الجمعة، 10 مايو 2019

• شرح أبيات قصيدة المتنبي واحر قلباه


وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ       وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
واحر قلبي واحتراقه حبا وهياما بمن قلبه بارد لا يحفل بي ولا يقبل علي ، وأنا عنده عليل الجسم لفرط ما أعاني وأقاسي فيه، سقيم الحال لفساد اعتقاده فيّ..
وقوله واحر قلباه أصله واحر قلبي فأبدل الياء بالألف طلبا للخفة والعرب تفعل ذلك في النداء..
ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي     وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ

براه : أنحله وأضناه ، أكتّم (بالشده) : مبالغة بالكتمان..
اذا كان الناس يدعون حبه ويظهرون خلاف ما يضمرون فلِم أخفي أنا حبه الذي برح بي و أسقمني وأتعب نفسي بهذا الكتمان ؟..
إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ       فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ
الغره : الطلعة..
إن كان يجمعني وغيري أن نكون محبين له، أي أنه حصلت الشراكه في حبه ، فليتنا نقتسم فواضله وعطاياه بمقدار ذلك الحب حتى أكون أوفر نصيبا من غيري لاني أوفر حباً من غيري..
قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ       وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ
السيوف دم : أي مخضبة بالدم..
وتعني أنه خدمه في السلم والحرب..
فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ       وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ
الشيم :جمع شيمة وهي الخليقه والخلق ..
يقول: انه كان في الحالين (الحرب و السلم) أحسن الخلق وكانت أخلاقه أحسن ما فيه..
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ      لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ
البهم : الأبطال الذين تناهت شجاعتهم أو الجيش..
يقول: خوف عدوك منك قد ناب عنك في قتاله وهزيمته فصنع لك مالا تصنعه الجيوش ، يعني أن مهابتك في قلوب الأعداء أبلغ من رجالك وأبطالك الذين معك في جيشك.
أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها     أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ
يواريهم : يسترهم ، علم :جبل ..
يقول :ألزمت نفسك أن تتبعهم أينما فروا وتدركهم حيثما تواروا من الأرض وهذا أمر لا يلزمك بعد أن تكون قد هزمتهم ، يريد أن لا يرجع عنهم إلا بعد قتلهم ولا يكفيه ما يكفي غيره من الظهور عليهم..
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً       تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ
رمت : طلبْت ، انثنى : ارتد ..
يقول: أي كلما طلبت جيشا فارتد هاربا منك وهزمته ، حفزتك همتك إلى اقتفاءه واقتفاء آثاره حتى تعمل فيهم سيفك، وهذا استفهام واستنكار : أي ليس عليك أن تفعل وحسبك انهزامهم..
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ        وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا
المعترك : ملتقى الحرب ..
ويقول : عليك ان تهزمهم اذا التقو معك في مجال الحرب والقتال ولا عار عليك اذا انهزموا وتحصنوا بالهرب خوفا من لقائك فلم تظفر بهم ..
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي       فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
يقول : انت اعدل الناس الا اذا عاملتني فان عدلك لا يشملني ، وفيك الخصام وانت الخصم والحكم لانك ملك لا أحاكمك الى غيرك وانما استدعي عليك حكمك والخصام وقع فيك واذن كيف ينتصف منك ؟ ..
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً        أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
الهاء في (أعيذها) يرجع الى نظرات وهي تفسير له..
يقول : أعيذ نظراتك الصادقة -أي التي تصدقك حقائق المنظورات- أن تخدعك في التمييز بيني و بين غيري ممن يتظاهرون بمثل فضلي وهم برآء منه ، ولا تظن المتشاعر شاعرا كما يحسب الورم سمنا أي شحما ..
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ        إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
الناظر: العين ..
يقول : أن الفرق بينه وبين غيره ظاهر مثل الفرق بين النور والظلمة فينبغي ألا يستويان في عين البصير..
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا     بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي     وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
يقول: قد شاع فضلي بين الناس ولم يبق فيهم الا من عرف مزيتي وبلغه ذكري حتى رأى أدبي من لا يميز الأدب ، سمع شعري من لا يعير الشعر اذنا ، وكان المعري اذا أنشد هذا البيت يقول : أنا الاعمى ..
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا      وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
الضمير من شواردها : الكلمات ويريد بها الاشعار ، جراها : من اجلها او بسببها..
يقول : أنام ملء جفوني عن شوارد الشعر لا أحفل بها لاني أدركها متى شئت بسهوله ، أما غيري من الشعراء فانهم يسهرون لاجلها ويختصم ويتنازع بعضهم بعضا على ما يظفرون به منها..
وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي      حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
مده : أمهله وطول له ، اصل الفرس : دق العنق ..
يقول : رب جاهل خدعته مجاملتي واغتر بضحكي و استخفافي واتركه في جهله حتى افترسه وأبطش به، اي أنه يغضي عن الجاهل ويحلم الى أن يجازيه ويعصف به..
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً      فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ
يقول : إذا كشر الأسد عن نابه فليس ذلك تبسماً بل قصداً للافتراس ، يريد أنه و إن أبدى بشره و تبسمه للجاهل فليس ذلك رضا عنه ..
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها       أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ
المهجه : الروح ، الجواد: الفرس الكريم ، الهم : ما اهتممت به ، الحرم : مالا يحل انتهاكه..
يقول : رب مهجة همه صاحبها مهجتي أي قتلي و اهلاكي أدركت هذه المهجة بفرس من ركبه أمن من أن يلحق فكان ظهره حرم لا يدنو منه أحد..
رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ       وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
يصف جواده ويقول : لحسن مشيه واستواء وقع قوائمه في الركض كأن رجليه رجل واحدة لأنه يرفعهما معاً ويضعهما معاً، وكذلك يداه ثم يقول : وفعله ما تريد الكف والقدم أي أن جريه يغنيك عن تحريك اليد بالسوط والرجل بالاستحثاث..
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ       حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ
المرهف : السيف الرقيق الشفرتين ، الجحفل : الجيش الكثير ..
ويقول : ورب سيف سرت به بين الجيشين العظيمين حتى قاتلت به و الموت غالب تلتطم أمواجه وتضطرب ..
الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني         وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
يصف نفسه بالشجاعة والفصاحة وأن هذه الأشياء ليست تنكره لطول صحبته إياها ، ويقول الليل يعرفني لكثرة سراي فيه وطول إدراعي له ، والخيل تعرفني لتقدمي في فروسيتها، والبيداء تعرفني لمداومتي قطعها واستسهالي صعبها، والسيف والرمح يشهدان بحذقي بالضرب بهما، والقراطيس تشهد لإحاطتي بما فيها، والقلم عالم بإبداعي فيما أقيده ..
صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً       حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
الفلوات : القفار، القور : جمع قارة وهي الأرض ذات الحجارة السوداء وتعني أيضاً أصاغر الجبال، الأكم : جمع أكمه و هو الجبل الصغير..
ويقول : سافرت وحدي وصحبت الوحش في الفلوات بقطعها مستأنساً بصحبة حيوانها حتى تعجب مني نجدها وقورها لكثرة ما تلقاني وحدي ..
يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ        وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ
يقول : يامن يشتد علينا فراقه بما أسلف إلينا من عوارفه كل شيء وجدناه بعدكم فإن وجدانه عدم ، يعني لا يغني غناءكم أحد ولا يخلفكم عندنا بدل ..
مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ        لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ
أخلقنا : أحرانا ، أمم : قريب
يقول : ماكان ببركم و تكرمتكم ولو كان أمركم في الاعتقاد لنا على نحو أمرنا في الاعتقاد لكم ، أي لو تقارب ما بيننا بالحب لكرمتمونا لأنا أهل للتكرمة ..
إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا       فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ
يقول : إن سررتم بقول حاسدنا وطعنه فينا فقد رضينا بذلك إن كان لكم به سرور، فإن جرحاً يرضيكم لا نجد له ألما..
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ         وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
يقول : كم تحاولون أن تجدوا لي عيبا تعيبوننا وتتعلقون عليه وتعتذرون به في معاملتي فيعجزكم وجوده، وهذا الذي تفعلونه يكرهه الله و يكرهه الكرم الذي يأبى عليكم إلا أن تنصفوني منكم و تكافئوني بالجميل ، وهذا تعنيف لسيف الدولة على إصغائه الى الطاعنين عليه والساعين بالوشاية..
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي       أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
يقول : ما تلتمسونه فيّ من عيب و نقصان بعيد عني مثل بعد الشيب عن الثريا، فما دامت الثريا لا تشيب و لا تهرم فأنا لا يلحقني عيب ولا نقصان ..
بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ       تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ
الزعنفه : اللئام السقاط من الناس و الأوباش ورذال الناس ..
ويقول : هؤلاء السقاط من الشعراء بأي لفظ يقولون الشعر وهم ليسوا عرباً ؟ لانهم ليست لهم فصاحة العرب، ولا كلامهم أعجمي يفهمه الأعجام : أي أنهم ليسوا شيئا..
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ       قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ
المقه : المحبة ..
ويقول : هذا الذي أتاك من الشعر عتاب مني إليك الا انه محبه وود لانه العتاب يجري بين المحبين و يبقى الود ما بقى العتاب ، وهو در لحسنه في النظم و اللفظ





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق