الجمعة، 15 يوليو 2022

• كيف تكون «العربية» لغتنا الأم؟


اللغة الأم

لا أعرف لماذا تردّد في خاطري، وأنا أدوّن ملاحظاتي التمهيدية لكتابة هذه الكلمة، المثَل العربي المعروف: «ومنَ الحُبّ ما قتل».

نعم، إنّ بين محبّي العربية ثلاثة يحفرون قبرها في كلّ يوم: جاهلٌ ومهملٌ ويائس. من الجهلة فئة تردّد أنّ «العربية» اتسعت في الماضي لكلّ العلوم، وبإمكانها أن تستوعب اليوم كلّ العلوم.

 وكأن «العربية» ليست نظاماً من العلامات اللسانية يتسع إذا وسّع مستخدموها آفاق فكرهم وآدابهم وطوّروا علومهم وفنونهم وطوّعوا لغتهم لحاجاتهم، ويضيق إنْ أضاع أهلُها بوصلة الزمن فتوقفوا حيث هم لا يملكون غيرَ قديمهم.

من الجهلة فئة تردّد أنّ «العربية» لغة القرآن الكريم، فتعمى عن أنّ تقديس اللغة بربطها بالوحي القرآني يجمّدها على حالتها، ويمنع تطويرها، ويحوّلها إلى تمثال جميل.

ومن الجهلة فئة لا تعرف سوى لغتها، ولا تدرك معنى الثراء المعجمي في اللسانيات التعاقبية، فلا تتوقف عن المفاخرة بأن «العربية» أوسع اللغات لأنها تحوي مئات الألفاظ الخاصة بالبعير ومثلها للأسد... إلخ، من دون أن تطرح على نفسها السؤال عن مدى حاجتها اليوم إلى كل هذه الكلمات، بعدما تخلى العرب عموما عن الإبل، وكاد الأسد ينقرض من بلادهم. كما لم تسأل نفسها عن عدد الألفاظ العربية في مجال الحاسوب والكتابة الرقمية والفيزياء والفلسفة ونقد ما بعد الحداثة، بل في مجال برع العرب فيه في الماضي وأنتجوا دراسات عميقة ومبدعة، أقصد مجال اللغة.

ومن الجهلة أساتذة يدرّسون طلابهم ما هم تعلموه، فاللغة عندهم إرث يورّث لا ثروة تستثمر، وقواعدها عندهم شعرٌ يحفظه الصبية عن ظهر قلب من «ألفية ابن مالك»، وبلاغتها لا تستقيم إلا نقلاً من «تلخيص» القزويني.

ومن المهمِلين حكّام لا يدركون أن اللغة مادة سياسية، ولا يفطنون إلى أثرها في اقتصادهم وثقافة شعبهم، ولا يرون الأخطار التي تتهدّدها ولا الفشل في تعليمها الذي يأكل من رصيدها عند أهلها، فيتركونها على قديمها، علّ الناس يعتادون على حالتها كأنها شيء من طبيعتها.

ومن اليائسين أناسٌ حلموا بتطوير اللغة، فطرحوا الأفكار، ودبّجوا الدراسات، وأجروا الأبحاث الميدانية، ونشروا النظريات، فانتهت دراساتهم إلى الخزائن المقفلة والرفوف الصفراء، فيئسوا من إمكان الإصلاح، لا في اللغة، بل بكل شيء في هذه البلاد.

فهل بقيتْ لنا بعد ذلك حاجة إلى ندوة نقيمها أو مؤتمر نعقده فيما نحن واثقون بأن كلماتنا ستضيع في الهواء، وأوراقنا سيأكلها الغبار؟

 في العاشر من مارس عام 2003 نشرت منظمة اليونسكو تقريراً مهماً بعنوان «حيوية اللغات وموتها»، أشارت فيه إلى أن عدد لغات العالم يتقلّص تدريجياً، وأن اللغات المحلية تتلاشى لمصلحة اللغات الأوسع انتشاراً، وأن 97  في المائة من البشر يستخدمون اليوم 4 في المائة من اللغات فقط، وأن تقدير الخبراء هو أن 90 في المائة من اللغات ستزول قبل نهاية القرن، ولن يبقى سوى اللغات العالمية القليلة الحية.

ما يمكننا استنتاجه من هذا الإحصاء هو أن الانفتاح المتزايد بين الشعوب واتساع مساحة التبادل التجاري والسياسي والحضاري والثقافي، سيقودان العالم عملياً إلى البحث عن لغة مشتركة، أو إلى الاكتفاء بعدد قليل من اللغات، هي بالتأكيد لغات الشعوب الأوسع ثقافة والأقوى اقتصاداً في العالم.

في ظلّ هذا الاتجاه وهذه التوقعات، ماذا ينبغي علينا أن نفعل، أننتظر حلول المقدّر ونملأ الوقت الضائع بالمواقف الصوتية التي وقفناها إزاء قضايانا جميعاً، أم ننهض إلى العمل ونسعى إلى تشخيص الواقع ووضع الخطط التي تحمي «العربية» من خطر الزوال؟

لعل أوّل ما ينبغي أن ينتبه إليه الناهضون إلى العمل هو أن الأخطار التي تهدّد اللغة لا تأتي من الخارج. فهي داخلية أكثر منها خارجية. فالأمّية هي أبرز الأخطار، ومثلها التخلّف، وقعود الحكومات العربية عن تطوير مناهج التعليم وفق روح العصر، وينسحب التخلف على موقف النخبة التي صارت تجد في استخدام اللغة الأجنبية علامة على انتسابها إلى الطبقة الراقية.

أما الأخطار الخارجية فتأتي من حاجتنا إلى تعلّم اللغات الأجنبية والتكلم بها، لا للتبادل التجاري، والسفر، بل للتخصص، والعمل، وحتى لاستخدام أبسط الأدوات الحديثة، لأن العربي هو في كل شيء تقريباً مستهلك لا منتج. هذا فضلاً عن التأثير المعنوي للغات الحيّة الكبرى، الذي يجذب الناس إلى تعلّمها كتذكرة دخول إلى العالم الواسع.

هل اللغة العربية مهدّدة بالموت؟

لنراجعْ تقريراً آخر لمنظمة اليونسكو التي استعانت خــــلال عـــامي 2002 و2003 بفـــريق من المتخصصيــــن فــــي اللسانيات لوضــــع معايير تسمح بتقييم حيوية أيّ لغة، بغية رســــم ســـياسة تنموية تستجيب لحاجاتها. وقد وضعت هذه المجموعة معايير للتقييم تؤخذ كمجـــموعة:

ü   انتقال هذه اللغة من جيل إلى جيل.

ü   العدد الإجمالي للناطقين بها.

ü   نسبة الناطقين بها إلى مجموع سكان البلاد.

ü   توافر المواد اللازمة لتدريسها ولمحو الأمية.

ü   استجابة هذه اللغة للمجالات المستحدثة ووسائل التواصل الجديدة.

ü   طراز ونوعية التوثيق فيها.

ü   مواقف الحكومات والمؤسسات وسياساتها اللغوية، بما في ذلك المقرّر رسمياً والمطبّق فعلياً.

ü   مدى التراجع عن استخدام هذه اللغة لدى أبنائها.

ü   مواقف أفراد الشعب من لغتهم.

ولكن الباحثين عن أجوبة عن هذه الأسئلة سيرتكبون خطأ فادحاً إن هم لم ينتبهوا إلى أن اللغة التي يتحدث عنها الفريق الأممي هي تلك التي يتكلم بها الناس. فهل اللغة العربية هي اللغة التي يتكلم بها العرب في البيت والشارع وفي اللقاءات الاجتماعية والمؤتمرات ووسائل التواصل الاجتماعي والتدريس، ويدونون بها أدبهم وأبحاثهم والأوراق الرسمية؟ ليس الجواب واحداً عن كل من هذه المعايير. فالمثقف العربي يستخدم، في رأيي، أربع لغات:

- اللغة الأجنبية في المؤتمرات التي تعقد خارج البلاد العربية.

- اللغة العربية الكتابية في الكتابة وقراءة الأوراق البحثية والتعليم الجامعي والتأليف عموماً.

- اللغة العربية التداولية في اللقاءات بين مثقفين ينتمون إلى بلدان عربية مختلفة، وفي الكتابة المسرحية.

- اللغة العامية في كل ما تبقى من أيامه، في ساعات قيامه وفي ساعات نومه، فهو بها يتخيّل ويتذكّر وبها يحلم.

هذه هي حال المثقف، فما حال الأمّي الذي لا يعرف الفصحى ولا ينطق بها، لا يقرأ بها ولا يكتب، لا يرثها ولا يورّثها، ولا تنتقل عبره من جيل إلى جيل؟

وإذا عرفنا أن التقرير الإقليمي الذي أعدته منظمة اليونسكو عن التعليم في الــــــدول العربية قد بيّن أن نسبة الأمية بين العرب ناهزت الستين في المائة، أصبح كل كلام عن أن الفصحى هي لغة العرب الأم لا يقوم على أساس.

ما هي اللغة الأم في هذه الحال؟ 

ليس لهذا المصطلح تعريف في معاجمنا العربية القديمة، ولا الحديثة، كالمعجم الوسيط ومحيط المحيط. أما دائرة المعارف البريطانية فتذكر في مادة «لغة» أن الناس إجمالاً يكتسبون في البداية لغة واحدة هي لغتهم الأولى، اللغة التي يستخدمها أهلهم أو من ربوهم منذ الولادة. ويتعلمون لاحقاً، في ظلّ ظروف مختلفة، لغات «ثانية» يصلون فيها إلى مستويات مختلفة من الكفاية.

بهذا التحديد تكون لغتنا الأم هي العامية لا الفصحى، وتكون العربية الفصحى «لغة ثانية» عند أطفالنا، لأنهم يتعلمونها في المدرسة كما يتعلمون اللغات الثانية، ولا يتلقونها من أفواه أمهاتهم ولا يستخدمها أهلهم. وربما يمكننا مقارنتها جزئياً - باللغة اللاتينية التي بقيت بضعة قرون لغة فصحى يتعلمها الناس ولا يتكلمونها.

كانت لغة الثقافة والدين، وإليها ترجم المترجمون في إسبانيا علوم العربية وفلسفتها، وبقيت تدرّس عملياً إلى القرن التاسع عشر، إذ كانت العائلات العريقة النسب في فرنسا تعلّمها لأولادها، فيما أولاد العائلات الأخرى يكتفون بالكتابة والقراءة والحساب بالفرنسية.

ولكن الزمن لم يحمِ اللاتينية من الموت ومن قيام اللغات المحكية مكانها. وما الأصوات الداعية إلى العامية اليوم والتي نسمعها هنا وهناك في البلاد العربية، خصوصاً في بلاد المغرب، سوى إنذار لذوي الفطنة ومتولي المسؤولية.

ما الذي علينا فعله لنجعل اللغة الفصحى لغتنا الأولى... أي لغتنا الأم؟

لقد بينت الدراسات النفسية اللسانية أن بإمكان الطفل أن يتعلم أكثر من لغة واحدة، أي أن تكون له أكثر من لغة أم.

فالطفل يفهم لغة أمه ولغة أبيه إن كانتا مختلفتين، ويتكلم بهما معاً منذ سن الثالثة، أي قبل دخوله المدرسة. ويمكننا البناء على ذلك إن أردنا أن نجعل العربية فعلاً اللغة الأم لأطفالنا.

وإذا كانت الفصحى لغة ثانية لدى الأطفال العرب، فإن وضعها مختلف عن وضع اللغات الثانية الأجنبية. فهي أقرب منها كلها إلى عامياتنا، سواء بمفرداتها أو بتراكيبها، وهي الحاضرة الكبرى في مواد الدراسة غير اللغوية التي سيتابعها الأطفال في الصفوف المدرسية، وهي المستخدمة في وسائل الإعلام الرسمية التي سيسمعها الطفل حين يكبر، وهي، وهذا هو الأهم، اللغة الرسمية للبلاد.

إن أول ما ينبغي فعله هو التخطيط للبناء، ولا بد من أن نسأل أنفسنا: ما الذي يجعل اللغات الأجنبية أقرب إلى ذائقة التلامذة الصغار من اللغة الفصحى؟ ومن الجواب عن هذا السؤال سنتبين جوانب القصور والنقص في لغتنا التي تمنعها من أن تكون محبّبة لصغارنا. لقد سبقتنا الدول الأجنبية كثيراً إلى تحديث طرق تعليم لغاتها ووضع القواعد للتأليف المدرسي ولكتابة قصص الأطفال والأولاد. وما كان بوسعها أن تنجح لو لم تبدأ أولاً باستخراج أساسيات لغاتها.

إن العمل على استخراج ما يسمى «العربية الأساسية» هو المدخل الصحيح لكل إصلاح في تعليم اللغة العربية. وهو ما اختبرته الأمم المتطورة، وبنت على نتائجه سلّماً تربوياً علمياً لتعليم اللغة يحدّد سلفاً القواعد التي يحتاج إليها التلميذ في كل مستوى والألفاظ التي ينبغي أن يتعلمها والتراكيب النحوية التي بإمكانه أن يستخرجها ويكتب على هَدْيها.

هذا التدرّج المدروس في تعليم اللغة وفق المستويات والأعمار والحاجات هو ما تفتقده «العربية». ولقد فشلت المحاولات الفردية الكثيرة في تحقيق تغيير يذكر، رغم خبرة أصحابها، لأن هذا العمل التأسيسي هو عمل دولة لا أفراد. فاللغة مسؤولية جماعية، أي مسؤولية الدولة التي تستطيع أن تجمع الخبراء وتموّل الأبحاث وتؤمّن المدارس لإجراء الاختبارات وتبني البرامج على هَدْي النتائج، وتُلزم بها الجميع.

لقد اعتقد الناس طويلاً أن الطفل يتعلم لغته الأم فقط بتقليد الكلام الذي يسمعه من والديه. ولكن هذا الاعتقاد ما لبث أن ظهر بطلانه نتيجة دراسات لسانية عدة (من بينها دراسات نعوم تشومسكي) بيّنت أن قابلية تعلّم اللغة مسألة فطرية يتميز بها الإنسان دون سواه.

وقد حدّد العلماء خمسَ مراحل يتدرّج فيها الطفل من الثغثغة إلى تأليف جملة مكتملة. وتكتمل هذه المراحل كلّها في سنّ الخامسة. وفي هذه السن المبكّرة لا تتكوّن لغة الطفل وحسب، بل تتكوّن معها أفكاره أيضاً. فتطوّر الفكر لا ينفصل عن تطوّر اللغة. فسواء كانت اللغة تتأسس على الأفكار، كما يقول بياجيه، أو كانت الأفكار هي التي تتأسس على اللغة، كما يقول فيغوتسكي، فإن النتيجة واحدة، وهي أن الفكر واللغة متلازمان. وقد بينت «دروس» سوسور أن لا دالّ من دون مدلول، ولا مدلول من دون دالّ.

ولكنّ هناك مسألة لا بدّ من حسمها أيضاً حين نتصدى لتعليم الفصحى للصغار، وهي: أي لغة عربية نريد تعليمها لصغارنا: الكتابية أم التداولية؟

ليس بوسع العربية الكتابية، في رأيي، أن تكون لغة أولى لأطفالنا لأسباب كثيرة ليس هنا مجال مناقشتها. «العربية» التي ينبغي أن نعمل لترسيخها على لسان أطفالنا هي العربية التداولية، وهي لغة عربية فصحى مبسّطة خالية من الحركات الإعرابية، شبيهة بتلك التي أسماها عصام محفوظ «الفصحى الشعبية»، وفصّل مشروعها بهدف خلق لغة عربية مسرحية مشتركة. ومحفوظ هو خاتمة سلسلة من الكتّاب الذين حاولوا، كلّ بمفرده وعلى طريقته، بناء جسر فوق هذه الهوة الفاصلة بين «العامية» و«الفصحى».

ولكي تكون العربية التداولية لغة أولى لصغارنا ينبغي أن يتلقاها الطفل من فم أمه وأبيه، أو من يتولى تربيته. إن الطفـــل كائن ناطق من قبل أن يبدأ بالكلام، وكائن مفكّر من قبل أن يعبّر عن الأفكار. فهو قادر على أن يكتشف بُنى الجُمل اللغوية العميقة وأن يبني عليها جملاً من تأليفه لم يسمعها قط، وأن يعتمد على هذه البُنى لاستـــــنتاج معاني الكلمات التي تتكرّر على مسمعه في سياقات مختلفة.

هذا الاستعداد الفطري وهذه القدرة على الاستنتاج يعطيان الأم دوراً كبيراً في اكتساب الطفل للغة. فالطفل يتوجّه إلى الأم ليسمع منها الألفاظ، ويتوجّه إليها ليعرف صحّة استعماله لهذه الألفاظ عندما يبدأ بتركيب الجمل البسيطة. وبقدْر ما تعطي الأم طفلها من الوقت والاهتمام تزداد ثروة الطفل اللفظية، وبالتالي الفكرية والثقافية.

إن دور الدولة لا يكتمل ما لم يقترن بدور الأهل. وهذا الدور يكون فعالاً بقدر ما يكون واعياً ومنظماً. ولعل أبسط بداية لتنفيذه هي أن تخصّص الأم جزءاً من الوقت لتقرأ قصة لطفلها، قصة تناسب عمره وفهمه وتثير اهتمامه وتعلمه في الوقت نفسه ألفاظاً عربية ومعاني جديـــدة، ويــــمكن للأب أن يستعـــين بكتب مصـــوّرة للأطــــفال ويقرأها مع طفلــــه وهو يشير إلى الصور لكي يساعده على ربط اللفظة بالمعنى وبالمرجع الحسي الذي هو الصورة.

وهكذا يتدرج الأهل مع الطفل إلى اليوم الذي يتمكن فيه الطفل من القراءة، فيقرأ هو قصة لأهله. وهكذا ينتقل الطفل من السماع إلى القراءة التي تنمي شخصيته وتزيد ثقته بنفسه، لأنها تضعه موضع الفاعل لا المنفعل، وينتقل الأهل إلى مهمة جديدة هي التشجيع بحسن الاستماع وتفسير معنى الجملة عند الحاجة.

هذه العلاقة المتبادلة بين الطفل ووالديه، عدا عن نتائجها السيكولوجية الإيجابية، تمكّن الطفل بعد حين من أن يقرأ الفصحى ويتكلم بها، ثم تعوّده على قراءة الكتب العربية التي تنمّي مخزونه اللغوي، ثم هي تنمي ذهنه فيصبح أكثر استيعاباً لدروسه المدرسية الأخرى، فضلاً عن اتزان شخصيته وميله إلى التعاون والسلام مع أقرانه.

هذه الصورة الإيجابية التي رسمناها ينقضها، مع الأسف، واقعٌ غير مساعد. فالأم التي عليها أن تقرأ لطفلها وتسمعه وتحادثه وتخصّص له ما يحتاج إليه من وقت واهتمام لا يوفّرها الواقع العربي المتخلّف. فقد بيّنت تقارير منظمة اليونسكو أن أمية النساء في البلاد العربية ليست إلى انخفاض، فقد ارتفعت نسبتها من 66 في المائة عام 2011 إلى 67 في المائة عام 2015.

ويمكننا أن نتوقع أن يكون الوقت الذي تخصّصه الأم العربية لطفلها معدوماً بسبب كثرة الأولاد في الأسرة. كما أن حرص الأهل على تمكين الطفل من اللغة الفصحى منذ عمره الباكر هو موقف قومي يشير إلى وعي سياسي بالهوية والانتماء، وهذا ما نفتقده في بلادنا العربية، حيث يغيب الانتماء القومي ويقوم مكانه الانتماء إلى الاثنية أو المذهب أو الدين. وهذه الانتماءات جميعاً تُخرج الفرد من دائرته العربية إلى ما هو أكبر منها أو أصغر ومختلف عنها في الحالين.

هذا فضلاً عن أن ما ينبغي أن تـــقـــــرأه الأم أو الأب للطفل لا يتــــــوافر بالشــــكـــل المدروس في بلادنا، فقصص الأطفال تؤلَّف من غير قاعدة تربوية لغياب هذه القاعدة، كما ذكرنا، وليس لهذه الكتب هدف لغوي أو قومي أو ثقافي، بل هدفها هو الربح المادي. كما أن المدارس الابتدائية التي عليها أن تواكب الطفل وتتابع ما بدأه الأهل غير مجهزة بالوسائل المناسبة ولا بالمعلمين المدرّبين لمثل هذه المهمات الدقيقة.

يسهل على الراسخين في العلم أن يرسموا الخطط لجعل العربية الفصحى اللغة الأم لأبناء البلاد العربية، ولكنْ يستحيل عليهم أن يحدّدوا الزمن الذي سيشهد التنفيذ، لأنه زمن الراسخين في السّلطة.

لقد بدّد التخلف - والجهل والتعصب الديني والصراعات السياسية وتأبيد السلطة - أموالَ الأمة العربية وهجّر طاقاتها البشرية، ولم يبقَ اليوم من الأموال سوى القليل، ولم يبقَ من الطاقات الحقيقية سوى الأقل، فيما عدد الأفــواه الجائعة يزداد على امتداد مساحة هذه الأمة.

فهل بإمكاننا بعدُ أن نحلُم بمجتمع عربي يفتخر بلغته ويحرص على تطويرها ولا يتكلم إلا بها، مثلما تفعل المجتمعات المتقدمة؟

إن علينا ذلك.

فماذا سنفعل لو توقفنا عن الحلم؟

بل ماذا سيفعل أولادنا؟

المصدر: 1

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًاقصة                                    

تاريخ المآذن الإسلامية

عيادة الأمراض المالية

8 استراتيجيات فعالة للتعامل مع دراما المراهقين

ماذا تفعلين إذا ضربك طفلك

الدوبامين وعلاقته بالأمراض النفسية

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق