحراج تاليران له بتمسكه بوقاره وهدوءه. وأن الناس
أصبحوا يعرفون أن إمبراطورهم قد تغيّر فتلك أول مرة يسمعون أنه فقد أعصابه تحت
الضغط، ورأوا أن ذلك علامة على سقوطه، أو على تعبير تاليران «تلك كانت بداية
النهاية».
التعليق:
كانت
تلك بالفعل بداية النهاية، وعلى الرغم من أن حادثة واترلو لم تقع إلا بعد ذلك بست
سنوات إلا أن خلال هذه الفترة كان نابليون يمضي ببطء في طريق الهبوط والذي تجسد
بوضوح في غزوه الكارثي لروسيا. كان تاليران هو أول من رأى علامات السقوط بعد الحرب
مع إسبانيا. وفي وقت ما من عام 1808
كان تاليران قد قرر أنه لن يتحقق السلام لأوروبا إلا بالتخلص من نابليون ولذلك
تآمر مع فوشيه.
من
المحتمل أن المؤامرة لم تكن أكثر من مكيدة لدفع نابليون للخروج عن توازنه، لأن من
الصعب علينا أن نصدق أن اثنين من أكثر الرجال عملية وحنكة في التاريخ لا
ينهيان ما يخططان له حتى النهاية. ربما أنها فقط كانا يحركان الماء
الراكد حتى يدفعا نابليون لارتكاب حماقة. والحقيقة أن ما حققاه هو الغضب الذي
أظهر فقدان نابليون لسيطرته على الأمور، وبالفعل كان لهيبة الغضب التي أصابت
نابليون هذا اليوم تأثير كبير على صورته لدى جموع الناس.
تلك
هي مشكلة الردود الغاضبة ففي البداية قد تثير الخوف والرهبة لدى بعض من يتعرض لها
ولفترة مؤقتة وبعدها تزول العاصفة وتظهر تأثيرات أخرى مثل الإحراج والشك في قدرة
من يرد بغضب في السيطرة على أعصابه وقد تولد لديه الندم على ما قاله. في غضبك لن
تستطيع إلا أن تلقي باتهامات ظالمة ومجحفة، ولا يتطلب الأمر إلا القليل من نوبات
الغضب حتى يتأكد الناس من اقتراب نهاية سطوتك.
كان
لدي نابليون بالطبع كل الحق في الغضب والقلق أن يجد اثنين من أهم وزرائه يتآمران
ضده، ولكنه بالمبالغة في إظهار غضبه علانية لم يكسب إلا إظهار مدى إحباطه، وإظهارك
لإحباطك يعني فقدانك لسطوتك على التحكم بالأحداث، وهو رد فعل الطفل الذي لا يجد ما
يفعله سوى الصراخ والشكوى للحصول على ما يريد، والأقوياء لا يظهرون أبداً ضعفهم
بمثل هذه الطريقة.
هناك
أشياء أخرى كثيرة كان يمكن لنابليون أن يفعلها في مثل هذا الموقف. كان يمكنه أن
يفكر بعمق حول ما الذي دفع اثنين من أكثر رجاله حنكة وعقلانية للتآمر عليه، وكان
من الممكن أن يستمع إليهما ويتعلم منهما الكثير، وأن يكسبهما من جديد إلى صفه. بل
كان يمكنه حتى أن يتخلص منهما وأن يُظهِر بسجنهما أو إعدامهما أنه ما زال يحتفظ
بثباته وسطوته، دون غضب أو صراخ طفولي أو إحراج لنفسه، فقط بإبعاد من لم يستحقا
ثقته ووضعها في غياهب النسيان.
تذكر
أن: الهياج والغضب لا يردع الآخرين ولا يكسبك ولاءهم، ولا يأتي بشيء إلا أن يُشَكِّك
الناس في ثباتك وسطوتك، ويظهر ضعفك. وتكرار هذه النوبات ينذر بانتهاء
مكانتك.
مراعاة
القاعدة:
في
أواخر عقد 1920
كان هيلا سيلاسي يقترب من تحقيق هدفه في السيطرة الكاملة على حكم أثيوبيا، وكان
يرى أن البلد في حاجة إلى قيادة قوية وموحدة. كان سيلاسي وقتها وصياً على
الإمبراطورة زوديتو (حفيدة الملكة الراحلة) ، وقضى عدة سنوات من الحكم
بالوصاية يضعف من سطوة أمراء الحرب الكثيرين في أثيوبيا، ولم يتبق أمامه سوى عائق
واحد هو الإمبراطورة وزوجها راس جوجسا. كان سيلاسي بعلم أن الإمبراطورة وزوجها
يکرهانه ويرغبان في التخلص منه، ولكي يمنع التآمر ضده أبعد جوجسا عن العاصمة وعن
محل إقامة الإمبراطورة وعَيَّنَه حاكماً على المقاطعة الشمالية في بجميدر.
ظل
جوجسا لسنوات يقوم بدور الإداري المخلص، لكن ذلك لم يمنحه ثقة سيلاسي الذي كان
يعرف أن الزوجين الملكيين يخططان للانتقام والتخلص منه، ولم يكن مرور السنوات وعدم
قيام جوجسا بأي خطوة غدر لا يشعران سيلاسي إلا باقتراب المؤامرة، وكان يرى أنه ليس
أمامه سوى شيء واحد يفعله: وهو أن يستدرج جوجسا للخروج من مكمنه وإجباره على
التصرف قبل أن يصبح جاهزاً.
لسنوات
عديدة كانت قبيلة آذيبو جالاس الشمالية تستعد للتمرد على العرش، وكانوا ينهبون ويُرَوِّعون
القرى المحلية ويرفضون أن يدفعوا الضرائب، ولم يكن سيلاسي يفعل شيئاً ليوقفهم بل
ترك لهم الفرصة لتقوية أنفسهم. وأخيراً وفي عام 1929
أصدر سيلاسي أمراً لراس جوجسا أن يُعِدَّ جيشاً ويَتَوَّجه لتأديب هؤلاء
المتمردين، ووافق جوجسا ولكن من داخله كان يغلي من الغضب لأنه لم يكن لديه أي
ضغائن ضد آذيبو جالاس، وشعر بالمهانة أن يطلب منه سيلاسي قتالهم وبالمهانة أكثر
أنه لا يستطيع أن يرفض. لكن أثناء جمعه للجيش عمل على نشر شائعة مزعجة وهي أن
سيلاسي يدير مع بابا الفاتيكان لتحويل أثيوبيا إلى الكاثوليكية الرومانية وجعلها
مستعمرة إيطالية. تَضَخَّم جيش جوجسا وانضمت إليه بعض القبائل للحرب ضد سيلاسي،
وفي عام 1930
بدأت هذه القوة الهائلة التي تعدادها 350,000
في الزحف ولكن ليس شمالاً باتجاه آذيبو جالاس بل جنوباً نحو العاصمة أديس أبابا،
وبعد أن تأكد جوجسا من رسوخ قوته أعلن شن حرب مقدسة ضد سيلاسي لإعادة البلاد إلى
حكامها المسيحيين الحقيقيين.
لم
يكتشف جوجسا الفخ الذي أعده له سيلاسي، فقبل أن يأمره بإعداد الجيش لقتال آذيبو
جالاس كان قد تأكد من دعم الكنيسة الأثيوبية له، وقبل أن يتمرد جوجسا كان سيلاسي
قد قدم رشوة للحلفاء الأساسيين لجوجسا حتى يتخلفوا عن المعركة، وأثناء تحرك جيش
التمرد جنوبا كانت الطائرات تحلق وتلقي عليهم منشورات تعرفهم أن السلطات العليا في
الكنيسة قد اعترفت بسيلاسي حاکماً مسيحياً حقيقياً على البلاد وقد أبعدت جوجسا
لتحريضه على الحرب الأهلية. أضعفت هذه المنشورات كثيراً من المشاعر التي كانت
تدفعهم لشن الحرب المقدسة، وحين لاحت الحرب ولم يأت الحلفاء بدأ المتمردون في الهرب
والتراجع.
حين
اشتعلت المعركة انهار جيش التمرد بسرعة ورفض راس جوجسا الاستسلام ومات وهو يقاتل
وماتت الإمبراطورة بعدها بأيام حزنا على زوجها، وفي 3
إبريل أعلن سيلاسي نفسه رسمياً إمبراطوراً جديداً على إثيوبيا.
التعليق:
كان
سيلاسي يفكر دائماً لعدة خطوات للأمام، ورأى أن الخطر سيكون أكبر لو ترك جوجسا
يقرر توقيت ومكان التمرد، وأن من الأفضل له أن يُجبره على التصرف بشروطه، ولذلك
استفزه للتمرد بإهانة كرامته كرجل بأن طلب منه أن يقاتل أناس ليس بينه وبينهم شيء
لصالح رجل يكرهه. وبالتدبير لكل شيء مسبقاً أعدَّ سيلاسي خطته وتأكد من أن التمرد
ليس له أي فرصة في النجاح وأنه سيسمح له بالتخلص من آخر عدوين يقفان بينه وبين
الحصول على السلطة الكاملة.
تلك
هي خلاصة القاعدة: حين تكون المياه راكدة سيتوفر لدى خصومك الوقت والحيز للتآمر
وسيكون لديهم المبادرة والتحكم، لذلك عليك أن تحرك الماء الراكد لإجبار الأسماك
على الصعود للسطح. ادفع خصومك للعمل قبل أن يتوفر لديهم الوقت للاستعداد ولا
تترك المبادرة في أيديهم، وأفضل طريقة لفعل ذلك هي أن تتلاعب بالمشاعر التي لا
يمكنهم التحكم بها مثل الكبرياء والحب والكره والغضب. وبمجرد أن تتحرك المياه
سيصعب على الأسماك أن تقاوم الطعم، وكلما زاد توترها يقل تحكمها بنفسها وفي
النهاية تقع في الشباك التي أعددتها لها.
على
الحاكم أن لا يجهز أبداً جيوشاً بدافع الغضب وعلى القائد أن لا يدخل حريا لمجرد
الانتقام (صن تسو، القرن الرابع ق. م.)
مفاتيح
للسطوة:
غالبا
ما ينظر الناس للأشخاص الغضوبين بنوع من السخرية لأن ردود فعلهم لا تتناسب عادة مع
المواقف التي تسببها، ولأنهم يبالغون في أخذهم للأمور على محمل الجد وفي تقديرهم
للإهانات التي تعرضوا لها. هؤلاء الأشخاص يكونون شديدي الحساسية لأي استخفاف
ويأخذون الأمر بشكل هزلي على أنه يستهدفهم شخصياً والأكثر هزلية هو أنهم يعتقدون
أن تعبيرهم عن غضبهم يدل على قوتهم وبأسهم. الحقيقة هي عكس ذلك تماماً: فالوقاحة
والعراك ليسا القوة، بل هما دليل على الإحباط والعجز. قد يخشاك الناس مؤقتاً حين
تغضب ولكنهم في النهاية يفقدون احترامهم لك ويدرك خصومك أن من السهل القضاء على
شخص مثلك لا يستطيع أن يتحكم بنفسه.
الأنسب
ليس هو أن تكبت غضبك أو انفعالاتك، لأن الكبت يستنفذ الطاقة ويدفع الإنسان لارتكاب
المزيد من الحماقات، بل عليك أن تغير نظرتك للأمور: أن ندرك أنه لا شيء في لعبة
السطوة أو في التعاملات الاجتماعية يكون شخصياً.
كل
حدث محكوم بسلسلة الأحداث التي تسبقه بوقت طويل، وغالباً ما يأتي غضبنا ليس بسبب
الموقف الحالي بل بسبب مشکلات أثّرت فينا أثناء الطفولة مثل تعامل الوالدين وغيرهم
معنا وبسبب الاحباطات والحسرات التي عانينا منها. غالباً ما نعتقد أن شخصاً ما هو
سبب ما نشعر به من غضب ولكن الحقيقة أن الأمر غالبا ما يكون أكثر تعقيداً من
ذلك بكثير ويتجاوز ما فعله أي شخص معين ضدنا. فإن رأيت مثلاً أن شخصاً يشتاط غضباً
ويتجاوز في استجابته ما فعلتَه له ذَكِّر نفسك أن غضبه لا يختصك حصراً وأن السبب
أكبر من ذلك ويعود للكثير من الجراح في طفولته والتي لا تعرف عنها شيئاً والتي لا
يجب عليك أن تزعج نفسك بتفهمها، وعليك أن تنظر لغضب من أمامك ليس على أنه ضغينة
شخصية ضدك بل على أنه تَحَرُّك للسطوة أو كمحاولة للتحكم بك أو عقابك يخفيها الشخص
بالتظاهر أن تصرفه كان بسبب إيذائك له أو جرحك لمشاعره.
هذا
التَّغَيُّر في نظرتك للأمور سيسمح لك أن ترى المجريات بوضوح ويوفر طاقتك للفعل
والتحرك، وبدلاً من أن تستهلك نفسك في الرد على انفعالات الآخرين سترى أن فقدانهم
للتحكم يفيدك: ستحافظ أنت على أعصابك وسلامة تفكيرك بينما يفقدون هم
أعصابهم.
أثناء
إحدى الحروب التي جرت بين الممالك الصينية الثلاث في القرن الثالث الميلادي، جاء
المستشارون للملك تساو تساو بوثائق تثبت تَوَرُّط بعض كبار قادة جيوشه بالتخابر مع
الأعداء، ونصحوه بمحاكمة وإعدام هؤلاء الخونة. لكن ما فعله تساو تساو هو أنه أمرهم
بأن يحرقوا الوثائق وينسوا الأمر تماماً. في هذه اللحظة الحرجة من المعركة كان
استسلام تساو تساو لغضبه أو لرغبته في معاقبة المذنبين سيؤدي إلى نشر الخبر عن
خيانة القادة ويضعف هِمَّة الجنود. هكذا استطاع تساو تساو أن يَتَحَكَّم بأعصابة
ويتخذ القرار الصحيح: لم تكن العدالة ستخسر شيئاً أن تنتظر وفي الوقت المناسب كان
يمكنه أن يعاقب القادة أو يعفو عنهم حسب مصلحته.
قارن
ذلك بما فعله نابليون مع تاليران: كان يمكن تنابليون بدلا من أخذ ما حدث على أنه
إهانة لشخصه؛ أن يتعامل کا تعامل تساو تساو ويزن عواقب كل فعل يقوم به. كانت أفضل
استجابة يقوم بها نابليون هي أن يتجاهل ما فعله تاليران وأن يعمل على تقرييه إليه
ثم يعاقبه في الوقت المناسب.
الغضب
يُقَلِّل خياراتك وبدون الخيارات المناسبة لا يمكنك أن تمتلك السطوة. وبمجرد أن تُدَرِّب
نفسك على النظر لكل ما يحدث لك على أنه لا يمسسك شخصياً وأن تتحكم بانفعالاتك تجاه
كل ما تواجه تكون قد وضعت نفسك في الموقف الذي يسهل لك الحصول على سطوة كبيرة لأنه
سيمكنك من التلاعب بمشاعر الآخرين والتأثير في تصرفاتهم. ستتمكن مثلا من استنفار
الحائرين إلى الإقدام بجرأة إن حرکت فيهم تَعَطُّشهم لإثبات رجولتهم وأغريتهم
بتحقيق نصر سريع، وأن تفعل ما فعل فنان الهروب من الأغلال هوديني حين تحداه نظيره
الأقل مهارة كليبيني: فقد أظهر له نقطة ضعف يستغلها (بأن ترکه يسرق توليفة
فتح الأقفال) حتى يغريه بالإقدام، وحينها أصبح من السهل عليه أن يسحقه. ويمكنك
أيضاً أن تخادع المغرورين بأن تظهر لهم أضعف من حقيقتك فذلك يدفعهم إلى الإقدام
على تحركات متهورة لم يستعدوا لها استعدادا کافياً.
ذات
مرة كان صن بن قائد جيوش مملكة شاي والتلميذ المخلص لتعاليم صن تسو يتحرك لمواجهة
جيوش وي التي كانت تفوق ضعف عددهم، فأشار صن تسو عليهم بأن «نوقد مائة ألف شعلة
عند دخولنا نحو وي، وفي اليوم التالي نوقد خمسين ألفا وفي اليوم الثالث ثلاثين
ألفاً فقط». في اليوم الثالث قال قائد جيوش وي ساخراً بعد أن رأى ما حدث «كنت أعلم
أن جنود شاي جبناء لكن لم أتوقع أن يفر أكثر من نصفهم في ثلاثة أيام فقط»، وأراد
أن يستغل الفرصة فتحرك بسرعة بقوات مجهزة تجهيزاً خفيفاً تاركاً خلفه المدفعية
الثقيلة بطيئة الحركة، وأظهر لهم صن بن وجنوده أنهم ينسحبون إلى أن استدرجوهم إلى
ممر ضيق وقضوا عليهم تماماً، وبعد أن قتلوا القائد وأهلكوا معظم الجنود كان من
السهل عليهم أن يسحقوا من تخلفوا.
أخيرا
فإن الاستجابة الأمثل عند مواجهة شخص حاد المزاج هو أن لا تفعل شيئاً، وأن تتبع
طريقة تاليران: فلا شيء يثير مثل هذا الشخص أكثر من أن يجدك هادئاً ومتماسكاً في
مواجهة فقدانه لأعصابه. وإن كان من مصلحتك أن تشوش تفكير من تتعامل معهم فعليك أن
تتخذ أسلوب السادة المترفين الذي يتميز بلا مبالاة وتَرَفُّع؛ وهو ليس
استهزاء بالآخرين ولا تعالياً عليهم بل فقط إظهار عدم الاهتمام أو التأثر، وحين
يندفعون إلى غضب يحرجهم تحصد أنت مكاسب عديدة أحدها أنك ستظهر وقوراً وراقيا في
حين سيظهرون هم وكأنهم أطفال غاضبون يحتاجون من يواسيهم.
الصورة:
بركة الأسماك
حين
يكون الماء راكداً تغوص الأسماك مطمئنة إلى القاع. لكن حين تُحَرِّك الماء بقوة
بصعدون إلى السطح وحين تُحَرِّكة بقوة أكبر تغضبهم فيتحركون على غير هدى ويعضون ما
قد يجدونه في طريقهم، ومنه الطعم والصنارة الذين أعددتهما لهم.
اقتباس
من معلم: حين يكون خصمك حاد المزاج اعمل على أن تَستَفِزَّه،
وإن كان مغروراً شجع اعتزازه الزائف بنفسه... البراعة في جعل خصمك يتحرك هي أن
تصنع الموقف الذي يغري خصمك بالتحرك. القائد البارع يستدرج خصمه بالطُّعم المناسب
وبعدها مهاجمته بضربات مُتقَنة. (صن تسو، القرن الرابع ق. م).
عکس
القاعدة:
التلاعب
بمشاعر الناس يتطلب منك الحرص الشديد وأن تدرس عدوك جيداً قبلها، فبعض الأسماك
يكون من الأفضل لك أن تتركها لحالها في القاع.
كان
قادة مدينة تاير عاصمة فينيقيا يعتزون بأنفسهم ويرون أن لديهم القدرة على الصمود
للإسكندر الأكبر، والذي هزم كافة بلاد الشرق ولم يقترب من مدينتهم. أرسلوا رسلاً
للإسكندر يقولون له أنهم يقدرونه كإمبراطور ولكن عليه أن لا يفكر أن يدخل مدينتهم،
وأغضبه ذلك بالطبع وفرض عليهم حصاراً بعدها بقليل. استطاعت المدينة بالفعل أن تصمد
له طوال أربعة أشهر، وفي النهاية رأى أنه لا جدوى من الحصار وأن من الأفضل له أن
يفاوض قادة المدينة للتحالف معه، لكن شعورهم بأنهم قد استدرجوا الإسكندر ولم يستطع
أن يفعل لهم شيئاً كان قد عَزَّزَ ثقتهم بأنهم سوف يصمدون له للنهاية، ورفضوا
المفاوضات بل أنهم قتلوا رُسُلَه.
كان
ذلك أكثر من أن يتحمله الإسكندر، ولم يعد بعدها يهمه إلى أي مدى سيطول الحصار أو
إلى عدد الجنود الذي سيتطلبه، لأنه كان لديه ما يكفي ولم يعد يريد إلا أن يحتل
المدينة مهما كلفه الأمر. وكانت هجمته التالية من القوة بحيث استطاع أن يقتحم
المدينة في أيام قليلة ويحرق بيوتها جميعاً ويبيع سكانها عبيداً.
يمكنك
أن تستدرج الأقوياء وتجعلهم يقدمون دون استعداد ويفتون قوتهم کما فعل صن بن؛ لكن
قبلها عليك أن تقيمهم جيداً. ابحث عن ثغرة في مكامن قوتهم، وإن رأيت أنهم من
الصلابة والقوة بحيث لا تجد لديهم أي ثغرات، فلن تستفيد شيئاً وقد تخسر الكثير من
استدراجهم. أحرص تماماً على أن لا تستثير أبداً غضب الوحوش.
أخيراً
فإن هناك أوقات قد يفيدك فيها أن تغضب إن كان الغضب حسب اختيارك وتحت سيطرتك، وأن
تتخير بدقة الطريقة المناسبة والشخص المناسب الذي سيتوجه إليه غضبك، ولا تَجرّ على
نفسك أبداً ما قد يعود عليك بالضرر على المدى الطويل. وعليك أن لا تكثر من التوعد
لأن ذلك يفقدك هيبتك وتأثيرك. لكن سواء كان الغضب باختيارك أو بدون اختيارك فإن
تكرره كثيراً يفقدك السَّطوة.
المصدر: THE 48 LAWS
OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق