السبت، 8 فبراير 2025

• تَعَلَّم دائماً كيف تُبهِر العيون

القاعدة 37 من كتاب 48 قانون للقوة (قواعد السّطوة) للكاتب روبرت جرين

الحكمة:

استخدامُ الإبهار والرموز في المظهر والأداء هالة من السطوة تأخذ بألباب كل من يراك. عليك أن تصنع لنفسك جواً احتفالياً مليئاً بما يخطف الأبصار ويفرض حضورك. انبهارهم بك سيعميهم عن طبيعة تحركاتك من أجل السطوة.

مراعاة القاعدة 1:

في أوائل عقد 1780 - انتشرت الأخبار في برلين عن طريقة علاج طريفة يمارسها الدكتور فايسلدر، والذي قام بتحويل قاعة مصنع قديم للخمور إلى مشفى، وكانت طوابير من العميان والعجزة ومن لديهم أمراض أخرى يعجز الطب المعتاد عن شفائها تتجمع أمام مشفاه، وحين تسرب للناس أن د. فايلدر يعالج بتعريض المريض لأشعة القمر أطلقوا عليه طبيب القمر في برلين.

 

وفي وقت ما من عام 1783 انتشر أن طبيب القمر استطاع أن يعالج امرأة ميسورة من داء عُضال، وتحققت لدكتور فايسلدر شهرةٌ واسعة. قبلها لم يكن يجتمع أمام مشفاه سوى صفوف الفقراء في ملابسهم الممزقة، لكن بعد ذلك تغير المشهد وبدأ يتردد عليه عندما تقترب الشمس من المغيب سادة في ثياب أنيقة وسيدات أجدن تصفيف شعورهن، بل أن بعضهم كان يجيء باعتلالات بسيطة من باب الفضول. كان الجميع يصطفون لانتظاره وكان الفقراء يشرحون للسادة أن الطبيب لا يناظر المرضى إلا حين يكون القمر في طور الصعود نحو الاكتمال، وكانوا يشرحون لهم كيف استفادوا هم من القوى الموجودة في سنا القمر والتي يسخّرها الطبيب للشفاء. وحتى من كان يتحقق لهم الشفاء كانوا يستمرون في المجئ حتى لا يحرموا أنفسهم من هذه التجربة المؤثرة.

داخل القاعة كان المشهد الذي يستقبل الزوار عند دخولهم مبهراً، فكان الناس يحتشدون من كل الطبقات والأعراق وكأنه برج بابل بُعث من جديد، وكان سنا القمر الفضي يتسلل إليهم من نوافذ عالية ومن زوايا غريبة. وكان الطبيب وزوجته يمارسان العلاج في الطابق الثاني والذي كان يمكن الوصول إليه بدرج يقع عند نهاية القاعة. وحين كان المرضى يقتربون من الدرج كانوا يسمعون صياحاً وتهليلاً آتياً من أعلى فيقول لهم أحد الحضور أن الطبيب نجح في إعادة الإبصار لأحد العميان.

وحين يصل الحشد إلى الدور الثاني يتفرقون إلى اتجاهين، إلى غرفة الطبيب التي تقع في اتجاه الشمال أو إلى غرفة زوجته التي تقع في اتجاه الجنوب. وبعد اصطفاف وانتظار يصل السادة أخيراً لمقابلة الطبيب المدهش نفسه، وكان شيخاً مُسِنّاً ولكن لم يكن في شعره إلا القليل من بياض المشيب وكان وكأنه يَتَّقِد بالطاقة. كان يأخذ المريض من يده ويكشف الجزء المصاب من جسده ويضعه في مواجهة ضوء القمر، ويدلكه مُتمتاً بكلمات غير مفهومة وينظر إلى القمر نظرة الخبير العارف ثم يصرف المريض بعد أن يتلقى أتعابه. في الناحية المقابلة كانت زوجته تفعل نفس الشيء مع النساء وكان ذلك غريباً لأن من المستحيل أن يظهر القمر في ناحيتين في وقت واحد. يبدو أن الطبيب كان قد أقنعهم بأن مجرد التفكير في القمر كرمز كان كافياً لأنه لم تشكو أي من النساء بل أقررن بأن زوجة الطبيب لا تقل عنه في القدرة على تحقيق الشفاء.

التعليق:

ربما كان د. فايسلدر جاهلاً تماما بالطب والعلاج، لكنه كان يفهم الطبيعة البشرية فهماً عميقاً. وأدرك بفطنته أن الناس ليسوا دائماً في حاجة إلى إثباتات وبراهين العلم بل يحتاجون لمن يتلمس مشاعرهم ويؤثر فيها. إن قَدَّمتَ لهم ذلك سيتكفلون عنك بالباقي - فيُقنعون أنفسهم بأنه يمكن شفاؤهم بسنا القمر الذي هو مجرد انعكاس للضوء على أحجار تبعد أميالاً عنهم. لم يكن د. فايسلدر في حاجة إلى عقاقير أو إلى شروح مطولة عن قدرات القمر أو إلى آلات لتركيز أشعته. كان يفهم أن الإبهار يزيد مع البساطة، فقد كان الضوء المتسرب حتى وإن لم يكن مرئياً والدرج الذي يبدو وكأنه يصعد نحو السماء يكفيان لإحداث التأثير، وكانت إضافة أي تعقيدات ستجعل الناس يعتقدون أن سنا القمر لا يكفي وحده للشفاء. كان القمر وحده كافياً لأنه كان طوال التاريخ منبعا للأحلام لدى البشر، ومجرد أن ربط د. فايلدر نفسه بالقمر استطاع أن ينال سطوته.

تذكر أن السطوة تتطلب منك إيجاد الطرق المختصرة، كما أن عليك أن تجد طرقا تراوغ بها الريبة لدى الآخرين ومقاومتهم لفرض تأثيرك عليهم. الانطباعات هي أفضل الطرق المختصرة، فهي تتجاوز التفكير العقلاني مصدر الارتياب والمقاومة؛ وتخاطب القلب مباشرة، الانطباعات تخطف العين وتضع روابط قوية بين الناس وتفتن المشاعر. وحين تمتلئ عيون فرائسك بسنا القمر لن يمكنهم بعدها أن يروا ما تمارسه معهم من خداع.

مراعاة القاعدة 2

في عام 1536 تعرف هنري الثاني ملك فرنسا بأولى عشيقاته ديان دي بواتيه. كانت ديان في السابعة والثلاثين من عمرها وكانت أرملة كبير المشرفين على المضيفة الملكية بنورماندي، وكان هنري في السابعة عشرة ولا يزال طائشاً وماجناً. في البداية كان حبهما عذرياً، وكان هنري قد تعلق بها تعلقاً روحانياً عميقاً، لكن بسرعة تحولت علاقتهما إلى عشق جارف وأصبح يفضلها في الفراش على زوجته الشابة كاترين دي مديتشي

في عام 1547 مات الملك فرانسيس وخلفه هنري على العرش، وكان في ذلك تهديد لوضع ديان دي بواتييه، فقد بلغت في وقتها الثامنة والأربعين وبدأت تظهر عليها آثار التقدم في السن رغم كل المحاولات لإخفائها، ورأت أن هنري بعد أن أصبح ملكا قد يعود إلى فراش زوجته الملكة ويفعل ما كان يفعله أسلافه من الملوك بأن يتخذ عشيقات من أسراب الجميلات اللاتي يزدان بهن البلاط الفرنسي ويجسِّده عليهن جميع ملوك أوروبا، فهو لم يكن على أي حال قد تجاوز الثامنة والعشرين کما أن الله كان قد أبدع في خلقه حسناً ورشاقة. لكن لم تكن ديان من النوع الذي يستسلم بسهولة، وعزمت على أن تفتن فتاها وتحتفظ به کما احتفظت به في الأحد عشر عاماً الماضية.

كانت أسلحة ديان السرية هي الانطباعات والرموز وهي أمور كانت توليها عناية خاصة. في فترة مبكرة من علاقتها بهنري صنعت شعاراً يرمز لَتَوَّحد روحيهما معاً بمزج حروف اسميها، وكان لذلك مفعول السحر على هنري فأصبح يضع هذا الشعار في كل مكان - على ملابسه وعلى النصب التذكارية والكنائس وعلى واجهة قصر اللوفر ثم على قصره الملكي بباريس. وكانت ديان تحب الأبيض والأسود فقط ولا ترتدي غيرهما، ولذلك كان هنري يلون الشعار بهذين اللونين کلما استطاع. كان الجميع يعرفون الشعار وما يعنيه، ولكن بعد أن اعتلى هنري العرش قررت ديان ما هو أكثر من ذلك، فقد رمزت لنفسها بالإلهة الرومانية ديانا ربة الصيد الذي كان هنري يعشقه، وكانت ترمز أيضاً للعفة والنقاء وكانا هما غاية الفن في عصر النهضة، وأَدّي تَبَنّي امرأة بسطوة ديان لهذه المبادئ إلى ترسيخها في مجتمع الصفوة وأكسب ديان احتراماً وإجلالا. وعمل اتخاذها لرمز يعني اطهارة العلاقة بينها وبين هنري على محو وصمة الزنا التي ارتبطت بماضيها كمحظية ملكية.

لكي تحقق ديان تحولها إلى ديانا غَيَّرت قلعتها في مدينة آنيه تغييراً تاماً، فقد هدمت المبنى القديم وأقامت محله صرحاً رائعاً على شكل معبد روماني له أعمدة إغريقية، وقد أتت للبناء بحجارة بيضاء من نورماندي مُطَعَّمَة بأحجار سوداء لتعطي المبني اللون الأبيض في الأسود المميز لديان. ورسمت شعار علاقتها بهنري على الأعمدة والأبواب والنوافذ والسجاجيد، وعلى البوابات والواجهات نُحتت أَهِلَة وخيول وكلاب صيد وهي جميعاً رموز دانا. وفي الداخل وضعت تطريزات ضخمة على الأرض وعلى الحوائط ترسم مشاهد من حياة ديانا الأسطورية. وفي الحديقة وضعت التمثال الذي نحته جوجون ديانا القناصة الموجود حاليا في متحف اللوفر وكان يشبه كثيراً ديان دي بواتية. وكانت صور ولوحات ديانا في كل ركن من أركان القلعة.

انبهر هنري بقلعة آنيه الجديدة وبدأ بعدها يُكَرِّز بالانطباع الجديد لديان دي بوانييه كإلهة رومانية، وفي عام 1548 وحين كان هنري وديان يزوران ليون لحضور احتفال ملكي حَيّاهما سكان المدينة بمشهد صامت بصور ديانا القناصة، وبدأ بيير دي روزان أشهر شاعر في فرنسا وقتها يكتب قصائد في مدح ديانا - الحقيقة أنه قد ظهر ما يشبه الطائفة التي تقدس ديانا وكانت ديان هي عرابتهم الملهمة. شعر هنري أن ديان قد أحاطت نفسها بهالة ساوية وأن قدره هو أن يقضي ما تبقى من حياته راهباً في معبدها. الحقيقة أنه ظل مخلصا لها حتى وفاته في عام 1559.

التعليق:

استطاعت ديان ذات الأصول الاجتماعية المتواضعة أن تُبهر هنري وتفتنه وأن تظل عشيقته الوحيدة طوال حياته فمنحها أموالا طائلة ولقب دوقة وإخلاصاً وتفانياً يشبه التبتّل الديني. حين مات هنري کانت ديان في الستينات من عمرها لكن مرور الزمن لم يكن يرده إلا حباً لها. كانت تفهم الملك جيداً، فهو لم يكن مفكراً متأملاً بل محباً للانطلاق - فكان يعشق مباريات المبارزة براياتها الملونة وخيولها المزينة بأناقة وحضور النساء الجميلات. ورأت أن حب هنري للإثارة البصرية يدل على طفولية مشاعره، وقد تلاعبت بهذا الضعف بكل الوسائل الممكنة.

كان أذکي وسائلها هو الاستيلاء على رموز الإلهة الرومانية ديانا، وبذلك ارتفعت باللعبة من الانطباعات البصرية العابرة إلى التأثير النفسي العميق. بالطبع كان من الصعب أن تُغيِّر صورتها من عشيقة ملكية إلى رمز للسطوة والطهارة، فلم تكن تستطيع بدون الاستعانة بالانطباعات الأسطورية أن تكون أكثر من محظية، لكن حين أجادت رسم نفسها من جديد على صورة ديانا ارتفعت بنفسها فوق واقعها وأظهرت أن ما تستحقه أعظم بكثير.

يمكنك أنت أيضا أن تُسخِّر الانطباعات لصالحك، بأن تتقن صورة بصرية متكاملة تمنحك وضعاً جديداً مثلما فعلت ديان بتلاعبها بلونيها المميزين وابتکارها شعاراً لعلاقتها بهنري، عليك أنت أيضاً أن تصنع لنفسك رموزاً تميزك، ثم تقدم باللعبة خطوة أخرى: بأن تَتَخَيَّر من التاريخ انطباعاً أو رمزاً يناسب موقفك الحالي وتجعله شعاراً لك، فسيجعلك ذلك تسمو فوق واقعك وحياتك.

لأن الشمس تشع بضوئها على النجوم الأخرى التي حولها وكأنهم بلاطها الملكي، ولأنها توزع عليهم أشعتها بالعدل، ولأنها تأتي بالخير والحياة والحركة إلى كل مكان تصل إليه، وبسبب حضورها الدائم الذي لا يقل ولا يتغير، أرى أنها الرمز المعبر عن أي قائد عظيم. (لويس الرابع عشر، الملك الشمس، 1715-1836).

مفاتيح للسطوة:

دِفاعُك عن رأيك بالكلمات يُعرّضك لمخاطر لأن الكلمات لا تصيب دائماً هدفها كما أنها قد تشتط بك؛ فالكلمات التي يستخدمها الآخرون لإقناعنا قد توحي لدينا بمعان أخرى، وحين نتفكر بها قد تؤدي بنا إلى مواقف عكس التي كان يريدها قائلوها، كما أنه قد يتصادف أن تُشعرنا بعض کلماتهم بالإهانة لأنها تثير لدينا تداعيات لا يعرفها المتحدث.

لكن ما نراه يصل إلى غرضه دون أن يدخل في متاهة الكلمات، فهو يثير مشاعرنا فوراً ولا يترك مجالاً للتفكير والتشكك. إنه كالموسيقى التي تصل إلينا دون حاجة للعقلانية والمنطق. تخيل ما قد يحدث إن حاول طبيب القمر أن يدافع عن طريقته الطبية بأن يشرح للمتشككين القدرات الشفائية للقمر والرابط الذي يصله بهذا الجرم السماوي البعيد. لحسن حظه أنه استطاع أن يخلق المشهد الذي يبهر جمهوره دون حاجة لأي كلمات أو براهين، ففي اللحظة التي كان يدخل فيها مرضاه إلى قاعة المشفى كانت صورة القمر تتحدث إليهم بلغة تسمو فوق أي بيان.

تَذَكَّر أن الكلمات تضعك في موقف الدفاع، فمحاولتك لتبرير سطوتك وقدراتك يُشَكِّك الناس فيها. أما المشاهد والانطباعات فتفرض نفسها كأمر واقع، وتُسكِتُ شَكَّ المتشككين وتثير التداعيات القوية وتصل فوراً إلى القلوب وتُوَحِّد بين الناس وتسمو بهم فوق الفوارق الاجتماعية. الكلمات تؤدي إلى الجدل والاختلاف أما المشاهد المبهرة فتجمع الناس على انطباعات مشتركة، ولذلك فهي من الأدوات شبه اللازمة للحصول على السطوة.

للرموز نفس قوة المشاهد، سواء كانت رموز مرئية (مثل تمثال ديانا) أو تعبيرات لفظية عن شيء مرئي مثل (الملك الشمس). الرمز هو شيء محسوس يعبر عن شيء آخر سامي وغير ملموس (مثل صورة ديانا التي تعبر عن "العفة") . المفاهيم السامية مثل النقاء والوطنية والشجاعة والحب تثير فينا مشاعر جارفة وتداعيات قوية. وتعد الرموز طرقاً مختصرة للتعبير عن عشرات المعاني في عبارة قصيرة أو تكوين واحد بسيط. فيمكن لرمز مثل الملك الشمس کا وضعه لنفسه لويس الرابع عشر أن تكون له طبقات كثيرة من الدلالة ولكن جماله الحقيقي هو أنه لا يحتاج إلى شروح بل يؤثر مباشرة في رعاياه ويميز بينه وبين الملوك الأخرين ويمنحه إجلالا أكبر بكثير من الدلالة المباشرة للكلمات. فالرموز لها سطوة لا تحدها الكلمات.

الخطوة الأولى للاستفادة من المشاهد والرموز هي أن تنتبه لتفوق الرؤية على باقي الحواس. بَيَّن النقاد أن قبل عصر النهضة كان للرؤية تأثير مماثل للحواس الأخرى كاللمس والتذوق وغيرهما، ولكن بعدها زادت ثقتنا واعتمادها على ما نراه وقل اهتمامنا بالحواس الأخرى، أو كما قال جراتسيان «إننا عموما نُفضِّل أن نرى الحقيقة على أن نسمعها». حين أسر المسلمون الرسام فرا فيليبو ليبي واستعبدوه استطاع أن ينال حريته برسم صورة لمولاه بالفحم على حائط أبيض، وحين رآها سيده فهم سريعاً قدرات رجل له هذه القدرة على التصوير فأعتقه، أي أنه كان لهذه الصورة تأثير أكبر بكثير من أي كلمات أو توسلات كان يمكن للفنان أن يقولها لمولاه.

اعتن دائماً بإعداد مظهرك وأشيائك كأنك ترسم لوحة، فالألوان لها تأثيرات رمزية كبيرة. حين أراد المحتال الشهير الفتى الأصفر وائل أن يطبع جريدة تنشر الأخبار الزائفة عن البورصة التي كان يريد نقلها لضحاياه، أطلق عليها اسم «صحيفة الخط الأحمر»، وكان طبعها بالحبر الأحمر يكلفه الكثير، فقد كان اللون الأحمر يوحي لهم بالعجلة والسطوة والحظ. كان وائل يعرف أن مثل هذه التفاصيل هي السر لإنجاح الاحتيال - وهذا ما يعرفه أيضاً خبراء الإعلان والتسويق. إن أردت مثلاً أن تستخدم كلمة الذهبي، لتسويق منتج فعليك أن تطبعه باللون الذهبي لأن الناس يستجيبون للألوان أكثر من استجابتهم للكلمات.

المشاعر تتأثر كثيراً بما نراه. كان الإمبراطور الروماني قسطنطين يعبد الشمس أغلب سنين حياته، ولكن ذات يوم نظر للشمس ورأى فوقها صليباً فأوحى له ذلك بصعود المسيحية كدين جديد فآمن به وأمر كل رعايا الإمبراطورية الرومانية بأن يؤمنوا بها. لم يكن لكل ما في الأرض من وعظ أو تبشير أن يفعل ما فعله هذا المشهد. إن أوجدت ما يربط بينك وبين المشاهد والرموز التي تؤثر في الناس هذا التأثير ستحصل على سطوة بلا حدود.

أكثر الطرق فاعلية لربط نفسك بالمشاهد والرموز هو أن تجمع بينها في توليفة لم يعهدها الناس من قبل، توليفة تنقل لهم أفكارك أو مبادئك أو قناعاتك. وابتكار رموز ومشاهد جديدة من الرموز والمشاهد القديمة له تأثير شاعري - فهو يثير أحاسيس الناس وتداعياتهم وتجعلهم يعتبرون أنفسهم شركاء في نشر الفكر الجديد.

غالبا ما تظهر المشاهد في تتابع له قيمة رمزية، فالظهور في البداية أو المقدمة مثلا يرمز إلى السلطة بينما يرمز الظهور في المركز إلى الأهمية.

حين اقتربت الحرب العالمية الثانية من نهايتها أمر الجنرال أيزنهاور أن تأتي القوات الأمريكية في مقدمة قوات التحالف التي ستدخل باريس بعد تحريرها، لكن أدرك الجنرال الفرنسي ديجول أن هذا الترتيب سيعني أن أمريكا هي التي ستقرر مصير فرنسا، ومارس الكثير من الضغوط حتى تأكد أنه هو الذي سيتقدم جيش التحرير بالفرقة الفرنسية الثانية المدرعة. ونجحت إستراتيجيته بعد أن أوقفت هذه المهانة في أن تجعل الحلفاء يتعاملون معه كقائد جديد لفرنسا الحرة. كان ديجول يعرف أنه يتوجب على القائد أن يأتي فعليا في مقدمة قواته، فهذا المشهد يثير فيهم الحماس والمشاعر التي يتطلبها الموقف.

لقد تغيرت لعبة الرموز عن الماضي، فلم يعد ممكناً أن يتصرف أي حاكم على أنه الملك الشمس، ولا أن تتقمص امرأة عباءة الإلهة الرومانية ديانا، لكن من الممكن أن يربط الشخص نفسه بهذه الرموز بطرق غير مباشرة. كما يمكنك بالطبع أن تصنع أسطورتك الخاصة بربط نفسك بشخصيات من التاريخ الحديث رحلوا عن هذه الدنيا وبقى تأثيرهم على الجماهير. المهم هو أن تصنع لنفسك هالة تمنحك ما لا يمنحه لك الواقع العادي والبسيط، فلم يكن لديان دي بواتييه مثلا هذا الإشعاع فلم تكن أكثر من شخصية عادية مثلنا جميعاً، ولكن استخدامها للرمز ارتفع بها فوق مصاف الجموع وجعلها أقرب للأسطورة.

استخدام الرموز يظهرك أيضا کرجل صفوة لأنها غالباً ما تكون أرقى من الكلمات الفظة. ظل د. ميلتون ه. اريکسون يبحث عن رموز ومشاهد يعبر بها للمريض عن ما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات. فحين كان يتحدث مع مريض شديد الاضطراب لم يكن يسأله عن مشكلته مباشرة بل كان يتحدث معه في موضوع آخر بعيد مثل تجوله في صحراء أريزونا في عقد 1950، وباستمرار المريض في الوصف كان إريكسون يجد رمزاً مناسباً لما يعتقد أنه سبب لمعاناة الرجل. فإن رأى أن المريض منعزل يتحدث معه حول أشجار الزان القوية التي تنكسر للريح إن وقفت بمفردها، استخدام الشجرة كرمز كان يشعر المريض بحرية أكثر في التحدث عن مشكلته والإجابة عن أسئلة الطبيب.

يمكنك أن تستخدم الرموز کوسيلة مؤثرة لحشد جنودك أو فريقك وإثارة حماسهم وتوحيدهم معاً. أثناء التمرد ضد الملك الفرنسي في عام 1648 سخِر أنصار الملك من المتمردين بأن أطلقوا عليهم لقب frondes  والتي تعني بالفرنسية «النبال» التي يستخدمها الأولاد الضعاف لقذف الحصى لتخويف الأولاد الأقوى منهم، قرر الكاردينال دي ريتز أن يستخدم هذا الوصف الساخر كرمز يوحد المتمردين: فأطلق على التمرد اسم النبل وعلى المتمردين اسم النابلين، وبدأوا في ارتداء أوشحة على قبعاتهم ترمز إلى النبال وأصبح اللفظ صيحة ندائهم. دون هذا الرمز كان من الممكن أن يفتر حماسهم. عليك أن تجد دائماً رمزا يمثل قضيتك. والأفضل أن تستخدم الرمز الأكثر إثارة للمشاعر.

من أفضل الطرق للاستفادة من المشاهد والرموز هي أن تنظمها معاً في تصور متكامل يبهر الناس ويبعدهم عن واقعهم البغيض، ومن السهل لك أن تحقق ذلك: فالناس يتعلقون بما يبهرهم ويسمو بهم فوق الواقعي والمبتذل. حرك حماسهم ومشاعرهم وستجدهم يتوافدون إليك أفواجاً، وأكثر ما يحرك قلوبهم هو أن تبهر عيونهم.

الصورة

إيلاف الحكمة، السيف والميزان. تلك هي سطوة العظماء والصالحين الذين يجمعون بين القدرة والبصيرة والتراحم. الذين تضعهم براعتهم في قلب الناس والأحداث دون أن يطغى عليهم غرور أنفسهم ويدفعهم للاستبداد والقهر، لأن للأيام حكمة وللتاريخ إيقاع لا يعلوان طويلا بمن يتدني بهم صغار أنفسهم. تَعَلَّم أن تمتلك هذه السطوة - وأن تكون كأولئك العظماء بارعاً وحكيماً ولا تهلك نفسك في جدل الحالمين أو غرور المستبدين.

اقتباس من معلم: يتأثر الناس كثيراً بالمظاهر السطحية للأشياء... وعلى الأمير دائماً أن يخصص أوقاتاً من السنة لشغل أذهان الناس والتسرية عن واقعهم بالاحتفالات والمشاهد المبهرة. (نيقولو مكيافيللي، 1469 - 1527).

عکس القاعدة:

لا يمكنك جني سطوة من عدم الاهتمام بالانطباعات والرموز. وليس هناك إمكانية لعكس هذه القاعدة.

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق