الأحد، 6 يناير 2013

• الغزل الإباحي الحضري... ميزاته



من ميزات الغزل الإباحي عدم ثبات الشعراء على امرأة واحدة، بل کانوا دائمي النقلة کالنحلة من زهرة إلى أخرى، مما دعا إلى کثرة الأسماء عندهم، کما سار أکثرهم عل نهج قصصي شأن بعض الشعراء الجاهليين.

وإن کان بعض الدارسين يعتبرون عمر بن أبي ربيعة، مبتكراً للنهج القصصي، مجاراة للدکتور طه حسين الذي استنكر واستبعد أن يكون امرؤ القيس رائد الاسلوب القصصى، ومن البوادر الجديدة في الغزل الحسي الأموى کثرة الرسل، والإشارة الى الرسائل الغزلية مع النساء.
أما الشعر الغزلي الحسي أو الصريح کما يسميه بعض الباحثين، فهو يصور أحاسيس الحب ومغامراته فى المجتمع المتحضر الذى ظفرت فيه المرأة العربية بقدر كبير من التحرر، وكانت لا تضيق بما يقال فيها من غزل. ويتميز هذاالعصر ببعده عن العواطف المجردة والتعبير عن الشهوات الحسية، واهتمامه بمحاسن المرأة وجمالها الجسدى ووصف تمتع الشاعر بها. ويرى أحد الباحثين أن المتمعن في شعر عمر بن أبي ربيعة لا يري تلك النزعة الحسية التي يشير اليها کثير من الدارسين، فغاية الشاعر الاولى کانت غاية فنية، يقصد بها أن يفلح في رواية تلك الحرکة المادية النفسية للزائر العاشق، والمزورة المشدودة بين الحب والرجل. وذلك الحوار الدرامي القريب من لغة الحياة، أو لغة النساء، المفصح أحياناً عن کثير من الخلجات النفسية الدقيقة، ولم يكن همّ الشاعر أن يصف متعتة، أو يتحدث عن شهواته، أو يصف محاسن صاحبته وصفاً حسياً تفصيلياً... فالقصيدة تنتهي في أغلب الأحيان بالإشارة الى متعة حسية يسيرة لا تتناسب مع الجهد الذى صوره الشاعر من قبل.
فى هذا المجال يؤکد الدکتور شكري فيصل: إن غزل عمر بن أبي ربيعه، کان ينطبع بطابع الغزل الحضري، ويعلل رأيه هذا باسباب عدة منها، "غياب الأطلال في المطلع... فلم يبدأ عمر بها ولم ينطلق منها، ولم يجد أنه مربوط بما ارتبط به الجاهليون... وإنما کان منطلقه فيما رأينا، ذاته التي حرمت الوصل وعاشت على المواعيد... ومنها بدا وكأن عمر قد خالف سنة العربى الجاهلي، وأن هذه المخالفة کانت استجابة لهذه الحياة الحضرية التي کان يحياها، وتمثيلاً بها، وتعبيراً عنها"
کان عمر يقتصر القصيدة على الغزل فلا يکاد يقول إلا غزلاً، ثم إنه لم يقل إلا فى الغزل، ومع أن عمر بن أبي ربيعه لم يبتكر شيئاً من خصائص الغزل العامة، فإنه قد جمع معظم هذه الخصائص في شعره، وأجرى الغزل فى قصصٍ وحوار حيناً، وفي نقاشٍ وامتناع حيناً آخر. وفعل مثل ذلك نفر کيثرون من الشعراء المغامرين الذين کانوا يتبعون الجمال ويهيمون بالمرأة هياماً يجرون فيه على مقتضي الطبيعة البشرية.
ويعتبر غزل عمر بديعًا، لأننا نستطيع أن ننفذ منه الى معرفة کثير من المحرکات النفسية للمجتمع العربي فى مكة والمدينة، وما أصابه من تبدل تحت تأثير الحضارة الجديدة، وقد أتاح لنا بواسطة هذا الحوار المفتوح في الديوان بين السيدات أن نتعرف الى کثير من جوانب الحياة المعاصرة له، وخاصة حياة النساء، وما نِلْنَ من حظوظ في الحرية، وأيضاً فإنه کشف في أحاديثهن عن جوانب کثيرة من نفسياتهن وما يتغلغل فيها من تُرّهات وخلجات ووجدانات.
ومحور القصيدة الغزلية العمرية هو عمر نفسه وعشق النساء له، ثم يتطرق إلى الأحاديث المفتوحة التي يجريها بين النساء في مكة والمدينة. ومن هنا کان لغزله طابع آخر يخالف فيه طابع الغزل العربي کله، إنه طابع القصص والحوار الذى يشيع في شعره، طابع المعشوق لا العاشق، فقد آتي النساء في شعره لا ليبثهن مشاعر الحبّ، ولا ليصف جمالهن، ولا ليشكو عن هجرهن أو ليصف آلامه، وإنما جاء بهن ليعبرن عما ينفث من لواعج الحب فيهن، وليصفن حسنه البديع، وما يتألمن به من هجره وصدّه، فهن مصورات في شعره، مشغولات به، هائمات بجماله، تتردّد الأحاديث بينهن عن فنه وإغرائه.


تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة


إقرأ أيضًا








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق