الغزل الصريح الحضري الإباحي العمري
الغزل الصريح أو الغزل الحضري هو أحد نوعي الغزل، وهو يختلف عن العفيف، فالغزل الصريح يتغني الشاعر فيه بالمفاتن الجسدية لحبيبته بعكس الغزل العفيف الذي يتغني الشاعر بالمحاسن المعنوية لحبيبته.
الغزل
الصريح في الشعر الجاهلي
من
أبرز الشعراء الجاهليين الذين ظهر في أشعارهم الغزل الصريح الشاعر امرؤ القيس، وقد
نشأ في حياة مترفة وكان أبوه ملكًا، وهو من أوائل الشعراء الذين وصل شعرهم عن
الأماكن الخاصة بالنساء وخالف بشعره التقاليد والعادات التي اتسمت بها بيئته فيما
يخص الحديث عن النساء، وهو صاحب امعلقة شهيرة.
وله
أبيات كثير يظهر فيها هذا النوع من الغزل حيث يصف مفاتن النساء ويحكي عن علاقاته
النسائية، ومن تلك الأشعار:
أُغادي الصَبوحَ عِندَ هِرٍّ وَفَرتَنى وَليداً وَهَل أَفنى شَبابِيَ غَيرُ هِر
إِذا ذُقتُ فاهاً قُلتُ طَعمُ مُدامَةٍ مُعَتَّقَةٍ مِمّا تَجيءُ بِهِ التُجُر
هُما نَعجَتانِ مِن نِعاجِ تِبالَةِ لَدى جُؤذَرَينِ أَو كَبَعضِ دُمى هَكِر
إِذا قامَتا تَضَوَّعَ المِسكُ مِنهُما نَسيمَ الصَبا جاءَت بِريحٍ مِنَ القُطُر
ومن
الشعراء الجاهليين الذين ظهر في شعرهم هذا النوع من شعر الغزل الشاعر الملقب
بالأعشى، وهو الشاعر ميمون بن قيس، وهو أحد فحول شعراء الجاهلية وسمي بالأعشى بسبب
ضعف في بصره. وقد استخدم الأعشى في شعره الطريقة القصصية التي اتسمت بها أشعار هذا
النوع من الغزل، وقد وصف مفاتن حبيبته في معلقته، ومنها:
ودّعْ هريرةَ إنْ الركبَ مرتحلُ،
وهلْ تطيقُ وداعًا أيها الرّجلُ؟
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها، تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي
الوَحِلُ
كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا مرّ السّحابة، لا ريثٌ ولا عجلُ
تَسمَعُ للحَليِ وَسْوَاسًا إذا انصَرَفَتْ كَما اِستَعانَ بِريحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ
واتصف
الصريح من شعر الغزل في ذلك العصر بما تميز به الشعر الجاهلي من عدة صفات تميزه هي
رصانة اللفظ ووضوح الأسلوب، والدقة في انتقاء الالفاظ التي تعبر عن المعنى الحسي
الذي يريده الشاعر، واتسمت الألفاظ الشعرية بالجرأة الشديدة، واستخدم الشعراء
الأسلوب القصصي في وصف مغامرتهم وعلاقتهم النسائية.
الغزل
الصريح في صدر الإسلام والعصر الأموي
ولا
نكاد نجد في شعر عصر صدر الإسلام حضوراً لافتاً للغزل الصريح بشكله الذي عُرف عنه
إلا في شعر عدد من الشعراء منهم سحيم بن الحسحاس، والذي استخدم ألفاظ شديدة الفحش
والوصف الحسي الجريء، ومن ذلك وصفه لبنات بني الصبير:
كأَنَّ الصُّبَيرِيّات يَومَ لَقينَنا ظِبَاءُ حَنت أَعناقَها في المَكانِسِ
وَهُنُّ بَناتُ القَومِ إِن يَشعُروا بِنا يَكُن في بَناتِ القَومِ إِحدى الدَّهارِسِ
فَكَم قَد شَقَقنا مِن رِداءٍ مُنَيَّر ومِن بُرقُعٍ عَن طَفلَةٍ غَيرِ عانِس
إِذا شُقَّ بُردٌ شُقَّ بِالبُردِ بُرقُعٌ دَوَالَيكَ حتَّى كُلُّنا غَيرُ لابِس
ونُقل
عن السحيم أشعارًا وصف فيها المرأة بأوصاف حسية جريئة كما وصف مغامراته النسائية
حتى أنه اتهم بأن إسلامه كان غير نابع عن عقيدة.
ومن
سمات الغزل الصريح في عصر صدر الإسلام ندرة نماذجه، واستخدام ألفاظ شديدة الدقة
عند وصف المرأة تبعد كل البعد عن الفحش والقول، وانتشار غرض الغزل العفيف الذي
اتسم بوصف معاني الحب والمودة والرحمة والحياء، وذلك نتيجة التأثر الشديد
بالتعاليم الإسلامية ومفهوم الحب وارتباطه بالعفة.
وسُمِّيَ
الغزل الصريح باسم الغزل الحضري لأنه انتشر في حواضر الشام، ولقد شهد غرض الغزل
ازدهارًا واضحًا بسبب الاستقرار الأمني والرخاء الاقتصادي والتسامح الديني مما
أتاح للشعراء الفرصة في التفنن في أشعارهم، كما أن اختلاط العرب ببلاد فارس أَثَّر
كثيرًا في عادتهم وتقاليدهم. ومن أبرز شعراء الصريح من الغزل في العصر الأموي عمر
بن أبي ربيعة الذي أجاد في شعر الغزل إجادة بالغة وأكثر فيه حتى إن شعر الغزل في
عذا العصر سمي بالغزل العمري، فعند النظر إلى قصائده تجد أن عشيقاته يصلن إلى أكثر
من أربعين. ومن شعره الغزلي:
فَلَمّا تَواقَفنا وَسَلَّمتُ أَشرَقَت وُجوهٌ زَهاها الحُسنُ أَن تَتَقَنَّعا
تَبالَهنَ بِالعِرفانِ لَمّا رَأَينَني وَقُلنَ اِمرُؤٌ باغٍ أَكَلَّ وَأَوضَعا
وَقَرَّبنَ أَسبابَ الهَوى لِمُتَيَّمٍ يَقيسُ ذِراعاً كُلَّما قِسنَ إِصبَعا
وبرزت
في شعر عمر بن أبي ربيعة خصائص مميزة منها وصف المرأة وصفاً حسياً، كوصف القامة
والمشية وبشرة الجسم، وأعضائه، وتغزله بنفسه: الحوار ضمن القصيدة، قالت، قلتُ،
ووحدة القصيدة الموضوع. وواصل شعراء الشام والعراق الطريقة التقليدية فتميز شعرهم
عن الشعر البدوي رغم بقاء الصلة بينهما، ويبرز هذا من خلال شعر عمر بن أبي ربيعة
الذي يعد راِئد شعر الغزل الصريح في عصره بحيث تميزت الصورة الشعرية عنده بجعل
المرأة عاشقة، وجعل عمر المعشوق، فسيطرت الذاتية في شعره،
واتسم
الغزل الصريح في هذا العصر بأن الشعراء لا يكتفون بوصف محاسن حبيبة واحدة في
قصائدهم بل نجد في أشعارهم التغزل بعدة نساء، واعتاد شعراء العصر الأموي في شعر
الغزل على طريقة الحوار فكثر في أشعارهم استخدام الألفاظ قالت وقلت. ونجد الشاعر
يتغزل بوصف نفسه في الأبيات، كما تميزت ألفاظهم الشعرية بالرقة والطلاوة وقصر
البحور الشعرية التي استخدموها.
الغزل
الصريح في العصر العباسي
وزاد
انتشار شعر الصريح من الغزل في العصر العباسي نتيجة اختلاط العرب بالأمم الأخرى،
حيث شاع بينهم التحلل الأخلاقي والمجون، ومن أشهر شعراء هذا النوع من شعر الغزل في
ذلك العصر أبو نواس، ومن ذلك قوله:
وناهِدَةِ الثّدْيَينِ من خَدَمِ القَصْر سبتْني بحسْنِ الجيدِ والوَجْهِ والنّحرِ
غُلاميّةٌ في زِيّهَا، برْمكيَّةٌ
مزوَّقَةُ الأصْداغ، مطمومةُ الشعْرِ
كلِفْتُ بما أبصرْتُ من حُسنِ وَجهِها زماناً، وما حبّ الكواعبِ من أمْري
فما زلتُ بالأشْعَارِ في كلّ مَشْهَدٍ أُلَيّنُها، والشِّعْرُ من عُقَدِ السّحْرِ
إلى أن أجابَتْ للوصالِ، وأقبلَتْ
على غيرِ ميعادٍ، إليّ مع العصْرِ
فقلتُ لها: أهلاً ودارَتْ كؤوسنا
بمشمولةٍ كالورْسِ، أو شُعَل الجمرِ
كذلك
من الشعراء الذين تفننوا في الشعر الصريح من الغزل كان بشار بن برد الذي لم يمنعه
فقده للبصر من أن يصف المرأة في شعره، يقول:
يـا قَـومُ أُذني لِبعَضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ وَالأُذنُ تَـعشَقُ قَـبلَ العَينِ أَحيانا
فَقُلتُ أَحسَنتِ أَنتِ الشَمسُ طالِعَةٌ أَضرَمتِ في القَلبِ وَالأَحشاءِ نيرانا
فَـأَسمِعينِيَ صَـوتاً مُـطرِباً هَزَجاً يَـزيدُ صَـبّاً مُـحِبّاً فيكِ أَشجانا
يـا لَـيتَني كُـنتُ تُفّاحاً مُفَلَّجَةً أَوكنتُ مِن قُضَبِ الرَيحانِ رَيحانا
حَـتّى إِذا وَجَدَت ريحي أَعجَبَها وَنَـحنُ فـي خَلوَةٍ مُثِّلتُ إِنسانا
فَـحَرَّكَت عودَها ثُمَّ اِنثَنَت طَرَباً تَـشدو بِـهِ ثُمَّ لا تُخفيهِ كِتمانا
أَصـبحتُ أَطوَعَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ أَكـثَرِ الخَلقِ لي في الحُبِّ عِصيانا
وفي
هذا العصر اتسم شعر الغزل الصريح بسمات منها: انتقاء الشعراء لألفاظ جريئة ومحركة
للغرائز، وكثرة التحدث عن مفاتن المرأة الحسية، إضافة إلى دخول أفكار جديدة لم تكن
موجودة من قبل كالغزل الصريح بالفتيان.
الغزل
الصريح في العصر الأندلسي
ومن
أشهر شعراء الغزل الصريح في هذا العصر علي بن عطية البلنسي بن الزقاق، وأبو بكر
يحيى بن بقي الاندلسي القرطبي الذي يقول في إحدى قصائده:
بأبي غزال غازلته مقلتي بين
العُذيب وبين شطّي بارق
وسألت منه زيارة تشفي الجوى
فأجابني منها بوعد صادق
بتنا ونحن من الدّجى في لجّة
ومن النجوم الزّهر تحت سرادق
عاطيته والليل يسحب ذيله صهباء
كالمسك الفتيق لناشق
وضممته ضمّ الكمي لسيفه وذؤابتاه
حمائل في عاتقي
الغزل
الصريح في العصر الحديث
من
أهم شعراء الغزل الصريح في العصر الحديث الشاعر بشارة الخوري، ولقب بالأخطل الصغير
يقول في قصيدة (جفنه علم الغزل):
جَفنهُ علمَّ الغزلْ ومنَ
العِلمِ ما قتلْ
فحرقنا نفوسَنا في جحيمٍ
من القُبلْ
ونشدنا ولم نزلْ حلمَ
الحبِ والشبابْ
حلمَ الزهرِ والندى حلمَ
اللهوِ والشرابْ
هاتها من يدي الرضى جرعةً
تبعثُ الجنونْ
كيفَ يشكو من الظما مَنْ
لهُ هذهِ العيونْ
ياحبيبي أكلَّما ضمنا
للهوى مكانْ
أشعلوا النارَ حولنا فغدونا
لها دخانْ
قل لمن لامَ في الهوى هكذا
الحسنُ قد أمرْ
إنْ عشقنا فعُذْرُنا أنَّ
في وجهِنا نظرْ
ومن
سمات شعر الغزل الصريح في العصر الحديث سهولة الألفاظ والصور البلاغية، وكذلك
سهولة استيعاب الأفكار في الأبيات، والنظر إلى عاطفة الحب بنظرة جديدة حيث تجاوز
الشاعر من التجربة الذاتية إلى التجربة الجماعية، إضافة إلى رقة الألفاظ وانتقاء
الالفاض البعيدة عن الفحش والتي تعبر عن معنى الغزل الصريح.
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق