مُقَدِّمَةٌ لِشِعْرِ الغَزَلِ العُذْرِيِّ العَفِيفِ:
فِي حَضْرَةِ الغَزَلِ العُذْرِيِّ العَفِيفِ، تَتَسَامَى الأَرْوَاحُ إِلَى سَمَاءِ الطُّهْرِ، وَتَرْتَقِي القُلُوبُ إِلَى مِحْرَابِ الوَفَاءِ، حَيْثُ الحُبُّ كَزَهْرَةٍ بَرِّيَّةٍ تَفَتَّحَتْ فِي صَحْرَاءِ النُّفُوسِ، لَا تَرْوِيهَا إِلَّا دُمُوعُ الحَنِينِ، وَلَا تُغَذِّيهَا سِوَى أَنْفَاسِ العِشْقِ الأَبِيِّ. هُوَ شِعْرٌ يُشْرِقُ كَالْفَجْرِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، فَتَتَوَهَّجُ الكَلِمَاتُ بِحُمْرَةِ الخَجَلِ، وَتَنْضَحُ الأَبْيَاتُ بِعَبَقِ الفَضِيلَةِ. تُطَرَّزُ قَوَافِيهِ بِآهَاتٍ خَفِيَّةٍ، وَتُغْزَلُ أَبْيَاتُهُ مِنْ نَسِيجِ الشَّوْقِ الخَالِصِ، فَلَا يُدَنِّسُهُ زَيْفُ الهَوَى، وَلَا يُعَكِّرُهُ طِينُ الشَّهَوَاتِ. فِي هَذَا الشِّعْرِ، يَتَجَلَّى الحُبُّ فِي أَبْهَى حُلَلِهِ، عَفِيفًا كَالنَّدَى فَوْقَ خَدِّ الوَرْدَةِ، شَفَّافًا كَضَوْءِ القَمَرِ عَلَى صَفَحَاتِ المَاءِ، لَا يُقَالُ فِيهِ إِلَّا مَا يُحَاكِي نَقَاءَ السَّحَابِ، وَمَا يَفِيضُ مِنْ يَنَابِيعِ القَلْبِ الصَّادِقِ. إِنَّهُ نَسِيجٌ مِنْ حَرِيرِ الأَشْوَاقِ، مُرَصَّعٌ بِدُمُوعِ الحَنِينِ، يَنْشُدُ بِأَلْحَانِ الحُزْنِ الرَّاقِي، وَيَهْمِسُ بِمُفْرَدَاتِ الحُبِّ الطَّاهِرِ الَّذِي لَا يُدَنِّسُهُ إِلَّا البُعْدُ وَلَا يُحْيِيهِ إِلَّا الأَمَلُ.