الاثنين، 5 مايو 2025

• شرح معلقة عنترة بن شداد: هل غادر الشعراء من متردم

معلقة عنترة

معلقة عنترة بن شداد من عيون الشعر الجاهلي، تجمع بين الفروسية والحب، وتمثل مرآة صادقة لروح الشاعر الذي جمع بين السيف والقلم، وبين لوعة الهوى وصرخة الكبرياء.

القسم الأول: الأبيات 1–10

البيت الأول:

هل غادرَ الشعراءُ من متردَّمِ     أم هل عرفتَ الدارَ بعدَ توهُّمِ؟

المعنى الأدبي:

يفتتح عنترة معلّقته باستفهامٍ إنكاري فيه فخر مبطَّن، يقول فيه:
هل أبقى من سبقني من الشعراء موضعًا "مُتردّمًا" — أي موضعًا متهدّمًا مُحتاجًا إلى الإصلاح — إلا وقد رقّعوه بأشعارهم ووصفهم؟
ثم ينتقل، وكأنما يعاتب نفسه، إلى مقام الحبيب، فيسأل: هل عرفت ديار الأحبة بعد طول شكّ وتخيّل؟

شرح الألفاظ:

  • متردَّم: المكان المتهدّم المتهالك الذي يُستصلح ويُرقّع.
  • توهُّم: الظنّ والتخيّل.

البلاغة والتصوير:

  • بدأ باستفهام إنكاري يُفخّم أثر الشعراء، ليُمهّد لفخره بنفسه.
  • المقابلة بين هل غادروا؟ و هل عرفتَ؟ تعكس انتقالًا من العام (الشعراء) إلى الخاص (نفسه وديار محبوبته).

البيت الثاني:

يا دارَ عبلةَ بالجواءِ تكلَّمي     وعِمي صباحًا دارَ عبلةَ واسلمي

المعنى الأدبي:

ينادي دارَ محبوبته عبلة، ويسألها أن تنطق وتُخبره ما جرى فيها ومن سكنها، ثم يُحيّيها تحيةً صباحية فيها شوق وحنين وسلام.

شرح الألفاظ:

  • الجواء: اسم موضع أو وادٍ في ديار عبس.
  • عِمي صباحًا: تحية جاهلية معناها: طاب صباحكِ.
  • اسلمي: دعاء بالحفظ والبقاء.

البلاغة والتصوير:

  • في نداء "يا دار عبلة" تشخيص للجماد وكأنّ له روحًا يتكلّم بها.
  • الجمع بين التحية والسلام إيحاء بالود العميق والوفاء للمكان وأهله.

البيت الثالث:

فوقفتُ فيها ناقتي وكأنّها     فَدَنٌ لأقضي حاجةَ المتلوِّمِ

المعنى الأدبي:

يقول: أوقفتُ ناقتي في تلك الدار، فبدت لي في سكونها وشموخها كأنّها فَدنٌ (قصر عظيم)، وقفتها لأُرضي ذلك المتلهّف المتلوِّم — وهو نفسه — التائه بين الحنين والجزع.

شرح الألفاظ:

  • فدَن: القصر الكبير.
  • المتلوِّم: المتمكّث المتألّم المتردّد في حزنه.

البلاغة والتصوير:

  • التشبيه بالـ"فدن" يضفي على ناقته مهابة وسكونًا، ليطابق هيبة المكان.
  • تصوير نفسه بالمتلوّم يوحي بتقلّب حال العاشق بين الصبر والوجد.

البيت الرابع:

وتحلّ عبلةُ بالجواءِ وأهلُنا     بالحَزنِ فالصَّمانِ فالمُتثَلَّمِ

المعنى الأدبي:

يذكر أن عبلة نزلت بالجواء، بينما قومه نزلوا في مواضع أخرى: الحزن، فالصمان، فالمتثلم — وكلها منازل متفرّقة — فيدلّ بذلك على التباعد الذي حال دون الوصل.

شرح الألفاظ:

  • الحَزن: أرض مرتفعة.
  • الصمان: أرض صخرية واسعة.
  • المتثلم: موضع أو ثلمة من الأرض.

البلاغة والتصوير:

  • ذكر المواضع بأسمائها يعطي حسًّا بالجغرافيا الواقعية ويُشعر بتشتّت الأحباب.

البيت الخامس:

حيِّيتَ من طللٍ تقادم عهدُه     أقوى وأقفرَ بعدَ أمِّ الهيثمِ

المعنى الأدبي:

يقول: حيّاك الله أيها الطلل المهجور، الذي عفا عليه الزمن بعد أن رحلت عنه أمّ الهيثم (كنية عبلة). فقد خلا المكان وانقطع عنه الأنس بعد أن كان مأهولًا بها.

شرح الألفاظ:

  • طلل: بقايا الديار.
  • أقوى: خلا من الساكن.
  • أقفر: خلا كذلك، تأكيدًا.
  • أم الهيثم: كنية عبلة.

البلاغة والتصوير:

  • الجمع بين أقوى وأقفر تعبير عن الفراغ الكامل.
  • التخصيص بـ"أم الهيثم" فيه حنين مبطّن، وذكر الحبيبة على هيئة الأم يوحي بالرقة والحنان.

البيت السادس:

حلّت بأرضِ الزائرينَ فأصبحتْ     عسرًا عليّ طِلابُكِ ابنةَ مَخرمِ

المعنى الأدبي:

يقول: لقد نزلتِ بأرض الأعداء – الزائرين الذين يزأرون كالأسود – فأصبح الوصول إليك عسيرًا يا ابنة مَخرم، فالمسافة والعداوة تحول بيننا.

شرح الألفاظ:

  • الزائرون: الأعداء، من الزئير.
  • ابنة مخرم: عبلة، والدها مالك بن قراد، ومخرم لقب أو نسب.

البلاغة والتصوير:

  • في استعارة "الزائرين" تعبير عن الخطر والمهابة.
  • الانتقال من الغياب المكاني إلى استحالة اللقاء شعور بالعجز العاطفي.

البيت السابع:

علّقتها عرضًا وأقتلُ قومها     زَعمًا لعمركَ ليسَ بالمزعَمِ

المعنى الأدبي:

يفصح عنترة عن تناقضه العاطفي العميق: لقد وقعتُ في حبّ عبلة صدفة، دون تدبير، في الوقت الذي كنت أُقاتل قومها. أيّ وهم هذا الذي يجعلني أطمع بها والحرب قائمة؟ أقسم بحياتك أنّ هذا الزعم لا يُرجى.

شرح الألفاظ:

  • علّقتها: عشقتها.
  • عرضًا: فجأة، دون نيّة.
  • زَعمًا: طمعًا.
  • المزعم: المطمع، ما يُظنّ وقوعه.

البلاغة والتصوير:

  • الجمع بين "عشق" و"قتال" في بيتٍ واحد تصوير مأساوي لعشق مستحيل.
  • القسم بـ"عمرك" تعبير عن جدّية الحال.

البيت الثامن:

ولقد نزلتِ فلا تظنّي غيرهُ     مني بمنزلةِ المُحبِّ المُكرَمِ

المعنى الأدبي:

يُخاطب عبلة مؤكدًا مكانتها في قلبه، فهي نازلةٌ من نفسه منزلة المُحب المُكرِم المُكرَم، فلا ينبغي لها أن تظنّ به ظنّ السوء.

البلاغة والتصوير:

  • التكرار اللفظي بين أكرم ومكرَم يعزز المعنى ويؤكد ثبات مشاعره.
  • البيت مبني على التوكيد، في نفي الشك وترسيخ اليقين.

البيت التاسع:

كيفَ المزارُ وقد تربعَ أهلُها     بعنيزتينِ وأهلُنا بالغَيلَمِ؟

المعنى الأدبي:

يتساءل عن إمكانية الزيارة في ظل هذا التباعد المكاني، إذ نزل قوم عبلة بعنيزتين، بينما حلّ أهله بالغيلَم — وكلّها مواضع بعيدة عن بعضها.

شرح الألفاظ:

  • المزار: الزيارة.
  • تربع: أقام زمن الربيع.
  • عنيزتين / الغيلَم: أسماء مواضع.

البلاغة والتصوير:

  • التساؤل البلاغي يكشف عن لوعة الفقد.
  • ذكر المواضع الواقعية يعطي للقصيدة بعدًا جغرافيًا حقيقيًا.

البيت العاشر:

إن كنتِ أزمعتِ الفراقَ فإنّما     زُمّت ركابُكمُ بليلٍ مُظلِمِ

المعنى الأدبي:

يقول: إن كنتِ قد عَزمتِ على الفراق، فإني قد أدركت ذلك من زمّ ركابكم في ظلمة الليل — أي شدّها استعدادًا للرحيل — وكأنّ الرحيل حُسم بغير وداع.

شرح الألفاظ:

  • أزمعتِ: عزمتِ.
  • زُمّت الركاب: شُدّت الإبل استعدادًا للارتحال.

البلاغة والتصوير:

  • تصوير الرحيل في ليلٍ مظلم يوحي بالغدر أو بالمأساة.
  • الجمع بين العتاب والحدس يظهر الفطنة والمرارة في آنٍ واحد.

القسم الثاني: الأبيات 11–20

البيت الحادي عشر:

ما راعني إلا حمولةُ أهلِها     وسطَ الديارِ تسفُّ حبَّ الخِمخِمِ

المعنى الأدبي:

يقول: ما أفزعني وأشعل قلبي بالحزن إلا رؤيتي لإبلهم وهي ترعى في وسط الديار، تتناول بأفواهها نبات الخِمخِم، فعلمت من ذلك أنهم سيرحلون. إذ كانت علامة الترحال عند العرب هي حينما تبدأ الإبل بالانقضاض على ما تبقّى من الكلأ.

شرح الألفاظ:

  • ما راعني: ما أفزعني أو نبهني فجأة.
  • حمولة: الإبل التي تحمل الأمتعة.
  • الخِمخِم: نبت يُرعى، لكنه من طعام الإبل بعد أن تفنى المراعي الجيّدة.
  • تسف: تأكل بفمها ما على الأرض دون مضغ.

البلاغة والتصوير:

  • تصوير الإبل كدليل على حركة الناس يُضفي على المشهد واقعية متقنة.
  • مفاجأة عنترة لا تأتي من فراق الحبيبة، بل من رائحة الرحيل قبل أن يقع، وكأن قلبه "يرى" قبل عينيه.

البيت الثاني عشر:

فيها اثنتانِ وأربعونَ حلوبةً     سودًا كخافيةِ الغرابِ الأسحمِ

المعنى الأدبي:

يصف إبل قوم عبلة التي رأى فيها اثنتين وأربعين ناقة تُحلب، سوداء اللون كلون الريش الخفيّ في جناح الغراب الأسود، وهي أبهى الإبل عند العرب وأجودها.

شرح الألفاظ:

  • حلوبة: الناقة المُدرّة بالحليب، وهي جمع "حلوب".
  • خافية الغراب: الريش الأسود الذي يكون في داخل جناحه، أشد سوادًا من ظاهره.
  • أسحم: أشد السواد.

البلاغة والتصوير:

  • تشبيه الإبل بخوافي الغراب يدلّ على السواد الفاخر، إذ كان السود من الإبل أعلاها قيمة.
  • البيت يحمل نغمة إعجاب ودهشة بما يملكه أهل المحبوبة من ثروة ونعمة.

البيت الثالث عشر:

إذ تستبيكِ بذي غُروبٍ واضحٍ     عذبٍ مُقبَّلِه لذيذِ المَطعَمِ

المعنى الأدبي:

يقول: لقد سُبيتُ بكِ وانجذبتُ إليكِ حين رأيت ثغركِ الجميل، الواضح الأسنان، العذب اللمسة، اللذيذ الطَعم، وكأنما قبلةٌ منكِ تسكر الفؤاد وتذهب اللبّ.

شرح الألفاظ:

  • تستبيك: تأخذك وتأسر قلبك.
  • غروب: حدة في الأسنان، كالأشر.
  • مقبّله: الموضع الذي يُقبَّل منه، أي الفم أو الشفتين.
  • لذيذ المطعم: مستعذب في التذوّق، طيّب الرائحة والنكهة.

البلاغة والتصوير:

  • تصوير الفم أو الثغر على هذا النحو الباذخ استبطان لشدة التعلّق الجسدي والعاطفي.
  • البيت يُجسّد تداخل الجمال الحسي والمعنوي في معشوقته.

البيت الرابع عشر:

وكأنّ فارةَ تاجرٍ بقسيمةٍ     سبقتْ عوارضُها إليك من الفمِ

المعنى الأدبي:

يشبّه عبلة بفارةِ مسكٍ في يد تاجر عطار، ذات رائحة زكية تنبعث قبل أن ترى جمال أسنانها. أي أن طيب نكهتها يسبق ظهور محياها.

شرح الألفاظ:

  • فارة تاجر: قارورة صغيرة فيها المسك، يُشَبَّه بها الطيب.
  • قسيمة: المرأة الحسناء التي تُقسّم الأنظار بجمالها.
  • عوارض: الأسنان التي تظهر عند الابتسام.

البلاغة والتصوير:

  • تشبيه طيب الفم برائحة المسك صورة غرامية عذبة تفيض إحساسًا.
  • السبق الزمني للرائحة على الصورة يُبرز الأثر الخارق لعبلة.

البيت الخامس عشر:

أو روضةً أُنُفًا تضمّنَ نبتَها     غيثٌ قليلُ الدّمنِ ليسَ بمُعلمِ

المعنى الأدبي:

يشبّهها كذلك بروضةٍ لم تُرعَ من قبل (أنُف)، قد سقتها أمطار خفيفة طاهرة لم تُفسدها بقايا الروث، ولم تترك بها أثرًا ظاهرًا (مُعلَم)، أي لا يعرفها الرعاة بعد.

شرح الألفاظ:

  • أُنُف: لم تُستعمل من قبل، كقولهم "كأسٌ أنُف".
  • الدّمن: الروث أو السرجين.
  • مُعلَم: معروف بالعلامات أو الآثار.

البلاغة والتصوير:

  • الروضة الأُنُف رمز للعذرية والجمال البكر.
  • مطر قليل نظيف = طهر الجمال / عدم وطء = الحفاظ على السحر.

البيت السادس عشر:

جادتْ عليهِ كلُّ بكرٍ حرّةٍ     فتركنَ كلَّ قرارةٍ كالدرهمِ

المعنى الأدبي:

يمضي في وصف تلك الروضة (وهو مجاز عن المحبوبة) فيقول: إنّ كلّ سحابة بكر، أي لم تُمطِر من قبل، جادت عليها، حتى ملأت الحفر الصغيرة بماءٍ صافٍ مستدير كهيئة الدرهم من كثرة ما سُقيت.

شرح الألفاظ:

  • بكر: سحابة لم تُمطِر من قبل.
  • حرّة: خالصة من البرد والريح.
  • القرارة: الحفرة التي يجتمع فيها الماء.

البلاغة والتصوير:

  • الدمج بين نقاء السحاب ووفرة المطر وتشبّع الأرض = جمال عبلة وخصب عواطفها.
  • "كالدرهم" فيها بُعد بصريّ وجمالي في المشهد.

البيت السابع عشر:

سحًّا وتسكابًا، فكلّ عشيةٍ     يجري عليها الماءُ لم يتصرّمِ

المعنى الأدبي:

ويؤكّد أن الماء لم ينقطع عنها قط، فهي تُسقى دومًا سَحًّا (صبًا متواصلاً) وتسكابًا (بسكب ناعم)، وكل عشية يمرّ الماء عليها وكأنّها مورد أزليّ لا يظمأ.

شرح الألفاظ:

  • سحًّا: صبًّا غزيرًا.
  • تسكابًا: سكبًا رقيقًا.
  • يتصرّم: ينقطع أو ينتهي.

البلاغة والتصوير:

  • استمرار الجريان = استمرار الجمال / العطاء / الفتنة.
  • الصور الحسية عن الطبيعة تحوّل وصف الحبيبة إلى أسطورة نضرة.

البيت الثامن عشر:

وخلا الذبابُ بها فليسَ ببارحٍ     غَرِدًا كفعلِ الشاربِ المُترنِّمِ

المعنى الأدبي:

في ذلك الموضع الغنّاء، استقر الذباب على الروضة، وراح يغرّد من شدّة الطرب كأنّه سكران يترنّم، لا يُبارح المكان لطيب المقام فيه.

شرح الألفاظ:

  • بارح: مزائل أو راحل.
  • غرِد: مغرّد أو مصوّت.
  • الشارب المترنّم: الذي يغنّي أثناء سكره.

البلاغة والتصوير:

  • حتى الذباب يسكر من طيب عبير تلك الأرض — بل هي صورة خيالية بديعة تُعبّر عن شمول النشوة.

البيت التاسع عشر:

هزِجًا يحكّ ذراعهُ بذراعهِ     قدحَ المُكبّ على الزّنادِ الأجذمِ

المعنى الأدبي:

يُشبّه صوت الذباب المحكّ بعضه ببعض، كأنه شرارة تُقدَح من زناد رجلٍ مُكبٍّ على النار، لكنّه "أجذم" — أي مقطوع اليد — يتلمّس بها ما استطاع.

شرح الألفاظ:

  • هزجًا: مصوّتًا.
  • قدح الزناد: ضرب حجرين لإشعال النار.
  • أجذم: مقطوع اليد.

البلاغة والتصوير:

  • المزج بين صورة الشارب والساحر والحكّام يولّد مشهدًا صوتيًا مذهلًا.

البيت العشرون:

تُمسي وتُصبح فوقَ ظهرِ حشيّةٍ     وأبيتُ فوقَ سَراةِ أدهَمَ مُلجَمِ

المعنى الأدبي:

ينتقل من وصف عبلة إلى مقارنة حاله بحالها، فيقول: هي تنعم بالمقام فوق الحشيّة الوثيرة، بينما أنا أبيت فوق ظهر فرسٍ أدهم، مُسرّج ومُلجم، أقطع الأرض والليل.

شرح الألفاظ:

  • حشيّة: فراش محشوّ ناعم.
  • سراة: أعلى الظهر.
  • أدهم: الفرس الأسود.
  • ملجم: مربوط اللجام.

البلاغة والتصوير:

  • المفارقة بين الراحة والتعب = مفارقة بين العاشقة والمُحبّ المكابد.
  • البيت مؤلم من حيث الإيحاء بالبعد والفقر والبؤس في مقابل الغنى والنعيم.

القسم الثالث: الأبيات 21–30

البيت الحادي والعشرون:

وحشيّتي سَرجٌ على عَبْلِ الشَّوى     نَهْدٍ مراكِلُهُ نبيلِ المحزِمِ

المعنى الأدبي:

يقول عنترة: إن فراشي الوحيد هو سرجٌ على ظهر فرسي، ذي الأطراف الغليظة (الشوى)، ضخم الجسد، نبيل الخلق، عريض الصدر، مشدود الحزام، يقاسمني وعثاء السفر.

شرح الألفاظ:

  • حشيّتي: فراشي، ما يُحشى من الفُرُش.
  • عَبل الشوى: غليظ الأطراف والقوائم.
  • نهد: ضخم، شامخ البنية.
  • المراكل: مواضع الضرب بالرِجل، مؤخرة القوائم.
  • نبيل المحزم: واسع ما بين جنبيه، مشدود الحزام على خصره.

البلاغة والتصوير:

  • تصوير الفرس لا كوسيلة تنقل، بل كرفيق حياة.
  • التضاد بين "حشيّة" الغير المترفة وسرج الحرب يعمّق الفخر بالبأس والزهد.

البيت الثاني والعشرون:

هل تُبلغنّي دارَها شدنيّةٌ     لُعِنَتْ بمحرومِ الشرابِ مُصَرَّمِ

المعنى الأدبي:

يتساءل: هل توصلني ناقة شدنيّة إلى دار الحبيبة؟ وهي ناقة عظيمة، طال بها الزمن حتى انقطع لبنها (مُصرّم)، ودُعيت عليها بأن تُحرَم من الشراب (اللبن)، أي أنها قوية، لم تُلقّح منذ زمن، تصلح للسفر الطويل.

شرح الألفاظ:

  • شدنيّة: منسوبة إلى قبيلة شَدن، وهي من خيار الإبل.
  • محروم الشراب: ناقة لم تدرّ اللبن.
  • مُصرّم: منقطعة اللبن، لم تُلقّح.

البلاغة والتصوير:

  • الناقة هنا رمز للصبر والجلد.
  • الدعاء عليها بالحرمان هو مديح ضمني لقوتها وتحملها.

البيت الثالث والعشرون:

خطّارةٌ غِبَّ السُّرى زيّافةٌ     تطِسُ الإكامَ بوخذِ خُفِّ ميثَمِ

المعنى الأدبي:

يصف ناقته بأنها رشيقة تخطر بذنبها عند السير، تسير بعد ليلة من السرى (المسير ليلًا)، متبخترة، تدكّ التلال بخفّها المتين كأنها تكسّرها.

شرح الألفاظ:

  • خطّارة: ترفع ذنبها عند السير.
  • غبّ السرى: بعد المسير ليلًا.
  • زيّافة: متبخترة.
  • تطس: تدوس بقوة.
  • الإكام: التلال.
  • وخْذ خف ميثم: الخف الثقيل، كناية عن وقع القدم القوي.

البلاغة والتصوير:

  • المشهد صوتيّ ومرئيّ: وقع الخف، ارتفاع الذنب، تبختر السير.
  • يتجلّى فخر الفارس بناقته كما يفخر بسيفه وفرسه.

البيت الرابع والعشرون:

وكأنّما تطسُ الإكامَ عشيةً     بقريبِ بينَ المنسمَينِ مُصَلَّمِ

المعنى الأدبي:

يشبّهها بظليم (ذكر النعام) ضامر، قريب ما بين منسميه (قدميه الأماميتين)، سريع الخطى، لا أذن له (مُصَلَّم)، شديد العدو، يسابق الريح.

شرح الألفاظ:

  • المنسم: موضع الحافر أو الخف.
  • مصلم: لا أذن له.

البلاغة والتصوير:

  • شبه الناقة بظليم لقوة عدوها وسرعتها، والأذن المقطوعة ترمز للمظهر الوحشي.
  • البيت حركيّ الطابع، فيه انسياب وإيقاع سريع.

البيت الخامس والعشرون:

تأوي له قلصُ النعامِ كما أوتْ     حزَقٌ يمانيّةٌ لأعجمِ طِمْطِمِ

المعنى الأدبي:

ويكمل التشبيه بالظليم، فيقول: إن صغار النعام (قلصها) تلجأ إليه كما تلجأ الإبل اليمانية إلى راعٍ أعجميّ، لا يفصح (طمطم)، شديد السواد، إشارة إلى السواد الحالك للظليم.

شرح الألفاظ:

  • قلص: صغار النعام.
  • حزَق: جماعات الإبل.
  • يمانية: منسوبة إلى جنوب الجزيرة العربية.
  • أعجم طِمطِم: من لا يُبين كلامه.

البلاغة والتصوير:

  • راعٍ أعجميّ يشبه الظليم في الصمت والسواد.
  • محاكاة مشهد رعويّ تحوّله إلى مجاز تشبيهي ناعم وعميق.

البيت السادس والعشرون:

يتبعنَ قُلّةَ رأسِه وكأنّهُ     حِدجٌ على نعشٍ لهنّ مُخيَّمِ

المعنى الأدبي:

يتحدث عن حركة الإناث خلف الظليم، فيقول: يتبعنَ أعلى رأسه، فيبدو في سموّه ووقاره كحدجٍ (محمل النساء) على نعش، مظلل بالخيمة، أي أنه سيدٌ مهيب.

شرح الألفاظ:

  • قلّة رأسه: أعلاه.
  • حدج: مركب للنساء يُركب على الإبل.
  • نعش: ما يُرفع عليه.
  • مُخيَّم: مظلل بخيمة.

البلاغة والتصوير:

  • الجمع بين عناصر الأنثى والموت (حدج/نعش) يُشكّل مفارقة جمال ومأساة.
  • الظليم هنا يتحول إلى رمز للهيبة الملكية.

البيت السابع والعشرون:

صَعْلٍ يعودُ بذي العشيرةِ بيضَهُ     كالعبدِ ذي الفروِ الطويلِ الأصلمِ

المعنى الأدبي:

يصف الظليم – في تمام السواد – كعبد طويل الشعر لا أذن له (أصلم)، يعود إلى عشه ليحفظ بيضه، فهو شديد الغيرة، شديد الحراسة.

شرح الألفاظ:

  • صَعْل: صغير الرأس.
  • يعود: يحرس ويرجع إلى العش.
  • فرو: الشعر، ويُراد به الريش هنا.
  • الأصلم: مقطوع الأذن.

البلاغة والتصوير:

  • تشبيه الظليم بالعبد الأسحم يشير إلى ارتباط الظليم بالسواد والحدة والبأس.
  • العودة إلى "بيضه" إيحاء بالرعاية والمسؤولية.

البيت الثامن والعشرون:

شربتْ بماءِ الدُّحْرضينِ فأصبحتْ     زَوْراءَ تنفِرُ عن حِياضِ الدَّيلمِ

المعنى الأدبي:

يقول: شربت ناقتي من ماء الدّحرَضين، فاشتدّت وقويت، حتى صارت تفرّ وتنأى عن برك "الديلم"، أي أن الماء القوي زادها بأسًا فأصبحت تنفر من ماء غيره.

شرح الألفاظ:

  • الدّحرَضين: موضع فيه ماء غزير وعذب.
  • زَوراء: مائلة في سيرها، ناشطة.
  • الدَّيلم: يُراد بهم الأعاجم أو الأعداء، أو ماء ملوّث عندهم.

البلاغة والتصوير:

  • تصوير الناقة بأنها تتأنّف من مياه العدو فيه تعريض بالكرامة.
  • البيت استعاريّ يربط بين الشرب والبأس.

البيت التاسع والعشرون:

وكأنّما تنأى بجانبِ دفِّها     الوحشيِّ من هزِجِ العشيّ مؤوَّمِ

المعنى الأدبي:

يشبّه تمايل ناقته وكأنها تُبعد جنبها الأيمن خشية سنّور وحشيّ يهزج (يصدر صوتًا) في وقت العشي، قبيح الشكل، مُشوّه الرأس (مؤوّم).

شرح الألفاظ:

  • دفّها: جنبها.
  • الوحشيّ: الأيمن (الجانب الذي لا يُركب).
  • هزج العشيّ: صوت السنور ليلًا.
  • مؤوّم: قبيح الرأس.

البلاغة والتصوير:

  • تشبيه خجول وذكي لنشاط الناقة بحركة رشيقة وحذرة.
  • البيت يُشعرك بالحركة والصوت والخوف.

البيت الثلاثون:

هِرٌّ جنيبٌ كلّما عطفتْ لهُ     غَضبَى اتّقَاها باليدينِ وبالفمِ

المعنى الأدبي:

يتابع الصورة السابقة، فيقول: هذا السنّور الذي تخشاه الناقة، هو هرٌّ مقاد، كلما مالت عليه الناقة غاضبة، استقبلها بأظفاره وفمه، وكأنه يقاتلها، فيزيدها هياجًا.

شرح الألفاظ:

  • جنيب: مجنوب أو مقاد بجانب الناقة.
  • اتقاها: دافع عنها أو ردّها.
  • غضبى: مائلة بعنف أو هيجان.

البلاغة والتصوير:

  • استكمال لمشهد حركيّ يجعل من الناقة والهرّ ثنائيًا رمزيًا للحذر والانفعال.
  • صورة غير مباشرة لتقلب المزاج، كناية عن النفس الثائرة.

القسم الرابع: الأبيات 31–40

البيت الحادي والثلاثون:

بركتْ على جنبِ الرِّداعِ كأنّما     بركتْ على قَصَبٍ أجشَّ مُهضَّمِ

المعنى الأدبي:

يقول: حينما بركت ناقتي على أرضٍ يُقال لها "الرّداعة"، بدا صوتها وأنينها كأنها بركت على أعواد قصب مجوّفة، ذات صوتٍ أجشّ، مهشّمة، فتجاوب صوتها وصوت الأرض معًا في حنينٍ خافت.

شرح الألفاظ:

  • بركت: جلست على الأرض.
  • الرّداعة: موضع من الأرض.
  • قصب: نبات طويل أجوف، يصدر صوتًا عند الضغط عليه.
  • أجشّ: خشن الصوت.
  • مهضّم: مكسور أو مهشّم.

البلاغة والتصوير:

  • صوت بروك الناقة يُشبّه بصوت حفيف القصب، إيحاء بالحسّ المسموع.
  • يجمع المشهد بين التعب الجسدي والبكاء الحزين في تصويرٍ مؤثر.

البيت الثاني والثلاثون:

وكأنّ ربًّا أو كُحيلًا مُعْقَدًا     حشَّ الوقودَ به جوانبَ قُمْقُمِ

المعنى الأدبي:

يشبّه عرق الناقة المتصاعد من خلف أذنها ومن عنقها — بفعل التعب والحرارة — بمادة "الرُبّ" أو القطران المعقود، التي توضع في قمقمٍ (إناء معدني)، ثم تُسخَّن بالنار حتى تغلي وتفور.

شرح الألفاظ:

  • ربًّا: شراب غليظ يُصنع من دبس التمر أو العنب.
  • كحيلًا: القطران.
  • معقَّدًا: مغليًّا حتى اشتدّت كثافته.
  • حشّ الوقود: أشعل النار.
  • قمقم: إناء معدني صغير يُغلق بفوّهته.

البلاغة والتصوير:

  • التشبيه مركّب ودقيق: حرارة + مادة سوداء = عرق الناقة.
  • تصوير العرق وكأنه بخار يتصاعد من إناء يغلي، دقّة حسية وبصرية.

البيت الثالث والثلاثون:

ينْباعُ من ذِفْرَى غضوبٍ جَسْرةٍ     زَيّافةٍ مثلَ الفَنيقِ المُكْدَمِ

المعنى الأدبي:

يتابع وصف عرق الناقة، فيقول: ينساب العرق من خلف أذن ناقةٍ غضوبة، سريعة الحركة، متبخترة، تُشبه الفَنيق — أي الفحل المجلود — من كثرة ما تعرّض للصراع.

شرح الألفاظ:

  • ينباع: ينساب أو يفيض.
  • ذِفرى: ما خلف الأذن.
  • غضوب: كثيرة الغضب، شديدة الطبع.
  • جسرة: قوية البنية.
  • زيّافة: متبخترة.
  • الفنيق: الفحل من الإبل.
  • المُكْدَم: المضروب المجلود في المعارك.

البلاغة والتصوير:

  • عنترة يصف ناقته بوصف الفحول، ليُضفي عليها مهابة الذكر وسرعة الغضب.
  • البيت مشبع بأوصاف الفروسية: القوة، الصرامة، الهيبة.

البيت الرابع والثلاثون:

إن تُغدفي دوني القناعَ فإنّني     طبٌّ بأخذِ الفارسِ المُستلئمِ

المعنى الأدبي:

يُخاطب عبلة: إن أرخيتِ دوني الحجاب واختبأتِ عنّي، فإني حاذق ماهر في اقتناص الفرسان المدرّعين، فكيف أعجز عن الظفر بكِ؟ في إشارة إلى أن صدّها له لا يقلل من عزيمته.

شرح الألفاظ:

  • تُغدفي: تُرخي.
  • القناع: الغطاء، ويُراد به الحجاب أو الحياء.
  • طبّ: ماهر وحاذق.
  • المُستلئم: لابس اللأْمة، أي درع الحرب.

البلاغة والتصوير:

  • ينتقل من وصف الناقة إلى الفخر بنفسه، في ربط فنيّ بين الحركة والمهارة.
  • المقابلة بين "الفارس" و"المرأة" تهدف لتصغير شأن الصعوبات في سبيل الحب.

البيت الخامس والثلاثون:

أثني عليَّ بما علمتِ فإنني     سمْحٌ مخالقتي إذا لم أُظلَمِ

المعنى الأدبي:

يطلب من عبلة أن تشهد له بما تعرفه من سَماح خُلُقه، فإنه لين الجانب، حسن المعاملة، ما دام لم يُظلم، أي أن حلمه عظيم حتى يُعتدى عليه.

شرح الألفاظ:

  • أثني: امدحي.
  • سمح: كريم النفس، لين الخُلق.
  • المخالقة: حسن المعاملة.

البلاغة والتصوير:

  • البيت يُظهر توزانه: يجمع بين الرحمة والشدّة، الصبر والغضب.
  • فيه مدح للنفس دون تكبّر: وصف مشروط.

البيت السادس والثلاثون:

وإذا ظُلمتُ فإنّ ظُلمي باسلٌ     مرٌّ مذاقتهُ كطَعمِ العَلْقَمِ

المعنى الأدبي:

يُكمّل المعنى السابق: فإذا ظُلمتُ، صار ظلمي للظالم مُرًّا كالعلقم، أي أن انتقامي يكون قاسيًا، لا يُحتمل، فلا يُجربني أحد.

شرح الألفاظ:

  • باسل: شديد، صارم.
  • العلقَم: نبات مُرّ الطعم، يُضرب به المثل في المرارة.

البلاغة والتصوير:

  • التوازي بين السماحة والبأس من مقومات الفروسية المثلى.
  • مجاز الطعم يصوّر القسوة بصورة حسية شديدة التأثير.

البيت السابع والثلاثون:

ولقد شربتُ من المدامةِ بعدما     ركَدَ الهواجِرُ بالمشوفِ المُعْلَمِ

المعنى الأدبي:

يقول مفتخرًا: شربتُ الخمر في وقت الهاجرة (وقت الظهيرة الشديد الحر)، حين سكنت الريح وهدأ النهار، بكأسٍ ثمين نُقش عليه نقوش ثمينة (مشوفٍ مُعلَم)، في وصفٍ يجمع بين الترف والشجاعة.

شرح الألفاظ:

  • المدامة: الخمر.
  • الهواجر: أوقات الحرّ الشديد.
  • ركد: سكن.
  • المشوف المعلم: كأس أو إناء ثمين منقوش.

البلاغة والتصوير:

  • المزج بين الحرارة والخمر يضفي غليانًا على المشهد.
  • الفخر بالخمر عند العرب دليل على العزّة والكرم.

البيت الثامن والثلاثون:

بزجاجةٍ صفراءَ ذاتِ أسرّةٍ     قُرنتْ بأزهرَ في الشمالِ مُفدَّمِ

المعنى الأدبي:

يصف وعاء الخمر بأنه زجاجة صفراء جميلة، محفوفة بخطوط دقيقة (أسِرّة)، موصولة بإبريقٍ أبيضٍ مغلق الرأس، يُفتح عند الحاجة.

شرح الألفاظ:

  • زجاجة صفراء: قنينة من زجاج ثمين مائل إلى الصفرة.
  • أسرّة: خطوط دقيقة كالأسارير.
  • أزهر: الإبريق الأبيض.
  • مفدَّم: مختوم الفم بالفِدام.

البلاغة والتصوير:

  • تصوير بصريّ دقيق يعكس ترف العيش وجمالية الأدوات.
  • الجمع بين الزينة والشراب يرسم مشهدًا أرستقراطيًّا.

البيت التاسع والثلاثون:

فإذا شربتُ فإنّني مُستهلكٌ     مالي، وعرضي وافِرٌ لم يُكلَمِ

المعنى الأدبي:

يفخر عنترة بأنه كريم النفس: إذا شرب الخمر، بدّد ماله، لا يبالي، لكن كرامته تبقى محفوظة لا تُمسّ. المال يفنى والعرض يبقى طاهرًا لم يُخدش.

شرح الألفاظ:

  • مستهلك: مبذِّر، كريم.
  • وافِر العرض: كريم النفس، عزيز.
  • لم يُكلَم: لم يُجرَح.

البلاغة والتصوير:

  • مفارقة بين الإسراف المادي والحفاظ المعنوي.
  • فخر لا بالمال بل بالأخلاق.

البيت الأربعون:

وإذا صحوتُ فما أُقصّرُ عن ندىً     وكما علمتِ شمائلي وتكرّمي

المعنى الأدبي:

يُخاطب محبوبته مؤكّدًا: حتى إذا صحوتُ من خُمري، لا أقصّر في الكرم، فمكارمي ثابتة، وسُمعتي كما تعلمين، لا تتغيّر.

شرح الألفاظ:

  • ندىً: الجود والعطاء.
  • شمائل: الخِصال الحميدة.
  • تكرّمي: مروءتي وعلو همّتي.

البلاغة والتصوير:

  • تكرار التأكيد على الكرم في حالتي السُكر والصحو يُعزز اتزان الشخصية.
  • البيت توكيد لنبل الشخصية دون تفاخر أجوف.

القسم الخامس: الأبيات 41–50

البيت الحادي والأربعون:

وحليلِ غانيةٍ تركتُ مُجدَّلًا     تمكو فريصتُهُ كشدقِ الأعلمِ

يفتخر عنترة قائلاً: وربّ بعلِ امرأة فاتنةٍ، قد قتلتُهُ وأسقطتُه صريعًا على الأرض، يتلوّى وهو يُخرج أنفاسه من موضع الطعنة في خاصرته، كما يَخرج النَفَس من شدق الأعلم — أي من فم مشقوق — في تصوير مرعب للجَراحة والنزع الأخير.

شرح الألفاظ:

  • حليل: الزوج.
  • غانية: امرأة مُترفة فائقة الجمال.
  • مُجدَّلًا: مطروحًا على الأرض قتيلاً.
  • تمكو: تُصدر صوتًا أو تئن.
  • الفريصة: موضع يرتجف عند الفزع أو النزف (جانب الكتف).
  • شدق الأعلم: فم من كانت شفته مشقوقة (إشارة إلى التمزّق).

البلاغة والتصوير:

  • تصوير الاحتضار دقيق، موحٍ بالبطولة والهيبة.
  • التوازن بين جمال المرأة وهلاك زوجها يوحي بسطوة الشاعر على كل شيء.

البيت الثاني والأربعون:

سبقَتْ يدايَ لهُ بعاجلِ طعنةٍ     ورشاشِ نافذةٍ كلونِ العندمِ

المعنى الأدبي:

يقول: كانت يداي سريعتين إليه، فطعنته طعنةً نافذة خرج منها الدم يتناثر، بلونه القاني القريب من لون "العندم"، وهو نبتٌ يُضرب به المثل في الحمرة الشديدة.

شرح الألفاظ:

  • عاجل طعنة: طعنة مباغتة.
  • رشاش: تطاير الدم عند نفوذ الطعنة.
  • العندم: صبغ أحمر، يُشبه دم القتيل.

البلاغة والتصوير:

  • سرعة الفعل ونتيجته تُضفي على الشاعر بطولة، وعلى الضربة حتمية.
  • التشبيه بالعندم يجعل الدم لوحة فنية من الرعب واللون.

البيت الثالث والأربعون:

هلّا سألتِ الخيلَ يا ابنةَ مالكٍ     إن كنتِ جاهلةً بما لم تعلمي؟

المعنى الأدبي:

يوجّه خطابًا إلى عبلة، فيقول لها: إن جهلتِ مقامي في الحرب وبأسي، فاسألي الخيل — أي مَن يركبها من الفرسان — فإنها شاهدة على مواقفي، مجرّبة لبأس سيفي.

شرح الألفاظ:

  • هلّا: أداة تحضيض وحثّ.
  • الخيل: مجاز عن الفرسان.
  • ابنة مالك: كنية عبلة.

البلاغة والتصوير:

  • يظهر البيت تواضعًا ظاهرًا، لكنه يخفي افتخارًا صريحًا.
  • جعل الخيل تشهد، فيه استعارة فيها حياة وحسّ ميداني.

البيت الرابع والأربعون:

إذ لا أزالُ على رحالةِ سابحٍ     نهدٍ تعاورُهُ الكُماةُ مُكلَّمِ

المعنى الأدبي:

يصف حاله في الحرب، فيقول: لم أزل ملازمًا فرسي السريع القويّ (السابح)، الضخم البنية، الذي تعاقب على جرحه الأبطال من كثرة ما خاض من وقائع، فصار مُكلَّمًا بالطعن والسيوف.

شرح الألفاظ:

  • الرحالة: سرج الفرس.
  • سابح: سريع الجري، كأنّه يسبح في الهواء.
  • نهد: ضخم مشرف.
  • تعاورُه الكماة: تعاقب الأبطال على طعنه.
  • مكلّم: مُصاب بالجراح.

البلاغة والتصوير:

  • وصف الفرس يدلّ على شدّة الوطيس وكثرة المعارك.
  • تماهى الشاعر مع فرسه، فأصبحا واحدًا في وجه الأعداء.

البيت الخامس والأربعون:

طورًا يُجرَّدُ للطِّعانِ وتارةً     يأوي إلى حصَدِ القسيِّ عَرمرمِ

المعنى الأدبي:

يُصوّر حالة كرّه وفرّه، فيقول: أحيانًا أُفرِد نفسي لِلطّعان المباشر، وأحيانًا أنضمّ إلى الرماة الذين أمطروا الأعداء بالقِسىّ (النبال)، وهم كُثر، في زحفٍ عارم.

شرح الألفاظ:

  • يُجَرَّد: يُرسل منفردًا للقتال.
  • حصَدِ القسيّ: رماة السهام الذين يحصدون العدو بالنبال.
  • عَرمرم: كثير العدد.

البلاغة والتصوير:

  • إظهار تنوّع قدرته بين الطعن القريب والرمي البعيد.
  • الجمع بين الهجوم الفردي والانضمام للجماعة يزيد البطولة اتزانًا.

البيت السادس والأربعون:

يُخبِركَ مَن شهدَ الوقيعةَ أنني     أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنمِ

المعنى الأدبي:

يقول: من حضر الحروب معي، يُخبِرك أني أول من يهجم في ساحة الوغى، وأكرم من أن تمتد يده إلى الغنائم، أي أني شجاعٌ كريم، لا أطمع في حطام الدنيا.

شرح الألفاظ:

  • الوقيعة: الحرب.
  • أغشى الوغى: أخوض ساحة الحرب.
  • أعفّ عند المغنم: أترفّع عن أخذ الغنائم.

البلاغة والتصوير:

  • يُقدّم القيم الفروسية الخالدة: البأس + العفّة.
  • الغنيمة التي يزهد فيها عنترة رمز للترف المادي الذي لا يطغى على شرفه.

البيت السابع والأربعون:

ومُدجَّجٍ كرهَ الكُماةُ نِزالَهُ     لا مُمعِنٍ هربًا ولا مُستسلمِ

المعنى الأدبي:

يتحدث عن عدو قويّ واجهه، فقال: وكم من فارس مدجّج بالسلاح، كانت الأبطال تكره مواجهته لشدّة بأسه، لا هو من الفارّين ولا من المستسلمين، بل ثابتٌ صلب.

شرح الألفاظ:

  • مدجّج: لابس درعًا وسلاحًا كاملًا.
  • الكُماة: الأبطال المحاربون.
  • مُمعِن: مسرع في الهرب.
  • مُستسلم: من استسلم وانقاد.

البلاغة والتصوير:

  • يرفع من قيمة من واجهه، ليزيد من وقع بطولته.
  • البيت يُبرز النزال العادل الشريف، لا الغدر أو التسلّل.

البيت الثامن والأربعون:

جادتْ لهُ كفّي بعاجلِ طعنةٍ     بمُثقَّفٍ صدقِ الكعوبِ مُقوَّمِ

المعنى الأدبي:

يقول: وهبتُ له طعنةً سريعةً برمحي المثقّف، الصلبِ، المستقيمِ الذي لا يخيب عند الطعن.

شرح الألفاظ:

  • جادت: وهبت بسخاء.
  • مُثقّف: مُمَرّن، مسنّن، مستوٍ.
  • صدق الكعوب: ثبوت وصلابة مقابض الرمح.
  • مقوّم: مستقيم، لا عوج فيه.

البلاغة والتصوير:

  • اللغة هنا مشحونة بالدقّة الحِرفية: وصف السلاح بوصف فنّي.
  • تعبير "جادت" يجعل الطعنة وكأنها منحة.

البيت التاسع والأربعون:

فشككتُ بالرّمحِ الأصمِّ ثيابَهُ     ليسَ الكريمُ على القنا بمُحرَمِ

المعنى الأدبي:

يقول: طعنته بالرمح الصلب، فشققتُ ثيابه ونفذتُ إلى جسده، ثم يعقّب: ليس الكريم محرّمًا على الطعن، أي أن الفرسان الكرام يلقون مصارعهم في ميادين البطولة دون فرار.

شرح الألفاظ:

  • شَكَكتُ: طعنتُ واخترقت.
  • الأصمّ: الصلب القاسي.
  • القَنا: الرماح.
  • مُحرَم: ممنوع أو محفوظ.

البلاغة والتصوير:

  • تأكيد أن الموت في الحرب ليس نقيصة، بل من شيم الكرام.
  • البيت يجمع بين الجرأة والحِكمة.

البيت الخمسون:

فتركتُهُ جَزَرَ السِّباعِ يَنُشْنَهُ     يَقضِمنَ حُسنَ بَنانِهِ والمعصمِ

المعنى الأدبي:

ينهي هذا المقطع بصورته القاسية: تركتُه بعد طعنته طريحًا للسباع، تنوشه بمخالبها وتُقضِم بأنيابها أصابعه الجميلة ومعصمه الحسن، كناية عن الانتهاء الكامل لمَن كان متباهيًا بجماله أو شجاعته.

شرح الألفاظ:

  • جزَر: جمع جَزَرة، أي الذبيحة.
  • ينُشنه: يتناولنه بمخالبهنّ.
  • يقضِمن: يأكلن بأسنانهن الأمامية.
  • البَنان: أطراف الأصابع.
  • المعصم: موضع اليد من الرسغ.

البلاغة والتصوير:

  • مشهد موتٍ عنيف، فيه انكسار الفخر الجسدي.
  • تصوير ما بعد القتل يُكمّل البطولة: النصر لا نصفه، بل يمضي إلى غايته.

القسم السادس: الأبيات 51–60

البيت الحادي والخمسون:

ومِشَكِّ سابغةٍ هتكتُ فُروجَها     بالسيفِ عن حامي الحقيقةِ مُعلِمِ

المعنى الأدبي:

يفخر عنترة بأنه شقّ درعًا محكمة النسج (سابغة، مشككة)، حين واجه بها فارسًا عظيم الشأن، كان مدافعًا عن قومه وحقيقته، معروفًا بالإقدام في ساحات القتال.

شرح الألفاظ:

  • مشكّ: درع مُحكَمة، فيها تشبيك بين الحلقات المعدنية.
  • سابغة: تامة التغطية، واسعة.
  • فروجها: شقوقها أو أجزاؤها المفتوحة.
  • حامي الحقيقة: المدافع عن قومه أو عن شرفه.
  • مُعلِم: الذي أعلم نفسه في الحرب، أي شهرها بعلامةٍ ليُبارزه الأبطال.

البلاغة والتصوير:

  • عنترة يبرز قوته من خلال تغلّبه على من لا يُهزم.
  • تفصيل الدرع يضيف جمالية واقعية إلى مشهد المبارزة.

البيت الثاني والخمسون:

ربِذٍ يداهُ بالقِداحِ إذا شتا     هتّاكِ غاياتِ التّجارِ مُلوَّمِ

المعنى الأدبي:

يتحدث عن ذلك الفارس المهزوم، فيصفه بأنه كان ماهرًا في الميسر (القمار بالقداح) شتاءً، معروفًا بالإفراط في إنفاق المال حتى يُلام، يشتري كل الخمر من التُجار حتى يُنزعوا راياتهم.

شرح الألفاظ:

  • ربِذ: خفيف اليد، سريعها في اللعب.
  • القداح: عيدان تُستخدم في الميسر.
  • هتّاك غايات التجار: من يشتري منهم كل بضاعتهم (خصوصًا الخمر)، فيضطرون لإزالة رايات البيع.
  • ملوَّم: كثير اللوم، لكثرة تبذيره.

البلاغة والتصوير:

  • تصوير دقيق لفارس غني مسرف، وموته بيد عنترة يُعظّم من شأن الأخير.
  • المفارقة بين الترف والخذلان تُبرز الفخر الحربي.

البيت الثالث والخمسون:

لمّا رآني قد نزلتُ أريدهُ     أبدى نواجذَهُ لغيرِ تبسُّمِ

المعنى الأدبي:

يصف لحظة خوف خصمه حين رآه ينزل من فرسه عازمًا على قتاله، فظهرت نواجذه من فرط تقلص شفتيه، لا على سبيل الضحك، بل من الهلع والرعب.

شرح الألفاظ:

  • نواجذ: الأضراس.
  • لغير تبسُّم: إشارة إلى أن كشف الأسنان لم يكن ابتسامًا، بل تقطيبًا وخوفًا.

البلاغة والتصوير:

  • وصف نفسي دقيق لحالة المهابة التي يثيرها عنترة.
  • تكثيف المشهد في صورة واحدة: “كشف النواجذ” يجعل الرعب ملموسًا.

البيت الرابع والخمسون:

عهدي بهِ مدَّ النهارِ كأنّهُ     خُضّبَ البنـانُ ورأسُهُ بالعِظلَمِ

المعنى الأدبي:

يقول: عهدُ لقائي بهذا الخصم في النهار الطويل، حين صار جسده مخضّبًا بالدم، فكأن أصابعه ورأسه قد صُبغا بالعِظلَم (نبت يُستخدم صبغًا أحمر).

شرح الألفاظ:

  • عهد: لقائي به أو معرفتي بحاله.
  • خُضّب: صُبغ باللون الأحمر.
  • العِظلَم: نبات أحمر يُستعمل خِضابًا.

البلاغة والتصوير:

  • المشهد يُحوّل الدم إلى لون زينة، في مفارقة بديعة.
  • استحضار الصبغ يوحي بالدم النازف وكأنه زينة قاتلة.

البيت الخامس والخمسون:

فطعنتهُ بالرّمحِ ثمّ علوتهُ     بمهندٍ صافِ الحديدةِ مخذَمِ

المعنى الأدبي:

يفخر عنترة بأنه لم يكتفِ بالطعن بالرمح، بل بعد أن أسقط خصمه أرضًا، رفع سيفه المرهف وانهال به عليه ليُتمّ قتله.

شرح الألفاظ:

  • مهند: سيف هنديّ الصنع، رفيع وماضٍ.
  • صافِ الحديدة: نقيّ الفولاذ، غير مشوب.
  • مخذم: سريع القطع، شديد الحدّ.

البلاغة والتصوير:

  • الجمع بين الرمح والسيف يُظهر التمكّن من أدوات الحرب.
  • التدرج في الضرب من الطعن إلى العلو يمثل تصعيدًا دراميًّا.

البيت السادس والخمسون:

بطلٍ كأنَّ ثيابَهُ في سَرحَةٍ     يُحذى نِعالَ السّبتِ ليسَ بتوأمِ

المعنى الأدبي:

يصف الفارس الذي قتله، فيقول: كان طويلًا شامخ القامة، حتى كأنّ ثيابه قد علّقت على شجرةٍ عظيمة (سَرحَة). قدماه واسعتان تُفصّل له نعالُ السبت خاصة، لأنه ليس توأمًا بل مُرضَعًا وحده فاستوفى النمو والغذاء.

شرح الألفاظ:

  • سَرحة: شجرة كبيرة منتصبة.
  • يُحذى نِعالَ السّبت: تُصنع له النعال من جلود البقر التي تُدبغ بالقرظ.
  • ليس بتوأم: لم يشاركه أحد في الرضاع.

البلاغة والتصوير:

  • البيت يجمع بين صورة ضخامة الجسد (السرحة) وبين فرادة التكوين (عدم التوأمية).
  • عنترة يرفع من شأن خصمه ليزداد فخره بهزيمته.

البيت السابع والخمسون:

يا شاةَ ما قنصٍ لمن حلّتْ لهُ     حرمتْ عليّ وَلَيْتها لم تَحرُمِ

المعنى الأدبي:

يشبّه معشوقته "عبلة" بشاة صيدٍ ثمينة، وقعت لغيره، فحُرّمت عليه، ويتحسّر متمنّيًا لو لم تكن محرّمة عليه، إيحاءً برغبته المستحيلة في وصالها.

شرح الألفاظ:

  • شاة ما قنص: صيد نادر وثمين.
  • حلّت له: صارت حلالًا لمن أصابها.
  • حرمت عليّ: لا أستطيع نيلها.

البلاغة والتصوير:

  • شبه الحبيبة بصيدٍ نادر، فيه ما فيه من قيمة وحرقة.
  • التمني بالحرف "ليتها" يجعل الحنين أكثر وجعًا.

البيت الثامن والخمسون:

فبعثتُ جاريتي فقلتُ لها اذهبي     فتجسّسي أخبارَها لي واعلمي

المعنى الأدبي:

يصف محاولته اليائسة للوصول إلى عبلة، فيقول: أرسلت جاريتي، وطلبتُ منها أن تتجسّس لي أخبار الحبيبة، لتأتيني بأنباءها، كأنه أمير يُحرّك جواسيسه لاستخبار المحبوبة.

شرح الألفاظ:

  • جاريتي: خادمته.
  • تجسّسي: تنصّتي أو تحققي خفية.

البلاغة والتصوير:

  • البيت يوحي بعمق الحب، حتى يُجنّد له الخدم.
  • فيه تصوير درامي للعاشق الذي يراقب عن بُعد.

البيت التاسع والخمسون:

قالتْ: رأيتُ من الأعادِي غِرّةً     والشّاةُ ممكنةٌ لمن هو مُرتمِ

المعنى الأدبي:

تعود الجارية إلى عنترة لتُبلغه بأنها وجدت أعداءه غافلين، والحبيبة (الشاة) في متناول من يريدها، كأن الوصول إليها ممكن، مما يثير في قلبه أملًا مختلطًا بالحذر.

شرح الألفاظ:

  • غِرّة: غفلة وعدم تيقّظ.
  • مُرتم: من يتهيّأ للانقضاض (رامٍ للصيد).

البلاغة والتصوير:

  • البيت يخلق توتّرًا: إمكان الوصول مقابل خطر الأعداء.
  • يعيد الأنثى إلى صورة "الشاة"، استمرارًا للصورة الصيادية.

البيت الستون:

وكأنّما التفتتْ بجيدِ جِدايةٍ     رَشَإٍ من الغزلانِ حرٍّ أرثمِ

المعنى الأدبي:

يصف التفاتة حبيبته بأنها كالتفاتة ظبية رشيقة، حُرّة، في عنقها نعومة، وفي وجهها بياض في الشفة العليا (الأرثم)، في مشهدٍ غزليٍّ رقيق ينساب كالعطر في ختام هذا المقطع.

شرح الألفاظ:

  • جيد: العنق.
  • جِداية: ولد الظبية.
  • رَشَإ: غزال في أول شبابه.
  • أرثم: أبيض الشفة العليا.

البلاغة والتصوير:

  • البيت من درر الغزل العربي: التفاتة واحدة تُخلّد بكامل الوصف.
  • الجمع بين الرشاقة والحرية والبياض يجعل عبلة رمزًا للكمال الجمالي.

القسم السابع: الأبيات 61–70

البيت الحادي والستون:

نُبِّئتُ عَمْرًا غيرَ شاكرِ نعمتي     والكفرُ مَخبثةٌ لنفسِ المنعِمِ

المعنى الأدبي:

يفتتح عنترة هذا المقطع بلوم شديد: بلغه أنّ رجلًا اسمه "عمرو" قد جحد معروفه ولم يشكره، فيقول: وكفران الجميل يفسد نفس الكريم المنعِم، ويجعله يندم على فعله.

شرح الألفاظ:

  • نُبّئتُ: أُخبرتُ.
  • غير شاكر نعمتي: جاحدٌ لإحساني إليه.
  • مخبثة: مفسدة.

البلاغة والتصوير:

  • بيت أخلاقي يعكس الحسّ الجاهلي بالكرامة.
  • الكفر هنا ليس ضد الإيمان، بل ضد الوفاء.

البيت الثاني والستون:

ولقد حفظتُ وصاةَ عمي بالضحى     إذ تقلصُ الشفتانِ عن وضحِ الفمِ

المعنى الأدبي:

يفخر عنترة بأنه حافظ لوصية عمّه الذي أوصاه بالإقدام، ويتذكّر أنه وفّى بهذه الوصية في لحظة من أشد لحظات الحرب، حين تقلصت الشفاه عن الأسنان من شدة البأس، أي في ساعة الموت.

شرح الألفاظ:

  • وصاة: وصية.
  • الضحى: هنا تعني وضح النهار، أو ساعة من ساعات الحرب.
  • تقلص الشفتان: تعبير عن الوجوم والتهيّب.
  • وضح الفم: بياض الأسنان.

البلاغة والتصوير:

  • صورة مشهدية دقيقة للحظة التحام القتال.
  • استدعاء عهد العم يدل على القيم القبلية المقدّسة.

البيت الثالث والستون:

في حومةِ الحربِ التي لا تشتكي     غمراتِها الأبطالُ غيرَ تغمغمِ

المعنى الأدبي:

يصف ميدان الحرب الذي لا يشكو شدته إلّا بأصوات غير مفهومة (التغمغم)، لأن الأبطال فيه يعانون بصمت، يُسفكون، ويتألمون بلا شكوى واضحة.

شرح الألفاظ:

  • الحومة: ساحة الحرب.
  • غمرات: شدائدها، وتدفق القتال.
  • تغمغم: صوت غير واضح، يدل على الألم دون إفصاح.

البلاغة والتصوير:

  • يرسم مشهدًا صوتيًّا مظلمًا للحرب، حيث تتداخل الأنينات والضربات.
  • إيحاءٌ بأنّ الشكوى عار، وأن الأبطال لا يئنّون بوضوح.

البيت الرابع والستون:

إذ يتقونَ بيَ الأسنّةَ لم أخِمْ     عنها، ولكنّي تَضايقَ مُقدَمي

المعنى الأدبي:

يقول: حين احتمى بي أصحابي من وقع الرماح، لم أجبُن، ولم أتوانَ، بل فقط ضاق موضع الإقدام من كثرة الحشد، وإلا لثبتُّ في الموقف.

شرح الألفاظ:

  • يتقون: يتّخذون مني وقاية.
  • الأسنّة: رؤوس الرماح.
  • أخِم: أجبن أو أتراجع.
  • تضايق مقدمي: لم أستطع التقدم لشدة الزحام.

البلاغة والتصوير:

  • البيت يكشف مكانته بين الفرسان: هو درعهم.
  • ينفي التراجع ويثبت سببه الخارجي.

البيت الخامس والستون:

لمّا رأيتُ القومَ أقبلَ جمعُهم     يتذامرونَ كررتُ غيرَ مذمّمِ

المعنى الأدبي:

حين رأيتُ القوم يأتون مجتمعين، يحضّ بعضهم بعضًا على قتالي، رجعتُ إليهم بالكرّ والشجاعة، غير مذمومٍ في فعلي، بل محمود في جرأتي.

شرح الألفاظ:

  • يتذامرون: يحثّ بعضهم بعضًا.
  • كررتُ: رجعتُ لقتالهم.
  • غير مذمّم: غير معاب، بل ممدوح.

البلاغة والتصوير:

  • استخدام فعل "كررت" من أفعال الفروسية الأصيلة.
  • البيت إعلانٌ للفروسية الصافية.

البيت السادس والستون:

يدعونَ عنترَ والرماحُ كأنّها     أشطانُ بئرٍ في لبانِ الأدهمِ

المعنى الأدبي:

يصف اللحظة التي كانت الرماح تنهال فيها على صدر فرسه الأدهم، وكأنها حبال دلو تُلقى في بئرٍ، بينما يُنادَى اسمه في المعركة من كل صوب.

شرح الألفاظ:

  • أشطان: جمع شَطن، وهو حبل البئر.
  • لبان الأدهم: صدر الفرس الأسود.

البلاغة والتصوير:

  • شبه الرماح المنغرزة في صدر الفرس بحبال تتدلّى في بئر: تصوير بصري مذهل.
  • تعبير عن كثافة الرماح وتماسك الفرس ورافعه.

البيت السابع والستون:

ما زلتُ أرميهم بثُغرةِ نحرِهِ     ولبانِهِ حتى تسرّبلَ بالدّمِ

المعنى الأدبي:

لم أزل أحارب العدو من على ظهر فرسي، أقدّمه كدرع حيّ، أُصيب به العدو، حتى غمره الدم وغطّى جسده كسربال يُلبَس.

شرح الألفاظ:

  • ثغرة نحره: موضع أسفل العنق.
  • تسرّبل: تلبّس، تغطّى.
  • بالدم: يُقصد الدم النازف منه.

البلاغة والتصوير:

  • الفرس صار كدرعٍ مدمى يُستخدم لتلقّي الرماح.
  • التسربل بالدم يدل على شدة المعركة واستمراريتها.

البيت الثامن والستون:

فازورّ من وقعِ القنا بلبانِهِ     وشكا إليَّ بعَبرةٍ وتحمْحُمِ

المعنى الأدبي:

مال فرسي (ازورّ) حين أثقلته الرماح ووجع الطعنات، فاشتكى إليّ بعينه الدامعة، وبصوت التحمحم الحزين الذي يدل على الألم والرجاء.

شرح الألفاظ:

  • فازورّ: مال أو انحرف.
  • بعَبرة: دمعة.
  • تحمْحم: صوت الحصان حين يئنّ.

البلاغة والتصوير:

  • مشهد حزين ومهيب، يُجسّد العلاقة الحيّة بين الفارس وفرسه.
  • صوت ودمعة الفرس يعطيان له طابعًا إنسانيًّا.

البيت التاسع والستون:

لو كانَ يَدرِي ما المُحاورةُ اشتكى     ولكانَ لو عَلِمَ الكلامَ مُكَلِّمي

المعنى الأدبي:

يتأمّل عنترة في حال فرسه، فيقول: لو كان يعلم الكلام، لاشتكى إليّ ما به، ولكلّمني صراحة، من فرط ما به من ألم ومعاناة.

شرح الألفاظ:

  • المحاورة: تبادل الحديث.
  • مكلّمي: يُحادثني.

البلاغة والتصوير:

  • يُؤنسن الفرس، ويصوّر العلاقة بينهما بأنها أعمق من مجرد امتطاء.
  • استعارة بديعة من عالم الخيال والشعور.

البيت السبعون:

ولقد شفى نفسي وأذهبَ سقمَها     قيلُ الفوارسِ: ويكَ عنترَ أقدِمِ

المعنى الأدبي:

يختتم هذا المقطع بفخرٍ دفّاق: إن الذي أشفى نفسي، وأزال حزنها، هو صيحةُ الفرسان من خلفي ينادون: "ويك عنتر أقدم!"، فيرفعونه ويستحثّونه، كأنه سيفهم وحصنهم.

شرح الألفاظ:

  • شفى نفسي: أراحها.
  • سقمها: مرضها، والمقصود: حزنها.
  • ويكَ: وي لك، بمعنى التعجب أو الحثّ.

البلاغة والتصوير:

  • يصوّر عنترة نفسه كقائد تُعوّل عليه القبيلة.
  • نهاية انفجارية لمقطع حربي ثقيل بالإيقاع والمجد.

القسم الثامن: الأبيات 71–80

البيت الحادي والسبعون:

والخيلُ تقتحمُ الخبارَ عوابسًا     من بينِ شيظمةٍ وأجردَ شيظمِ

المعنى الأدبي:

يصف عنترة فرسان قومه وخيولهم في المعركة، فيقول: كانت خيولهم تقتحم الأرض اللينة (الخبار) عبوسة الوجوه، يعلوها الغبار والجهد، بين أفراسٍ ضخمة الشعر (شيظمة) أو جرداء ضخمة (أجرد شيظم).

شرح الألفاظ:

  • الخبار: الأرض اللينة الرخوة.
  • عوابس: عابسة الوجوه من شدة الكدّ والتعب.
  • شيظمة: كثيرة الشعر.
  • أجرد شيظم: ضخم الأعضاء، طويل الجسد، لا شعر عليه.

البلاغة والتصوير:

  • وصف الخيول يعبّر عن شدة المعركة.
  • الجمع بين الأوصاف (عابسة، ضخمة، جرداء) يعكس وحشية الزحف وقوته.

البيت الثاني والسبعون:

ذُلُلٌ ركابي حيثُ شئتُ مشايعي     لبِّي وأحفِزُهُ بأمرٍ مُبرَمِ

المعنى الأدبي:

يعود عنترة للحديث عن إبله، فيقول إنها مُذلّلة له، يسير بها حيث أراد، تطيعه، يستنهضها بأمرٍ قاطع وحازم، فتستجيب له بلا تلكؤ.

شرح الألفاظ:

  • ذُلُل: سهلة الانقياد.
  • مشايعي: معاونتي في السير، كأنها تشايعني في أمري.
  • أحفزه: أستحثه على السير.
  • مُبرَم: محكَم لا رجعة فيه.

البلاغة والتصوير:

  • يُظهر سيطرته الكاملة على دابته، وهو رمز للفارس الكامل.
  • الربط بين الطاعة والعزم يعكس صورة عنترة الآمر الناهي.

البيت الثالث والسبعون:

ولقد خشيتُ بأن أموتَ ولم تدرْ     للحربِ دائرةٌ على ابني ضمضمِ

المعنى الأدبي:

يعترف عنترة بواحدة من رغباته الخفية: أنه يخشى أن يموت قبل أن تنقلب الحرب على عدويه، ابني ضمضم، الذين شتماه وناصباه العداء.

شرح الألفاظ:

  • دائرة: نكبة أو هزيمة تدور من حظ إلى شؤم.
  • ابني ضمضم: هما حصين وهرم ابنا ضمضم، من أعداء عنترة.

البلاغة والتصوير:

  • البيت يمزج بين الأمل بالثأر والخوف من فوات الفرصة.
  • يكشف عن طبيعة الجاهلي الذي لا ينسى الإساءة.

البيت الرابع والسبعون:

الشاتِمَيْ عرضي ولم أشتمْهما     والناذرَينِ إذا لم ألقَهما دمي

المعنى الأدبي:

يفضح عنترة خصومه، فيقول: لقد شتما عرضي دون أن أشتمهما، وأقسما أن يقتلانني إن لقِياني، أي أعلنا التحدي، وهو لم يبد منه ما يستفز.

شرح الألفاظ:

  • عرضي: شرفي وكرامتي.
  • الناذرين دمي: المتوعدين بسفك دمي.

البلاغة والتصوير:

  • البيت يؤسس لمشهد المواجهة القادمة.
  • نبرة التحدي تتصاعد.

البيت الخامس والسبعون:

إن يفعلَا فلقد تركتُ أباهمَا     جزَرَ السباعِ وكلِّ نسرٍ قَشعَمِ

المعنى الأدبي:

يرد عنترة على تهديدهما بتذكيرهم بمصير أبيهما، الذي قتله وترك جثته للسباع تنهشها، بل لكل نسر عظيم شرس (قشعم)، فكيف يهددانه وهما أبناء من ذُبح؟

شرح الألفاظ:

  • جزَر السباع: لحوم قدّرت للوحوش.
  • قشعم: طائر جارح، يُراد به النسر الكبير.

البلاغة والتصوير:

  • صورة رهيبة لجثة تُنهش من السباع والنسور.
  • يضع خصميه في موضع العار والمذلة، مذكّرًا بماضٍ مهين.

البيت السادس والسبعون:

إنْ يُنْكِرا قومي عشيرتي فإنني     من أشجعِ الفرسانِ حينَ أُجرَّمِ

المعنى الأدبي:

يقر عنترة بأنه حتى لو تبرأ منه قومه ولم يعترفوا به، فهو يبقى من أشجع الفرسان عند الامتحان والاحتكاك، أي عندما يُختبر.

شرح الألفاظ:

  • يُنكِرا: ينكرا نسبي أو مكانتي.
  • عشيرتي: قومي.
  • أُجرَّم: أُختبَر أو أُبتلى في الحرب.

البلاغة والتصوير:

  • البيت يحمل نبرة المرارة من وضعه الاجتماعي (ابن أمة).
  • يواجه النفي الاجتماعي بالبأس الفردي.

البيت السابع والسبعون:

ولقد علمتُ لتكرَّرَنَّ ملمّتي     في قومِ عبدَ اللهِ في بني غنْمِ

المعنى الأدبي:

يقول: أعلم أن مصيبتي وتعدّياتي وغاراتي ستتكرر على قوم "عبد الله" من بني غنْم، وكأنه يهدّدهم باستمرار الكرّ عليهم، لعداوةٍ ماضية.

شرح الألفاظ:

  • ملمّتي: غارتي أو هجومي.
  • عبد الله وبنو غنم: عشائر أخرى تربطه بها عداوة.

البلاغة والتصوير:

  • البيت فيه وعيد صريح.
  • يُشير إلى استمرار الغارات في منطق القبائل والثأر.

البيت الثامن والسبعون:

إنِّي امرؤٌ من خيرِ عبسٍ منصبًا     شُطري وأحمي سائري بالمنسمِ

المعنى الأدبي:

يُعلن عنترة أصلَه بفخر، فيقول: أنا من أشرف رجال عبس، شريف النسب من جهة والدي، وأحمي نصف جسدي الآخر (سائر بدني) بسنّ رمحي (المنسم).

شرح الألفاظ:

  • منصبًا: نسبًا.
  • شُطري: نصفي.
  • المنسم: رأس الرمح.

البلاغة والتصوير:

  • مزيج بين الفخر بالنسب والسلاح.
  • يؤكّد أن الشرف يُكمَّل بالقوة.

البيت التاسع والسبعون:

وبيَتْ عدوّي بالوخيدِ جهارَةً     ولقد نَهَلتُ بِذي الدّماءِ وأُعلِمِ

المعنى الأدبي:

يقول: هجمتُ على عدوي ليلًا في "الوخيد"، علنًا دون مكر، وشربت من دمائه ورفعتُ سيفي معلنًا نصرًا لا يُخفى.

شرح الألفاظ:

  • بيّتُه: هجمتُ عليه.
  • الوخيد: موضع معروف.
  • نَهَلتُ: شربتُ.
  • أُعلِم: أرفع راية أو أوضّح.

البلاغة والتصوير:

  • البيت يُجسّد بطولة فيها مواجهة لا غدر فيها.
  • النهل من الدماء كناية عن الشدّة والبطش.

البيت الثمانون:

فاذهَبْ فَإِنّكَ أنتَ أوّلُ ساقطٍ     ولن تنالَ المجدَ حتّى تَهْزِمِ

المعنى الأدبي:

يوجّه الكلام لأحد خصومه في النهاية، فيقول له: اذهبْ، فأنت أول مَن سيسقط في المعركة، ولن تبلغ المجد حتى تهزمني، وهو أمر لن يحدث.

شرح الألفاظ:

  • أول ساقط: أول مَن يُقتل أو يُهزم.
  • المجد: الشرف والفوز.
  • تهزم: تُنتصر عليّ.

البلاغة والتصوير:

  • البيت ختم تهديدي صريح، يتحدّى فيه كل مناوئيه.
  • فيه صدى الثقة المطلقة بالنفس والانتصار.

القسم التاسع والأخير: الأبيات 81–89

البيت الحادي والثمانون:

ولقد خشيتُ بأن أموتَ ولم أدرِ     أينَ الخلاصُ من العدوِّ المجرمِ

المعنى الأدبي:

يبدأ هذا المقطع الختامي بنبرة توجّس: لقد خفتُ أن يحين أجلي ولا أعرف طريق النجاة من عدوٍّ لئيمٍ ماكر، يتربص بي ويكيد لي، والبيت يبوح بالخوف الإنساني الكامن في قلب البطل.

شرح الألفاظ:

  • خشيت: خفتُ.
  • الخلاص: النجاة.
  • المجرم: المعتدي الآثم، لا بالضرورة القاتل بل من يُقدم على الشرّ.

البلاغة والتصوير:

  • يصوّر هاجس الموت المباغت، لا من الحرب، بل من الغدر.
  • يكشف عن جانب من الضعف الوجودي الذي لا يُنقص من مجده.

البيت الثاني والثمانون:

يا دارَ عبلةَ بالجواءِ تكلمي     وعمي صباحًا دارَ عبلة واسلمي

هذا البيت قد تكرّر في مطلع القصيدة، ويبدو أن الرواة كرّروه في نهاية بعض الروايات لمزيد من الطابع الدائري في البناء.

المعنى الأدبي:

يعود عنترة بن شداد لذكر دار عبلة، كأنما يريد أن يُعيد القصة إلى بدايتها. يُحيي دارها من جديد، ويجعل التحية آخر ما ينطق به، بعد أن انتصر في الحرب وارتفعت رايته.

شرح الألفاظ:

  • عمي صباحًا: تحية جاهلية تعني: طِبْتِ صباحًا.
  • الجواء: الموضع الذي سكنت فيه عبلة.

البلاغة والتصوير:

  • إعادة البيت هنا تحمل دلالة الدوران: كما بدأت القصة من عبلة، تعود لتنتهي عندها.
  • جعل المحبوبة آخر الذكرى، وفيه رومانسية جليلة متناسقة مع الجاهلية الجبارة.

البيت الثالث والثمانون:

يا شاةَ ما قنصٍ لمن حلّت لهُ     حرمتْ عليّ وَلَيْتها لم تَحْرُمِ

هذا البيت أيضًا قد تكرر سابقًا (البيت 57)، وقد يكون من تكرار الرواة في نسخ متعددة للمعلقة، أو أراد عنترة أن يعيد الحسرة لتُغلق القصيدة بها.

المعنى الأدبي:

تكرار الحسرات على فوات الوصال بعبلة، بعد أن أدّى الفارس ما عليه في الحرب، يدلّ على أن الحب هو الندبة التي لا تُشفى، مهما تعاظمت المآثر.

البيت الرابع والثمانون:

إنِّي لأمنحُكِ الصدودَ ولستُ عن     وصْلكِ يا بنتَ الملوكِ بعالمِ

المعنى الأدبي:

يخاطب عبلة قائلًا: قد أُظهر لك الصدود والجفاء، لكنني والله لا أجهل لذّة وصالك، بل أعلمها حق العلم، وما صُدّي عنكِ إلا من كِبرياء الفارس لا من قلّة الهوى.

شرح الألفاظ:

  • أمنحك الصدود: أُظهر التجاهل.
  • بعالم: أي لستُ جاهلًا، بل خبيرًا.

البلاغة والتصوير:

  • يكشف التناقض العاطفي الذي يكابده المحبّ الفارس.
  • الجمع بين الكبرياء والوجد هو من أرقّ أنواع الغزل.

البيت الخامس والثمانون:

ولقد ذكرتُكِ والرماحُ نواهلٌ     مني، وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمي

المعنى الأدبي:

يبلغ الغزل هنا ذروته: عنترة في أشدّ ساعات الحرب، والرماح تنهال عليه، والسيوف الهندية تقطر من دمه، ومع ذلك يفكر في عبلة، يذكرها بين الطعنات والدماء.

شرح الألفاظ:

  • الرماح نواهل: ناهلة، أي طالبة لدمه.
  • بيض الهند: السيوف الهندية المرهفة.
  • تقطر من دمي: تعبير عن شدّة الجراح.

البلاغة والتصوير:

  • بيت شهير يمزج الحرب بالحب، السيف بالقلب.
  • يستعرض الشجاعة والغرام في لقطةٍ واحدة.

البيت السادس والثمانون:

فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنها     لمعَتْ كبارقِ ثغركِ المُتبسِّمِ

المعنى الأدبي:

من أبلغ أبيات الغزل في الجاهلية، بل في الشعر العربي عمومًا. يقول عنترة إنه ودّ تقبيل السيوف التي تلمع في وجهه، لأنها تذكّره بابتسامة عبلة، إذ تشبه البرق في بريق ثغرها.

شرح الألفاظ:

  • كبارق: كوميض البرق.
  • ثغرك: فمكِ، وخصوصًا عند الابتسام.

البلاغة والتصوير:

  • قمة في توحيد صورتين متضادتين: السيف والحبيبة.
  • بيت يشهد بعبقرية عنترة الشعرية، وصدق غرامه.

البيت السابع والثمانون:

ولقد ذكرتُكِ والسهامُ نواهلٌ     مني، وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمي

تكرارٌ شعري مقصود لبيت سابق مع استبدال “الرماح” بـ “السهام”، يعزز الموقف العاطفي، ويظهر أن ذكراكِ لا تفارقني، مهما تنوعت أدوات القتل.

البيت الثامن والثمانون:

فلئنْ رمتْ عنكِ الليالي بعضَ ما     أملتهُ، فلقد رمتْ غيرَكِ فاعلمي

المعنى الأدبي:

يُخاطب عبلة قائلاً: إن كانت الليالي قد أبعدتني عنكِ، وسلبتكِ بعض أملك في وصالي، فاعلمي أنها كذلك أبعدت غيركِ عن مَن يحبّ، فالليالي لا تُنصف أحدًا.

شرح الألفاظ:

  • رمت: أي أصابت وأصابت.
  • الليالي: كناية عن الزمان وتقلباته.
  • بعض ما أملته: أي بعض الرجاء والأمنيات.

البلاغة والتصوير:

  • فلسفة عنترية في الحياة: الزمان عدو الجميع.
  • يعزيها ويعزي نفسه، ضمنًا.

البيت التاسع والثمانون (الأخير):

فلعلّ دهركِ سائلٌ عن فارسٍ     ما زال يطرقُ هامَهمْ في المزدَحمِ

المعنى الأدبي:

يختم عنترة معلقته بأبيّ موقفه، فيقول: ربما يسألك الزمان عن فارسٍ – وأنا ذاك – لم يزل يضرب رؤوس الأعداء في أشدّ الزحام، ليشهد التاريخ عن بلائي وشجاعتي.

شرح الألفاظ:

  • سائلٌ عن فارس: كناية عن سؤال الدهر عن المجد.
  • يطرق هامهم: يضرب رؤوسهم.
  • المزدحم: أشدّ ساحات الحرب.

البلاغة والتصوير:

  • خاتمة تليق بفارسٍ وشاعرٍ عشق الحرب والمرأة معًا.
  • البيت يحيل على الخلود: أن عنترة سيبقى يُذكر رغم مضي الزمن.

الخاتمة:

بهذا تختتم معلقة عنترة بن شداد، قصيدة العشق والسيف، حيث رسم الشاعر في أبياتها ملحمة من الفخر والوجد، فخلّد اسمه فارسًا مغوارًا وعاشقًا نبيلًا، وجعل من شعره رمزًا للبطولة والخلود في ذاكرة العرب.

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق