الأحد، 4 سبتمبر 2022

• الإبرة


مهام

حادة، واخزة، قلقة، رشيقة، ناصحة، جامعة الشمل في هدوء، وواصلة المقطوع من دون قلق، وساترة الحال برغم هشاشتها، شامخة في كبرياء نادر برغم رهافتها، أداة نجاة وإنقاذ عندما تتفرق بنا السبل، وناصحة وتُصلح الحال إن كانت فاسدة، واختبار دقيق وحاسم في اختيار الزوجة واختبارها.

لعل أخطر ما فعله العصر الحديث، أننا لم نعد نرى الإبرة في أيدي نسائنا، كما لم نعد نراهن يقمن بـ تفصيص حبات الثوم، ذلك لأن الإبرة مثلها مثل كثير من الأدوات المنزلية التي بدأت تتلاشى، أو لم يعد لها مكان في المنزل الحديث أو بين أيدي نسائه، أو لم يعدن يهتممن بوجودها الآن، مع أن تاريخ الإبرة مغروز وواخز وراتق في تاريخ الإنسانية.

فمنذ البداية وفي عصور قديمة للإنسانية، كانت الإبر تُصنع من عظام الحيوانات أو أشواك الأسماك، أو أغصان بعض الأشجار والنباتات، وكان ذلك قبل أن يتم صنعها من المعدن.

الصينيون هم أول من استخدم الإبر المعدنية، قبل أن تنتقل إلى الغرب وتنتشر في كل العالم، وقد بدأت صناعتها في مدينة نورمبرج بألمانيا في القرن الـ 14 الميلادي، وأول قضيب صنع من الصلب آلياً كان في عام 1785م، وصنع للإبرة ثقب في عام 1826م.

وعلى الرغم من شهرة الإبرة كأداة للخياطة أو الحياكة أو خياطة جلود الأحذية، فإنها أَداةٌ أحدُ طرفيها مُحَدَّد والآخَر مثقوب، يُخاط بها، وهي رفيعة الشكل وتكون بأطوال وأحجام مختلفة، منهما ما يصل طوله إلى أكثر من عشرين سنتيمتراً، مثل الإبر التي يستخدمها الأطباء في العمليات الجراحية، ومنها ما يصل إلى طول الذراع، وهي التي تستخدم في خياطة الجلود والبراذع للحيوانات.

مهام متعددة

الإبرة، برغم ندرة رؤيتها الآن، فإنها تدخل في كل تفاصيل الحياة، فالإبْرة لدى العَقرب أو النحلة: ما تَلْسَع به وتدافع به عن نفسها، والإبْرة من المِرْفَق،َ أي الذراع: طَرَف العظم الناتئَ عند ثَنْي الذراع، وإبرة المِحْقَن هي إبرة يُغرز طَرَفها في الجسم لينفذ منها الدواءُ إليه، وإبْرة آدم نبات تزيينيّ مُعَمَّر من فصيلة الزنبقيَّات، وإبرةُ الفونغراف هي ما تَمُرُّ على أثر الصوت المسجَّل لتعيده، وبَيْت الإِبْرَة هي البوصلة التي ترشدنا في البحار والصحراء، وإبرة بابور (موقد) الطهي التي يتم تنظيف الفونية بها، وهي التي تقوم بتوزيع الجاز، ووَخْز الإبَر هو الإيذاء المتتابع في خفية.

وعندما أصبحت الإبرة علاجاً صارت تلقب وتشتهر بالإبر الصينية، التي تعتمد على غرز الإبر الدّقيقة في نقاط محدَّدة في الجسم للعلاج من بعض الأمراض، كما أن كثيراً من الحشرات لديها إبر للسع أو الدفاع عن نفسها، مثل الدبابير والنحل.

وفي السياسة الحديثة يقال سياسة وخز الإبر، ويعنى بذلك سياسة العداء في الخفاء التي تخز وخزاً من غير أن تسيل دماء، وكانت واضحة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، خصوصاً في أثناء الحرب الباردة، كما نراها في حياتنا اليومية بين الحماة وزوجة ابنها.

 أما الخروج من ثقب الإبرة، فيدل على المهارة والخفة والنجاة، ولدقة ورهافة الإبرة يقال عن المرأة الهادئة التي تعيش في حالها لا تسمع رنيناً لها، أي لا تسمع لها أي ضجيج أو صوت في بيتها، وتقال أيضاً عن المرأة النظيفة والهادئة، التي لا تثير المشكلات، ولصعوبة المهمة واستحالتها يقال يبحث عن إبرة في كومةِ قش.

وإذا كان يقال عن شكل الإبرة إنها قاسية وتعيش بمفردها ولا تحب الصداقة ولا تكف عن الوخز، فإنه يطلق في الحياة العامة لفظ ارجل إبرة، أي ثقيل وكثير الشكوى والإلحاح، أو يكون كثير الإيذاء للغير، خاصة في الخفاء، بينما في الماضي كان يعتبر هذا سباباً للمرأة، فإذا رأت امرأةٌ امرأةً أخرى رفيعة ونحيفة جداً، تهجوها بأنها امرأة إبرة.

اعتقادات شعبية

قديماً، كانت ترتبط بالإبرة كثير من الاعتقادات الشعبية، فقد كان يحرم بيع الإبر بعد صلاة العصر في مصر، حتى لو دفعت أكثر من قيمتها بكثير، والسبب في ذلك اعتقاد بأن الملائكة الموكلة بتقسيم الأرزاق تهبط بعد العصر، فإذا كان الإنسان في يسر وهناء زادت سعته، وإن كان في بؤس وشقاء أعطته على قدره، كما يعتقدون أن حرفة الخياطة من أفقر الحرف، لذا يكرهون أن تراهم الملائكة على هذا البؤس، فترزقهم على قدر بؤسهم، فحرموا من أجل ذلك الخياطة وبيع الإبر بعد العصر.

كما كان يعتقد أن الخياطة في الليل تؤذي الأموات، لذا يكرهون أن يخيطوا شيئاً بالليل، وفي بعض القرى بالريف تتشدد النساء في ذلك، فلا يعرن إبرة لأي سبب بعد العصر، فإذا دعت الضرورة إلى ذلك وضعتها المُعيرة فوق رغيف من الخبز وأعطته لطالبة الإبرة، فتأخذ الرغيف وعليه الإبرة، ولكن لا تمسها بيدها مباشرة.

والإبرة الغشيمة مصطلح شعبي عن الإبرة التي لا ثقب  لها، وهي في الأصل إبرة أخطأت الآلات التي تصنعها، فمرت عليها من غير أن تثقبها، وعندما كثر الطلب عليها كان تجار الإبر يستوردونها بتوصية خاصة منهم، والسبب في الإقبال عليها اعتقاد العجائز أنها تبطل عمل السحر، فهن يأخذنها ويلففنها في خرقة ويضعنها في حجاب من جلد، فتمنع العين والسحر!

وفي الغرب يختلف الأمر بالنسبة إلى الإبرة عن الشرق، حيث يشتد الإقبال على شراء الإبر التي تخاط بها الأكفان، وذلك لإلقاء أذى من السحر على الآخرين، فإذا وضعت إحدى الإبر تحت صحن أحد وهو يأكل، يصاب بالسّل الحاد المميت.

بينما على الفتاة التي تتمنى الحصول على زوج أن تغرز سبع إبر في شمعة جديدة، بعد إشعالها، وتدعو السيدة العذراء إلى إجابة طلبها طوال مدة الاشتعال، فإذا فعلت ذلك فلم تظفر بقلب الرجل الذي تتمناه، فهي على الأقل تجعله عاجزاً مع النساء الأخريات.

ولا يهب المرء إبرة لشخص ما دون أن يخزه بها، وإلا خشي فساد العلاقة بين الواهب والموهوب.

اختبار قوة النظر

لدقة الإبرة يطلقون عند تجهيز العروس عبارة لديها كل شيء من الإبرة للصاروخ، أي لا ينقصها شيء من أدوات بيتها، وكانت بعض الحموات يخترن الفتيات لأبنائهن بعد أن تشاهدهن وهن يقمن بإدخال الخيط في ثقب الإبرة، وخاصة صغيرة الحجم ذات الثقب الضيق، حتى تعلم مدى قوة نظرها ودقته، كما تترك لها بعض الملابس الممزقة أو بها قطع وتحتاج إلى الخياطة، حتى ترى الغرزة التي تخيط بها عروسة الابن، فإذا كانت الخياطة سيئة ومعيبة تقول عنها بين الغرزة والغرزة ترقد العنزة، وهي تقصد بذلك أن غرز الخياطة ليست منسجمة ولا دقيقة، فبين كل غرزة وأخرى فضاء كبير يتسع لجلوس العنزة ونومها!

ورؤية الإبرة في المنام تدل للعازب على قرب الزواج، وللفقير على ستر الحال، ومن يرَ خيطاً فيه إبرة فإن شأنه يلتئم، ويجتمع له ما كان متفرقاً من أمره، ولو كسرت إبرته، أو أخذت منه، فإن شأنه يتفرق ويفسد أمره، والإبرة هي المنصحة، والخيط هو الناصح، وإن خاط ثيابه استغنى إن كان فقيراً، واجتمع شمله إن كان مبدداً، وانصلحت حاله إن كانت فاسدة.

ومن المعروف أن الإبرة التي بها خيطان لا يُحاك بها، وهو مثل يضرب لتعدد الرؤوس والخوف من فساد العمل بكثرة الأوامر المتناقضة، بينما في الصبر يقال التركي يحفر البير بإبرة، وهو يدل على عقيدتهم في الشخص التركي بأنه صبور على نيل غرضه، يصل إليه في دأب وصبر، ولو لم يجد وسائل متوافرة لاستطاع أن يتخذ أي وسيلة مهما صغرت، ويكمل نقصها بصبره والثبات على قصده.

ستظل الإبرة، برغم عدم رؤيتها الآن، موجودة ومؤثرة في العقل والوجدان الإنساني، فهي ترقص وتغني في رشاقة وكبرياء، وهي تحيك أو تخيط فستان الزفاف، أو تنجيد الجهاز للعروس، كما نراها تبكي في حزن شديد وهي تخيط أكفان الراحلين وأجساد المصابين.

وقد ورد ذكر الإبرة في القرآن الكريم، حيث يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ. (سورة الأعراف: الآية 40 إذ إن اسَمّ الخياط يعني ثقب الإبرة.

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

تصوير الطفل يهدد صحته النفسية وقدرته على النضج

مقدار الحرية التي يجب أن تمنحيها لأبنائك المراهقين

الكافايين والاكتئاب: تأثيرات سلبية وإيجابية

علامات التوحد عند الأطفال في الشهر الثامن

التعليم من أجل السعادة

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق