السبت، 10 سبتمبر 2022

• منتجات صديقة للبيئة من مخلفات البيئة


صديق البيئة

هل خطر  بذهن  أحدنا أن إطارات السيارات البالية والمهترئة وهي الضارة للبيئة، وخاصة عندما تُرمى بالشوارع أو تحرق في الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات، يمكن أن تتحول إلى أدوات صديقة للبيئة، وهل يمكن أن نستفيد منها في وضع الخضار  والفاكهة والمياه وأن نعرضها في صالوناتنا كمشهد تراثي جميل؟

في ورشته الصغيرة بشارع السويقة بين الباب الصغير وباب مصلى بمدينة دمشق على أطراف سور وبوابات المدينة القديمة، يجلس السوري مصطفى الحموي الملقب بـ أبو حسنب 44( عاماً) على كرسي معدني بين عشرات إطارات السيارات المطاطية المهترئة، يحاول تليين قساوتها وتحويلها لأعمال فنية وتراثية جميلة تكسر رتابتها ولونها القاتم وتعرجاتها التي تشكلت مع آلاف الكيلومترات التي قطعتها وهي تحمل حافلة نقل كبيرة أو شاحنة أو سيارة صغيرة على الطرق.  يروي مصطفى الأربعيني حكايته مع هذه الحرفة (الهواية)، قائلاً: تعود رحلتي مع الإطارات المطاطية وتحويلها لأعمال فنية وحرفية إلى ربع قرن مضى، حيث تعلمتها من والدي، إذ أقوم من خلال سكين حادة( سكين الكندرجية) بتقطيع إطارات السيارات المستعملة المهترئة ومن ثم قولبتها بشكل يدوي لأحولها إلى منتجات يدوية صديقة للبيئة على شكل سلال مختلفة الأحجام والأشكال يمكن استخدامها للعرض والزينة، وتستخدم أيضاً في تعبئة الخضار والفاكهة والموالح (المكسرات)، ولذلك زبائني هم بائعو الخضار وأصحاب المحامص والمزارعون الذين يعبئون فيها غلالهم من الجزر والبطاطا وغيرهما ويسوقونها إلى المدينة لبيعها على البسطات في سوق الهال والأسواق الشعبية.

 وحول النماذج التي يصنّعها، يوضح أبوحسن، قائلاً: أنظر لعملي كفن لا كحرفة فقط، ولو نظر الناس لمنتجاتي فلن يصدقوا أن ما هو معروض كان عبارة عن إطار سيارة مهترئ! فاللمسات الفنية تظهر فيها من خلال السماكة وخياطتها والزخرفة عليها بالمادة الأولية نفسها، أي الكاوتشوك وليس فقط الموديلات التي أقدّمها للناس، والنماذج كثيرة ومتنوعة وجميعها تأخذ أشكالاً هندسية كالشكل البيضاوي بأبعاد محددة 40*30  سم، والشكل الدائري مع حمّالات وكبسات أو خياطة، وتأخذ هذه النماذج لون الكاوتشوك المائل للسواد، مع إمكان تلوينها بألوان أخرى باستخدام الرش... هناك بشكل عام نماذج قد تكون من وحي خيالي أو من خيال زبون ما يطلب مني أن أنفذ له مقترحه، ويمكنني حصر حوالي 300 نموذج صنعته خلال رحلتي مع الإطارات المطاطية، وقد قام أحد المهندسين المهتمين بمهنتي بعرضها في ملّف كامل على شبكة الإنترنت وفي كتاب خاص، ومنها: دلو لرفع المياه من البئر يعمل بشكل فني، حيث يعبئ المياه في أسفل البئر من فتحة في أسفل الدلو ومتى امتلأ يغلق وحده، وهناك نموذج آخر اكمامة الخيلب، يضعها أصحاب الخيول العربية الأصيلة على وجه الفرس مع وجود فتحات للتهوية، ولتناول المياه، وتستخدم عادة حتى لا تقوم الفرس بعضّ صاحبها، وهناك نموذج سطل البناء وغيرها، ومع الأسف هناك تجّار يشترون مني هذه المنتجات بأسعار رخيصة ويقومون بتغليفها بشكل دعائي ويدونون عليها بضع كلمات بالإنجليزية ويبيعونها في أوربا وغيرها بأسعار مرتفعة على أنها أشياء فلكلورية للعرض في الصالونات، حيث لها زبائنها في فرنسا والدنمارك وغيرهما، كما قام أحدهم بتصدير نموذج من منتجاتي إلى ولاية سان فرانسيسكو بأمريكا بناء على طلب تجار أمريكيين شاهدوا أعمالي على شبكة الإنترنت، ليقوم مزارعو العنب هناك بوضع غلالهم من العناقيد فيها، ومنهم من يستخدمها لجمع الحطب فيها، فهي ذات شكل دائري واسع وجميل ويعتبرونها أفضل من السلال البلاستيكية وتلك المصنعة من القصب.

 أما مراحل العمل فهي كما يشرحها الحموي: آتي بالإطار (الدولاب) المستعمل وأقصّه وأشرّحه إلى طبقات متعددة السماكة ومن ثم أقوم بتطبيقها بشكل فني لتتحول إلى سلّة، حيث تحتاج إلى جهد ووقت لا بأس به لتتم عملية التصنيع، خاصة أنني أتعامل مع مادة قاسية، أي الكاوتشوك، ومع أدوات حادة كالسكين واالكازب التي تساعد في تقطيع طبقات الكاوتشوك بشكل أرّق، وهناك الأزاميل وغيرها، ولذلك على من يعمل بهذه المهنة أن يكون صبوراً وأن يتحمل التعب والخطورة، حيث نتعامل بسكين ومسامير وأي خطأ وعدم انتباه ونحن نشرّح ونقطّع الدولاب قد يؤديان إلى انفلات السكين بقوة وارتدادها على الساقين لتصيبنا بجروح قد تكون أحياناً بليغة، شاهد ساقيَّ سترى وكأنها خريطة؟! يتنهد أبو حسن، وذلك من كثرة الإصابات بجروح وتقطيبها فيما بعد بقطب جراحية لدى المشفى أو عند الطبيب المختص. ولكن هل العمل بهذه المنتجات يستحق المخاطرة والمجازفة؟! إنها هواية وحرفة وعشقي لها - يبتسم أبوحسن - جعلني أتحمل مخاطرها فهي مهنة صديقة للبيئة ولها زبائنها الكثر من غير المستخدمين ومنهم السياح خاصة الأجانب منهم.

 حجر الصوّان

وبالرغم من أن التعامل مع الحجر صعب ومتعب ولذلك كانت له مدارس ومعاهد لتعلم أصول نحتها وتحوّلها إلى أشكال فنية مختلفة، فإنّ هناك عديداً من الحرفيين السوريين الذين تعاملوا مع الحجر بشكل فطري فقدموا نماذج فنية جميلة، ومنها ما هو نادر كالتعامل مع حجر الصوّان القاسي، والمعروف أن الإنسان الحجري القديم كان أول من اكتشف خصائصه وطوّعه لخدمته، فيما عمل البعض من الحرفيين الدمشقيين أخيراً على تطويع حجر الصوّان لأغراض جمالية إبداعية وتزيينية، ومنهم الحرفي الدمشقي عهد مسوتي، الذي تخصص منذ أكثر من عشر سنوات في تحويل الصوّان إلى أعمال جمالية إبداعية بأشكال وأحجام مختلفة وأقام لها عديداً من المعارض داخل سورية وخارجها. يوضح عهد قائلاً: إنّ تحويل البحص وحجر الصوان لأعمال فنية مهنة قديمة وكان القدماء يستخدمونها لتنفيذ نماذج وأشكال وتحف رائعة، وهناك قطع أثرية منها موجودة في المتاحف وفي الأماكن الأثرية والتاريخية، ومن منطلق إعادة إحياء التراث مع تطويره بما يتلاءم مع العصر الحديث، عدنا نعمل على حجر الصواّن ونطوّر ونحدّث بتقنياتها ومفرداتها، وذلك من خلال تهجينها بمواد أخرى كالبحص والزجاج والنحاس فتتحول إلى قطع فنية فريدة ومتميزة.

-وكيف تعمل على تهجينها وما المراحل التي تمرّ بها؟

 يبتسم عهد: لابد أولاً من التركيز على المادة الأولية وهي حجر الصوان، والتي نأتي بها بأحجام مختلفة، أما فيما يتعلق  بمراحل العمل فتتم من خلال إحضار الأحجار ومن ثم تكون المرحلة التالية وهي فرز الألوان، فحجر الصوان يتميز بتنوع كثير بألوانه فمثلاً في الكيس الذي نحضره وبه الحجر نكتشف حوالي خمسة عشر لوناً من الصوان، ومنها الأبيض والأصفر والترابي وغيرها بدرجاتها المختلفة، وهناك ألوان خضيري على زرقاء. كذلك من المعروف أن للصوان أنواعاً مختلفة حسب مصادرها، فهناك الصوان النهري والبحري، وبعد مرحلة فرز الحجر حسب الألوان وهي المرحلة التحضيرية ننطلق إلى المرحلة التالية والأهم، وهي تنفيذ العمل واللوحة، ويتم ذلك إما باختيار المواضيع من خيالي محاكاة لأعمال قديمة، وإما من خلال ما يطلبه الزبون فهناك أشخاص يأتون إلينا ويطلبون أشكالاً محددة يريدون تنفيذها لهم.

 وتبقى النماذج التي عملت عليها - يشرح مسوتي- نوعين وهي: الهندسية والنباتية حيث العمل عليهما أسلس من النماذج الأخرى كالحيوانية والبشرية، هنا نحتاج إلى بذل الجهد الكبير والوقت الطويل حتى ننجز عملاً من حجر الصوّان وملحقاته لحيوان مثلاً، ومع ذلك خضت هذه التجربة فعملت على نموذج لطير، ولكنها كانت تجربة متعبة جداً!

-وكيف تنطلق بتنفيذ اللوحة أو العمل الفني الحرفي اليدوي؟

يتنهد عهد قائلاً: إنّ طريقة التنفيذ دقيقة جداً تتم باستخدام الملقط وهو الأداة الرئيسة في عملنا، بالطبع فإن المرحلة الأولى تتم برسم اللوحة على الورق قبل تنفيذها، فهناك أفكار رئيسة نعمل عليها وهناك أعمال مبتكرة حسبما يشدّني الخيال إليه وتنتعش الذاكرة، وبالتأكيد فأنا أستخدم الألوان الطبيعية للمواد الأولية، كالزجاج والبحص، التي أمزجها وأدمجها مع الصوان، وتتم طريقة الدمج والمزج بينها من خلال تكسير البحص بألوانه المختلفة واستخدام االهاونب النحاسي، لأن المادة هنا صلبة والتكسير درجات حسب حجم البحصة الناتجة عن التكسير ومقاساتها المختلفة ونتحكم بها من خلال المنخل، حيث نفرزها بقياسات متعددة، فمن خلال عملية النخل تنتج معنا درجات متعددة من البحص الناعم، التي نستخدمها لتنفيذ اللوحة، وهي عادة تكون بأقطار أقل من درجة الصفر أي بمقياس الديزيم وحتى درجة صفر 2، فهذه الأحجار الناعمة والدقيقة جداً لها استخدامات مهمة في نماذجنا ولوحاتنا فهي تغلق المسامات، وذلك حتى لا تظهر الخلفية المستخدمة في العمل، التي قد تكون من الخشب أو الشبك، فمن خلال هذه الأحجار الدقيقة نغلق كامل اللوحة.

  لقد أنجزت - يتابع مسوتي - خلال السنوات الماضية منذ تفرغي لهذا العمل اليدوي حوالي 120 عملاً بأحجام مختلفة ومواضيع متنوعة ومنها تراثية وخطوط عربية أو مناظر طبيعية ووجوه نسائية وغير ذلك، وعادة المتر الواحد من أي عمل بحجر الصوان يستغرق مني حوالي شهر لتنفيذه، ولذلك فإنجاز لوحة أو مجسم يتطلب وقتاً طويلاً وتحلياً بالصبر وبالاً طويلاً، ومن هنا العديد من الحرفيين جرّبوا العمل بحجر الصوان ولكنهم تخلوا عنه بعد فترة زمنية قصيرة بسبب حاجته للجهد والتعب والوقت الطويل مع مردود مالي ضعيف، قياساً بحجم العمل به، خاصة في سنوات الأزمة الحالية، حيث لا يوجد سياح يشترون أعمالنا الفنية اليدوية والناس هنا لا يقبلون على اقتناء هذه الأعمال، فهم يعتبرونها من الكماليات باستثناء بعض محبي اقتناء اللوحات والنماذج اليدوية المتميزة وبعض أصحاب المطاعم والفنادق لعرضها كديكور فيها تعطي المكان تفرداً، ولذلك برأيي من بقي يعمل بها في دمشق لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، ولولا عشقهم لهذه المهنة الفريدة لتخلوا عنها أيضاً.

حجر البازلت

 تجربة أخرى من مدينة السويداء جنوب سورية، حيث يقوم عديد من الحرفيين يستخدمون حجر البازلت القاسي وبلونه الطبيعي الأزرق المائل للسواد والذي تشتهر به منطقة جبل العرب، حيث مازالت تبنى به البيوت والقصور والمؤسسات الرسمية والخاصة، فيقوم هؤلاء وبجهد فردي بتحويله إلى نماذج إبداعية كمجسمات ولوحات فنية ومنها: أدوات تراثية بشكلها المصغّر والتي كان يستخدمها السكان في الريف والمدينة كحجر الرحى لدق حبوب القمح وتحويلها إلى حبوب طرية، وأباريق الشاي وبوابير الكاز التي كانت تستخدم بكثرة حتى منتصف القرن الماضي، ونماذج لمواقع أثرية من محافظة السويداء كبوابات شهبا وقوس النصر وغير ذلك، ويتطلب التعامل مع حجر البازلت الصبر والتأني والقوة البدنية والعزم، وتباع عادة هذه النماذج والمنحوتات كقطع تذكارية لعرضها في الصالونات المنزلية والمطاعم والمنشآت السياحية .

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

أسرى الشاشات

8 أساليب خفيّة يستخدمها المتنمرون ضد الأطفال

كيف تجعلين ابنك المراهق يتناول الطعام الصحي

هل يمكن أن يصاب النرجسي بالاكتئاب

كيف تساعدين أطفالك على فهم عملية التعلّم

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق