الموضوع : قال
عبد الله بن المقفع عن كتاب "كليلة ودمنة" قد جمع هذا الكتاب لهوا وحكمة
فاجتباه الحكماء لحِكمِه والسخفاء للهوه.
حلل هذا القول بإيجاز مركزا على أهمّ ما يميز الشكل والمضمون في كتاب كليلة ودمنة.
حلل هذا القول بإيجاز مركزا على أهمّ ما يميز الشكل والمضمون في كتاب كليلة ودمنة.
إنّ لكل كاتب
من تأليف كتابه أغراضا ومقاصد، ولمّا كان الأدب لا يخلو من وظائف متعدّدة فهو يتجه
بها إلى قارئ متعدّد الأهواء والأذواق، فإنّ عبد الله بن المقفع قد جعل لتأليف
كتابه "كليلة ودمنة" مقصدا مزدوجا يجمع بين المتعة والإفادة، فكل قارئ
يستهدف من ورائه ما يستجيب لحاجته ومقصده فيكون هذا العقد ميثاقا موجها للقراءة
توجيها أقرب ما يكون إلى دليل في طريق من آثر أن يخوض منعطفاته.
فقد قال ابن
المقفع في كتابه:" وقد جمع هذا الكتاب حكمة ولهوا. فاختاره الحكماء لحكمه
والأغرار للهوه".
الإشكالية فما أوجه اللهو والتسلية في الحكاية المثلية لابن المقفع؟ وما تجليات الحكمة والفائدة المستخلصة منها؟
الإشكالية فما أوجه اللهو والتسلية في الحكاية المثلية لابن المقفع؟ وما تجليات الحكمة والفائدة المستخلصة منها؟
إنّ هذا
الموضوع قولة منتزعة من فاتحة كتاب "كليلة ودمنة" لعبد الله بن المقفع،
وهي إقرار منهجي بمسالك الكتابة وأغراضها، بما يدفعنا إلى استقصاء أوجه طرافة
الشكل والمضمون وتجليات اللهو والحكمة ومدى توافقهما مع رؤية الكاتب واتجاه الكتاب.
فما مظاهر
اللهو في كتاب كليلة ودمنة؟.
العنصر الأول: مظاهر
اللهو والهزل
للهو في كتاب
كليلة ودمنة وجوه وطرائق، أوّلها الشخصيات فهي حيوانات ناطقة اتخذها ابن المقفع
أبطالا لقصصه تدور حولها الأحداث وبها ينطق الحديث، والحيوان هنا من فئات مختلفة،
تهيمن عليها الحيوانات اللاحمة التي تغذي الصراع وتعكس منطق القوة المهيمن على
العلاقات داخل الغابة (الأسد – كليلة – دمنة – الثعلب...).
والوجه الثاني
يتعلق بالأحداث فهي متنوّعة ومشوّقة إذ تدور على الإيجاز طريقة في السّرد وتدور
على المجاز مسلكا في الكتابة، ووجه التشويق فيها أنّها في فضاء عجيب وغريب تغلب
عليه الخوارق ويجنّح في الخيال، فتشدّ القارئ إلى أطوارها استمتاعا بالنهاية
وتعاطفا مع الشخصيات الخيّرة والمقهورة.
أما الوجه
الثالث فهو الفضاء القصصي، فقد جعل ابن المقفع الزمان والمكان مطلقين إطلاقا يعلو
بالقارئ نحو عوالم مجردة ترتدّ به إلى أزمنة سحيقة كثيرا ما يُحلم نفسه بالارتحال
إليها. فيبدو بذلك أبعد ما يكون عن الانشغال بحاضره والانغماس في واقعه، بما يضاعف
الإحساس بالمتعة واللهو.
يقول ابن
المقفع في باب "الأسد وابن آوى الناسك": "زعموا أن ابن آوى كان
يسكن في بعض الأدغال".
فاللهو بما هو
خروج عن الجدّ وانصراف إلى التسلية والإمتاع ذو علاقة أيضا ببنية الحكاية إذ
تتجدّد الحكايات وتتناسل من بعضها بعض وفق بداية معلومة مدارها :"اضرب لي مثل.."
ونهاية مرسومة أساسها: "وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم"، وبين هذا وذاك
تحفيز للخيال واستنفار للرّموز، فالحكاية مشوّقة في كلّ منعرجاتها وثناياها،
ورواتها متعدّدون وأطوارها متنوّعة وأقوالها مختلفة الحجج فتحرّك العواطف وتثير
مشاعر الخوف والنقمة والرّغبة والرّهبة في كل حين بحسب تنوّع القصص وطرافتها.
وفي توليد
القصص تأجيل للنهاية المنتظرة وتوقع لأكثر من خاتمة قد تؤول إلى الخير أو الشرّ
والانتصار أوالهزيمة، وفي باب "الأسد والثور" ما يثبت ذلك، فقد خدع دمنة
الأسد والثور ثم انكشف أمره فأفضى التحقيق في شأنه إلى الحكم عليه بالإعدام جزاءَ
غدره وخيانته، وخلال ذلك تصادفنا عشرون قصة مضمّنة تُضاعف التشويق والإثارة.
ولمّا كان
الأغرار والسفهاء أقرب إلى طلب المتعة والتسلية دون سواهما، فهم يرسبون عند ظاهر
القول ويقفون عند حدود سطحه، لذلك لا يكادون يتجاوزون حواشي الحكاية دون متنها،
فتستقطبهم عناصر الدّهشة وعالم العجيب والغريب الذي يستمدّون من تضاعيفه جمالية
القص وجاذبية الحكي.
ولكن إلى أي
مدى يمكن أن يُخفي هذا الظاهر الهزلي باطنا جادا ومفيدا؟
العنصر الثاني:
مظاهر الجد والإفادة
لاشك أنّ ما
يطلبه العامة من الحكاية مغاير لما ينشده الخاصة من أهل الحكمة والفلسفة، ذلك أنّ
الشكل الممتع في ظاهره يتضمّن مضمونا جادا في باطنه، فلا يخلو كتاب "كليلة
ودمنة" من حكمة واعتبار، يفضيان إلى الإشادة بالعقل آلة في الفهم والتفكير،
وأداة توجّه السلوك وتنظم العلاقات اجتماعيا وسياسيا.
فجوهر الحكاية
اعتبار يصلح للإنسان، يستخلصه من قضايا معقودة على معالجة واقعه ومنها ما هو
اجتماعي كالصداقة والصديق وما هو سياسي كشروط اختيار الحاشية وعلاقتها بالراعي
وأوجه التدبير في سياسة الرّعية وجلب مصالحها، وما هو قضائي تصويرا للمحاباة
والتقاطع بين السلطات الثلاث والاحتكام إلى الأهواء دون الحجج وسلطان القانون.
أما القضايا
الاجتماعية فتحيلنا على أصناف من المجتمع يعالجها الكاتب أو لعلها أنماط، منها ما
هو موجود وما هو موعود، أما النمط الأول فهو مجتمع الأثرة والأنانية ومجتمع القوّة
و الاحتكام إلى منطق الهيمنة والاعتداء ويتجلى ذلك في باب "الحمامة
المطوقة" وباب "الأسد والثور" الذي ينطوي على حكاية "الأرنب
والأسد" .
وأما المجتمع
الثاني فهو الذي يغلب عليه قانون الغاب دون سلطة أو سلطان وقد انقضى عهده في ظل
التعاقد الاجتماعي بعد أن كان الأقوى يفرض شروطه المطلقة.
وأما المجتمع
الثالث فهو الذي يخلو من أيّ سلطة حيث يحكم الناس بعضهم بعضا في انسجام وتفاهم.
وأما القضايا
السياسية وهي ذات قيمة مركزية في الحكاية، فتتجلى في ضبط شروط اصطناع الرجال من
أهل الحاشية، وكشف مظهر الاستبداد السياسي الذي يترجمه سلوك الأسد في علاقته
بحيوانات الغابة دون استناد إلى مرجعية العقل. يقول دمنة في باب "الأسد
والثور": "لا أظنّ الأسد إلا قد حمل عليّ بالكذب وشُبّه عليه أمري، فإنْ
كان الأسد قد بلغه عنّي كذب فصدّقه عليّ وسمعه فيّ، فما جرى على غيري يجري عليّ".
فالحكمة
المستخلصة من الحكايات كلّها أنّ الإنسان في حاجة إلى عقل يفكر به لتستقيم حياته
دون خضوع لسلطان الغريزة والعمل بالهوى. ومتى كان العقل راجحا والتفكير مستقيما
اهتدى الإنسان إلى سبل الخير في حياته كلها، أمّا القوّة والعنف فهما سبيل الضعفاء
و إنْ كان ذلك من ذي سلطان أو صاحب بنيان قوي.
ومن الحِكم
الأساسية التي تدور عليها حكايات كليلة ودمنة أنّ العلم يُراد للعمل به، فلا خير
في علم لا ينتفع به، ولا فائدة للكتاب على هذا النحو إذا لم يترجم ترجمة عملية في
مختلف المجالات انتصارا للخير ومطاردة للشر.
إنّ ما ذهب
إليه ابن المقفع من الحكمة يهدف إلى الإشادة بالأخلاق الفاضلة والترهيب من
رذائلها، فقد أشاد بفضل الصداقة والتعاون والإيثار والتثبت وإعمال العقل وذمّ
الخديعة والخيانة والهوى والغريزة والظلم.
فكتاب "كليلة ودمنة" ذو بعد نقدي اجتماعي وسياسي وذو أهداف إصلاحية وتعليميّة وتربوية من خلالها تُستخلص الحكمة وتدرك وجوه التعقل.
لذلك استخلصه الحكماء لأنفسهم واصطفوه مصدرا من مصادر المعرفة في شؤون السياسة والاجتماع، فلا غنى عنه لطالب علم ولا يزهد فيه راغب في الحكمة.
فكتاب "كليلة ودمنة" ذو بعد نقدي اجتماعي وسياسي وذو أهداف إصلاحية وتعليميّة وتربوية من خلالها تُستخلص الحكمة وتدرك وجوه التعقل.
لذلك استخلصه الحكماء لأنفسهم واصطفوه مصدرا من مصادر المعرفة في شؤون السياسة والاجتماع، فلا غنى عنه لطالب علم ولا يزهد فيه راغب في الحكمة.
إنّ كتاب ابن
المقفع إذن قد جمع ما يحتاجه القارئ حاجة علمية وعملية، وحاجة آنية أو مستقبلية،
فلا يخرج منه المتلقي إلا وقد ظفر بإحدى المزيتين إما مَزيّة التسلية والإمتاع وهي
ظاهر القول وسطحه، أو مَزيّة الإفادة من حكمة وعبرة وهي باطن الحكاية
في الأخير إنّ
هذا التصنيف الذي انطلق منه ابن المقفع لا يمنع أن يستخلص الأغرار حكمة وقد بدت
الرموز شفافة والعبر بارزة وقد نطق بها الفيلسوف أو الحيوان، كما لا يحول قول
الكاتب دون متعة الحكماء وتسليتهم أثناء طلبهم للحكمة.
غير أنّ هذا
التقسيم النظري يميل إلى تصوير السخفاء كائنات ترابية ألصق بعالم الحشرات
والبهائم، والعلماء كائنات سماوية أقرب ما تكون من عالم الملائكة والنجوم.
أليست المتعة
الحقيقية إذن في إشباع الوجدان والعقل معا؟
الأستاذ: جمال بوعجاجة
تابعونا على الفيس بوك وتويتر
mala ma9al borjoulya
ردحذفMerci
ردحذفchokran !!!! walah m3allem ostadh
ردحذفmaqal moufid jedaan thank you!
ردحذفma9al zabour
ردحذفBara m5ibk
حذفمفيد برشا يعتك اصحة
ردحذفHajjja top
ردحذفشكرا لكم مما قدمتم من معلومات
ردحذفYa3tik sa7a
ردحذف