الخميس، 30 نوفمبر 2023

• مقدمة عامة وخاتمة عامة لشعر الغزل العذري 8


مقدمة عامة لشعر الغزل العذري البدوي

شعر الغزل العذري البدوي هو أحد أبرز فنون الشعر العربي، ويعتبر تجسيدًا للحب الصافي والعفيف. يعود أصله إلى العصر الجاهلي وأوائل العصور الإسلامية، حيث كان يمثل الحب الرومانسي النقي، الذي يتسم بالعفة والوفاء وعدم التحقق. يتميز هذا النوع من الشعر بعمقه العاطفي وجماله الأدبي، حيث يصور الشاعر مشاعره تجاه المحبوبة بطريقة راقية ومثالية، مستخدمًا الصور الشعرية الرقيقة والألفاظ العذبة.

في شعر الغزل العذري، يغلب على الشاعر شعورٌ بالحنين والأسى لفراق الحبيبة أو الشوق إليها، وقد يُصَوَّرُ هذا الحب كمعاناة روحية ترتقي به فوق الشهوات الجسدية. تتميز قصائد الغزل العذري بتجنبها للمباشرة والجرأة في التعبير عن العواطف، بل تكتنفها الرمزية والإيحاءات العميقة. كما أنها تعبر عن احترام الشاعر للمحبوبة وتقديسه لها كرمز للجمال والعفة.

خاتمة عامة لشعر الغزل العذري البدوي

ختامًا، يظل شعر الغزل العذري البدوي واحدًا من أروع تجليات الشعر العربي، فهو ليس مجرد كلمات تَنسج الأحاسيس والعواطف، بل هو تاريخٌ حيٌّ للحب الصافي والعفيف الذي يتخطى حدود الزمان والمكان. لقد أثرى هذا النوع من الشعر الثقافة العربية بدُرَرٍ لا تزال تلمع في سماء الأدب، متحديةً تقلبات الزمان وتغيراته.

إن شعراء الغزل العذري لم يكتبوا فقط عن الحب، بل خَلدوا من خلال أشعارهم قِيَماً عظيمة كالوفاء، والعِفّة، والتضحية. هذا النوع من الشعر، بعذوبته ورقته وعمق معانيه، يبقى شاهدًا على إنسانية المشاعر النبيلة التي تسكن قلوب البشر، ويعكس الصورة الحقيقية للحب الذي يتجاوز الرغبات الجسدية ليصل إلى معاني الروح والفكر.

وفي نهاية المطاف، يبقى شعر الغزل العذري البدوي خالدًا، يتناقله الأجيال، محتفظًا بجماله ونقائه، مانحًا الأدب العربي رونقًا وعمقًا لا مثيل لهما.

 




• في عصر التكنولوجيا كيف أربي المراهق على مراقبة ضميره


كيف أربي المراهق على مراقبة ضميره في عصر التكنولوجيا

تربية ضمير المراهق في عصر التكنولوجيا.. أصبحت من القضايا الشائعة والمُثارة في جميع جلسات الآباء وسط الأصدقاء أو بين أفراد العائلة.




الأربعاء، 29 نوفمبر 2023

• مشاكل المراهقين : ما هي الحلول؟


مشاكل يعاني منها المراهقون وحلولها

تتراوح أعماره المراهقين بين 13 و 19 عاماً، وهي مرحلة النمو الأكثر صعوبة في حياتهم. حيث يتعرضون لبعض الصراعات الخارجية والداخلية الصعبة. فيما يتوقع الأهالي منهم التأقلم رغم التغيرات الهرمونية، وضغوط العمل والمدرسة، وما إلى ذلك.




الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

• التخطيط المشترك بين الآباء: أهميته في تربية الأبناء


التخطيط المشترك بين الآباء لتربية الأبناء

عادة ما يكون لكل من الأب والأم أدوار ومهام مختلفة في تربية الطفل، ولكل منهما مسؤولياته وواجباته تجاهه، فالأطفال الذين اشترك آباؤهم وأمهاتهم في تربيتهم خلال العام الأول من حياتهم، هم الأفضل في الأداء المعرفي والتطور العقلي.




الاثنين، 27 نوفمبر 2023

• تربية البنات المراهقات: نصائح فعالة


نصائح فعالة لتربية البنات المراهقات

تتأثر المراهقة بشدة بأسلوب النصح عن طريق القصص خاصة حين تكون تلك القصص واقعية، من خلال تحويل النصائح إلى شخصيات ومواقف توضع أمام الفتاة المراهقة كقدوة ومثل، ويمكن للأم أن تستخدم أسلوب القصة فى نصح ابنتها دون أن يظهر ذلك فى صورة أمر أو تهديد، حتى ترشدها لاختيار أصدقائها بما يتناسب مع أخلاقها وبما يرشدها إلى الطريق الصحيح.




الأحد، 26 نوفمبر 2023

• اكتئاب المراهقين: كيفية التعامل معه


كيفية التعامل مع المراهقين المصابين بالاكتئاب 

المراهقون المصابون بالاكتئاب هم أكثر حساسية لانتقادات الوالدين وأقل انتباهاً لمدحهم، من المراهقين الأصحّاء الذين لا يعانون من الاكتئاب؛ وفقاً لدراسة حديثة نُشرت في الطب النفسي؛ حيث تم تحديد التأثير من خلال قياسات نشاط الدماغ المتزايد والتقييمات الذاتية للمزاج، والتي قام بها اختصاصيو الدراسة من جامعة ليدن في هولندا.




السبت، 25 نوفمبر 2023

• تعليم الموسيقى للأطفال: فوائد معرفية وعاطفية واجتماعية


لماذا يجب عليك تعليم الموسيقى لطفلك؟ وفوائد العزف على ثلاث آلات منها

يُعَدُّ التعليم خيطاً مهماً في النسيج المعقد لنمو الطفل، فهو لا يشكل براعتهم الأكاديمية فحسب، بل يعزز أيضاً نموهم. إذ تبرز الموسيقى باعتبارها جانباً قوياً ومثرياً بين العديد من الموضوعات والأنشطة التي تساهم في التعليم الشامل.




• تربية البنات: دور الأم له قواعده وتفاصيله


دور الأم في تربية البنات له قواعده وتفاصيله

تولد الأمومة مع الإحساس بأول نقرة للجنين داخل رحم الأم الحامل، ثم تكمل مشوارها برضاعته وتغذيته والاعتناء بصحته ومَلْبَسِه منذ يوم ولادته، وصولاً إلى منحه مشاعر الحب والحنان التي تُكسبه السعادة والشعور بالأمان.




الجمعة، 24 نوفمبر 2023

• الطفل العنيد: كيف نتعامل معه


6 خطوات للتعامل مع الطفل العنيد

يُعد العناد عند الأطفال أمراً طبيعياً، فالأطفال الصغار قد يبدون عنيدين لأنهم يخضعون للعديد من التغيرات التنموية. وتُعد مقاومتهم هي وسيلة لمعرفة ما يمكنهم أو لا يمكنهم فعله، ولكن لا يقلل هذا من الصعوبات التي يواجهها الوالدان. ومع ذلك يُعدّ الطفل العنيد أكثر استقلالاً مقارنة بغيره من الأطفال. فما هي سمات الطفل العنيد؟ وكيف نتعامل معه؟




• كتب التراجم والسِيَر في حياتنا الثقافية


التراجم والسِيَر

أكاد أجزم بأنّ كتب التراجم بزخم مادتها التاريخية والاجتماعية والثقافية تمثل أهمّ ركن في المكتبة العربية قديمًا وحديثًا، فضلًا على أنها تحوز على منزلة أثيرة مميّزة لدى جلّ الكتاب والمثقفين؛ إذْ إنّ إضافة تجارب العظماء والممتازين من ذوي المواهب إلى رصيدنا الفكري والمعرفي والإفادة من معينها، مشروط بغلغلة النظر في كتب التراجم والاطلاع على سِير أفذاذ الأدباء والعلماء والمصلحين ونحوهم.




• التلوث الكهرمغناطيسي أنظف الملوثات!


التلوث الكهرمغناطيسي

 التطور المطرد للصناعة والتكنولوجيا في العالم، يُطلق المزيد من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية كمًا ونوعًا، يومًا بعد يوم، ليتم استخدامها في الحياة اليومية، ويتزايد بالتالي إنتاج الموجات الكهرمغناطيسية التي تطلقها تلك الأجهزة بحسب نوعها ووظيفتها وقوة إرسالها ومقدار التيار الذي يشغّلها.




• أفريقيا في الرحلات الاستكشافية الأمريكية


أفريقيا في الرحلات الاستكشافية  الأمريكية «القرن 19» أوسا جونسون «تزوجتُ مغامرة» نموذجًا

   شهد الأدب الأمريكي في القرن التاسع عشر تزايدًا في عدد الرحلات الاستكشافية الجغرافية، والأثرية، والسياحية، وغيرها من الأنواع، التي قصدت أفريقيا، وإن كان أكثر من قام بها وألفها من الرجال، فإننا لا نعدم تسجيل إسهام عدد من النساء في هذا الفن ممن كن مغامرات، وسائحات في البلدان، أو شخصيات أكاديمية متخصصة في البحث والاستكشاف، أو مرافقات لأزواجهن في مهامهم الاستكشافية، أو الدبلوماسية.




الخميس، 23 نوفمبر 2023

• نفسية طفلك.. كيف تفهمينها


نفسية الطفل

الطفل نعمة الحياة، فأنت تحبين حلاوته وبراءته وحتى نشاطه المشاغب. ولكن، كأمهات، يجب أن تعلمن أن عقل طفلك ليس يشبه قطعة من الطين، يمكنك تشكيله كما ترغبين، لكن يمكطنك أن تتقني طريقة فهمه، وفهم حِيَل تفكيره.




• مخاطر المراهقة على الأطفال.. كيف نحمي أبناءنا


كيف تحمين ابنك من مخاطر المراهقة

المراهَقَة مجموعة من التغيرات تحدث بشكل متسرع، تشمل الناحية الجسدية، والنفسية والعصبية، والعاطفية والاجتماعية، وكلها تتوقف على مدى استجابة المراهق نفسه والبيئة المحيطة به سلبياً أو إيجابياً.




الأربعاء، 22 نوفمبر 2023

• العدل بين الأطفال.. أخطاء الأطفال وأهمية تحقيقه


فوائد العدل بين الأطفال

العدل بين الأطفال وعدم التفريق والمفاضلة بينهم في المعاملة؛ أول أساسيات التربية الصحية السليمة، فالأسرة هي المسؤولة الرئيسية عن نشأة الطفل وتربيته الصحيحة منذ الصغر.. وهذا ليس بجديد، فالعدل من سنن النبي- صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم؛ فإني لا أَشْهَد على جَوْر).




الثلاثاء، 21 نوفمبر 2023

• مشكلة العناد عند الأطفال.. متى تنتهي؟


العناد عند الأطفال

عناد الطفل وإصراره على تنفيذ ما يرغب، أو رفض أوامر لا يميل لتنفيذها.. حالة يمر بها الكثير من الأطفال في سنوات عمرهم الأولى، ثم يبدأ الطفل في التعبير عن آرائه بالرفض والعناد من سن السنتين والنصف.




• نزار قباني في مئوية ولادته (1923)


نزار قباني في مئوية ولادته (1923) شاعر الحداثة الكبير  ولو كره أشباه «المحدّثين»!

ينبغي أن أبدأ الكلام من هذه النقطة تحديداً، لا وجود لشاعر عربي ولد منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم ليس في دماغه مكان اسمه نزار قباني، ورغم انطلاق مجلات تجديد الشعر العربي والذهاب به إلى قصيدة النثر في الخمسينيات، مع الضجة المصاحبة، ورغم أن قباني كان بالنسبة إلى روادها عدوًا واضحًا فاخترعوا جدالات ما أنزل الله بها من سلطان، كان أغلبها موجهًا ضده.




• مظاهر الثقافة في وسائل التواصل الاجتماعي


الثقافة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي

تحتل وسائل التواصل الحديثة مكانة مهمة وأساسية في حياة الفرد العربي كما هو الحال عند أفراد المجتمعات الأخرى على الصعيد العالمي؛ وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على أن الأمر تجاوز مسألة الركون إلى الماضي ووسائله التقليدية في التواصل والتعارف والتفاعل الثقافي والاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، أو حتى بين الناس في مختلف البلدان.




• السيلفي والهوية المفقودة


سيلفي

أن تفكر معناه أن تتساءل؛ أي أن تفلت من سلطة العادة ووهم الاعتيادي، وأن تسلك طريق التمرد ضد البداهات والأحكام المسبقة والمعارف الجاهزة واليقينيات المطلقة، ومعناه أن تعبر عن اندهاشك مما يبدو للعين غير المدربة مجرد سلسلة من الحوادث العشوائية بالتساؤل عن حقيقتها، وما تخفيه من نظام يحكم منطقها.

فاندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالتساؤل، كما عبر عن ذلك، ذات مرة، الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر، وأسمى سؤال هو ما انطلق من الذات وعاد إليها محملًا بمعارف وإجابات تنير لها طريقها نحو نفسها، وتنتشلها من التيه والضياع الذي تعيشه، وهي تسعى إلى مطابقة نفسها مع غيرها.

وما عبارة سقراط الشهيرة «يا أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك» إلا جواب عن هذا السؤال الذي يجعل من الذات مرآة، أو شاشة يطل من خلالها الإنسان على ذاته والعالم من حوله، فيتعرف على هذه الذات بالمطابقة بين ما تعيه هذه الذات من جهة، وما تعيشه من تجارب وتمر به من أحداث من جهة ثانية، بالرغم من اختلاف الأزمنة والأمكنة، وإدراك اختلافها عن غيرها من الموضوعات والذوات الأخرى.

لا شك في أن سؤال الوعي بالذات يجعل مبدأ المطابقة والاختلاف طريقًا آمنًا تسلكه الذات في التعرف على ذاتها وإدراك هويتها انطلاقًا مما تعيه وترغب فيه، وما ترسمه على جدران الواقع من ممارسات وأفعال تميزها عن غيرها، وتضفي عليها قيمة بوصفها ذاتًا أخلاقية حرة تتحمل مسؤولية أفعالها من جهة، وبوصفها غاية في ذاتها غير قابلة للاستعمال أو الاستعباد من جهة ثانية. وإذا كان الزمان والمكان بعدين أساسيين للواقع المادي، ومحددين لبنية الوعي لدى الإنسان، بحيث لا يمكنه إدراك هويته إلا بالقبض على ما هو ثابت فيه (جوهره) انطلاقًا من التفاعل مع هذين البعدين اللذين يظلان في ترابط دائم ما دامت الذاكرة قائمة فيه، (الذاكرة عنصر جوهري في تشكيل الوعي والهوية الشخصية لدى الإنسان)، فإن تسرب الآلة والتكنولوجيا الجديدة إلى هذا الواقع قد غير من بنياته؛ فصرنا لا ندرك هذا الواقع، ولا نعيشه إلا انطلاقًا مما تتيحه لنا هذه التكنولوجيا الجديدة من وسائط (الهواتف الذكية، وشبكات التواصل الاجتماعي، وشبكة الإنترنت على وجه الخصوص)، وأدى هذا التطور إلى تغيير جذري في طريقة إدراكنا لذواتنا وللعالم من حولنا، مس علاقتنا بالمكان/ الفضاء والزمان واللغة أيضًا، ما دامت اللغة وسيطًا ضروريًا بين الإنسان والعالم.

وعليه، فظهور الوسائط الرقمية وانتشارها الواسع في عالمنا اليوم ليس معناه أن عالمنا هذا قد تغير، بل طريقة إدراكنا له وتعبيرنا عنه هي التي تغيرت؛ فلم يعد بإمكان الذات والعالم من حولها أن تمر، بالضرورة، عبر مصفاة الفكر أو الرغبة، بل صارت الصورة وعاء، ومعبرًا لا مفر منه لاستيعاب الذات والعالم في هذا «العصر البصري» الذي نحياه بتعبير ريجيس دوبري. لقد صارت هذه الوسائط (الهاتف الذكي، أو السمارتفون، الشاشة، والآلة الفوتوغرافية، والحاسوب) والشبكات الاجتماعية بطائق عبور لعالم افتراضي لا يمل التمدد والانتشار، ولا تهدأ شهوته عن التهام الحياة الشخصية والحميمية للأفراد أيضًا، مثلما صارت وسائط بيننا وبين الآخرين، بين ما نحسه وما نقدمه للنظر، ويستعجله الاستهلاك المعمم. وإذا كان أخذ صورة ذاتية (السيلفي) عن طريق السمارتفون قد بدا، في بداياته، سلوكًا بسيطًا وعفويًا لا يحتاج لتفكير أو تأمل في دلالاته، فإن انتشاره في الناس، صغيرهم وكبيرهم، في كل مناطق العالم بات اليوم دالًا على تحولات جذرية في علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين، وعلى طريقة جديدة في الإنوجاد وعرض الذات في زمن الثورة الرقمية، فهل يمكن اعتبار السيلفي تساؤلًا عن ذات متشظية في زمن الرقمية والافتراض؟ وهل السعي المتواصل إلى التقاط صور ذاتية تعبير عن هوية مفقودة أم عن نرجسية مفرطة؟

1-  السيلفي ومأزق الأنا الرقمي

يكشف السيلفي أو البورتريه الذاتي، من خلال مظاهره المتعددة، عن منعطف حاسم عرفه عالمنا منذ سنوات مع ظهور الرقمية، خاصة منذ بداية الألفية الثالثة، وعن انقلاب جذري أحدثته التكنولوجيات الجديدة على مستوى الحركة التي يسير بها الوعي الإنساني في التعرف على ذاته وإدراك العالم من حوله؛ ذلك أن الذات أو الأنا الواعية لم تعد قادرة على التعرف على ذاتها انطلاقًا مما تستبطنه من معارف وأفكار أو رغبات، بل انطلاقًا مما تنتجه وتستهلكه من صور عرضية لا تسمح بإعادة امتلاك الأنا في شكل محكي داخلي، وفي شكل فكر مبني وتساؤل فلسفي، أو حتى في شكل مناجاة. فمن الواضح أن مرحلة الداخل التي كانت تتوافق مع عصر الحداثة قد ولت وصارت محلها مرحلة جديدة في النظر إلى الذات: إنها مرحلة الخارج التي تتوافق مع مرحلة الحداثة الفائقة التي بات فيها العالم يكتب بالصور لا بالكلمات؛ أي إنه لم يعد يسكن المفهوم كبناء ذهني مجرد، وكحضن للانفعال الذي يلتقطه الوجدان ويعيد صياغته وفق حالات النفس التي تأبى التنميط، وصارت الإيموجات (مفرد إيموجي وتعني في اللغة اليابانية ما يكتب بالصور) هي من تتكفل بترويض الانفعالات وإبداعها في أشكال من التسلية والترفيه والتواصل السريع بين الناس، لكن في صورة نمطية يتساوى فيها جميع الناس مهما اختلفت المشاعر تجاههم؛ فرمز القلب مستودع لكل حالات الحب نحو الزوجة، والعشيقة، والرفيقة، والصديقة، والأم، والأب، والابن، والأخ... إلخ.

لقد تساوت كل الانفعالات في كل الحالات ومع كل الناس، وبتنا نعيش في عالم مفرط في التواصل يشكو الناس داخله من الوحدانية والعزلة، كما يقول المفكر والمترجم المغربي سعيد بنكَراد في مقدمة ترجمته لكتاب إلزا غودار «أنا أوسيلفي إذن أنا موجود، تحولات الأنا في العصر الافتراضي».

ماذا يعني أن يأخذ المرء هاتفه ويأخذ صورة لنفسه وفي مختلف حالاته؟ ألا يحيي بهذه الممارسة حكمة سقراط القديمة: «يا أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك»؟ لكن وفق إبدال جديد صار فيه الفضاء أفقيًا لا عمق له، وباتت شهوة تقلص المسافة داخله تزداد شراهة يومًا بعد يوم؛ فالبعيد أصبح قريبًا، والغريب والانتظار وغير المتوقع لم تعد تقبلهم الحياة الافتراضية، التي لم تعد الزمنية فيها قادرة على تحمل غير اللحظة ضمن «المباشر المتصل» أو «اللايف»، وهي لحظة لا تقود إلى الانفتاح على زمنية ممتدة في ممكنات الذاكرة، بل منكفئة على نفسها فيما يشبه حركة مكرورة بإيقاع واحد. وإذا كان برغسون يدك للهوية الذاتية أوتادًا في الذاكرة، ما دام الوعي ذاكرة في عمقه، أي حركة متصلة في الزمن بين آناته الثلاث، فإن السيلفي يضرب للهوية أوتادًا في «الهنا والآن» ويودعها في صور تشبه الواقع، لكنها لن تكونه أبدًا، عوض إيداعها في كلمات ومرويات (الثقافة هي الذاكرة الحية للأفراد والشعوب على السواء)، فتشعر الذات، تبعًا لذلك، بنوع من التمزق أو الانكسار في الحاضر، وهذا لا يقوم سوى بتقوية الإحساس بالتيهان، والقلق، وغياب المعنى عما تفعله الذات وتريده. ولما تصير هذه الممارسة معممة، فإن هذا يعني أن مجتمعنا يجتاز أزمة حقيقية للهوية، خاصة بمرحلة تحول جذري تنصب على أسس الأنا استنادًا إلى التطورات التكنولوجية وإفرازات العصر الرقمي، مثلما يعني أن المجتمع يعي، من خلال السيلفي التساؤل الهوياتي الخاص به كقلق وجودي لا يتوقف.

يبدأ هذا القلق الوجودي عند الإنسان منذ طفولته المبكرة لما يكتشف نفسه أول مرة في المرآة، فيسعى إلى التماهي مع ذاته بمحاولة القبض عليها. لكن فشله المتكرر في تحقيق ذلك، بقدر ما يولد لديه إحباطًا، يدفعه إلى البحث عن ذاته والتعرف عليها عند الآخر، انطلاقًا من تواصله اللغوي اللساني، الذي كلما تطورت لديه ملكاته وقدراته، كلما خبر أكثر كيف يتعرف على ذاته وينتزع الاعتراف بها من الآخرين، خاصة وأنه لا قيمة لوعي ذاتي بمعزل عن اعتراف الآخرين (هيجل). هذا الأمر يجعل وجود الغير ضروريًا من أجل تحقق الوعي بالذات، ولو على قاعدة الصراع ضدًا على كل أشكال النفي والاستلاب التي قد يمارسها الغير على الذات.

هكذا، فحلول الشاشة محل المرآة، والصورة محل الكلمة، ومن ثم محل الفكر الذي كان يمثل لدى ديكارت جوهر الذات وأساس هويتها، والآخر الافتراضي محل الآخر الواقعي، قد جعل من ممارسة السيلفي شهادة حية على انقلاب جذري في مبدأ الهوية الذاتية وطريقة إثباتها؛ فإعادة تعريف الذات تتم اليوم استنادا إلى هذا الجوهر السائل في عالم الافتراضي (الصورة)، بحيث لم يعد الإمساك بالأنا ممكنًا دون بديل لها (الأنا الافتراضية)، ويجعل ممارسة السيلفي تبدو أيضًا وكأنها إحياء لمرحلة المرآة، لكن بصورة لا تعرف التوقف، خاصة وأن الذات التي تقدمها الصورة غير تلك التي تتشكل في خطاب الآخر. إنها ذات هشة ينخرها الشك من كل جانب، بل هي ذات تشبه أداتها، سائلة غير مستقرة، هجينة ومستلبة داخل الصورة وفي نظر الآخرين. وبما أنها غير مطمئنة في وجودها الخاص، فإنها ستظل تنتظر (مادامت الإرادة في العالم الافتراضي مستلبة عكس العالم الواقعي الذي تكون فيه الإرادة فاعلة) تأكيدها لنفسها من خلال الحصول على أكبر قدر من اللايكات أو الجيمات، خاصة لما يُقذف بهذه الذات الرقمية في غياهب الشبكات الاجتماعية بوصفها «غيرية رقمية» متعددة الوجوه.

قد تحصل الذات على قدر من المتعة والإشباع من خلال هذه اللايكات، ما دامت متصلة بالشاشة وبالإنترنت، لكن بمجرد ما تنقطع عن هذا العالم الافتراضي، تحس بنوع من الاغتراب في عالمها الواقعي، وكأن وجودها لا يكتمل إلا عبر الاتصال بالعالم الافتراضي، لكنه اكتمال وهمي لا يتحقق إلا عبر الصورة المزيفة. إن الذات هنا مجرد سيمولاكر، نسخة أصلية لهويتنا الرقمية، ذاتية لا تفلح في العثور على إحداثية لنفسها، كما أنها في توتر دائم مع ذات واقعية وبديلها. إنها شبيهة بذاتية بلا ذات، أو جسد بلا روح.

2-  السيلفي رغبة نرجسية

يمكن القول إنه بقدر ما أنا أوسيلفي فأنا موجود، لكن في فضاء بلا حدود وفي زمنية غير مستقرة، وهو ما يجعل الذات وكأنها معلقة في السماء، تعيش لحظة صعبة ومشكوك فيها. ولهذا السبب، نشعر أحيانًا بأننا نجد صعوبة في العيش، بل وفي الوجود أكثر، وصعوبة في إثبات أنفسنا، ونشعر بالكثير من القلق الذي يعتقد، البعض منا، أن التخلص منه رهين بمزيد من الصور واللايكات التي تحيل الذات إلى بطل أو أيقونة، ما دام باستطاعة كل واحد منا أن يصبح مخرجًا - موزعًا لصورته الخاصة، ويكون أيضًا ممثلاً في فيلمه. إنه نوع من التسويق الذاتي للأنا، كما تسميه إلزا غودار، تصبح فيه الأنا ماركة مسجلة في سوق التداول الرقمي، انطلاقًا من عملة اللايكات والمتابعات، فيحصل تضخم في التقدير الذاتي للأنا يساعد على ملء فراغ نرجسي، يعبر عن نفسه في الاحتفاء المبالغ فيه بالذات، والزهو، والإعجاب والتمجيد الذاتي من خلال المزيد من الصور وعرضها في الشبكات الاجتماعية بحثًا عن لذة عَرضية، ما دامت الأنا قد دخلت في دوامة وهمية، وهي تبحث عن الإحاطة بنفسها دون أن تصل إلى ذلك. إنها مستلبة في صورتها ولن تقوى على الفكاك من أسرها من أجل الذهاب إلى الآخر ورغبته.

وهنا يصبح التقاط السيلفي فعلاً مَرَضيًا: استخدام الآخر باعتباره وسيلة وليس غاية، وسيلة للبحث عن إشباع لرغبة نرجسية، لأن الاضطرابات التي تعرفها الأنا لها تبعات على الرغبة. ففي عالم حلت فيه الصورة محل الفكر، وفعالية التأويل وبناء المعنى، لا يمكن للرغبة أن تكون إلا مريضة، لأنها محرومة من إمكانية تحققها. إن الرغبة هي توتر بين الموضوع وإشباعه الذي يتميز بالانتظار، وهو ما يقتضي زمنية قابلة للانتشار في الفضاء. والحال أن ما نعاينه راهنًا، بالإضافة إلى نوع من المزايدة على الرغبة المرتبطة بمجتمع الاستهلاك، هو ضرورة أن يكون هناك إشباع مباشر لا يقبل الانتظار. وحيث إن هذا النمط من الإشباع يعجل بموت الرغبة، ولا يترك للذات فرصة لإبداع حلول واقعية لتحققها، فإنه يولد رغبات جديدة لا حد لها ولا فضاء لإشباعها إلا داخل الصورة، انطلاقًا من مجرد استيهامات تجعل الأنا تعيش نوعًا من الاستمناء الذاتي.

خاتمة

حاصل القول، إننا في هذا العصر الرقمي نعيش بأناتين: أنا واقعية تسلك دروب الواقع، وتدبر شؤونه، وتتفاوض مع إكراهاته، ولو بالاحتماء بوهمية العالم الافتراضي، وهنا تسكن الأنا الرقمية (الأنا الثانية) التي لا تعيش إلا في المباشر المتصل، ولا ترى لنفسها وجودا إلا داخل الصورة، أي من خلال العرضي والزائل. لذلك، فرغباتها مخصية وإشباعها وهمي، مادام أن الآلة تقدم نفسها للذات على أنها قادرة على إشباع جميع رغباتها، وهو ما يحيل الواقع إلى مجرد نفق يجب أن يقود إلى الافتراضي. لذلك كلما أوغلنا في عوالم الافتراض ازداد ابتعادنا عن أنفسنا وعن المقيمين معنا في الواقع، وكلما قطعنا الاتصال به ازددنا اغترابًا عن تلك الذات الافتراضية التي تسعى، بشكل مرضي، إلى إثبات ذاتها واكتمالها بتحويل صورها إلى أيقونات كلما ارتفع منسوب اللايكات في المواقع الاجتماعية.

إننا نعيش، كما يقول سعيد بنكَراد، ضمن الوهم في الواقع، ونعيش الحقيقة في الشبكة؛ لذلك قد تحيل موضة السيلفي، بطريقة مذهلة، على الظلال المنعكسة على جدران كهف أفلاطون، لا يرى الناس في هذا «الكهف الحياتي» سوى ظلال لا تتبين العين حقيقتها إلا في ظلام الشبكة.

بواسطة د. عبدالرزاق أبلال

إقرأ أيضاً:

علامات النبوغ لدى الأطفال حتى عمر الجامعة

السلوك العدواني عند الأطفال

علاجات طبيعية لفرط الحركة ونقص الانتباه

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين

حلول تربوية لانعزال المراهق في غرفته

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين

المصدر: 1




• نقد النقد الأدبي الهوية النوعية


النقد الأدبي

تقترن بعض كتب نقد النقد الأدبي بـ«وصف» الكتب النقدية، دون تحليل منهجي أو مناقشة معرفية، ويرتبط البعض الآخر بـ«محاكمة» نقاد الأدب، عَبْر الإشارة إلى ما أغفلوه في دراستهم وليس ما حللوه عليه ودرسوه، ويتّصل بعضها الآخر بدراسة علمية منتجة لمنجزات النقد الأدبي.




• النَّقْدُ والمُكَاثَبَة أو القِرَاءَةُ مِنْ كَثَب


القراءة عن كَثَب

حين أنشد الشاعر المغربي محمد السرغيني في ديوانه «من أعلى قمم الاحتيال- فاس» قائلاً:

«أيها الليل، آوِنِي إلى جبل عارٍ

لأنحت صورتي وصوتي

على أحجاره ومغاوره».