الاستشراق الروسي
الاستشراق هو في مفهومه المتواضع «تعريف الشرق على الغربيين»، وفي اللغات الأوربية يقصد بالشرق الشروق والضياء والنور والهداية، وفي مفهومه الاصطلاحي فإن الاستشراق هو علم الشرق أو علم العالم الشرقي، هو «ذلك التيار الفكري الذي تمثّل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، التي شملت حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته»، وهو العلم الذي «تناول المجتمعات الشرقية بالدراسة والتحليل من قبل علماء الغرب».
لقد انبهر الغرب، خلال عصر النهضة، بحضارة الشرق، حيث كانت أبواب كل من الأندلس وصقلية والشرق الأدنى، طرق عبرت من خلالها الدراسات العربية والإسلامية نحو أوربا، وساعدتها على النهوض من ظلام العصور الوسطى.
هذا ما دفع بأوربا نحو البحث في حضارة الشرق وتطوّرها وأسباب رقيّها، فكان الاستشراق الذي تلاه الاستعمار، بعدما أدرك الغرب غنى الشرق باقتصاده وفكره.
أما الاستشراق الروسي، فمن الصعب الحصول على معلومات وافية حول تاريخه، حيث انصبّ اهتمام الباحثين نحو اتجاه واحد هو الاستشراق الغربي (فرنسا - بريطانيا - ألمانيا ذ هولندا )ويعود ذلك كما يبدو إلى:
· قرب أوربا التي لا يفصلها عن العالم العربي سوى البحر المتوسط.
· الاستعمار الغربي للشرق.
· قِدَم العلاقة بين الشرق وأوربا( الحروب الصليبية والإمارات الصليبية التي قامت على الساحلين السوري واللبناني وداخل فلسطين).
· سهولة التواصل مع أوربا، من خلال البحر وعبر بيزنطة.
· ترجمة بحوث المستشرقين الغربيين من الفرنسية والإنجليزية والألمانية، أما الروسية فكانت قليلة، وقد يعود ذلك إلى صعوبة اللغة.
· لم تكن الشخصية الروسية تمتلك صفات المستشرق الغربي، حيث إن هذا الأخير لم يلقَ صعوبة أو موانع في الانتقال بين بلاده وبلاد العرب المسلمين.
· - اعتبر الغربيون الاستشراق الروسي متأخرًا إذا ما قورن بكتاباتهم، لذا لم يهتموا به، ولم يترجموا له في البداية.
· صعوبة اللغة الروسية بالنسبة إلى العرب، والمقاطعة الإسلامية لروسيا زمن الدولة العثمانية التي حكمت بلادنا، وزمن القياصرة الروس، كما زمن الاتحاد السوفييتي في بداية نشأته.
· - اهتمام الشيوعيين العرب بالمسائل المعاصرة التي هدفت إلى ربط المجتمعات العربية والإسلامية بالأفكار الشيوعية (الماركسية) ولغايات حزبية بحتة، أكثر منها غايات تاريخية، فالثقافة السوفييتية كانت شيوعية أولًا.
هذا كله ساهم في جعل معلوماتنا عن الاستشراق الروسي قليلة وغير كافية، إلى أن ظهرت دراستان ساعدتا المثقفين والباحثين على فهم هذا الاستشراق، الأولى لسهيل فرح، تحت مسمى الاستشراق الروسي نشأته ومراحله التاريخية حتى الثورة الشيوعية عام 1917.
والثانية للمستشرق السوفييتي غريغوري شرباتوف تحت اسم االاستعراب في الاتحاد السوفييتيب منذ ثورة 1917 حتى العصر الحالي، إضافة إلى بعض الدراسات باللغة العربية، ويعتبر أنور زناتي أن الاستشراق الروسي يتميّز عن الاستشراق الأوربي، فهو الم يصدر عن مثل أرضية العداء بين الغرب والشرق الإسلامي، وإنما كان هذا الاستشراق بدافع الفضول المعرفي الإنسانيب.
ويعيد زناتي العلاقة التي ربطت بين الروس والشرق، إلى العصر العباسي، حيث تبودلت السفارات، وازداد الاهتمام الروسي بالشرق مع ضمّ بعض المناطق الإسلامية إليها، كما اهتمت بدراسة الشرق، فعمدت إلى إرسال بعض الباحثين إلى مدرسة اللغات الشرقية الحيّة في باريس، وازداد هذا الاهتمام مع قيام الدولة العثمانية على حدودها، حيث نشب الصراع بين الدولتين الذي لم يكن دينيًا - وفق زناتي - وبالتالي لم يكن هناك صدام بين روسيا والعرب المسلمين، ويعطي مثالًا على ذلك، بأنه لم تكن هناك يومًا جيوش روسية على أرض عربية إسلامية، وعند وجودها، كان الدافع هو تقديم المعونة، كما حصل عندما أرسلت روسيا القيصرية أسطولها لاعتراض إنزال مشاة إنجليز على ساحل الإسكندرية في زمن محمد علي باشا.
وأعتبر ذلك رأيًا خاصًا بالكاتب، مع العلم بأنه كانت لروسيا أطماع في أملاك الدولة العثمانية، والحروب التي وقعت بين الدولتين شاهد على ذلك، كما أن التدخل الروسي لمصلحة محمد علي باشا( والي مصر وحاكمها المتمرد) لم يكن حُبًّا له، بل في سياق الصراع الروسي/ الإنجليزي/ الفرنسي على ممتلكات الرجل المريض( الدولة العثمانية).
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه، ما هي أوجه الاختلاف بين الاستشراق الروسي والغربي؟ خصوصًا أن عددًا من الباحثين ميّز بينهما من حيث الأهداف والغايات، فجعل الروس أبعد عن فكرة استعمار الشرق من الغربيين.
وذكر الباحث إدوارد سعيد من ضمن حديثه عن الاستشراق الغربي:
1) استشففت علاقة غنيّة وحميمة، بل ربما كانت العلاقة أكثر حميمية، بين المغرب والمشرق، وقد كانت هذه التجارب جزءًا من علاقة أوربية أو غربية بالشرق أكثر شمولًا، بيد أن ما يبدو أنه ترك أعمق أثر على الاستشراق كان حسًّا بالتصادم ثابتًا إلى حدّ بعيد لدى الغربيين الذين تعاملوا مع الشرق، وإن مفهوم الحدود الفاصلة بين الشرق والغرب، والدرجات المختلفة المتصورة للدونيّة والقوة، ومدى التنوع في العمل الذي أنجز وأنماط الملامح المميزة التي نسبت إلى الشرق، لتشهد كلها بوجود تقسيم تخيّلي وجغرافي إرادي أقيم بين الشرق والغرب، وعاشه الغربيون قرونًا عدةب.
2) فالاستشراق من حيث هو جهاز ثقافي، هو عدوانية، ونشاط، ومحاكمة، وإرادة للحقيقة، ومعرفة، والشرق وجد من أجل الغرب، أو هكذا بدا لعدد لا يُحصى من المستشرقين، إلا إذا كانوا أثريين، وفي هذه الحالة كان الشرق الكلاسيكي رصيدًا مشرّفًا لهم، لا الشرق الحديث التعيسب.
3) الاستشراق كان، جوهريًا، مذهبًا سياسيًا مورس إراديًّا على الشرق، لأنه كان أضعف من الغرب، الذي ساوى بين اختلاف الشرق وبين ضعفه، هذه الخلفية التي ميّزت الاستشراق الغربي، وطبعت العلاقة التي ربطت بين الحضارتين الغربية والمشرق العربي، لم تكن هي نفسها بالنسبة للاستشراق الروسي، المختلف من حيث الموقع الجغرافي ومن حيث العلاقات والغايات، وحتى المختلف عن الغرب من حيث الدين( أرثوذكس - كاثوليك).
مميزات الاستشراق الروسي
1 - عرف الاستشراق الروسي مدرستين، إحداهما ارتبطت بوزارة الخارجية، وكان هدفها سياسيًّا، إذ تسعى إلى تحقيق المصالح الروسية الخارجية، فكانت الدراسات حول الشرق تصبّ في خانة الأغراض السياسية، لعب الدين دوره فيها أحيانًا كثيرة.
ويشرح المستشرق برسبكين هذه المرحلة قائلًا:
انحصر الاستشراق الروسي في فلسطين وسورية ولبنان، موطن طائفة الروم الأرثوذكس خلال العهد القيصري، حيث اهتم المستشرقون في العهد القيصري بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة الأراضي المقدسة، أي القدس، وذلك بسبب الدين الأرثوذكسي الذي كان دين الدولة الرسمي، لذا وجب الاهتمام بجميع الرعايا والمؤسسات الأرثوذكسية ليس فقط في روسيا، بل في الخارج. من هنا نشأت الجمعية الامبراطورية الفلسطينية الأرثوذكسية بدعم من القياصرة، ونشطت في سورية ولبنان وفلسطين.
(المستشرق الروسي أليغ برسبكين، مقابلة مع صحيفة إيلاف الإلكترونية في 20 مايو 2005- بتصرُّف).
والمدرسة الثانية هي مدرسة بطرسبرغ، التي كانت بخلفية معرفية علمية، استقلت بعملها عن السياسة وأهداف السلطة، اعتمدت بداية على علماء الغرب، ثم شكّلت نفسها وأخذت لونًا مغايرًا من خلال الحصول على مصادرها بشكل مباشر.
2 - اعتمدت هذه المدرسة( بطرسبرغ) على الموظفين ورجال الجيش الروسي من مناطق الفولغا والبحر الأسود وبلاد القوقاز ووسط آسيا، خصوصًا أن هذه الأقاليم - التي كانت تابعة لروسيا - كانت تطغى عليها الثقافة العربية الإسلامية، كما كانت تتحدث بـ االعربيةب الفصحى، وقد ساهم هؤلاء في إدخال الثقافة العربية إلى روسيا - بعيدًا عن أوربا - بشكل مباشر، دون أي تشويه أو إعادة صياغة.
3 - يذكر المستشرق الروسي أغناطيوس كراتشكوفسكي أن بداية الاستشراق الروسي كان عام 1804 مع إدخال تدريس اللغات الشرقية - التي اعتبرت العربية أبرزها - في برنامج المدارس العليا، وأسست الأقسام الخاصة للغات، بينما كانت أوربا قد جعلت اللغة العبرية في صدارة اللغات السامية، فيكون الروس قد جعلوا للعربية مكانة أعلى من مثيلاتها من اللغات الشرقية كالعبرية وغيرها.
4 - كان الدافع الذي جعل الحكومة الروسية تشجّع على دراسة التراث العربي الإسلامي، هو علاقتها بأقاليمها الإسلامية مع القوقاز وآسيا الوسطى، ولتتوسع في فهم هذه الشعوب وثقافتها، وبالتالي كيفية التعامل معها.
5 - ينقل عن المستشرق الروسي بلوندين قوله: انحن الروس، وجميع الذين في الساحة الروسية القيصرية السابقة، نحن شرقيون بأنفسنا، وجزء من أراضينا موجود في آسيا، وثلثي حدودنا مع دول مثل تركيا والصين، وكذلك المناطق الإسلامية التي كانت قديمًا ولايات الخلافة العربيةب.
6 - يقول محمد الزعبي في كتابه االاستشراق والإسلام... دراسة في آدب غوتةب:
اوهكذا فإن الاستشراق الروسي، شرقي في نزعته أقرب إلى الإنصاف والبحث عن الحقيقة على أساس السياسة الروسية أساسًا لا مصالح استعمارية لها مع العالم الإسلامي، والوطن العربي، لكن الحقيقة تقال بأن الاستشراق الروسي لم يصل إلى مرحلة النضج والعمق في تحليل ودراسة وبناء مدرسة استشراقيّة يُعتد بها كما كانت في الغربب.
7 - حول الفرق بين الاستشراق الروسي والغربي يقول المستشرق الروسي برسبكين: االفرق كبير جدًا، فنحن نشأنا على قاعدة احترام الشعوب التي نكتب عنها، وغالبًا ما أتت الكتابة متجردة من دون أيّ دافع، أو بمعنى أصبح دون أيّ مكتسب سياسي أو لإثبات الوجود على الأرض. لكنّ الغربيين ومنهم الفرنسيون مثلًا أتوا إلى الشرق الأوسط لهدف واحد هو الاستعمار، بعكس روسيا، التي لم تعمل حربًا مع العرب، فنحن أتينا بنيّة أن نفهم الشعب والدراسة، وأتى الغرب للسيطرة.
(المستشرق الروسي أليغ برسبكين، مقابلة مع صحيفة إيلاف الإلكترونية في 20 مايو 2005 - بتصرُّف).
وقد مرّ الاستشراق الروسي بمرحلتين مختلفتين لكل منها صفاتها ومناهجها وأهدافها وأيديولوجيتها ومدرستها:
الأولى: مرحلة روسيا القيصرية.
الثانية: مرحلة الاتحاد السوفييتي.
الثالثة: مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
الاستشراق خلال العصر القيصري
كنّا قد بينّا في مقدمة هذا البحث الأسباب التي دفعت الحكومة الروسية إلى الاهتمام بحضارة الشرق العربي - الإسلامي، وباللغة العربية:
- لوجود أقاليم تابعة لحكومة روسيا، ثقافتها إسلامية - عربية؛ القوقاز - آسيا الوسطى.
- بسبب العلاقة المتوترة، بشكل عام، مع الدولة العثمانية، والحاجة إلى معرفة أخبارها وتحرّكات جيوشها وسياستها، كما الاطلاع على أخبار أقاليمها العربية (هدف سياسي)، وهذا ما تكفّلت به وزارة الخارجية - كما ورد سابقًا.
لذا اتخذت حكومة القياصرة تدابير عدة في هذا المجال:
• أسست أول مطبعة عربية عام 1722 في مدينة سامارا على نهر الفولغا، كانت تطبع الكتب الدراسية( حيث يوجد السكان المسلمون).
• عام 1754 طرح لومونوسوف تأسيس كلية خاصة باللغات الشرقية.
• عام 1763 صدرت أول ترجمة روسية لقصص ألف ليلة وليلة.
• عام 1804 صدر مرسوم جامعي أدخل تدريس اللغات الشرقية في برامج الجامعات، وتأسيس الأقسام الخاصة بهذه اللغات، حيث أنشأت جامعة خاركوف كرسيًا للغات الشرقية.
• عام 1818 أنشئ كرسي لتدريس الألسنة في جامعة قازان.
• عام 1852 أنشأت لجنة من المستشرقين وأصحاب الاختصاص في الشأن العربي، وكان لهذه اللجنة عدّة مهام:
أ- عام 1864 أرسلت وفدًا إلى فلسطين للاطلاع على الأوضاع فيها بشكل مباشر.
ب- عام 1882، تحولت هذه اللجنة إلى جمعية أنشأت أكثر من مئة مدرسة بين فلسطين وبلدان عربية أخرى، فتحت أبوابها لكل الفئات( المسلم، المسيحي، اليهودي)، ليصل عدد تلامذتها إلى حوالي 10 آلاف تلميذ.
ج- عام 1883، أنشأت هذه الجمعية، جمعية البحوث الإسلامية التي ارتبطت بجامعة موسكو، وشُكّلت لجنة علمية ضمت عددًا من المهتمين بالشؤون الإسلامية وبالأدب والتاريخ العربي.
د- عام 1891، شكّلت هذه الجمعية بعثة أثرية، زارت فلسطين والبلدان العربية للقيام بدراسات أثرية.
وبناءً على الوثائق التي قدّمتها البعثة، أمر القيصر بتأسيس جمعية روسية للمستشرقين الروس بدعم من الأكاديمية الروسية للعلوم.
وضمت هذه الجمعية من بين أعضائها كلّا من سيكورف، وكراسكوفسكي، وبوتشييف، وتولستوف، وبيلغويفساكايا.
وقد اعتبرت أول جمعية رسمية للمستشرقين الروس تبعت الأكاديمية الروسية، اختصت بالدراسات المتعلقة بالبلاد العربية والشعوب الإسلامية( دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا وتاريخيًا واقتصاديًا).
في المقابل، كان على الأكاديمية الروسية للعلوم إعداد وتخريج المتخصصين في العلوم الإسلامية، ليلتحقوا بعد تخرّجهم بالجمعية الاستشراقية الروسية.
الاستشراق خلال العصر السوفييتي
خلال المرحلة السوفييتية - الشيوعية، رفض السوفييت( أصحاب الفكر اللاديني )كل ما يتعلّق بالدراسات الدينية التي قاموا ضدها.
كانت الثورة البلشفية في أكتوبر 1917 بقيادة لينين قد حوّلت روسيا القيصرية إلى دولة بوجه آخر كليًّا، فقد استطاع لينين بعبقريّته أن يحمل شعبًا بكامله على القبول بدولة اشتراكية، وأن ينهي نظامًا يمكن أن نطلق عليه أنه كان برجوازيًا ويفصله عن أوربا بالكامل.
وقد بنى الشيوعيون الجدد منهجهم وخططهم على أساس أن االثورة العمالية في النظرية الشيوعية يجب أن تكون عالمية، وقد أسس كارل ماركس نفسه الأممية الأولى سنة 1864، لكنّها فشلت وانحلت في سنة 1876، وكانت الأممية الثانية للأحزاب الاشتراكية قد أُسّست على أنقاض الأممية الأولى سنة 1889، واستمرت تعمل عملها إلى سنة 1914، وقضت الحرب العالمية عليها، وفي سنة 1919 قرر لينين تأسيس الأممية الثالثة للقيام بالثورة العمالية التي كان يتوقّعها.
في نهاية الحرب، ولمّا لم تقع الثورة وجد لينين من الأفضل تأسيس دائرة خاصة في موسكو مزوّدة بهيئة من الموظفين يستطيعون القيام بالدعاية في كل مكان على سطح الكرة الأرضية، وطلبوا من الأحزاب الاشتراكية في العالم الانضمام إلى الأممية الثالثة وقبول قيادة موسكو، والعمل بتوجيهات الحزب الشيوعي السوفييتيب.
وبناءً على هذه الأفكار، توزعت اهتمامات المستشرقين السوفييت خلال هذه المرحلة على:
1 - المدن والمناطق الإسلامية التي تقع على حدودهم، كما تم جمع المعلومات من خلال الرّحالة السوفييت حول طرق المواصلات الموصلة إليها، وأبرز شؤونها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والهدف من كل ذلك هو احتلالها فيما بعد.
2 - دراسة اللهجات المحلية للبلدان التي يصل إليها المستشرقون الروس.
3 - دراسات حول اللغة العربية وعلاقتها باللغات الشرقية الأخرى.
4 - دراسة أعمال بعض الفلاسفة، كالغزالي على سبيل المثال.
5 - دراسة الصراعات الطبقية وتفسير الأحداث تفسيرًا ماديًا.
6 - الاهتمام بعلم الإثنوغرافيا، وهو علم تطوّر في العصر السوفييتي، كان الهدف منه دراسة لحياة وطبيعة شعوب الشرق.
7 - دراسة لبعض القوميات كالأكراد، وهم الفئة الموجودة على حدودهم (جنوب - غرب).
8 - واللافت للنظر أن الاستشراق السوفييتي اهتم بالشعوبية في التاريخ الإسلامي، وذهب هؤلاء إلى اعتبار كل من بابك الخرمي والمقنع شخصيات ثائرة في وسط آسيا على الإقطاع المتمثل بالدولة العباسية.
وهم بذلك استخدموا التاريخ بهدف تحقيق غاياتهم الأممية وأسقطوه على مشاريعهم في نشر الفكر الماركسي، وهذا الأسلوب نجده عند العديد من الأحزاب والحركات التي تدّعي التغيير داخل المجتمعات، حيث تربط نفسها بحركة التاريخ وبشخصيات حققت إنجازات عظيمة، أو ثارت على الظلم أو دعت إلى مكرمة.
وبناءً على ذلك انطلق الاستشراق السوفييتي:
1 - مرتبطًا بالفكر الثوري الشيوعي الذي دعا إلى التمدد نحو كل أنحاء العالم، ومنها العالم العربي، لذا كان لا بُدّ من تهيئة الكوادر التي عليها فهم الشعوب ولغتها وتراثها.
2 - تأمين الموظفين ممن يجيدون اللغة العربية في السفارات السوفييتية بالعالم العربي، وداخل وزارة الخارجية، بهدف تسهيل إقامة العلاقات مع الدول العربية.
3 - كما سعى السوفييت إلى مواكبة الاستشراق الغربي، الذي نجح في اختراق العالمين العربي والإسلامي، فكان لا بُدّ للسوفييت من اللحاق بالتقدم الذي حققه هذا الاستشراق.
4 - وكانت الجمهوريات الإسلامية التي ضمت إلى المنظومة السوفييتية من أهداف الاستشراق السوفييتي، حيث كان يستلزم فهم الإسلام وتعاليمه ولغة القرآن الكريم، لمعرفة كيفية التواصل مع هذه الشعوب، إلا أن الموقف الشيوعي - السوفييتي المناهض للدين بشكل عام، لم يساعد على إقامة علاقة وطيدة بين نظام موسكو والشعوب الإسلامية التي كانت تشعر بنوع من الاضطهاد وسوء المعاملة التي لقيتها من الإدارات السوفييتية المتتالية، مما انعكس سلبًا بشكل واضح بين نظام موسكو وشعوب الجمهوريات السوفييتية الإسلامية، وسببّ العديد من الأزمات بين الطرفين.
5 - في هذه المرحلة، لم يكن السوفييت - في البداية - مدركين لأهمية حركة التحرر العربية، لأن العالم العربي كان يفتقد القيادات التي يمكن الاعتماد عليها في ذلك الحين، لذا حاولت القيادة الشيوعية في موسكو، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، جمع اليهود والعرب في حزب واحد، إلّا أن العرب لم يقبلوا بالعمل مع اليهود، حيث تغلّبت القومية العربية على الأممية الشيوعية.
هذا الأمر لم يكن واضحًا عند السوفييت، حيث سارع الزعيم السوفييتي ستالين إلى تأييد إقامة دولة إسرائيل عام 1948، مضحّين بالشيوعين العرب، مقابل شباب يهود يتحدثون عن الاشتراكية وبناء المدينة الفاضلة على أرض فلسطين.
حينها زار خبراء سوفييت المستوطنات الإسرائيلية، حيث شاهدوا الكيبوسات الشبيهة بالكلوخوزات السوفييتية، وقدّموا التقارير إلى قيادتهم.
لقد ساعد السوفييت على قيام الكيان الإسرائيلي، على أساس أنه سيكون اشتراكيًا تابعًا لهم، لكن هذا الكيان انقلب عليهم، لقد كان خطأ في الحسابات، فحلم السوفييت بذراع لـ اكومنترنب (منظمة شيوعية دولية أسست في موسكو 1919) في فلسطين بعد الهجرة اليهودية إليها (بعضهم كان من الاتحاد السوفييتي نفسه) انقلب عليهم اوأصبحت إسرائيل بنت الرأسمالية.
إلا أن السوفييت أعادوا تنظيم حركة الاستشراق والعلاقة مع العرب، وأقاموا العلاقات الوثيقة مع مصر عبدالناصر وسورية الأسد، إضافة إلى الأحزاب الشيوعية العربية.
الاستشراق بعد سقوط الاتحاد السوفييتي
في مقابلة أجرتها صحيفة إيلاف الإلكترونية مع المستشرق الروسي والسفير السابق أليغ برسبكين حول الاستشراق الروسي، تحدّث عن واقع الاستشراق الروسي اليوم( بعد سقوط الاتحاد السوفييتي) على الشكل التالي:
- في الفترة الحالية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي فالسياسة براغماتية، والاهتمام محصور ببعض القضايا العامة والدراسات الأدبية والأفكار غير الفلسفية، فقد ضعف الاستشراق في الوقت الحاضر بسبب صغر البلد، وانصب الاهتمام على دراسة الأرشيف الروسي الذي فُتِحَ، إضافة إلى سهولة الوصول إلى الأرشيف الأميركي، فلكل وقت إيجابيات وسلبيات.
- فالاستشراق داعم للحالة السياسية، فكل حاكم يطلب من المؤسسات الاجتماعية والفكرية أن تكون بمنزلة أدوات للتعبير عن أفكاره وسياساته، وذلك في سبيل خدمته.
- في أيام القياصرة، عندما كان الدين المسيحي هو الدين الرسمي شجّعوا المؤسسات الأرثوذكسية للعمل خارج البلاد، وبعدها أتى الشيوعيون وشجّعوا الحركات التي اعتبروها حلفاء في الحرب ضد الاستعمار والأنظمة الاستعمارية، فساعدوها ماديًا ومعنويًا. أما حاليًا فالسياسة الروسية برغماتية، أي لا يوجد تركيز على موضوع أكثر من الآخر لتنفيذ بعض المشاريع القومية.
- بعد انهيار الاتحاد السوفييتي قلّت جدًا الأموال المخصصة لدعم وتمويل الأبحاث، واختفت الأفكار السائدة، ويحتلّ الإعلام الروسي حاليًا الموقع الأول لنقل الصورة المطلوبة عن الواقع، لكن دون معرفة أكاديمية متعمقة، والآن يقتصر عملنا - نحن الكتّاب - على المراسلات مع الزملاء العاملين في الدول العربية وإقامة الندوات والمحاضرات، محاولين وضع أسس جديدة لآفاق مستقبلية.
وحول تعريفه للاستشراق الروسي خلال الحقبتين القيصرية والشيوعية، يشرح المستشرق برسبكين هذه المرحلة قائلًا:
انحصر الاستشراق الروسي في فلسطين وسورية ولبنان، موطن طائفة الروم الأرثوذكس خلال العهد القيصري، حيث اهتم المستشرقون في العهد القيصري بمنطقة الشرق الأوسط، وخاصة الأراضي المقدسة أي القدس، وذلك بسبب الدين الأرثوذكسي الذي كان دين الدولة الرسمي، لذا وجب الاهتمام بجميع الرعايا والمؤسسات الأرثوذكسية ليس فقط في روسيا، بل وفي الخارج. من هنا نشأت الجمعية الامبراطورية الفلسطينية الأرثوذكسية بدعم من القياصرة، ونشطت في سورية ولبنان وفلسطين.
- في فترة الاتحاد السوفييتي، لقد أُلغي الدّين، وأصبح الاتحاد السوفييتي دولة بلا دين، وتمت محاربة الكنيسة الأرثوذكسية والإسلام. ونصّ البند 6 من الدستور السوفييتي على أن الحزب الشيوعي هو الحزب الحاكم، وساعد الاتحاد السوفييتي الأحزاب التحررية في العالم، واعتبروها في الشرق الأوسط وإفريقيا حليفة، فنشطت عملية الاستشراق، وظهر العديد من الكتب، خصوصًا المتعلقة منها بعبدالناصر وثورة العراق.
في الختام، نلاحظ أن الروس حاليًا لا يزالون على خُطى الاستشراق، رغم قلّة الإمكانات.
ففي السنة الماضية جرت اتفاقية بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة اللبنانية مع كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية بالجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، حيث تمّ قبول الانتساب إلى الماستر البحثي طلبة من الروس واللبنانيين للحصول على شهادة الماستر البحثي في العلاقات الروسية الشرق أوسطية، وهو يتيح للطلاب إمكان مواصلة البحث على مستوى الدكتوراه، أو العمل في الوظائف الأكاديمية والبحثية وفي االمجالات القيادية التي تتطلب التحليل النقدي والتخطيط الاستراتيجي في القطاعين العام والخاص، وفي السلك الدبلوماسي والمنظمات الدولية، وفي الإعلام وفي مجال دراسة السياسات والدراسات التاريخية اللبنانية والشرق أوسطية والروسية المعاصرةب.
كما نجد أن الروس قد أبرموا الاتفاقيات التربوية أيضًا مع جامعات عربية مختلفة، منها في مصر، حيث أخذوا ينشطون.
بذلك بدأ الاستشراق الروسي يعود من جديد إلى الساحة الشرق أوسطية، وبخلفية سياسية - على ما يبدو - حيث يحاول الرئيس الروسي بوتين إعادة تنشيط السياسة الروسية في المنطقة، وتأمين الكوادر المتخصصة المطلعة على تفاصيل سياسة الشرق الأوسط ومجتمعاته، وإرسال الطلبة الروس لتلقّي الدراسات في الجامعة اللبنانية في بيروت يعد دليلًا على هذه السياسة التي تحاول أن تلحق بالسياسة الأوربية، حيث نجد الطلبة الأوربيين يتلقون دروسًا في بعض المعاهد بلبنان من فرنسيين وألمان وإنجليز وغيرهم، إنها قفزة نحو الداخل الشرق أوسطي وبوجه جديد مختلف هذه المرة.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
رهاب القذارة:
الأعراض، الأسباب والعلاج
ألعاب تساعد على
زيادة تركيز الأطفال
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق