التّعريف بالشّاعر :
عمر بن أبي ربيعة شاعر أموي معروف بالغزل ولد في المدينة
سنة 644م من بني مخزوم من قريش.
كان ينتمي إلى طبقة اجتماعية راقية عمّ فيها الترف واللهو والغناء. كان عمر شاباً وسيم الطلعة، أنيق الهندام، مدلّلاً، انقطع إلى حياة اللهو، شغله الشاغل أن يلتقي الحسناوات في موسم الحج وأن يقول فيهن شعراً.
له ديوان كامل في الغزل تخلله بعض الأبيات المتفرقة في
الفخر والوصف. عندما تقدمت به السن انقطع إلى حياة التوبة والنسك توفي سنة 711م .
مناسبة الأبيات :
عندما وقف الشاعر على أطلال محبوبته ذكرّته الأطلال
بمحبوبته وحوارها مع صديقاتها حول عمر وصفاته، وسَرَدَ ذلك على ألسنتهن بشكل قصصي
محبب إلى النفس جامعاً بين أسلوب الشعر وطبيعة القصة وعناصرها .
وأظهر من خلال الأبيات أنه معشوق لا عاشق وقد أجاد صياغة
الحوار بين أفراد القصة بطريقة مشوقة .
الفكرة الأولى: الأبيات (1-3): وصف عمر بن أبي ربيعة
للأطلال
هَيَّجَ القَلْبَ مَغَانٍ وَصِيَرْ دارساتٌ قَدْ عَلاَهُنَّ الشَّجَرْ
وَرِيْاحُ الصَّيْف قَدْ أَذْرَتْ بِها تَنْسِجُ التُّرْبَ فُنوناً والمَطَرْ
ظلتُ فيه، ذاتَ يومٍ، وقفاً، أَسْأَلُ
المَنْزِلَ هَلْ فيه خَبَرْ
ظِلت : ظللت (تدل على الاستمرار)
شرح الأبيات:
يتوجه الشاعر بالحديث واقفا على الأطلال وقد أثار
ذكرياته وهيجتها مواطن الأطلال ( مغانٍ وصير) وقد اضمحلت وتلاشت لقدمِ عهدها وقد
علاها الأشجار والخضرة، والشجر عند الشاعر عنصر حياة يحمى الطلل من الزوال،
وبالتالي يحمي ذكريات الشاعر من النسيان، حتى أن الرياح قد غَطَّت الأطلال بالتراب،
وعندما يأتي المطر فإنه يزيل ما نسجته الرياح، وقد ظل الشاعر واقفاً متوجهاً بسؤال
المنزل هل فيه من خبر؟
الفكرة الثانية: الأبيات (4-9): أمنية الصبايا في حضور
عمر بن أبي ربيعة.
للتي قالتْ لأترابٍ لها قطفٍ، فيهنّ أنسٌ وخفر
إذْ تمشينَ بجوٍّ مؤنقٍ، نَيِّر النّبْتِ تَغَشَّاهُ الزَّهَرْ
بِدِماثٍ سَهْلَة ٍ زَيَّنَها يَوْمُ غَيْمٍ لَمْ يُخالِطْهُ قَتَرْ
قد خلونا، فتمنينَ بنا، إذْ خَلَوْنا اليَوْمَ نُبْدي ما نُسِرْ
فَعَرَفْنَ الشَّوْقَ في مُقْلَتِها وحبابُ الشوقِ يبديهِ النظر
قُلْنَ يَسْتَرْضِينَها: مُنْيَتُنا لو
أتانا اليوم، في سرٍّ، عمر
شرح الأبيات:
تتوجه واحدة من الفتيات المغرمات بعمر إلى صديقة لها وهي
في خجل وكسوف وحياء، حيث الجو الجميل فيه النبت وقد بدا ناضراً والزهور متفتحة،
وحيث يمشين في أرض سهلة، وكان اليوم يوم به الغيوم في السماء منتشرة، ولم يكن به
غبار يعكر صفوه، وقد اختلت الفتيات إلى بعضهن، وقد اتفقن على أن تُبدى كل واحدة ما
تخفيه من أسرار وخفايا، وأخذت إحدى الفتيات تتحدث عن عمر وصفاته، وقد أحسّت باقي
الفتيات بأن الفتاة التي تتحدث تعشق عمر، حيث عَرَفْنَ هذا من خلال نظرات عيونها،
وقد بدأت الفتيات الأخريات في ذكر أسرارهن، فقلن للفتاة التي تحكى: إن كل ما
نتمناه أن يأتي عمر اليوم سراً .
الفكرة الثالثة: الأبيات (10-16): تَحَقُّق أمنية الفتيات
وحضور عمر.
بَيْنَما يَذْكُرْنَني أَبْصَرْنَني دونَ قَيْدِ الميلِ يَعْدو بي الأَغَرْ
قالت الكبرى: أتعرفن الفتى؟ قالت الوسطى : نعمْ، هذا عمر
قالت الصغرى، وقد تيمتها: قد عرفناهُ، وهل يخفى القمر!
ذا حبيبٌ لم يعرجْ دوننا، ساقهُ الحينُ إلينا، والقدر
فأتانا، حينَ ألقى بركهُ جَمَلُ
اللَّيْلِ عَلَيْهِ وکسْبَطَرْ
ورضاب المسكِ من أثوابهِ، مَرْمَرَ
الماءَ عَلَيْهِ فَنَضَرْ
قد أتانا ما تمنينا، وقد غُيِّبَ
الأَبْرَامُ عَنّا والقَذَرْ
شرح الأبيات:
في أثناء تناول الفتيات سيرة عمر وتناول صفاته ( يذكرنني
– وفي رواية ينعتنني) رأينه وقد أتى بفرسه مسرعاً، وقد وصف الشاعر فرسه بالأغر أي
الذي في جبهته قطعة بيضاء، وهذا مايستحسن في الخيل العربي، حين أقترب منهن قالت
الفتاة الكبرى: هل تعرفن الفتى؟ فردت الفتاة الوسطى: نعم هذا عمر. ردّت الفتاة
الصغرى وقد أضاع عقلها الهوى مؤكدة بحرف التحقيق والربط (قد) وهي تتعجب: هل يخفى
القمر! إن هذا حبيب لنا لم يقصد زيارتنا ولكن أرسلته الظروف والقدر إلينا، وكان
مجيء عمر مع دخول الليل وقد فاحت من ثيابه رائحة العطر الفواحة، وقد رش بعض قطرات
الماء على ثوبه فزادته جمالاً وقد أتانا وهذا ما نتمناه .
ملاحظات بلاغية :
- في
البيت الأول (هيج القلب)، استعارة مكنية حيث شبه القلب بشيء يُهيج .
- (علاهن الشجر)، يبين قِدم الأثر والأطلال
ونمو النبات حتى صار أعلاه مغطيا إياه .
- في
البيت الثاني: (رياح الصيف تنسج الترب)، استعارة مكنية حيث شبه الرياح بِنَسّاج
ينسج من الترب ويحوله إلى أشكالا فنية بديعة .
- (تنسج الترب فنوناً) تشبيه جميل حيث صَوَّرَ
الرياح وقد جعلت من نفسها نسّاجاً للخيوط (للتراب) بشكل فني جميل من يراها يُعجب
بها .
- البيت
الثالث: (أسأل المنزل)، استعارة مكنية شَبَّهَ المنزل بالإنسان يسأل فيه تشخيص حيث
جعل المنزل شخصا يُسأل ويدور بينه وبين الشاعر حديث، ومجاز مرسل علاقته المحلية،
اسألوا أهل المنزل
- هل فيه خبر؟ استفهام غرضه التعجب .
- كلمة
(للتي) بالبيت الرابع تقوم بدور فعال في الربط بين المقدمة الطللية والقصة
الغرامية، حيث الاسم الموصول يعود على المحبوبة صاحبة الأطلال.
- البيت
الثامن (عرفن الشوق)، استعارة مكنية، شَبَّهَ الشوق بإنسان يعرف، (مقلتيها) مجاز
مرسل علاقته الجزئية عبّر بالجزء وأراد الكل .
- البيت
العاشر: (يذكرنني – أبصرنني)، يدل على سرعة تحقق تحقيق الأمنية .
- البيت
الحادي عشر: (أتعرفن الفتى؟) استفهام غرضه التشويق .
- البيت
الثاني عشر: (هل يخفى القم!!!!؟) استفهام غرضه النفي والتعجب .
- البيت
الثالث عشر: (ساقه الحين والقدر) استعارة مكنية حيث شَبَّهَ الحين والقدر بشيء يسوق شيء آخر .
-يذكرنني – أبصرنني – يعدو بي الأغر – قد عرفناه – ذا
حبيب – فأتانا – رضاب المسك من أثوابه – مرمر الماء عليه – قد أتانا...) يلاحظ
كثرة الضمائر التي تعود على الشاعر عمر، فإما من نسبتها إلى نفسه كما في الفعلين
الأولين، وإما من حديث الفتيات على ألسنتهن. وهذا نوع من التجديد فبدلاً من أن
يتوجه الشاعر بالفخر بنفسه جعل من القصة حديثا يثبت ذلك على ألسنه الفتيات .
- القافية
ساكنة وهذا يناسب القصة حيث المجتمع متحفظ وقد خلت الفتيات بعيداً عن أعين الناس
يفتحن قلوبهن بالأسرار ويبُحنَّ لبعضهن بها حتى لا يسمعهن أي شخص بالمدينة
والقافية تناسب القصة مناسبة جيدة .
- نجد
تكرار "قول"، (قالت – قلن – قالت الكبرى – قالت الوسطى - قالت الصغرى)
وهذا يدل على سبك الحديث بأسلوب شّيِّق يجعل القارئ يتتبع الحديث بشغف، ويدل أيضاً
على دقة توظيف الحوار في النص بحيث يبعث على التفاعل بين أفراد القصة وهذا يظهر من
خلال الحديث .
- حرص
الفتى على عدم التصريح باسم الفتيات واكتفى بذكر صفه من صفاتهن (الكبرى – الوسطى –
الصغرى)، (قطف – فيهن أنس وخفر ) يبين مدى حرص الشاعر على تقاليد البيئة التي يعيش
بها على الرغم من شهرة الشاعر في غرض الغزل الصريح، وهذا يدل على التعفف أو قال
ذلك فخراً.
- يلاحظ
أن الطلل صورته مختلفة عن صورة الأطلال في الشعر الجاهلي لأنه تغلب عليه عناصر
الحياة (الشجر – المطر)
الشاعر تثيره صورة الأطلال فيقف سائلاً غير باكٍ ولا
داعٍ رفيقه للبكاء .
مظاهر التجديد عند عمر بن أبي ربيعة
1) إعراضه عن
التقليد الجاهلي في وصف الراحلة والدابة (الخيل أو الجمل) بعد وصف الطلل .
2)
استبدال هذا التقليد بسرد وقائع المغامرة الغرامية .
3)
ارتباط الغزل بالفخر .
4)
غياب عناصر البداوة في المكان.
5)
اجتماع كل عناصر القصة في النص.
6)
تَحَوُّل في مفهوم الغزل، فالشاعر لا يشبب بالمرأة بل هي
التي تتغزل به، وهذا من باب ارتباط الغزل بالفخر عند عمر.
7)
انقلاب الأدوار، فتحوّل الشاعر فيه إلى هدف تلاحقه
المرأة، وهذا من خصائص الغزل الحضري .
8) تحوُّل من صورة
الفتى الجاهلي ذي القوة والبطش والإقدام والفروسية، إلى فتىً مدينيّ ذي أناقة
الهيئة وفتنة النساء.
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضًا
هل يمكن للعلاج
النفسي أن يشفي آلام الظهر المزمنة
10 خطوات لتربية طفل
ذكي يتمتع بقدرات عقلية عالية
كيف تظهر صدمات الطفولة
في العلاقات حين نكبر
الفرق بين الحب
والدلال الزائد في تربية الأطفال
ظلم المرأة بين قسوة
تاريخ وغفلة فقهاء
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق