السبت، 3 يونيو 2023

• ملكة انكلترا إليزابيث الملكة العذراء


حين تنأى بنفسك فإنك لا تستثير في الآخرين الغضب بل الاحترام والتقدير

حين اعتلت الملكة إليزابيث عرش انجلترا في عام 1558 كان مفروضاً عليها أن تسعى لتجد زوجاً مناسباً. نُوقش الأمرُ في البرلمان، وأصبح الحديث الشاغل للإنجليز من كافة الطبقات. اختلف الجميع حول من عليها أن تختار، ولكنهم أجمعوا على ضرورة زواجها في أسرع وقت، لأن الملكة يجب أن يكون لها مَلِكٌ وحتى تأتي بابن يرث عرش المملكة.

استمرَّ النقاشُ لسنواتٍ، وأخذ يطلب ودَّها وخطبتها كل من في البلاد من العُزّاب المناسبين والوسيمين من أمثال السير روبرت دادلي وإيرل إيسكس والسير والتر رالي، ولم تَصُدّ إليزابيث أحداً منهم، ولكن لم يَبدُ عليها أيضاً أنها تتعجل الأمر، وكانت تلميحاتُها لأحدهم بأنها تريده تُنَاقِضُها بتلميحاتٍ أخرى. في عام 1566 أرسلَ البرلمان وفداً إلى الملكة يُلِحُّ عليها أن تتزوج قبل أن تتخطى سن الإنجاب، ولم تَصدّهم أو تُجادلهم، ولكنها استمرت في الحفاظ على عذريتها.

أثارت اللعبة الدقيقة التي تلعبها إليزابيث مع خُطّابها الكثيرَ من الخيالات الجنسية، وأصبحت أقربَ لصيحةٍ لها أتباعٌ ومريدون، وقد ذكر طبيب القصر سيمون فورمان في يومياته أنه كان يحلم بالزواج منها، وصَوّرَها الرسامون على هيئة ديانا إلهة القمر في الأساطير الرومانية، وقد كتب شعراءٌ من أمثال إدموند سبنسر قصائد تُخَلِّدُ الملكة العذراء، ووصفوها بأنها «إمبراطورة العالم»، وأنها «كوكبة  العذراء العفيفة»، التي تحكم العالم وتدور حولها النجوم، وكان خُطّابها يُسِرُّون إليها بتعليقاتٍ عاطفية صريحة ولم تكن تمنعهم. كانت تفعل كل ما تستطيع لجذب اهتمامهم، وفي نفس الوقت لا تَعِدُ أَحَدَهم بشيء.

وفي أنحاء أوروبا كان ملوك وأمراء أوروبا يعرفون أن نجاح أحدهم في الزواج من إليزابيث سَيُرَسِّخُ التحالفَ بين انجلترا وبلاده، فبدأ ملك إسبانيا وأمير السويد وأرشيدوق النمسا يتوددون إليها، لكنها رفضتهم جميعاً بأدب.

كان الشاغلُ الدبلوماسيّ الكبير في عصر اليزابيث هو التَّمَرُّدُ في فنلندا وهولندا اللتين كانتا تحت الحكم الإسباني، وكان السؤال إن كان على انجلترا أن تَنْقُضَ تحالفها مع إسبانيا وتستبدل بها فرنسا لتشجيع فنلندا وهولندا على الاستقلال. وفي عام 1570 تبين أن الخيار الأمثل لدى انجلترا هو التحالف مع فرنسا بالفعل، وكان لدى ملك فرنسا أَخوان مناسبان لإليزابيث هما الدوق آنجو والدوق ألينسون، كان لكل منهما ميزاته الخاصة، وقد تركت إليزابيث لكل منهما الأمل بالزواج منها، وظل الأمر حياً لسنوات. قام الدوق آنجو بعدة زيارات لانجلترا وقَبَّلَ إليزابيث على الملأ بل كان يدللها بالأسماء، وبدا أنها أيضاً تبادله مشاعره، في الوقت الذي كانت إليزابيث تلاطف فيه الأخوين تَمَّ توقيع المعاهدة التي أَرسَت السلام بين فرنسا وانجلترا. وفي عام 1582 رأت إليزابيث أنها تستطيع أن تنهي تودد الأخوين إليها، وقد أَشْعَرَها ذلك براحة كبيرة خاصة من إبعاد الدوق آنجو الذي كانت تلاطفه لأسباب دبلوماسية ولكنها لم تحب صحبته ولم يعجبها شكله. بعد أن أَمَّنَت السلام بين البلدين أوقفت تَوَدُّدَ الدوق المُتَمَلِّق إليها بأكبر قدر ممكن من الأدب.

في هذا الوقت كانت إليزابيث قد بلغت العمر الذي لا يسمح لها بالإنجاب وأكملت حياتها بالطريقة التي اختارتها، وظلت حتى ماتت الملكة العذراء، ولم تترك وريثاً للعرش ولكن فترة حكمها كانت تتميز نسبياً بالسلام والاستقرار والانتعاش الثقافي.

التعليق:

كان لدي إليزابيث أسباب وجيهة لعدم الزواج: رأت ما حدث لقريبتها ماري کوين في اسكتلندا، فقد أدى رفض الاسكتلنديين أن تحكمهم امرأة إلى ضغوط أن تتزوج وأن تكون حكيمة في اختيارها، فلم يكن زواجها من أجنبي يلقي القبول من الشعب وكان اختيارها لأي من النبلاء سيؤدي لصراعات رهيبة، وفي النهاية اختارت الزواج من لورد دارنلي وكان كاثوليكيا فأثارت بذلك غضب البروتستانت في اسكتلندا وتلا ذلك اضطرابات استمرت طويلاً.

كانت إليزابيث تعرف أن الزواج غالباً ما يقضي على حكم المرأة: فالزواج كان سيلزمها بالتحالف مع حزب أو بلد محدد، وكان سيفرض عليها كملكة أن تتورط في صراعات لا شأن لها بها وهي صراعات قد تنهكها أو تدخلها في حروب عبثية، كما أن الزوج سيصبح الحاكم الفعلي خلف الكواليس وغالباً ما يسعى لتنحية زوجته عن الملك كما فعل دارنلي مع ماري کوين. تعلمت إليزابيث الدرس جيداً، ووضعت لنفسها هدفين رئيسيين من الحكم: أن تتجنب الزواج وأن تتجنب الحرب، واستطاعت أن تدمج الهدفين معا بأن لَوَّحَتْ بإمكانية الزواج منها لكسب التحالفات. كانت لحظة تعهدها بالولاء لأي خاطب هي اللحظة التي تفقد فيها سطوتها، ولذا كان عليها أن تتألق بالغموض والجاذبية، وتحافظ على إحياء الآمال لدى كل من يطلبونها دون أن تخضع لأي منها.

من خلال لعبة الملاطفة والانسحاب التي مارستها إليزابيث طوال حكمها استطاعت أن تسيطر على البلاد وعلى كل رجل حاول أن يخضعها له، ولأنها كانت مركزاً للانتباه كانت لها السيطرة. كان حفاظها على استقلالها قبل أي شيء آخر هو الذي مَكَّنَها من الحفاظ على سطوتها وجعل منها أسطورة لدى الكثيرين.

أفضل أن أكون متسولة عزباء عن أن أكون ملكة متزوجة الملكة إليزابيث، 1533 - 1603

مفاتيح للسطوة:

تعتمد السطوة اعتماداً كبيراً على المظاهر، ولذلك عليك أن تتعلم الحِيَل التي تُحَسِّنُ صورتك. إحدى هذه الحيل أن تمتنع عن إلزام نفسك بشخص أو بجماعة. وحين تنأى بنفسك فإنك لا تستثير في الآخرين الغضب بل الاحترام والتقدير، حيث يظهرك ذلك في عيونهم عَصِيّاً وغير خاضع لأحد أو لعلاقة على عكس غالبية الناس، ومع الوقت تنمو حولك هالة من السطوة، ومع زيادة اشتهارك بالاستقلال ينجذب إليك الكثيرون راغبين في صحبتك أملا في التمكن من کسب ولائك لهم. والجاذبية تشبه الفيروس فحين نرى شخصاً يُقبِل عليه معظم الناس نجد أنفسنا أيضاً منجذبين إليه.

في اللحظة التي تلزم نفسك فيها بأحد يزول عنك السحر وتصبح كأي شخص آخر، ستجد الناس يبذلون كل أنواع الطرق الماكرة والخفية لجعلك تتعهد لهم بالولاء، فقد يعطونك الهدايا أو يمطرونك بالخدمات. عليك أن تشجع اهتمامهم بك لكن لا تتعهد لأحد مهما كان الثمن. يمكنك أن تقبل هداياهم وخدماتهم إن أردت ولكن عليك أن تكون نائياً من داخلك، وعليك أن لا تقع عن غير عمد في الشعور بالالتزام والتعهد نحو أي شخص.

لكن عليك أن تتذكر، أن الحكمة في ذلك ليست في أن تنفر الناس منك أو تجعلهم يرون أنك غير قادر على الولاء بل أن تفعل کما فعلت الملكة العذراء بأن تثير اهتمام الآخرين بك وتغريهم بالأمل في كسب ودك، وعليك أن تستجيب لتوددهم أحياناً لكن لا تقترب أبداً أكثر من اللازم.

كان المحارب ورجل الدولة اليوناني السيبيادس يتقن هذه اللعبة، وكان من ألهم وقاد جموع الأثينيين لغزو صقلية عام 414 ق. م. وحين حاول الأثينيون الحاقدون عليه أثناء عودتهم التخلص منه باتهامه بادعاءات باطلة، فَضَّلَ اللجوء للإسبرطيين أعداء أثينا عن مواجهة المحاكمة في وطنه، وحين هُزِمَ الأثينيون في سبراقوزه ترك إسبرطة إلى بلاد فارس على الرغم من أن مجد إسبرطة كان وقتها في تصاعد، وبدأ الإسبرطيون والأثينيون معاً يتقربون إليه بسبب تأثيره على الفرس، وأغدق عليه الفرس بالكرم لسطوته على الإسبرطيين والأثينيين. كان يقدم الوعود لجميع الأطراف لكنه لم يلزم نفسه أبداً بأي طرف، وفي النهاية أصبحت كل أوراق اللعبة في يده.

إن كنت تطمح للسطوة والنفوذ عليك أن تضع نفسك في الوسط بين القوى المتصارعة، أَغري إليك أحدَ الأطراف بالوعد بمساندته وستجد الطرف الآخر يتقرب إليك أيضاً سعياً للتفوق على عدوه، ولأن كل الأطراف ستتنافس لجذب انتباهك ستظهر أمام الجميع كشخص له نفوذ وسطوة، وهي أكبر من أي سطوة كنت ستجنيها من الالتزام لأي طرف. ولكي نتقن هذا التكتيك عليك أن تتعلم أن تحرر مشاعرك من الوقوع في أسر أحد وأن ترى في الجميع بيادق تستخدمها للصعود نحو القمة. ويجب عليك أن لا تسمح لنفسك أن تكون تابعاً لأحد مهما كان السبب.

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: العمة كوبرا والعم أرنب

قصة للأطفال: يا زهرتي نوِّري وغنّي

قصة للأطفال: مدينة الروائح

قصة للأطفال: توتة تائهة

قصة للأطفال: هادي... الطفل الخفي

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق