الجمعة، 30 نوفمبر 2012

• الغزل فى العصر الجاهلي: خصائصه وأهم شعرائه



أجمع الباحثون على أن الغزل في العصر الجاهلي، قد احتل الجزء الأكبر من تراثنا الأدبي، لأنهم لم يجدوا قصيدة، في أي غرض من الأغراض، إلا وفيها اتصال بالغزل، إن لم تكن مقتصرة عليه.

 لذلك نرى شكري فيصل يقول في كتابه (تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام) "إن الثروة الشعرية كالقطعة الذهبية ذات الوجهين: نقش الجاهليون على صفحتها الأولى عواطفهم التي خلقت فيهم الحب، وما يؤدي إليه هذا الحب من وصْل أو هجْر، ومن سعادة أو شقاء، ومن لذة أو غصة، وصوروا هذه العواطف، وأفنوا في تصويرها ملكاتهم ومواهبهم.. أما الصفحة الأخرى، فقد جمعوا عليها أغراضهم الأخرى، ونثروا في أطرافهم كل الفنون والأغراض الثانية، كائنة ما كانت هذه الفنون والأغراض".
وإذا رأينا بعض الشعراء يستهلون قصائدهم بالخمرة، فإنهم لا يلبثون أن يعودوا إلى الغزل ليبثوا المرأة مشاعرهم، وما يعانونه من عذاب الهجر، وألم الفراق، بكل صدق وأمانة، وهذا ما حمل شكري فيصل على القول "إن الأغراض الأخرى التي عرض لها الشعراء الجاهليون لم تكن في كثير من الأحيان، مقصودًا إليها قصدًا، ولا متعمدة تعمدًا.. كانت روح الحب، وعواطف الهوى هي التي تخلقها، وهي التي تكمن وراءها". وهذا عنترة في معلقته، إنه لم يفتخر للفخر، وإنما للتغزل بحبيبته التي ملكت عواطفه، وسيطرت على أفكاره.
ومن هنا يمكننا القول إن المرأة هي كل شيء في نظر الجاهلي، وأكرم عليه من ناقته أو جواده، وقد أخطأ من شيّع أنها كانت عنصرًا محتقرًا، لأنها كانت عرضة للسبي، ومجلبة للعار، وإن ما وصل إلينا من أشعار يحمل صورة مشرقة عنها، فضلاً عن أنها تشكل الموضوع الذي أولاه الشعراء أولى اهتماماتهم، ولولا ذلك لما كان الاستهلال بالغزل وسيلة للولوج إلى هدف آخر.
وإذا كان الرجل مسيطرًا على المرأة، فذلك نتيجة لطبيعة الحياة التي جعلت منه المسئول عن الأسرة وحمايتها، فضلاً عن طبيعة الصحراء التي فرضت عليه القوة الجسدية للدفاع عن الحياض، والقيام بعمليات الغزو.
ونظرا لجفاف الصحراء، وضعف خيال الشاعر جاء غزلهم وصفا للجمال الخارجي: كجمال الوجه، والجسم، دون التعرض إلى الجمال النفسي والخلقي، وكانوا يتفننون في رسم صورة هذا الجمال في العين وسائر الحواس، دون أن يهتموا بما يتركه هذا الجمال من أثر في نفوسهم .لذلك بدا غزلهم غارقًا في المادية النابعة من صميم الطبيعة الجاهلية. وقد علل يوسف حسين بكار هذه المزية بقوله: "والذي أراه أن أكثر الشعراء الجاهليين لم تتح لهم الفرص الكافية للعيش مع من يتغزلون فيهن، أو التعرف عليهن من كثب، وإنما كانت لقاءات عابرة، ونظرات من بعيد، وإلا لما اكتفوا بالأوصاف الخارجية للمرأة".
ونتيجة لما تقدم، يمكننا تصنيف الغزل الجاهلي في اتجاهين متناقضين، أولهما الاتجاه الحسي الفاحش او الغزل الصريح، وزعيمه امرؤ القيس، صاحب المغامرات الليلية مع الحبالى والمرضعات، وثانيهما الاتجاه الحسي العفيف او الغزل العفيف الذي اشتهر في العصر الأموي، وكانت نواته في الجاهلية. وكثيرون هم زعماء هذا الاتجاه، وقد اقترنت أسماؤهم بأسماء محبوباتهم، مثل المرقش الأكبر وأسماء، والمرقش الأصغر وفاطمة، وعروة بن حزام وعفراء، وعنترة بن شداد وعبلة...
ومهما يكن من أمر، فإن أهم ما ينطوي عليه الغزل الجاهلي هو تكرار المعاني، وصدق العاطفة وإنسانيتها. فإن الشاعر عندما يذكر حبيبته، ويبثها عواطفه، نشعر وكأن شعره تعبير عن عواطفنا، رغم بعد المسافة الزمنية بيننا وبينه، وذلك لما تحوي خلجات قلبه من شحنات عاطفية لا تعبر عن فرد أو جماعة في بيئة معينة، وإنما تعبر عن قاسم مشترك لعواطف الناس أجمعين، وإن تكلم الشاعر عن أمكنة معينة، ومحددة بأسمائها ونباتها وحيوانها. أضف إلى ذلك المعاني البسيطة المأخوذة من الواقع الحسي القريب، وما خبره الشاعر في حياته الاجتماعية،  مصوغة بأسلوب جزل قوي وموجز، تنقصه الهندسة الفنية.
وفيما يلى نتعرض لبعض الشعراء الذين أبدعوا فى الغزل فى هذا العصر ونتعرض ايضا لأشهر القصائد...
امرؤ القيس
هو حندج بن حجر (نحو 130-80 ق.هـ نحو497-545 م) من أشهر شعراء العرب، كان أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل (الزير) الشاعر البطل المشهور. اشتهر بلقبه "امرؤالقيس"، وبـ"الملك الظليل" لاضطراب أمره طوال حياته، وبـ"ذي القروح" لما أصابه في مرض موته. كان محبًا للهو واللعب، مولعًا بمغازلة النساء ومفاكهتهن. ومن جميل شعره في الغزل نقتطف الأبيات التالية:
خليلي مر بي على أم جندب      لنقضي لبانات الفؤاد المعذب
فإنكما إن تنظراني ساعة من       الدهر تنفعني لدى أم جندب
ألم ترياني كلما جئت طارقا         وجدت بها طيبا وإن لم تطيب؟
· * *
...
ويوم دخلت الخدر، خدر عنيزة   فقالت لك الويلات إنك مرجلي
تقول، وقد مال الغبيط بنا معا       عقرت بعيري ياامرأ القيس فانزل
فقلت لها سيري، وأرخي زمامة     ولا تبعديني من جناك المعلل
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع      فألهيتها عن ذي تمائم محول
أفاطم مهلا بعض هذا التذلل        وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
أغرك مني أن حبك قاتلي           وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وإن تك قد ساءتك مني خليقة        فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي
عنترة بن شداد
أحد أبطال العرب وشعرائهم المشهورين (نحو600 م/22ق.هـ).كانت أمه حبشية، فسرى إليه السواد منها. كان من أحسن العرب شيمة وأعزهم نفسًا. يوصف بالحلم على شدة بطشه. أحب عبلة ابنة عمه، ولاقى في سبيلها ضروبًا من المرارة والعذاب، بسبب لونه، وعدم تمتعه بحريته في بداية حياته، ولأسباب عائلية اجتماعية. قال في حبها قصائد غزلية خالدة.
هرب والدا عبلة بابنتهما إلى بني شيبان، من وجه عنترة، فقال الشاعر:
ياطائر البان، قد هيجت أشجاني وزدتني طربا يا طائر البان
إن كنت تندب، إلفا قد فجعت به فقد شجاك الذي بالبين أشجاني
زدني من النوح، واسعدني على حزني حتى ترى عجبا من فيض أجفاني
وقف لتنظر ما بي، لا تكن بي عجلا واحذر لنفسك من أنفاس نيراني
وطر، لعلك في أرض الحجاز ترى ركبا على عالج أو دون نعمان
يسري بجارية تنهل أدمعها شوقا إلى وطن ناء،  وجيران
نا شدتك الله يا طير الحمام إذا رأيت يوما حمول القوم،  فانعاني
وقل : طريحا تركناه وقد فنيت دموعه،  وهو يبكي بالدم القاني
سألت امرأة من بني كندة عنترة أن يقيم معها في ديار قومها، واعدة إياه بتزويجه من يريد من بناتها، فقال:
لو كان قلبي معي، مااخترت غيركم  ولا رضيت سواكم، في الهوى، بدلا
 لكنه راغب فيمن يعذبه             وليس يقبل لا لوما ولا عذلا

ولقد ذكرتك،  والرماح نواهل   مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها     لمعت كبارق ثغرك المتبسم

حسناتي عند الزمان ذنوب        وفعالي مذمة وعيوب
ونصيبي من الحبيب بعاد          ولغيري الدنو منه نصيب
كل يوم يبري السقام محب         من حبيب وما لسقمي طبيب
وهلاكي في الحب أهون عندي     من حياتي إذا جفاني الحبيب
ولقد ناح في الغصون حمام        فشجاني حنينه والنحيب
ياحمام الغصون لو كنت مثلي     عاشقا لم يرقك غصن رطيب
فاترك الوجد والهوى لمحب        قلبه قد أذابه التعذيب
المنخل اليشكري
هو المنخل بن مسعود بن عامر (نحو603 م/20 ق.هـ).أشهر شعره رائيته التي سنثبتها. قالها في "هند" بنت عمرو بن هند، فلما عرف أبوها بأمره قتله. وضربت العرب به المثل في الغائب الذي لا يرجى إيابه، يقولون: "لا أفعله حتى يؤوب المنخل".
فتاة الخدر
إن كنت عاذلتي فسيري        نحو العراق، ولا تحوري
لا تسألي عن جل ما           لي، وانظري كرمي وخيري
ولقد دخلت على الفتا           ة الخدر في اليوم المطير
الكاعب الحسناء تر            فل في الدمقس وفي الحرير
فدفعتها فتدافعت               مشي القطاة إلى الغدير
ولثمتها فتنفست                كتنفس الظبي الغرير
فدنت، وقالت: يا منخل        ما بجسمك من حرور؟
ما شف جسمي غير جس      مك، فاهدئي عني وسيري
وأحبها وتحبني                ويحب ناقتها بعيري
يا رب يوم للمنخ               ل، قد لها فيه قصير
ولقد شربت الخمر بال         خيل الإناث وبالذكور
فإذا انتشيت فإنني              رب الخورنق والسدير
وإذا صحوت فإنني             رب الشويهة والبعير
وفى الحقيقة فإن شعر الغزل فى العصر الجاهلى لا ينتهى ولا تنضب ابداعاته.



تابعونا على الفيس بوك
إقرأ أيضًا


هناك 3 تعليقات:

  1. !! can you help me
    !!i don't understand any things

    ردحذف
  2. !can you help me please

    ردحذف
  3. كان المفروض ان تضع المصادر

    ردحذف