الجمعة، 22 يوليو 2022

• شرح قصيدة دَعْ عَـــنْــكَ لَــوْمِــي فَــإِنَّ اللَّــوْمَ إِغْــرَاءُ


النص
:

دَعْ عَـــنْــكَ لَــوْمِــي فَــإِنَّ اللَّــوْمَ إِغْــرَاءُ      وَدَاوِنِــي بِــالَّــتِــي كَــانَــتْ هِــيَ الــدَّاءُ

صَــفْــرَاءُ لَا تَــنْــزِلُ الْأَحْــزَانُ سَـاحَـتَـهَـا      لَـــوْ مَـــسَّــهَــا حَــجَــرٌ مَــسَّــتْــهُ سَــرَّاءُ

قَــامَــتْ بِــإِبْــرِيــقِــهَـا وَاللَّـيْـلُ مُـعْـتَـكِـرٌ        فَــلَاحَ مِــنْ وَجْــهِــهَـا فِـي الْـبَـيْـتِ لَأْلَاءُ

فَــأَرْسَــلَــتْ مِــنْ فَـمِ الْإِبْـرِيـقِ صَـافِـيَـةً      كَـــأَنَّـــمَــا أَخْــذُهَــا بِــالْــعَــيْــنِ إِغْــفَــاءُ

رَقَّــتْ عَــنِ الْــمَــاءِ حَـتَّـى مَـا يُـلَائِـمُـهَـا     لَــطَــافَــةً وَجَــفَــا عَــنْ شَــكْـلِـهَـا الْـمَـاءُ

فَــلَــوْ مَــزَجْــتَ بِــهَــا نُــورًا لَــمَــازَجَـهَـا       حَـــــتَّــــى تَــــوَلَّــــدَ أَنْــــوَارٌ وَأَضْــــوَاءُ

دَارَتْ عَــلَــى فِــتْــيَـةٍ دَانَ الـزَّمَـانُ لَـهُـمْ     فَـــمَـــا يُـــصِــيــبُــهُــمُ إِلَّا بِــمَــا شَــاءُوا

لِــتِــلْــكَ أَبْــكِــي وَلَا أَبْــكِــي لِــمَــنْــزِلَـةٍ         كَـــانَــتْ تَــحُــلُّ بِــهَــا هِــنْــدٌ وَأَسْــمَــاءُ

حَــاشَــا لِــدُرَّةَ أَنْ تُــبْــنَـى الْـخِـيَـامُ لَـهَـا       وَأَنْ تَـــرُوحَ عَــلَــيْــهَــا الْإِبْــلُ وَالــشَّــاءُ

فَـقُـلْ لِـمَـنْ يَـدَّعِـي فِـي الْـعِـلْـمِ فَـلْـسَفَةً      حَـفِـظْـتَ شَـيْـئًـا وَغَـابَـتْ عَـنْـكَ أَشْـيَـاءُ

لَا تَحْظُرِ الْعَـفْـوَ إِنْ كُـنْتَ امْـرَأً حَرِجًا    فَـــإِنَّ حَـــظْـــرَكَـــهُ فِـــي الــدِّيــنِ إِزْرَاءُ

مناسبة القصيدة:

كان ابو نواس يتلقى دروسا في الاعتزال عند الشيخ ابراهيم النظام أحد أبرز الأئمة فقهاً في عصره، وقد نشأت بين الرجلين صداقة وطيدة. بَيْدَ ان هذا لم يمنع النظام من توجيه اللوم إلى أبو نواس ناهياً إياه عن شرب الخمر، ومحذراً من أن الله لا يغفر لمن أذنب بها، إذ هي من الذنوب الكبيرة التي لا تمحوها توبة.

نوع الشعر :

هذه القصيدة تنتمي الى الشعر الخمري، وهو فن غنائي وصفي وجداني يقوم على وصف الشاعر للخمر في لونها وصفائها ونقائها ولطافتها ومجالسها وندمائها وكؤوسها وأباريقها ووصف ما تتركه في الجسم من خدر وفي النفس من نشوة.

وكان وصف الجاهليين للخمرة جيداً لكنه غير عميق ويتوسلونها إلى مدح أو فخر، فقال طرفة بن العبد أنه "يسبق من يلومه إلى شربة كميت متى ما تعل بالماء تزبد".

استغل أبو نواس قصيدة الخمر ليصرح بآراء جريئة في الفكر والسياسة والعقيدة دون أن يرمي بالزندقة وقد لجأ إليها هرباً من واقع أسرته ومجاراة للبيئة الاجتماعية في زمانه وانسجاماً مع التفلت الخلقي والتطور الأدبي المرافق لتطورات الحياة نفسها فهو بذلك زعيم الشعراء الخمريين بلا منازع.

شرح الأبيات :

البيت الأول:

دَعْ عَـــنْــكَ لَــوْمِــي فَــإِنَّ اللَّــوْمَ إِغْــرَاءُ      وَدَاوِنِــي بِــالَّــتِــي كَــانَــتْ هِــيَ الــدَّاءُ

في البيت الأول يوجه أبو نواس كلامه للائمه ويقول له لا تلمني لأن ذلك ليس من حقق، وكلما لمتني أكثر فإني سأشرب الخمر أكثر وسأتعلق بها أكثر، هي الشفاء لعلتي في نفس الوقت الذي فيه هي علتي...

البيت الثاني:

صَــفْــرَاءُ لَا تَــنْــزِلُ الْأَحْــزَانُ سَـاحَـتَـهَـا      لَـــوْ مَـــسَّــهَــا حَــجَــرٌ مَــسَّــتْــهُ سَــرَّاءُ

يصف في هذا البيت لون الخمرة ويقول أنها صفراء لا يمكن لشاربها إلا أن يشعر بالسعادة حتى ولو كان حجراً أصم فهي قادرة على بعث الحياة والفرح حتى في الجماد .

البيت الثالث:

قَــامَــتْ بِــإِبْــرِيــقِــهَـا وَاللَّـيْـلُ مُـعْـتَـكِـرٌ        فَــلَاحَ مِــنْ وَجْــهِــهَـا فِـي الْـبَـيْـتِ لَأْلَاءُ

يصف أبو نواس بهذا البيت الفتاة التي كانت تسقيهم الخمرة ويصف هذه الساقية وكأنها نور يتلألأ في المكان وهي بنورها كأنما تضيء الليل .

البيت الرابع :

فَــأَرْسَــلَــتْ مِــنْ فَـمِ الْإِبْـرِيـقِ صَـافِـيَـةً      كَـــأَنَّـــمَــا أَخْــذُهَــا بِــالْــعَــيْــنِ إِغْــفَــاءُ

هذة الساقية الحسناء بدأت بسكب الخمرة الصافية والمتوهجة وكأن العين لا تستطيع أن تنظر إليها لشدة توهجها .

البيت الخامس:

رَقَّــتْ عَــنِ الْــمَــاءِ حَـتَّـى مَـا يُـلَائِـمُـهَـا     لَــطَــافَــةً وَجَــفَــا عَــنْ شَــكْـلِـهَـا الْـمَـاءُ

يواصل أبو نواس وصف الخمره فيقول أنها على درجة عالية من اللطف والرُقِيّ فإذا مزجتها مع ماء فإنها لا تختلط به .

البيت السادس:

فَــلَــوْ مَــزَجْــتَ بِــهَــا نُــورًا لَــمَــازَجَـهَـا       حَـــــتَّــــى تَــــوَلَّــــدَ أَنْــــوَارٌ وَأَضْــــوَاءُ

الخمرة شيء ساحر فلو مزجتها بالنور لتدفق الكون من حولك نوراً وأشرق.

البيت السابع:

دَارَتْ عَــلَــى فِــتْــيَـةٍ دَانَ الـزَّمَـانُ لَـهُـمْ     فَـــمَـــا يُـــصِــيــبُــهُــمُ إِلَّا بِــمَــا شَــاءُوا

يتحدث أبو نواس في هذا البيت عن النديم هو الشخص الذي يصاحب شخصاً آخر في شرب الخمرة فيقول أننا لجأنا للخمرة بسبب ما قضاه علينا الدهر، وليست الخمرة سبب لما وصلنا له، فَوَضْعُنا الحالي ليس نتيجة للخمر، بل لجأنا لها بسبب هذا الوضع الذي نعيشه.

البيت الثامن:

لِــتِــلْــكَ أَبْــكِــي وَلَا أَبْــكِــي لِــمَــنْــزِلَـةٍ       كَـــانَــتْ تَــحُــلُّ بِــهَــا هِــنْــدٌ وَأَسْــمَــاءُ

يبدأ أبو نواس في هذة البيت في هجاء العرب، فيقول أنا أبكي فقط من أجل محبوبتي وهي الخمرة ولا أبكي لمكان كانت تسكنة هند أو أسماء حيث كان من عادة العرب في كتابتهم للشعر أن يبدأوا القصيدة بالوقوف على الأطلال، وتذكر الحبيبة وهذا برأي أبو نواس سخف وحماقة. وهنا دلالة على النزعة الشعوبية.

البيت التاسع:

حَــاشَــا لِــدُرَّةَ أَنْ تُــبْــنَـى الْـخِـيَـامُ لَـهَـا     وَأَنْ تَـــرُوحَ عَــلَــيْــهَــا الْإِبْــلُ وَالــشَّــاءُ

يُشَبِّة أبو نواس الخمرة بالجوهرة الثمينة، ويقول أن مكان هذة الجوهرة يجب أن يكون أرفع من المكانة التي يعطيها العرب للمحبوبة (هند وأسماء)، فبعد رحيلها تمر من مكانها الإبل والشاة، فحاشا لله أن يكون المكان الذي نزلت به الخمرة مكان تروح عليه الحيوانات وذلك لقدسيتها وقدسية هذا المكان نسبة لها.

البيت العاشر:

فَـقُـلْ لِـمَـنْ يَـدَّعِـي فِـي الْـعِـلْـمِ فَـلْـسَفَةً    حَـفِـظْـتَ شَـيْـئًـا وَغَـابَـتْ عَـنْـكَ أَشْـيَـاءُ

يرجع أبو نواس في هذا البيت إلى لائمة فيقول له بأن المعرفة دائماً ناقصة، وكل شخص مهما بلغت معرفتة لا بد وأن يجهل أشياء كثيرة. وأنت يا من اتخذت العلم هدفاً لحياتك ظاناً منك أنك بعلمك الواسع عرفت كل شيء في الحياة، لكنك لم تفعل بل إنك بانصرافك وابتعادك عن الخمر غابت عنك أشياء كثيرة تضاعف ما عرفت.

البيت الحادي عشر:

لَا تَحْظُرِ الْعَـفْـوَ إِنْ كُـنْتَ امْـرَأً حَرِجًا    فَـــإِنَّ حَـــظْـــرَكَـــهُ فِـــي الــدِّيــنِ إِزْرَاءُ

إن الله غفور رحيم، ولا تمنع هذه المغفرة والرحمة ولا تنكرها فإن ذلك لكفر بالله ورحمته .

التحليل الأدبي :

يرد أبو نواس على لائمه النظام، ويقول له كُفَّ عن لومي، فلومك يزيدني بالخمر تعلقاً وإن كان من دواء فليس إلا من جنسٍ الداء. ولتكن خمرة صفراء صافية تطرد الأحزان حتى ليبلغ الحجر بها النشوة، ولا سيما إذا سكبتها جارية تضيء وجهها الظلام، فينتشي الشارب، إنها لخمرة أرقى من الماء فلا تمازجه، أما النور وهو أرق منها وأرقى، فيمازجها كي يحقق ذاته الأولى أنواراً وأضواء، وتدور الساقية على ندمان أحرار خضع الزمان لهم فاختاروا قدرهم.

ولا ينبغي للشاعر أن يبكي على طللٍ لحبيبةٍ رحلت، بل على حبيبةٍ لا ترحل هي الخمر. ولا ينبغي للعربي أن يُدَنِّسَ جوهر الخمر حيث يشربها في الخيام بين الأنعام.

فيا أيها النظام المتفلسف، في حين أنك تجهل أكثر مما تعرف، لماذا تمنع عني عفو الله الغفور الرحيم، إن مَنْعَكَ عفوه يُقَلِّلُ من شأنك في الدين.

النزعة الشعوبية:

يثير أبو نواس قضيتين مهمتين تشتم منهما رائحة الشعوبية، ولو أن فيهما شيئاً من الواقعية التي لا سبيل إلى إنكارها وهما :

1)    شعوبية ادبية:

يرفض فيها الشاعر العباسي الوقوف على الطلل، ويرفض البكاء على الحبيبة الراحلة، في عصرٍ لم يعد فيه رحيلٌ أو أطلالٌ... فما البديل؟

البديل أن يستهلَّ الشاعرُ العباسيّ القصيدة بالخمر والحبيبة التي لا ترحل، وهي وحدها تستحق البكاء، فإذا رحلتْ... لا هند ولا أسماء ولا غيرهما.

2)    شعوبية اجتماعية:

يرفض الشاعر سلوك العربي الذي لا زال يعيش البداوة الجاهلية في الحضارة العباسية، حيث يشرب الخمر في الخيام قرب روائح الأنعام، وهو لاينكر اهتمام العربي بالخمر بل نمط عيش المجتمع بحد ذاته.

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

لماذا لا يجب أن يصبح طفلك مثالياً

قصة المطبخ بين الأمس واليوم

العلاج السلوك الجدلي.. ما هو؟

غيرة الأطفال.. الأسباب والعلاج

طرق تجعل الطفل يعترف بخطئه

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق