الاثنين، 2 يناير 2023

• ليس هناك دعاية سيئة


لكي تجذب الحشود عليك أن تفعل شيئاً

بدأ "بارنوم" رائد الاستعراض في أمريكا في القرن العشرين حياته المهنية مساعداً لصاحب سيرك هو آرون تيرنر. في عام 1836 تَوَقَّفَ السيرك في أنابوليس بولاية ميرلاند للقيام بسلسلة من العروض.

في صباح يوم الافتتاح تَجَوَّلَ بارنوم في المدينة مرتدياً بذلة سوداء غريبة، بدأ الناس في اتباعه، صاح شخصٌ من الْجَمْعِ بأن صاحب البدلة المتنكر هو الكاهن إفرايم آفري الذي اشتهر بارتكابه جريمة قتل وَبَرّأَتْه المحكمة، لكن ظل معظم الأمريكيين مقتنعين أنه القاتل. مَزَّقَت الجموع بذلة بارنوم وكانوا متحفزين لقتله، بعد توسلات عديدة أقنعهم بارنوم أن يتبعوه إلى السيرك وهناك تعرفوا على هويته الحقيقية.

بمجرد أن وصولوا إلى السيرك عرفوا أن المسألة لم تكن إلا دعابة تمثيلية وأن آرون تيرنر نفسه هو الذي رَوَّجَ الإشاعة بأن بارنوم هو أفري. تَفَرَّقَت الجموع، لكن بارنوم الذي كان على وشك أن يُهْدَرُ دمُه لم يجد في الأمر متعة، وأراد أن يعرف السبب الذي جعل رئيسه يقوم بهذه الخدعة، أجابه تيرنر "أن المسألة كانت لصالحنا جميعاً، فأنت تعلم أن كل ما تحتاجه للنجاح هو جذب الانتباه"، وبالفعل أخذ الجميع يتحدثون عن هذه الدعابة وامتلأ السيرك بالجمهور تلك الليلة وفي كل الليالي التي بقي فيها السيرك في أنابوليس، يومها تَعَلَّمَ بارنوم درساً لم يكن لينساه أبداً، «أن النجاح دائماً محفوف بالمخاطر».

أول إنجازات بارنوم كان المتحف الأمريكي في نيويورك، وكان عبارة عن مجموعة من التحف. في أحد الأيام استعطفه مُتَسَوِّلٌ في الطريق، لكن بدلاً من أن يمنحه المال قرَّرَ بارنوم أن يُوَظِّفَه.

عاد بارنوم بالمتسول إلى المتحف، وأعطاه خمسةَ قوالب من الطوب، وأخبره أن يسير ببطء في الأحياء السكنية، وأن يضعَ قالباً معيناً على جانب الطريق، بحيث يَفْصِلُ بين كلٍ منها عددٌ محدد من المنازل، وأن يُبقي قالباً واحداً في يده، وكان عليه عند عودته أن يستبدل القوالب الموضوعة بذلك القالب الذي في يده، وفي أثناء ذلك عليه أن يُتقن العدَّ ولا يُجيب على أسئلة المارة، وعند عودته إلى المتحف كان عليه أن يدخل من الباب، ثم يَتَجَوَّلُ في أنحاء المتحف، ثم يغادر من الباب الخلفي، ثم يعيد نفس الرحلة من جديد.

في الجولة الأولى للرجل شاهد المئاتُ من المارة تحركاتِه الغريبة، وبعد الجولة الرابعة تَجَمَّعَتْ حوله الحشود متسائلين عما يفعل. وفي كل مرة كان يدخل المتحف كان يتبعه أشخاص يشترون تذاكر الدخول حتى يتمكنوا من متابعته. كان الكثيرون منهم تُعجبهم مقتنيات المتحف ويبقون لرؤيتها.

في نهاية اليوم الأول جذبَ الرجلُ ألفَ شخص إلى المتحف، وبعد أيامٍ قليلة أَمَرَتْهُ الشرطة أن يوقف جولاته لأن الجموع كانت تُعيق حركة المرور، تَوَقَّفَ الرجل لكن الآلاف من سكان نيويورك كانوا قد زاروا المتحف، والكثيرون منهم صاروا من زبائن بارنوم.

ومن الحيل الأخرى أن بارنوم كان يضع فريقاً موسيقياً على إحدى الشرفات المطلة على الشارع تحت لوحة كُتِبَ عليها «الموسيقى مجانية للملايين»، وَتَعَجَّبَ سكانُ نيويورك من هذا الكرم وتجمعوا ليسمعوا المعزوفات المجانية.

لكن حَرِصَ بارنوم على أن يستأجر أَسْوَأَ العازفين، وبعد أن تبدأَ الفرقة في عزفها السيء، كان الناس يسرعون لشراء التذاكر لدخول المتحف هرباً من الموسيقى المزعجة ومن ضجيج جمهور الغاضبين.

من أول الغرائب التي عرضها بارنوم بأنحاء أمريكا جويس هيث، وهي امرأة ادعى بارنوم أن عمرها 161 عاماً، وأنها كانت من العبيد، وكانت مربية جورج واشنطن. بعد أشهر بدأ جمهور المشاهدين في التضاؤل، فأرسل بارنوم رسالة من مجهول إلى الصحافة مدعياً بأن هيث ليست سوى خدعة متقنة، وكتب «جويس هيث ليست بشراً ولكنها إنسان آلي مصنوع من عظام الحوت والمطاط»، أثار ذلك شغف من لم يهتموا من قبل برؤيتها وعاد من رأوها لرؤيتها ثانية للتحقق من شائعة أنها إنسان آلي.

في عام 1842 اشتري بارنوم جُثَّةً ادّعى أنها لعروس البحر. كان للجثة جسمُ سمكة ورأس قرد، وكانت الرأس تتصل بإتقان بباقي الجسم، كانت حقا أعجوبة... بعد التّحري تَبَيَّنَ لبارنوم أن هذا الكائن قد تم تجميعه بحرفية في اليابان لكن الشائعة كانت مدوية.

وقام أيضاً بارنوم بنشر مقالات في الصحف حول اصطياد عروس بحر في جزيرة فوجي باليابان وأرسل رسوما لعرائس البحر وعرض الجثة التي لديه بالمتحف. انتشر الجدل بأنحاء البلاد حول حقيقة وجود مثل هذه الكائنات. قبل هذه الحملة التي شنها بارنوم لم يكن أحد ليهتم أو حتى يعرف عن عرائس البحر، لكن أصبح بعدها الجميع يتكلمون عنهن كما لو كن حقيقة، توجهت الجماهير بأعداد غفيرة إلى المتحف لرؤية عروس فوجي وللاستماع إلى الجدل الدائر حولها.

بعد ذلك بسنوات جال بارنوم بأنحاء أوروبا مصطحبا الجنرال توم ثامب وهو قزم من كونيكت في الخامسة من العمر ادعى بارنوم أنه صبي إنجليزي في الحادية عشرة وكان بارنوم قد دربه على القيام بحركات كثيرة مبهرة. جذب بارنوم الأنظار بأوروبا حتى أن الملكة فيكتوريا – وكانت رمزا للرزانة - استدعته وطلبت منه أن يقدم عرضاً خاصا لها مع قزمه الموهوب في قصر باكنجهام. سخرت الصحافة البريطانية من بارنوم لكنه كان قد نال الشرف الملكي لتسلية فيكتوريا التي ظلت تكن له الاحترام بعد ذلك.

التعليق :

فهم بارنوم حقيقة جوهرية حول جذب الانتباه: بمجرد أن تلتفت إليك أعين الناس تحظى بمكانة خاص. كان تحقيق الربح لدي بارنوم يعني جذب المزيد من الحشود، وقد كتب لاحقا أن «كل حشد له بطانة من الفضة».

 تميل الحشود أن تتصرف ككتلة واحدة متصلة، فإن توقف شخص عن الانتباه للشحاذ الذي يضع قوالب الطوب في الشارع سيحل محله آخرون ينجذبون للحشد کما تنجذب برادة الحديد للمغناطيس، وبلمسة بسيطة يمكنك أن تدخلهم إلى متحفك أو إلى مشاهدة العرض الذي تقدمه. لكي تجذب الحشود عليك أن تفعل شيئاً مختلفاً أو غريباً، فالجموع تنجذب للأمور غير المعتادة والمحيرة، وبمجرد أن تجذب إليك الانتباه لا تفلته أبدا؛ لأنه لو اتجه لغيرك فإنه يتركك، كان بارنوم حريصا دائما على شد الانتباه إليه وإبعاده عن منافسيه لأنه كان يعطي لهذه السلعة قيمة كبرى...

المصدر: THE 48 RULES OF POWER, ROBERT GREEN

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضًا                                         

سلوكيات يقوم بها طفلك الدارج ودلالتها

عادات يومية تقوّي شخصية ابنتك

طرق تحفيز الطفل المتأخر لغويا

تغيّرات الطفل في عمر السنتين

5 أسباب تجعل الأطفال يشاهدون التلفزيون

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق