الأحد، 9 فبراير 2025

• كيف تؤثر مشاعر الإنسان على قراراته وأفعاله؟

المشاعر والقرارات

تلعب المشاعر دورًا غير مرئي لكنه بالغ التأثير على قراراتنا وأفعالنا في مشاهد حياتنا اليومية، وقد نجد أنفسنا أحيانًا نتصرف بطرق لا تعكس تمامًا ما كنا نفكر فيه، لنكتشف لاحقًا أن انفعالاتنا هي التي قادت خطواتنا تلك، سواء كنا في حالة من الحماس، الغضب، أو حتى الخوف.

تُشكل المشاعر جزءًا جوهريًا من عملية التفكير البشري، حيث تؤثر بعمق على القرارات التي نتخذها والسلوكيات التي ننتهجها، فعندما تغمرنا مشاعر إيجابية كالسعادة والرضا، فإن عقولنا تتجه نحو اتخاذ قرارات أكثر تفاؤلًا وإيجابية، بل ويبدو وكأننا أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات والمخاطر، وفي المقابل من ذلك، عندما نستشعر القلق أو الحزن، فإننا غالبًا ما نميل إلى الحذر الزائد أو الانغلاق على ذواتنا، مما قد يقودنا إلى قرارات مغايرة تمامًا لما قد نتخذه في أوقات أخرى.
وهنا تتدخل العمليات العقلية المُعقدة، حيث تؤثر المشاعر على كيفية معالجة المعلومات، حتى تؤدي إلى انحيازات تؤثر على حكمنا المنطقي، ففي حالات الغضب مثلًا، نجد أنفسنا نميل إلى ردود أفعال سريعة ودون تفكير عميق، وذلك نتيجة لطبيعة هذا الشعور الذي يضع العقل في حالة من الاستنفار العاطفي.

تحديات السيطرة وتوجيه المشاعر

من المثير للاهتمام أن علماء النفس قد تناولوا مسألة تأثير المشاعر على القرارات بنظرة دقيقة، فواحدة من النظريات الرائدة في هذا المجال هي «نظرية إدارة المشاعر» التي تشير إلى أن الوعي بالمشاعر وتحديد مصدرها بدقة هما مفتاح السيطرة على تأثيراتها، فعندما ندرك طبيعة مشاعرنا ونفهم أسبابها، نمنح أنفسنا فرصة للسيطرة على ردود أفعالنا، بدلًا من أن نقع ضحيةً للاندفاع.

تشير الدراسات النفسية إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة أكبر على تحديد مشاعرهم وتوجيهها يتخذون قرارات أكثر حكمة واتزانًا، فمثلًا قد يُحجِم المرء عن رد فعل معين لو تمكن من التمهل والتفكر في طبيعة مشاعره الحالية، ويدرك أنها قد تكون مؤقتة أو مرتبطة بحدث خارجي عابر، ويساعد هذا الوعي على تجاوز لحظات الاندفاع ويضع الفرد في وضع يُمَكِّنه من رؤية الصورة كاملةً.

وفي دراسة أجريت في جامعة كولومبيا، تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات وتجهيزهم لمواقف تثير مشاعر مختلفة، تم اختبار مشاعر الخوف والغضب والحزن والفرح، وكان الهدف من الدراسة هو معرفة كيفية تأثير كل شعور على قراراتهم، جاءت النتائج لتوضح أن الأشخاص في حالة من الغضب يتخذون قرارات أسرع وأحيانًا أكثر مخاطرة، في حين أن الأشخاص الذين شعروا بالخوف اتخذوا قرارات أقل مخاطرة وأكثر حذرًا.

إحدى النتائج المثيرة للاهتمام في هذه الدراسة هي أن مشاعر السعادة قد تجعل الأشخاص يتجاهلون بعض المخاطر الصغيرة ويقدمون على اتخاذ قرارات تحمل في طياتها احتمالات للفشل، إلا أن إيجابيتها تكمن في تهيئة العقول لاستيعاب التجربة بإيجابية حتى في حال وقوع الخطأ.

توجيه المشاعر نحو قرارات رشيدة

ما نستنتجه هنا أن التحكم في المشاعر وتوجيهها نحو نتائج إيجابية ليس بالأمر المستحيل، بل هو مهارة يمكن اكتسابها بالممارسة، كما أن الوعي الذاتي بالمشاعر يسمح لنا بالتفكر في طبيعة انفعالاتنا قبل اتخاذ قرارات مصيرية، سواء كانت تتعلق بحياتنا الشخصية أو المهنية، كذلك يمكننا من خلال التدرب على تقنيات التنفس والتأمل اليومي أن نخفف من حدة الشعور ونهدئ انفعالاتنا قبل أن نتخذ خطوات قد نندم عليها لاحقًا.

وهنا يأتي دور «الذكاء العاطفي»، الذي يُعرف بأنه القدرة على التعرف على مشاعرنا وتوجيهها بطريقة تتناسب مع مواقفنا واحتياجاتنا الحقيقية، فالإنسان الذي يتمتع بالذكاء العاطفي يقدر على قراءة مشاعره واحتوائها، مما يسهل عليه توجيهها لتحقيق أهداف إيجابية، ويشمل الذكاء العاطفي مهارات عدة، مثل القدرة على التعبير عن المشاعر بطريقة صحية والقدرة على تفهم مشاعر الآخرين، وأخيرًا القدرة على إدارة المشاعر الشخصية.

كيف نتعامل مع مشاعرنا؟

إذن، ما الذي يمكننا فعله لتحسين قدرتنا على التعامل مع مشاعرنا؟ من أهم الخطوات التي ينصح بها الخبراء هي ممارسة «التأمل العاطفي»، فحينما نشعر بشعور قوي كالغضب أو الحزن، يُفضل أن نتوقف لبرهة ونتساءل: «ما سبب هذا الشعور؟ هل يعود إلى موقف معين؟ وكيف يمكنني التعامل معه بطريقة سليمة؟»، هذه التساؤلات تمنحنا مسافة عاطفية وتهدئ من الاندفاع.

كذلك يُنصح بتدوين المشاعر والأفكار في دفتر يومي، حيث يُعتبر هذا الأسلوب أحد أفضل الطرق التي تعين الإنسان على رؤية مشاعره بوضوح وتحليل أسبابها، فعبر تدوين المشاعر نكتسب وعيًا تدريجيًا بها، مما يجعلنا أقدر على إدارة حالات القلق أو الحزن عندما تراودنا.

ويجب أيضًا أن ندرك أن المشاعر جزء لا يتجزأ من تكويننا كأفراد، فهي تعطي لحياتنا عمقًا وتجعلنا نتفاعل مع الآخرين ومع أنفسنا بطرق متعددة، ولكن في الوقت ذاته، ينبغي أن ندرك أن تحكيم العقل في توجيه المشاعر يُكسبنا السيطرة على قراراتنا ويوجهنا نحو حياة أكثر استقرارًا واتزانًا.

لذا، يمكننا أن نختتم بقول إن الوعي بمشاعرنا وتوجيهها نحو القرارات الرشيدة ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة، فالإنسان الذي يتمكن من تفهم مشاعره، ويمتلك الشجاعة لتوجيهها وتحليلها، قادر على صنع حياة أفضل وقرارات أعمق وأكثر حكمة.

المصدر: 1

 إقرأ أيضاً:

أهمية العلاقة بين الإخوة والأخوات ودور الأهل في تعزيزها

10 ألعاب ممتعة لتنمية التركيز والانتباه عند الأطفال

أسس بناء الثقة بين الأهل والمراهقين

التعامل مع الطفل العنيد دون صراخ أو عقاب

أضرار أسلوب التهديد في تربية الأطفال وبدائله الإيجابية

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق