الاثنين، 26 نوفمبر 2012

• قصة وسيرة حياة العندليب عبد الحليم حافظ


نشأة عبد الحليم حافظ
ولد عبدالحليم على شبانة في 21 حزيران/يونيو 1929 بقرية الحلوات محافظة الشرقية، وهو الابن الاصغر بين أربعة إخوة هم: إسماعيل ومحمد وعلية، توفيت والدته بعد ولادته بأيام، وقبل أن يتم عامه الأول توفى والده ليعيش بعدها هو إخوته في بيت خاله الحاج متولي عماشة، الموظف بوزارة الزراعة، الذي نقلهم ليعيشوا معه في مدينة الزقازيق.

 وبعد بلوغ عبدالحليم سن السادسة، ألحقه خاله بالكتاب ثم بالمدرسة الابتدائية، لكنه أدمن الهروب منها، مما دفع خاله بأن يدخله الملجأ، وكان عمره وقتها تسع سنوات، ثمان سنوات عجاف أمضاها عبد الحليم حافظ في الملجأ، ورغم قسوتها إلا أنه استفاد منها كثيرا وأضافت الى شخصيته أبعاداً جديدة، كان منذ طفولته المبكرة شغوفا بالاغاني والأناشيد، وعندما استمع الى الموسيقى من فرقة موسيقى المطافئ بالزقازيق، وجد نفسه مجذوباً الى هذا الفن، مما دفعه للهرب أكثر من مرة من الملجأ، ليتعلم العزف على آلة الكلارنيت، على يد رئيس الفرقة الموسيقية هناك وكانت تلك أول آلة موسيقية يتعلم العزف عليها، وفي الملجأ وجد فرقة موسيقية تعزف على الآلات النحاسية، فتقدم عبد الحليم حافظ على الفور لهذه الفرقة واظهر استعدادا كبيراً لتعلم الموسيقى مما دفع مدرس الموسيقى بأن يحتضنه ويعلمه العزف على آلة الأبوا التي تخصص في العزف عليها فيما بعد، عندما تقدم للدراسة بمعهد الموسيقى العربية، وبعد حصول عبد الحليم حافظ على الشهادة الابتدائية، أدرك حليم أن الموسيقى العربية والغناء يجريان فيه مجرى الدم في العروق، وعلم بينه وبين نفسه أنها الطريق والغاية وأكثر ما شجعه على ذلك أن شقيقه الأكبر إسماعيل سبقه وحصل على دبلوم معهد الموسيقى العربية.
وفي 16 نوفمبر عام 1945، انتقل عبد الحليم حافظ الى القاهرة، والتحق بمعهد الموسيقى العربية وهناك التقى الدفعة الذهبية التي كانت تضم كمال الطويل وأحمد فؤاد حسن وفايدة كامل وعلى إسماعيل.
وفي 25 أيار/مايو عام 1948، تخرج في المعهد وفور تخرجه عرض على عبد الحليم حافظ السفر في بعثة دراسية الى روسيا لكنه رفض، وبدأ حياته العملية مدرساً للموسيقى بمدرسة طنطا الابتدائية، ثم انتقل الى مدرسة الزقازيق، وعاد بعدها الى القاهرة، ثم قدم استقالته من التدريس والتحق بفرقة موسيقى الإذاعة، وبعدها تم اعتماده كعازف أبوا بالفرقة في العاشر من يناير عام 1949 براتب شهري 35 جنيها، وفي 16 مايو 1950 تأخر المطرب إبراهيم حمودة عن تسجيل اغنية لاحد اركان الإذاعة فتقدم عبدالحليم إلى مراقب الموسيقى بالإذاعة في ذلك الوقت، وعرض عليه أداء الأغنية بصوته، ولكن حضور إبراهيم حمودة في آخر لحظة اضاع الفرصة من عبد الحليم حافظ.
ذكريات مع عبد الحليم حافظ
وعن فترة عمل عبد الحليم حافظ بطنطا، واعتماده عازفا للابوا بفرقة موسيقى الإذاعة، يقول عبد الحليم حافظ في مذكراته التي تناولت بعض المقتطفات عن قصة حياة عبد الحليم حافظ: في أعقاب تخرجي من المعهد العالى للموسيقى المسرحية وحصولي على الدبلوم كان فرحي لا يوصف، ولكن سرعان ما غيرت الرياح اتجاهها في وجهي، فلقد اوصت لجنة الامتحان بتعييني خارج القاهرة، في طنطا، ورفض أخي إسماعيل أن أسكن هناك وهكذا كان على أن اغادر القاهرة عند الفجر واعود في المساء، أحسست اني أسافر طول الوقت، وضقت ذرعا بوظيفة المدرس فانا انفق أكثر من نصف مرتبي في السفر وأنفق كل أيامي في القطار، وفكرت في الاستقالة، ولكني ترددت فأنا لم أكن أملك مورد رزق آخر غير مرتبي، ومعني الاستقالة أن أخي سيقوم بالانفاق على، وبالتالى سوف أشكل عبئا عليه فوق كل الاعباء التي تشغله،، فهو متزوج وأمامه مسئوليات، فبدأت أفكر في احتراف الغناء، وفي هذه المرحلة أعلنت الإذاعة عن حاجتها لعازف ابوا، فتقدمت للامتحان ونجحت، وانهمكت في عملي بالإذاعة ونسيت المدرسة في طنطا، وصبروا علي طويلا، ولكن أخيراً جاءني خطاب الفصل من المدرسة فتنفست الصعداء، فقد كان جواز المرور بالنسبة لي الى الحرية هو الخلاص من السفر في القطار، وفجأة حدث ما غير مجرى حياتي كلية، ولم يتم هذا التغيير المفاجئ في حياتي إلا بمعاونة أخي إسماعيل الذي أدين واعترف له بالجميل،
بدايات عبد الحليم حافظ
أول اغنية قدمها عبد الحليم حافظ على طريق الاحتراف كانت قصيدة "لقاء" وهي التي أهداها الشاعر صلاح عبدالصبور ابن محافظة الشرقية إلى ابن بلده وصديقه عبدالحليم حافظ، وكانت مكونة من 14 بيتًا، فاختار كمال الطويل ثمانية أبيات فقط ولحنها، وهي أول أغنية يسجلها عبدالحليم حافظ للإذاعة، ولم تحقق الاغنية النجاح الذي كان ينتظره المطرب الشاب والملحن الصاعد لكنها على كل حال كانت بداية جيدة.
عبد الحليم حافظ في الإذاعة المصرية
وفقاً لبعض المصادر فإن عبد الحليم حافظ أجيز في الإذاعة بعد أن قدم قصيدة “لقاء” كلمات صلاح عبدالصبور، ولحن كمال الطويل عام 1951، في حين ترى مصادر أخرى أن إجازته كانت في عام 1952 بعد أن قدم أغنية "يا حلو يا أسمر" كلمات سمير محجوب، وألحان محمد الموجي، وضمت لجنة اعتماده محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، وأصبح حليم يؤدي أغنيات في أركان الإذاعة من تلحين أحمد صبرة وخليل المصري وغيرهما، واخذ اسم حافظ عبدالوهاب عرفانا وتقديراً له، واشتهر باسم عبدالحليم حافظ في 17  آب/اغسطس عام 1952. ظهر عبدالحليم لأول مرة للجمهور كمطرب جديد على المسرح القومي بالإسكندرية وخلفه 60 عازفاً، وغني "صافيني مرة" كلمات سمير محجوب ولحن محمد الموجي.
بين عبد الحليم وعبد الوهاب
وكان غناؤه مختلفاً عما هو سائد في ذلك الوقت، ولم يتجاوب معه الجمهور السكندري الذي طلب منه غناء اي اغنية لعبد الوهاب، فرفض، وطالبه الجمهور بالنزول من على المسرح، وفي هذه اللحظة تماسك حليم وخاطب الجمهور في عناد واصرار قائلا: "أنا مش عبدالوهاب، أنا اسمي عبدالحليم حافظ، وجيت علشان اغني اغنياتي أنا". ولكنه أعاد غناء "صافيني مرة" في 18 حزيران/يونيو عام 1953 في الحفل الذي أقيم بحديقة الاندلس بمناسبة إعلان الجمهورية، وحضره ما يقرب من 13000 متفرج، وقدمه الفنان الكبير يوسف وهبي قائلا: ونحن نحتفل بميلاد الجمهورية نحتفل أيضا بميلاد مطرب جديد سيكون له شأن كبير إن شاء الله في الغناء العربي، هو عبد الحليم حافظ وتجاوب الجمهور مع الاغنية ثم بعد ذلك اذاعتها الإذاعة، وفي عام 1954 أصر عبدالحليم حافظ على تقديم "صافيني مرة" بالاسكندرية وعلى نفس المسرح ومع نفس الفرقة الموسيقية وهو يرتدي نفس البدلة، لكن هذه المرة لم يطالبه الجمهور بالنزول من على المسح وإنما طالب بالإعادة. سبحان مغير الاحوال! وانطلق حليم في مشوار فني عظيم امتد لما يقرب من ربع قرن كان يومًا بعد يوم يزداد مجدًا والى الآن لم يأفل نجمه.
مشوار عبد الحليم الغنائي
ولو تأملنا مشوار حليم الغنائي سنجد أن مرحلة البدايات تمتد منذ إجازته في الإذاعة عام 1951 حتى بدء تصويره أول أفلامه "لحن الوفاء" عام 1955، ولم تكن أعراض مرض البلهارسيا قد تفاقمت لديه، ونلاحظ أن أغلب أغانيه في هذه المرحلة غلبت عليها نبرة التفاؤل مثل: "الليل أنوار وسمر"، "نسيم الفجرية"، "ريح دمعك"، "اصحي وقوم"، "الدنيا كلها"،
"ذلك عيدالندي"، "أقبل الصباح"، "مركب الأحلام"، "في سكون الليل"، "فرحتنا يا هنانا"، "العيون بتناجيك"، "غني،، غني"،
كما تحدثت بعض أغانيه في هذه المرحلة عن الطبيعة الجميلة، مثل: "هلّ الربيع"، "الأصيل الذهبي"، وفي أغان أخرى له نجد ذكر الطبيعة الجميلة في إطار عشق الإنسان لكل ما هو جميل مثل "القرنفل"، "ربما"، "في سكون الليل"، "صحبه الورد"، "ربيع شاعر"، "الجدول"، "هنا روض غرامنا"،
عبد الحليم بين التفاؤل والتشاؤم
ومع تفاقم مرض البلهارسيا لديه بدءاً من عام 1956، نلاحظ أن نبرة التفاؤل بدأت تختفي تدريجيًا من أغانيه وتحل محلها نبرة الحزن والشجن ونجد ذلك في اغنيات مثل "في يوم في شهر في سنة"، "في يوم من الأيام"، “الليالي”، "راح"، "بعدإيه"، "ظلموه" وغيرها.
عبد الحليم والتنوع في الأغاني
قدم عبدالحليم مختلف قوالب الاغنية ما بين الخفيفة والايقاعية القصيرة والدرامية الطويلة والاستعراضية، واغنية الموقف والقصة والاوبريت والموال والأغنية السينمائية، كما قدم الأغنية الرومانسية والوطنية والدينية والاجتماعية والوصفية والشعبية وأغنية المناسبة، ويبلغ رصيده ما يقرب من 300 أغنية امتازت جميعها بالصدق والاحساس والعاطفة ولو توقفنا عند اغانيه العاطفية على سبيل المثال لا الحصر نجد:
“صافيني مرة” و”على قد الشوق” و”أنا لك على طول” و”الحلو حياتي” و”هي دي هي” و”خدني معاك ياهوي” و”تخونوه” و”توبة” و”في يوم في شهر في سنة” و”أنا كل ما أقول التوبة” و”جبار” و”الليالي” و”اهواك” و”زي الهوي” و”موعود” و”مداح القمر” و”أي دمعة حزن لا” و”فاتت جنبنا” و”نبتدي منين الحكاية”،، غيرها
وفي ميدان القصيدة الغنائية نجد أن حليم اختار البداية الصعبة والتي لم تكن موفقة الى حد كبير بـ “لقاء” كلمات صلاح عبدالصبور والحان كمال الطويل، ولنفس الملحن قدم “لا تلمني” التي كانت حدثًا فريدًا من نوعة في مجال تلحين القصيدة من حيث قصر مدتها التي لا تتجاوز ثلاث دقائق و”حبيبها”، كلمات كامل الشناوي، لحن محمد الموجي و”لا تكذبي” كلمات كامل الشناوي والحان محمد عبدالوهاب و”لست ادري” للشاعر ايليا أبو ماضي، والحان محمد عبدالوهاب و”رسالة من تحت الماء” كلمات نزار قباني، والحان محمد الموجي ولنفس الشاعر والملحن اختتم مشواره بـ “قارئة الفنجان” عام 1976 وكانت اغنية “من غير ليه” كلمات مرسي جميل عزيز ولحن محمد عبدالوهاب هي آخر عمل كان يستعد لغنائه بعد العودة من رحلة مرضه الأخيرة والتي لم تتم، وأجري عليها بروفة فقط ولم يمهله القدر ليغنيها.
الوطنيات في حياة عبد الحليم حافظ
عرف عن عبدالحليم حافظ أنه مطرب الثورة المصرية، فجاء ميلاده كمطرب مع عهد جديد تعيشه مصر ومجتمع يموج بالتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتحول من مجرد مطرب عاطفي الى رمز تعلق الناس به حينما غني "فدائي فدائي، أهدي للعروبة دمائي" فقد ظهر في فترة خمسينات وستينات القرن العشرين، حيث كانت معظم الدول العربية، تخرج من عصر الاحتلال الغربي والتبعية الى عصر جديد شهدت عدة تغيرات إيجابية وجدت معبرًا لها لدي حنجرة حليم، حتى أن الكاتب الصحافي الكبير أحمد بهاء الدين قال عنه “كانت آمالنا فيه كبيرة” فقد كان عبدالحليم قريبا جدا من جمال عبدالناصر حتى أن الزعيم أمر في إحدي المرات بتأجيل سفره إرضاء للفنان الذي غني أغنية “المسئولية”
ويظل العندليب صاحب التراث الأكبر في الأغنيات الوطنية بين الفنانين العرب، وما زالت أغنياته تتردد في كل المناسبات الوطنية العربية،
التمثيل في قصة حياة عبد الحليم حافظ
سبق صوت عبد الحليم حافظ صورته الى السينما فقدم بصوته فقط أغنية "ليه تحسب الأيا" كلمات فتحي قورة وألحان على فراج في فيلم “بعد الوداع” وغني بصوته فقط أيضًا “أنا اهواك” في فيلم “بائعة الخبز” بطولة ماجدة وشكري سرحان والفيلمان عام 1953 أما رصيده من الأفلام فهو 16 فيلمًا شارك في جميعها بالغناء، وكان بطلاً رئيسياً وهي على الترتيب الزمني: في عام 1955 شهد عرض أربعة أفلام كاملة للعندليب هي: “لحن الوفاء” وشاركه البطولة: شادية، حسين رياض و”أيامنا الحلوة” مع فاتن حمامة، عمر الشريف، أحمد رمزي و”ليالى الحب” وشاركه في البطولة: آمال فريد، عبدالسلام النابلسي و”أيام وليالي” مع إيمان وأحمد رمزي.
في عام 1957 قدم عبد الحليم حافظ ثلاثة أفلام هم: “بنات اليوم” وشاركه البطولة ماجدة وآمال فريد وأحمد رمزي و”الوسادة الخالية” أمام لبني عبدالعزيز و”فتي أحلامي” مع مني بدر وسهام.
·       وفي عام 1958 قدم عبدالحليم “فيلم شارع الحب” أمام صباح.
·       وفي عام 1959 قدم “حكاية حب” وشاركه البطولة مريم فخر الدين وعبدالسلام النابلسي ومحمود المليجي.
·       وعام 1960 قدم “البنات والصيف” مع سعاد حسني وزيزي البدراوي.
·       وعام 1961 قدم “يوم من عمري” وشاركه البطولة زبيدة ثروت. وعبدالسلام النابلسي ومحمود المليجي وسهير البابلي.
·       عام 1962 قدم “الخطايا” أمام نادية لطفي وعماد حمدي ومديحة يسري.
·       عام 1967 قدم “معبودة الجماهير” وشاركه البطولة شادية وفؤاد المهندس وفي عام 1969 جاء فيلمه السادس عشر والأخير “أبي فوق الشجرة” وشاركه البطولة ميرفت أمين ونادية لطفي وعماد حمدي.
رحيل عبدالحليم حافظ
رحل العندليب الاسمر عبدالحليم حافظ في الثلاثين من شهر آذار مارس عام 1977 ومنذ ذلك التاريخ والى الآن ورغم مرور هذه السنوات كلها على حالة الفقد الجسدي لم نستشعر لحظة واحدة بغياب هذا الرجل، فلم يكن حليم مطرباً كباقي المطربين بل كان ظاهرة ادائية كبيرة ومعجزة غنائية واضحة وعقلية فنية متفردة، امتلك وحده سر الخلطة الفنية التي تتحدى الزمن، ذلك الفتي النحيل الذي عرف طريقه الى وجدان الناس فعاش معهم وبهم حكاية حب طويلة،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق