إن ظاهرة التسرب من المدارس هي ظاهرة عالمية
موجودة في جميع البلدان. ولا نغالي إذا قلنا أنه لا يمكن أن يخلو واقع تربوي من
هذه الظاهرة، إلا أن درجة حدّتها وتفاقمها قد تتفاوت من مجتمع إلى آخر، ومن بيئة
إلى أخرى، فلكل بيئة خصوصيتها التي تؤثر فيها. وتتفاوت أيضًا من مرحلة دراسية إلى
أخرى ومن منطقة إلى أخرى.
كما أنه من المستحيل لأي نظام تربوي أن
يتخلص نهائيًا منها مهما كانت فعاليته أو تطوره. هذا يعني أن نسبة وحدّة
وجودها هو الذي يحدد مدى خطورتها. والمتعمق في هذه الظاهرة في الواقع التربوي
العالمي والعربي، يلاحظ أنها منتشرة في كافة المراحل التعليمية وبصورة متفاوتة،
وفي كافة المدارس بغض النظر عن نوعها وفي كافة المناطق التعليمية، وبين كافة أوساط
الطلبة من ذكور وإناث، وبين أوساط كافة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية.
التسرّب هو إهدار تربويّ هائل، وتأثيره سلبيّ على جميع نواحي المجتمع
وبنائه، فهو يزيد من حجم الأميّة والبطالة، ويضعف البُنْيَة الاقتصاديّة
الإنتاجيّة للمجتمع والفرد، ويزيد من الاتكاليّة والاعتماد على الغير في توفير
الاحتياجات، ويزيد من حجم المشكلات الاجتماعيّة كانحراف الأحداث، والجنوح كالسرقة
والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم، مما يضعف خارطة المجتمع ويفسدها.
والتسرب يؤدّي إلى تحوّل اهتمام المجتمع من البناء والإعمار، والتطور
والازدهار إلى الاهتمام بمراكز الإصلاح والعلاج والإرشاد، والى زيادة عدد السجون
والمستشفيات ونفقاتها ونفقات العناية الصحيّة العلاجيّة. كما يؤدّي تفاقم التسرّب
إلى استمرار الجهل والتخلّف وبالتالي سيطرة العادات والتقاليد البالية التي تحدّ
وتعيق تطور المجتمع مثل: الزواج المبكر، والسيطرة الأبويّة المطلقة، وبالتالي
حرمان المجتمع من ممارسة الديمقراطيّة، وحرمان أفراده من حقوقهم، ويتحوّل المجتمع
إلى مجتمع مقهور ومُسَيْطَر عليه لأنه لا يمكن أن يكون المجتمع سيدًا وحرًا وفي
نفس الوقت جاهلاً، تسوده العنصريّة والتحيّز والانغلاق والتعصّب.
من أهمّ النتائج التي توصّلت إليها
الدراسات، أنّ ظاهرة التسرّب من النظام التعليمي لها أسباب متعدّدة ومتشعّبة تختلط فيها الأسباب التربويّة مع الأُسريّة مع الاجتماعيّة والاقتصاديّة
والأمنيّة... وغيرها. فظاهرة التسرّب هي نتاج لمجموعة من الأسباب تتفاعل وتتراكم
مع بعضها تصاعديًّا لتدفع الطالب وبقبول من أُسرته إمّا برضاها أو كأمر واقع إلى
خروج الطالب من النظام التعليميّ قبل الانتهاء من المرحلة التعليميّة التي ابتدأ
فيها.
تتفاوت حِدّة أسباب التسرّب من حيث درجة
تأثيرها على الطالب المتسرّب، منها ما تكون أسبابًا رئيسيّة لها تأثير قويّ ومباشر
وتلعب دورًا حاسمًا في عمليّة التسرّب، وبعضها الآخر يكون تأثيرها ثانويًا، وأسباب
أخرى ليس لها أيّ تأثير يُذكر. ومن جهة أخرى تلعب الأسر وأولياء أمور الطلبة المتسرّبين
- في بعض الأحيان - دورًا رئيسًا ومباشرًا في دفع أبنائهم إلى التسرّب من مدارسهم
عن طريق إجبارهم على التسرّب والخروج إلى سوق العمل، أو على الزواج المبكّر، أو
بسبب المشاكل الأسريّة. وفي أحيان أخرى يكون لهم تأثير غير مباشر عبر عدم الاهتمام
واللامبالاة والقلق الزائد على أبنائهم... وغيرها.
تابعونا
على الفيس بوك وتويتر
مواضيع تهم
الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال
وحكايات معبّرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق