الأحد، 30 يوليو 2023

• لا تلوث يديك بالأعمال الدنيئة


القاعدة 26
من كتاب 48 قانون للقوة (قواعد السَّطوَة)

الحكمة:

عليك أن تظهر دائماً مثالاً للتَّحَضُّر والكفاءة: احرص على أن تخلو سيرتك بين الناس من الأخطاء والأفعال المُشينة، وتَعَلَّم أن تُخفي تَوَرُّطَكَ باتخاذ الآخرين أكباش فداء ومخالب قط.

الجزء الأول: اخف أخطاءك وابحث عن كبش فداء بِتَحَمُّل اللوم عنك؛ تعتمد سُمعتك على ما تخفيه أكثر من اعتمادها على ما تعلنه، فالجميع يرتكبون الأخطاء لكن الحاذق هو من يعرف كيف يُخفي أخطاءه ويجعل غيره يتحمل عنه اللوم. عليك أن تحتفظ دائماً بكبش فداءٍ لِمِثل هذه المواقف.

مراعاة القاعدة 1

في نهاية القرن الثاني الميلادي، كانت إمبراطورية هان العظيمة على وشك الانهيار. وقتها ظهر الوزيرُ والقائد العسكري الكبير تساو تساو كأقوى رجل في الإمبراطورية. بدأ تساو تساو في شَنِّ حملةٍ للاستيلاء على السهول الوسطى وهو ما كانت تُحَتِّمُهُ الضرورةُ الإستراتيجية لكي يُرَسِّخَ قاعدةَ سَطوتِه ويَتَخَلَّصَ من آخر منافسيه.

أثناء حِصارِه لإحدى المدن الكبرى أخطأ في تقديرِ الوقت اللازم لوصولِ مؤونةِ الحبوبِ القادمة من العاصمة، وأثناء الانتظار تَناقَصَ مخزونُ المُؤن كثيراً لدى الجيش، وكان على تساو تساو أن يأمر متعهد الإمدادات بِخَفْضِ حصص الطعام المُخصّصة للجنود.

كان تساو تساو يُسيطرُ على جيشه بقبضةٍ من حديد، وينشرُ بين الصفوف شبكةً من الجواسيس، وقد أخبره هؤلاء أن الجنودَ يتذمّرون من أنه يعيش حياةً مُترَفَةً ويحتفظ بالمؤن لنفسه، بينما لا يجدون هم قوتَ يومهم، خاف تساو تساو أن ينتشرَ التَّذَمُّرُ ويَتَحَوَّل إلى تَمَرُّد، فاستدعى مُتعهِّدَ المؤن للحضور إلى خيمته.

قال تساو تساو للمتعهد «أُريدُ أن تقرِضَني شيئاً، وعليك أن لا تَرُدَّ طلبي»، فسأله المتعهد «ما الذي تريده؟» أجابه تساو تساو «أريد أن استعيرَ رأسك لِأَعرِضَها على الجنود» فصاح المتعهد «ولكني لم أُخطئ في شيء»، فقال تساو تساو وهو يَتَنَهَّدُ «أَعلَمُ، ولكن سيحدث تَمَرُّدٌ إن لم آمر بقتلك، ولا تحزن لأني سأكرم أُسرَتَك بعد رحيلك». ولم يكن أمام المتعهد خيارٌ إلا أن يَتَقَبَّلَ قَدَرَهُ، وقُطعت رأسه في اليوم نفسه. حين رأى الجنودُ رأسَ المُتَعَهِّدِ مُعَلَّقَةً ومعروضةً على الملأ توقفوا عن التَّذَمُّرِ، وحتى مَنْ فهموا ما فَعَلَهُ تساو تساو آثروا الصمتَ وأظهروا الإيمان بحكمته وعدله بدلاً من التصريح بعجزه ومعاناةِ قسوته.

التعليق:

حقق تساو تساو سطوته في زمن شديد الاضطراب. كان عليه للاستيلاء على مقاليد الأمور في إمبراطورية هان المنهارة أن يواجه الأعداء من كل جانب، کما تَبَيَّنَ له أن السيطرة على السهول الوسطى أصعب كثيراً مما تَخَيَّلَ، وكان عليه باستمرار العمل على توفير المال والمؤن، ولم يكن من الغريب وسط هذه الضغوط أن ينسى أن يطلب الإمدادات في الوقت الملائم.

بمجرد أن تَبَيَّنَ أن التأخير كان خطأً فادحاً قد يؤدي إلى حدوث تَمَرُّد، كان على تساو أن يختار بين أمرين: الاعتذار وتبرير الخطأ أو البحث عن كبش فداء. لكن تساو تساو كان يفهم الطريقة التي تعمل بها السطوة ويعرف أنها تعتمد على الحفاظ على المظاهر لذلك لم يتردد للحظة: أخذ يجول في المعسكر باحثاً عن الرأس المناسب وقطعه فوراً.

لا يمكن لنا أن نتوقف عن ارتكاب الأخطاء لأن العالم معقد ويظل يفاجئنا دائماً بالا نتوقعه، لكن رجال السطوة لا يشغلون أنفسهم بالتَّحَسُّرِ على ما ارتكبوه من أخطاء بل بالطريقة الأمثل للتعامل معها، فهم کالجراحين الذين يعملون على استئصال الورم بسرعة ودون تردد، ولا يفيدهم الاعتذار والتبريرات لأنها أدوات غير قاطعة لا تصلح لمثل هذه الجراحات الدقيقة. الاعتذار يفتح الباب لتشكيك الآخرين في كفائتك ومقاصدك ويجعلهم يتساءلون إن كانت هناك أخطاء أخرى لم تعترف بها. التبريرات لا تُقنع أحداً والاعتذار لا يمحو الخطأ بل يجعله يتعمق ويتقيح، والأفضل لك أن تستأصل الخطأ فوراً بأن تبعد عنك أنظار الآخرين وتحولها إلى كبش الفداء المناسب قبل أن يدرك الناس عجزك وتقصيرك.

أُفَضِّلُ أَن أَغدُرَ بالعالم أجمع عن أن يغدُر بي العالم (تساو تساو 155-200).

مراعاة القاعدة 2:

ظل سيزار بورجيا لسنوات طويلة يَشنُّ حملاتٍ باسم والده البابا ألكسندر للسيطرة على مناطق شاسعة من إيطاليا، واستطاع عام 1500 أن يستولي على رومانيا. كان يحكمُ هذه المنطقة لسنواتٍ وُلاةٌ جَشِعون ينهبون ثرواتها، ودون وجود شرطةٍ أو جهاتٍ لحفظ النظام فَرَضَ اللصوصُ والأُسَرُ الإقطاعية سيطرتهم على أقاليم بكاملها. لكي يستعيدَ النظامَ عَيَّنَ سيزار قائداً عسكريا للمنطقة هو روميرو دي أوركو والذي وصفه نيقولو مكيافيلي بأنه "شخصٌ قاسٍ لا يرحم أو يلين" وقد منحه سيزار السلطة المطلقة.

استطاعَ أوركو بالشِّدَّةِ والعنف أن يُرَسِّخَ نظاماً قاسياً للعدالة في رومانيا، وقضى على كل العناصر الخارجة على القانون. إلا أن حماسته قد بالغت في قسوته، وفي أعوام قليلة أصبحَت جميع الناس ترفضه وتكرهه.

في ديسمبر من عام 1502 اتَّخَذَ سيزار قراراً حاسماً، فأشاع أولاً أن الممارسات الرهيبة التي يرتكبها دي أورکو ليست بإقرارٍ منه وإنما سببها الطبيعة الوحشية للرجل، وفي 22 ديسمبر أَمَرَ باعتقال أوركو في مدينة سيسينا، وفي اليوم التالي لاحتفالات رأس السنة استيقظ السكان على مشهدٍ غريبٍ وسط ساحة المدينة: كانت جثة أورکو مقطوعة الرأس في ثيابٍ أنيقة ومعطف قرمزي، وبجانبها ثُبِّتَتْ رأسه على رمحٍ منتصبٍ وبجوارها السِّكِّينُ والنَّطْعُ المستخدمين في تنفيذ الإعدام. وقد كتب مكيافيلي عن ذلك قائلاً: کان عنفُ المشهد كافياً لإشعار الناس بالخوف والرضا معاً.

التعليق:

كان سيزار بورجيا يجيد لعبة السطوة، وكان يخطط دائماً لعدة خطوات مقدماً وينصب لخصومه شِراكاً بارعة، ولذلك امتدحه مكيافيلي أكثر من أي شخص آخر.

كان استشفاف سيزار لمستقبل رومانيا مدهشاً: فالعدالة الوحشية وحدها هي التي كانت قادرة على استعادة النظام في المنطقة، وأن تحقيق ذلك سوف يتطلب سنوات سيرحب الناس في بدايتها بالأمن ولكن مع الوقت سيزداد اعتراضهم على القسوة والوحشية خاصة حين يفرضها غرباء. لذلك كان على سيزار أن لا يظهر مُنَفِّذاً أو مُقِرّاً لهذا النوع من العدالة لأن كراهية الناس له قد تُدخله في مشكلات لا حصر لها في المستقبل، فاختار الرجل المناسب ليقوم عنه بهذه الأعمال القذرة، وكان يُقَدِّر أنه بمجرد انتهاء مهمة أوركو سيكون عليه أن يأمر بوضع رأسه على الرمح المنتصب. أي أنه في هذا الموقف كان كبش الفداء محدداً من البداية.

كان من عادة الأثينيين الاحتفاظ بأشخاص منحطين وخاملين للتضحية بهم، وكان إن حلت بهم كارثة كالطاعون أو الفيضان أو المجاعة يقودون كبانش الفداء هؤلاء... إلى خارج المدينة ويتخلصون منهم غالباً بالرجم. (الغصن الذهبي، سير جيمس فريتر 1854-1941).

مفاتيح للسطوة:

استخدام كباشُ الفداءِ قديمٌ قِدَم الحضارة ذاتها، ونجد له أمثلة في كل ثقافات العالم، والفكرة منه هي نقل الذنب والخطيئة إلى كائن آخر، شيء أو حيوان أو إنسان ثم التضحية بهذا الكائن بالنفي أو الإفناء. كان العبرانيون يضحون بكبش (ومن ذلك جاءت التسمية "كبش الفداء") ، كان الكاهن يضع كلتا يديه على رأس الحيوان ويعترف بخطايا بني إسرائيل کي تنتقل إليه الخطايا ثم يطلقونه في البرية. كان الأثينيون والأزتك يقدمون تضحياتهم بالبشر، وغالباً ما كان الضحايا أشخاصاً يغذونهم ويربونهم لهذا الغرض. كانت عقيدتهم توحي لهم بأن الأوبئة ليست إلا عقاباً من الآلهة على آثام البشر، أي أن الشعب لم يكن يتحمل الكوارث وحدها ولكن الذنب والمسئولية عنها أيضاً، وكانوا يحررون أنفسهم من الذنب بنقله إلى شخص برئ يسترضون بموته الآلهة ويطردون به الشر عنهم.

من الطبائع البشرية العميقة والمميزة ميلهم إلى تنزيه ذاتهم عن الخطأ والجريمة والبحث خارج أنفسهم عن كبش فداء يتحمل عنهم اللوم والمسئولية وتذكر الأسطورة اليونانية أنه حين اجتاح الطاعون مدينة طيبة أخذ الملك أوديب يبحث عن أي شيء قد يكون السبب لكنه لم يفكر أبداً في خطيئته بارتكاب الزنا مع أمه، والذي أغضب الآلهة غضبا شديداً، فعاقبت المدينة بالوباء. هذا الميل العميق لإبعاد الذنوب عن أنفسنا وإلقائها على شخص أو شيء آخر له سطوة هائلة يعرف الحاذقون كيف يستغلونها. التضحية شعيرة ولعلها أقدم الشعائر قاطبة لدى البشر ولكنها أيضاً معين لا ينضب للسطوة انظر كيف أن سيزار بعد أن قتل أورکو وضع جثته بطريقة رمزية وشعائرية أبعدت الذنب عنه وجعلت سكان رومانيا يتفهمون المغزى فوراً، فلأننا بطبيعتنا نبحث عن الذنب خارج أنفسنا بدلاً من داخلها لذلك يسهل علينا أن نتفهم إلقاء الذنب على كبش الفداء.

أصبحت إراقة دماء الضحايا من الذكريات الهمجية للماضي، لكن ما زالت التضحية بكباش الفداء قائمة بطرق رمزية وغير مباشرة. فالسطوة تعتمد على المظاهر وعلى رجال السطوة أن يظهروا للناس وكأنهم لا يخطئون؛ لذلك تظل للتضحية بكباش الفداء بين قادة اليوم نفس الرواج الذي كان لها بين قادة الأمس. فمن من القادة المعاصرين قد يكون مستعداً لتحمل المسئولية عن حماقاته وأخطائه القائلة؟ جميعهم يبحث عن كبش الفداء المناسب للتضحية به في مثل هذه الأحوال. حين فشلت الثورة الثقافية التي قام بها ماو تسي تونج في الصين فشلاً ذريعاً لم يعتذر أو يقدم التبريرات بل فعل ما فعله تساو تساو وقدم للشعب كباش فداء منهم سكرتيره الخاص وعضو آخر بارز في حزبه هو شن بوتا.

كان الرئيس الأمريكي فرانكلين د. روزفلت معروفا بأمانته وعدله، لكنه كان يواجه طوال تاريخه مواقف تجعله يرى أن طيبته ولطفه قد يعرضانه لكوارث سياسية، ولكنه أيضاً لم يقبل أن يشيع عنه ارتكابه للأعمال القذرة. لذلك وطوال عشرين عاماً ظل سكرتيره لويس هووي يقوم بالدور الذي كان يلعبه أوركو، فكان يعقد الصفقات السرية ويتلاعب بالصحافة ويقوم بالمناورات الدنيئة في الحملات الانتخابية، وحين كان يكتشف خطأ أو حيلة قذرة تناقض تَصَوُّرِ الناس عن روزفلت كان هووي يقوم بدور كبش الفداء دون امتعاض أو تذمر.

إضافة لتلقي كبش الفداء اللوم عنك يمكنك أيضاً أن تجعل منه عبرة للآخرين. في عام 1631 تم تدبير مؤامرة لحرمان الكاردينال الفرنسي روتشيليو من سطوته، وهي مؤامرة عرفت لاحقاً باسم يوم الأغبياء. اقتربت المكيدة من النجاح حيث شارك في التخطيط لها كبار رجال الدولة تساندهم الملكة الأم، لكن بالحظ والدهاء استطاع روتشيليو أن ينجو منها.

كان أحد المتآمرين الأساسيين هو حافظ الختم الملكي مورياك، ولم يكن روتشيلو يستطيع أن يسجنه دون أن يورط الملكة الأم وهو أمر بالغ الخطورة، ولذلك قرر بدلاً من ذلك أن يستهدف أخاً لمورياك كان يعمل مارشالا بالجيش ولم يشارك في المؤامرة. قَرَّر روتشيلو أن يجعل من هذا الأخ عبرة تحسباً لوجود مؤامرات أخرى لا تزال تختمر ضده خاصة من داخل الجيش، فحاکمه بتهمة مختلقة وأعدمه. هكذا استطاع روتشيلو أن يعاقب الجاني الحقيقي الذي ظن نفسه محصناً وأن يُحَذِّرَ من قد يفكرون في التآمر ضده في المستقبل من أنه لن يتورع عن التضحية حتى بالأبرياء للحفاظ على سلطته.

الحقيقة أنه قد يكون من الحكمة أن تضحي بأكثر من تجدهم من كباش الفداء براءة، فهم لا يملكون من السطوة ما يمكنهم من محاربتك واعتراضاتهم الانفعالية ستبدو للآخرين مفرطة، كما تجعلهم استماتتهم في الدفاع عن أنفسهم يظهرون في عيون الناس مذنبين، لكن احذر أن تجعل منهم شهداء، لأن غايتك هي أن تجعل الآخرين يرون فيك أنت الضحية، أي القائد المسكين الذي خانه تقصير من حوله. فإن ظهر أن من تُحَمِّله المسئولية ضعيفاً للغاية وبدا العقاب قاسياً ستظهر أنت الخاسر في النهاية، ومن الفطنة أحياناً أن تبحث عن كبش فداء أكثر سطوة حتى لا ينال تعاطف الناس على المدى الطويل.

على نفس المنوال، بَيَّنَ لنا التاريخ كثيراً فائدة اتخاذ الرفقاء المقربين كباش فداء، ويعرف ذلك باسم «ذلة الأعزة». كلُّ مَلكٍ لديه عزيزٌ أو أكثر من البلاط يقربهم منه دون أسباب واضحة أحياناً ويغدق عليهم بالاهتمام والحظوة. إلا أن هؤلاء الأعزة يَصلحون كباش فداء ممتازة حين تشوب سمعة الملك شائبة، حيث سيُصَدِّق الناس بسرعة أن هذا العزيز قد أذنب، ويرون أن الملك لن يضحي بشخص أحبه وقَدَّرَه إلا إن كان قد أذنب فعلاً، كما أن رجال الصفوة الآخرين الذين يبغضون هذا العزيز ويجسدونه على حظوته سيفرحون برؤية ذلته. وأخيراً سوف يتخلص الملك من رجلٍ ربما قد عُرِفَ عنه الكثير أثناء تَقَرُّبِه منه، بل ربما يكون قد أصابه الغرور أو حتى التجرؤ على الملك. اختيارك أقرب الرفقاء كباش فداء يشبه "ذلة الأعزة". قد يُخسِرك ذلك صديقاً أو مُعيناً، لكن على المدى الطويل سيكون من الأفضل لك أن تُخفي خطأك عن أن تحتفظ بشخص قد ينقلب ضدك ذات يوم، کا سيکون من السهل عليك أن تستبدله بأن تُقَرِّبَ مِنكَ غَيره.

اقتباس من معلم: الأحمق ليس من يرتكب الحماقة ولكن من لا يستطيع أن يخفيها. كل الناس يخطئون لكن يُخفي الحكيم ذِلته، أما الجاهل فينشر أخطاءه على الملأ. تأتي السمعة الطيبة غالباً بقدر ما تخفيه عن الناس وليس بقدر ما تظهره لهم. فإن لم تستطع أن تكون بارعاً فاعمل على أن تكون حريصاً. (بالتسار جراتسيان، 1601-1658).

الجزء الثاني: استخدم مخلب القط:

تحكي لنا الخرافةُ أن القرد حين أراد أن يُخرِجَ الفستقَ من النار أمسكَ بمخلب القطّ صديقه لينال به ما يريد دون أن يحرق نفسه.

إن كان عليك أن تفعل شيئاً بغيضاً أو لا يَسرُّ الناس، فلا تخاطر بأن تفعله بنفسك، بل استعن بمخلب قط؛ أي بشخصٍ يقوم عنك بالأعمال القذرة. مخلبُ القط يأتي لك بما تريد، ويجرح من تريد إيذاءهم ويُبعِدُ عنكَ المسئولية، دع شخصاً آخر يكون الجلادَ أو نذيرَ السوء، ولا تكن أنت إلا بشيراً بالخير والسرور.

مراعاة القاعدة 1:

في عام 59 ق. م. وفي العاشرة من عمرها شاهدت كليوباترا التي أصبحت لاحقاً ملكة لمصر خَلْعَ أبيها بطليموس الثاني عشر عن العرش ونَفْيِهِ إلى خارج مصر على يد بناته الأخريات أي أخواتها الأكبر منها.

قادت التَّمَرُّدَ أختها برنيس والتي أَكَّدَت انفرادها بالحكم بقتل زوجها، والحكم على باقي أخواتها بالسجن. ربما كان ذلك ضروريا لتأمين حُكمها، لكن قيامَها علانيةً بهذا العنف ضد أُسرتها رغم كونها من العائلة الملكية وبعد ذلك كملكةٍ أَرعَبَ رعاياها وأثارهم ضدها، وبعد أربع سنوات نجح التَّمَرُّدُ في إعادة بطليموس إلى الحُكم فأَمَرَ بِقَطْعِ رأس برنيس وبناته المتآمرات الأخريات.

في عام 51 ق. م، مات بطليموس الثاني عشر وترك أربعاً من البنات والأبناء. وحَسَبَ العُرفِ المعمول به في مصر وقتها تزوج الإبن الأكبر بطليموس الثالث عشر (وكان عمره عشر سنين) من أخته الكبرى كليوباترا (وكانت في الثامنة عشرة)، واعتلى الزوجان العرشَ كملكٍ وملكة، ولكن لم يرضَ أحدٌ من نَسْلِ بطليموس عن وَضعِهِ، وكان الجميع يطمحون ومنهم كليوباترا إلى الحصول على المزيد من السَّطوة، وتَصاعدَ الصراعُ بين بطليموس الثالث عشر وكليوباترا، وكان كل منهما يريد تَنْحِيَةَ الآخر عن العرش.

في عام 48 ق. م. وبمساعدةٍ من رجالٍ في الحكومة كانوا يخشون من طموحات كليوباترا، نجحَ بطليموس الثالث عشر في إِجبارِ أختِه على الرحيل عن البلاد لِيُصبح الحاكمَ الأوحد. في المنفى كانت كليوباترا تُخطّط كي تعود للحكم وتنفرد به دون منافس، وكانت تطمحُ في أن تستعيد لمصر أمجادها القديمة، وهو هدفٌ كانت تعرف أن أحداً من إخوانها لن يستطيع أن يحققه، وأنها لن تستطيع ذلك هي أيضاً طالما هم على قيد الحياة. لكن ما حدث لبيرنيس قد بَيَّنَ لها بوضوح أن أيَّ امرأة يراها الناس تقتلُ أهلَها لن تستطيع أن تكون ملكة، بل حتى بطليموس لم يستطع أن يقتل كليوباترا بالرغم من معرفته بأنها تتآمر ضده من منفاها خارج البلاد.

بعد عامٍ من نَفْيِ كليوباترا وصل الديكتاتور الروماني يوليوس قيصر إلى مصر عازماً أن يضمها إلى مستعمرات روما، رأت كليوباترا في ذلك فرصتها، فدخلت إلى مصر مُتَخَفِّيَةً وسافرت آلاف الأميال لمقابلة قيصر في الإسكندرية، وتقول الأسطورة أنها تَسَلَّلَتْ إلى قيصر ملفوفةً في بساطٍ تَمَّ مَدُّهُ بلطفٍ تحت قدميه، لتخرج منه الملكة الشابة. بسرعة بدأت كليوباترا في إلقاء شباكها على القيصر وتلاعبتْ بهوسه بالفخامة وإعجابه بالتاريخ المصري وأغدقتْ عليه من سِحرِ أنوثتها، وبالفعل استسلمَ الطاغيةُ وأعادها إلى حكم مصر.

اغتاظَ إخوان كليوباترا من تَفَوُّقِها عليهم في المناورة، ولم يستطع بطليموس الثالث عشر انتظارَ ما سيحدث بعد ذلك، ومن منزله في الإسكندرية بدأ يحشد جيشاً للزحف على المدينة وقتال جيش قيصر، فَرَدَّ قيصر بوضع بطليموس وباقي الأسرة الملكية تحت الإقامة الجبرية في قصرهم، ولكن استطاعت الأخت الصغرى آريسون أن تهرب وأن تقود القوات المصرية التي تقترب من المدينة، وأعلنت نفسها ملكةً لمصر. رأت كليوباترا في ذلك فرصتها: أقنعت قيصر بإطلاق سراح بطليموس من الإقامة الجبرية بعد أن وعد بالتَّوَسُّطِ لإقرار الهدنة، وبالطبع كانت متأكدةً من أنه سيفعل عكس ذلك وينازع آريسون على قيادة الجيش المصري، ولكنها رأت في ذلك فائدة لها لأنه سَيُفَتِّتُ الأسرة الملكية، وسيُوَفِّرُ الفرصةَ لقيصر لهزيمة إخوانها وقتلهم في المعركة.

بالاستعانة بقوات من روما استطاع قيصر بسرعةٍ أن يسحقَ المتمردين، وغَرِقَ بطليموس الثالث عشر في النيل أثناء تَقَهقُر الجيش المصري، وتَمَكَّنَ قيصر من أَسرِ آريسون وأحتجزها أسيرةً في روما، وأَمَرَ بإعدام الأعداء الكثيرين الذين تآمروا ضد كليوباترا وسجن من عارضوها.

لِتأكيد وضعها كملكة شرعية لمصر تزوجت كليوباترا من أخيها الأصغر بطليموس الرابع عشر ولم يكن يتجاوز الحادية عشرة من عمره، وكان أضعف إخوانه جميعاً، وبعد أربع سنوات مات بالسّمِّ ميتة غامضة.

في عام 41 ق. م وظَّفَتْ كليوباترا لتحقيق أغراضها قائداً رومانيا آخر هو مارك أنطونيو، باستخدام نفس الأسلوب الذي نجح مع قيصر. وبعد أن أوقعته في حبائلها أوعزتْ إليه أنَّ أُختها آريسون التي كانت لا تزال أسيرة في روما تتآمر للقضاء عليه. صَدَّقَها أنطونيو وأَمَرَ بقتل آريسون، وبذلك خَلَّصَها من آخر خطرٍ قد يُهَدِّدُ حكمها.

التعليق:

تحكي الأساطير أن نجاح كليوباترا كان قائماً على فتنتها وقدرتها على الإغواء، ولكن الحقيقة أن ما منحها السَّطوة هو براعتها في جعل الآخرين يتهافتون على تحقيق مصالحها دون أن يشعروا أنها تتلاعب بهم، فلم يكتفِ قيصر وأنطونيو بتخليصها من أخواتها وحسب بل استمرا في القضاء على كل أعدائها في الجيش والحكومة. كان الرجلان مخلبي قطّ في يد كليوباترا؛ يواجهان من أجلها النيران، ويقومان عنها بالأعمال القذرة اللازمة لتأمين حُكمها ويبعدان عنها شبهات القضاء على إخوانها وأقرانها من المصريين، وفي النهاية أذعن الرجلان لرغبتها في حكم مصر لا كمستعمرة بل كمملكة مستقلة حليفة لروما. فعلاً كل ذلك من أجلها دون أن يشعر أيٌّ منهما أنها تستغله أو تتلاعب به، وتلك هي القدرة على إقناع الآخرين والأَخْذِ بألبابهم في ألْطَف وأَمْهَر صِوَرها.

على الملكة أن لا تُلطخ يديها أبداً بارتكاب الأعمال القذرة، وعلى الملوك والحكام أن لا يَظهروا للجمهور ووجوههم مُخَضَّبَةٌ بالدماء، على الرغم من أن السَّطوة لا تنجو وتزدهر دون سحق الأعداء والمنافسين. ولا يستطيع حاكمٌ أن يحافظ على عرشه دون القيام ببعض المهام الصغيرة القذرة، وعليك أنت أن تقتدي بكليوباترا وتجد لنفسك مخلبَ قطّ.

يكون ذلك المخلبُ عادةً شخصاً من خارج دائرة المقربين حتى لا يَعرف أنكَّ تستغله، وسوف تجد مثل هؤلاء السُّذج والأغبياء منتشرين حولك في كل مكان، يَسُرُّهم أن يقدموا لك الخدمات لِنَيْلِ حظوتك خاصة إن أَلْقَيت إليهم ببعض الفتات، ويقومون عنك بأعمال يظنونها بريئة أو مبررة، وينشرون المعلومات التي تقدمها لهم، ودون قصدٍ يُرَسِّخون مواقفك ويدمرون أشخاصاً لا يعرفون أنهم أعداؤك ملطخين أيديهم بينما تبقى يداك أنت نظيفتين.

مراعاة القاعدة أ:

في أواخر عشرينيات 1920 اندلعتْ في الصين حربٌ أهلية بين الحزبين القومي والشيوعي للاستيلاء على الحُكم، وفي عام 1927 أقسم "شيانج كاي شك" قائدُ القوميين أنه سيقطع دابرَ الشيوعيين من البلاد. واقتربَ في السنوات التالية بالفعل من تحقيق هدفه، وطاردهم بقسوة إلى أن دفعهم في العامين 1934-1935 إلى الخروج فيما عُرِفَ بالزحف الطويل، أي الانسحاب لستة آلاف ميلٍ من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي للبلاد عبر أراضٍ وَعِرَةٍ وقاسية، وأثناء ذلك قَضى على أغلب قياداتهم العليا.

في عام 1936 كان شيانج يخطط للقيام بهجمة أخيرة تُنهي على ما تَبَقّى من الشيوعيين، لكن وَقَعَ تَمَرُّدٌ واعتَقَلَ الجنودُ "شيانج كاي شك" وسَلَّموه للشيوعيين، ولم يكن "شيانج كاي شك" يتوقع إلا أسوأ مصير.

في هذه الأثناء بدأ الغزوُ الياباني للصين، واندهش "شيانج كاي شك" حين رأى قائدَ الشيوعيين بدلاً من الأمرِ بتعذيبِه وقَتْلِهِ يَعرِضُ عليه صفقةً: أن يُخلي الشيوعيون سراحَه ويعترفون بقيادته لقواتهم مع قواته إن وافق على محاربة عدوهما المشترك. لم يُصَدِّق "شيانج كاي شك" نفسَه، وشَعَرَ أن الشيوعيين قد أصابهم الوَهَن، وشَعَرَ أنه بدون أن يُشَتِّتَ جيشَه في محاربتهم، سيكون من السَّهل عليه أن يهزم اليابانيين، وبعدها يَنقَلِبُ ويتفرَّغُ لِحَربهم من جديد، وحينها سيهزمهم بسهولة. رأى أنه لن يَخسَرَ أيَّ شيءٍ وسيكسبُ كل شيء إن وافَقَ على الشروط التي طرحها الشيوعيون.

حارب الشيوعيون اليابانيين بطريقتهم المعهودة أي حرب العصابات الخاطفة، بينما حارب القوميون حرباً تقليدية كجيش مُنَظَّم، وبعد سنوات استطاعا معاً دَحرَ اليابانيين، وعندها فقط أدرك "شيانج كاي شك" ما كان "ماو تسي تونج" يُخَطِّط له من البداية: أَضعَفَتْ مواجهة المدفعية اليابانية القوية جيش القوميين كثيراً، فأصبح يحتاج لسنوات ليتعافي، أما الشيوعيون فلم يتجنبوا تعريض أنفسهم لضربات مباشرة فحسب بل استغلوا الوقت في تنظيم أنفسهم والانتشار وکَسبِ ثغورٍ في كل أنحاء الصين، وبمجرد أن انتهت الحرب مع اليابانيين بدأت الحرب الأهلية من جديد، لكن هذه المرة استطاع الشيوعيون تطويق القوميين المنهكين وأخضعوهم بالتدريج.

هكذا كان اليابانيون مخلبَ قطٍّ لِـ"ماو تسي تونغ"، وبدون أن يقصدوا مَهّدوا الأرض للشيوعيين ومَكَّنوهم من تحقيق النصر على "شيانج كاي شك".

التعليق:

كثيرون من القادة حين يقع في أيديهم عدو قوي مثل شيانج كاي شك لا يترددون في قتله، إلا أنهم بذلك يفقدون الفرصة التي استغلها ماو. بدون خبرة شيانج كقائد للقوميين كان القتال لإجلاء اليابانيين سيستمر طويلاً وقد يأتي بنتائج كارثية. كان ماو أذكى من أن يترك غضبه يضيع عليه فرصة اصطياد عصفورين بحجر واحد، الحقيقة أن ماو استعمل مخلبي قط لتحقيق انتصاره الشامل. أولا، أغرى شيانج بمهارة أن يتولى قيادة الحرب ضد اليابانيين، وكان يعلم أن القوميين سيقومون بالجوانب الصعبة من القتال وأنهم سينجحون في دحر الجيش الياباني حين لا تشتتهم محاربة الشيوعيين، أي أن القوميين كانوا مخلب القط الأول وقد استخدمه ماو لطرد اليابانيين. ولكن ماو كان يعلم أيضاً أن المدفعية وسلاح الجو اليابانيين سيجهدان القوات التقليدية لدى القوميين ويحدثان بها دماراً لم يكن الشيوعيون يستطيعون إحداثه في عقود، ولماذا إهدار الوقت والدماء إن كان اليابانيون سيقومون عنهم بهذا الدور ويحققون لهم مرادهم بطريقة أكفأ وأسرع؟. تلك السياسة الحكيمة لاستخدام مخلب قط بعد الآخر هي التي مكنت الشيوعيين من الانتصار والحكم.

هناك استخدامان لمخلب القط: أولها الحفاظ على المظاهر كما فعلت كليوباترا والثاني الحفاظ على الطاقة والجهد، وهذا الأخير يتطلب منك بشكل خاص التخطيط لعدة خطوات مسبقاً وأن تعرف أن خطوة مؤقتة للخلف (مثل إطلاق سراح شيانج) قد تمنحك قفزة عملاقة للأمام. إن شعرت لفترة بالوهن والإجهاد واحتجت وقتا للتعافي يكون من الأصلح لك غالبا أن تجد آخرين تستخدمهم في نفس الوقت کستار دخان يخفي نواياك وكمخلب قط يحقق لك ما تريد: ابحث عن طرف ثالث يمتلك السطوة ويعادي عدوك (حتى ولو لأسباب غير أسبابك)، واستفد من سطوته في كيل اللكمات التي كانت لتكلفك الكثير من الطاقة لأنك أضعف، بل قد يكون عليك أن تستفز هذا الطرف بدهاء وتستنفر عدائيته ضد عدوك. ابحث دائماً عن المتحفزين للعداء كمخالب قط لأنهم دائماً متحفزون للدخول في الصراع ويمكنك أن توجههم للصراع الذي يخدم مصالحك.

مراعاة القاعدة 3:

كان كورياما دايزن بارعا في طقوس تقديم الشاي الياباني وكان تلميذاً للمعلم العظيم لهذه الطقوس صن نو ريکيو. في عام 1620 علم دايزن أن صديقه هوشينو سويمون قد اقترض مبلغاً كبيراً من المال لسداد دين أحد أقربائه، وهكذا خَلّص صديقه بأن حمل عنه وزره. كان دايزن يعرف جيداً أن سويمون لا يشغله المال وأنه بدخله البسيط سيتأخر عن سداد الدين لكاراشيا سانيمون - التاجر الذي اقترض منه المال- وأن ذلك سوف يُدخله في المتاعب، وكان يعلم أيضا أنه لو عرض على سويمون أن يسدد عنه الدين لرفض وشعر بالمهانة.

ذات يوم كان دايزن يزور صديقه وأثناء تجوله في حديقة المنزل لفت نظره بعض النباتات الجميلة وحين عادا وجد أن سويمون قد أرسلها إلى مجلس الاستقبال حتى يتمتع دايزن برؤيتها، وفي المجلس رأي أيضاً لوحةً رسمها المعلم كانو تينيو وصاح «آه... إنها حقاً لوحة رائعة... بل لعلها تكون أجمل لوحة رأيتها في حياتي». وأخذ يكرر إعجابه باللوحة حتى أصبح من الصعب على سويمون أن يرفض إعطاءها له، فقال له سويمون «حسناً، إن كانت قد أعجبتك إلى هذا الحد، فأرجو أن تتقبلها منى كهدية».

ادعي دايزن الرفض في البداية ولكن مع إلحاح سويمون قبلها. في اليوم التالي تلقى سويمون في المقابل صندوقاً ومعه بطاقة يطلب فيها دايزن من صديقه هذا التعبير عن امتنانه لكرم سويمون في إهدائه اللوحة. داخل الصندوق وجد سويمون مزهرية رقيقة ورائعة صنعها المعلم صن نو ريکيو بنفسه وعليها إهداء من الإمبراطور هديوشي. كان في البطاقة تعليق إضافي أنه في حالة لم يُرد سويمون الاحتفاظ بالهدية يمكنه أن يهديها لأحد المقربين منه حسب إرادته كالتاجر کاوشيا سانيمون الذي صرح كثيراً برغبته في امتلاكها «ولقد سمعت أن لديه تحفة ورقية جميلة (يقصد إيصال الدين) يمكنك أن تبادله بها».

حين أدرك المسعى الكريم لصديقه أخذ المزهرية إلى صاحب القرض والذي قال حين رآها «من أين حصلت على هذه التحفة. لقد سمعت عنها كثيراً ولكن تلك أول مرة أراها، فهي لا تخرج عن بوابات القصر الإمبراطوري». عرض عليه کاواشيا سانيمون أن يرد له في المقابل الإيصال وفوقه مثل دينه، ولكن سويمون لم يكن من النوع الذي يهتم بالمال ولم يكن يعنيه إلا أن يسترد الإيصال، فأعاده إليه کاواشيا سانيمون مسروراً، ثم توجه سويمون بسرعة إلى دايزن يشكره على مساعدته البارعة والنبيلة.

التعليق:

كان دايزن يعرف أن تقديم المعروف إلى الناس لا يكون أبداً سهلاً عليهم: فإن قدمته لهم بجلبة وخيلاء تشعرهم بأنهم مثقلون بالدين لك والالتزام نحوك وذلك قد يمنحك سطوة، لكنها سطوة تدمر نفسها بنفسها، لأنها تبثُّ في الناس المرارة والاستياء وفي النهاية يجحدونك. إيتاء المعروف بلطف وأناقة تعطيك سطوة أكبر من ذلك بعشرات المرات. فهم دايزن أن المنح المباشر لن يؤدي إلا إلى إشعار سويمون بالإهانة، ولكن حين جعل صديقه يعطيه اللوحة أشعره أنه أيضاً لديه ما يسعد صديقه، وفي النهاية انتهى الأطراف الثلاثة وهم يشعرون بالرضا وكل الأسبابه الخاصة.

الخلاصة أن دايزن جعل من نفسه مخلب قط لسويمون، أي الأداة التي تخرج له الفستق من النار. ربما حزن على خسارته للمزهرية، ولكنه حصل في المقابل على سطوة رجل الصفوة. رجل الصفوة يستخدم يديه في قفازين من الحرير ليخفف بها أي ضربات توجه إليه، وليخفي بها جراحه ويسترد مكانته بلطف وأناقة. وبمساعدته للآخرين يساعد رجل الصفوة نفسه في النهاية. ما فعله دايزن يقدم نموذجاً للكيفية التي يجب أن يتقدم بها أي صديق بالإحسان لصديقه: لا تستعرض أبداً إحسانك إليهم بل اجعل نفسك مخلب قط يخلص أصدقائك من الكرب دون أن تشعرهم بأنهم مدينون لك.

على المرء دائماً أن لا يتخذ الطرق المباشرة والمستقيمة في التعامل مع أمور الحياة. انظر للغابة وستجد أن الأشجار التي تقف مستقيمة تقطع بينما الأشجار الملتوية تظل قائمة. (كوتليا. فيلسوف هنادي القرن الثالث ق. م.).

مفاتيح للسطوة:

قد تظن أن عليك لكي تؤكد قيادتك أن تظهر دائماً أكثر كداً واجتهاداً من الآخرين، وأن تفانيك يمنحك السطوة. الحقيقة أن العكس هو الصحيح: فذلك يظهرك ضعيفاً، حيث يسأل الناس ما الذي يجعلك تعمل بهذا الجهد؟ وقد يرونك غبياً تُجهد نفسك لتحقق ما يحققه الآخرون ببساطة، أو أنك من النوع الذي لا يستطيع أن ينال مساعدة الآخرين ويتوجب عليه أن ينجز كل شيء بنفسه. رجل السَّطوة الحقيقي هو من لا يظهر أبداً مثقلاً بالجهد أو متعجلاً لإتمام الأمور، وبينما يُهلك الآخرون أنفسهم في العمل يستمتع هو بقضاء الأوقات اللطيفة لأنه يعلم كيف يجد الأشخاص الذين يؤدون عنه جهده ويبعدونه عن المخاطر. وقد تظن أيضاً أن قيامك بالأعمال القذرة بنفسك وانخراطك في تنفيذ ما يثير استياء الآخرين يجعلهم يخافونك ويستجيبون لسطوتك، لكن الحقيقة أن ذلك يجعلهم يرونك قبيحاً ومغروراً بالسطوة التي تمنحها لك سلطتك. أصحاب السطوة الحقيقيون هم من لا يلوثون سيرتهم بإنجاز الأعمال الدنيئة بأنفسهم ولا يرى الناس منهم إلا الإنجازات المجيدة.

 

من المؤكد أنك كثيراً ما تجد نفسك مُجبراً على الكدح وبذل الجهد أو على فعل أمور شريرة، لكن عليك أن لا تظهر للناس أنك تفعل أيّاً من ذلك. ابحث عن الأشخاص الذين يصلحون کمخالب قطّ، ودّرِّب نفسك على فن اکتشافهم وتوظيفهم وتوقيت استخدامهم والتخلص منهم حين ينتهي دورهم.

ذاتَ ليلةٍ وأثناءَ معركةٍ هامة من معارك الأنهار، وَجَدَ المُخَطِّطُ الاستراتيجي الصيني العظيم في القرن الثالث "شوكو ليانج" أنه مُتَّهَمٌ ظُلماً بالتآمر لصالح العدو، وكان عليه لكي يُثبت ولاءَه أن يحصل للجيش على 100,000 سهمٍ خلال ثلاثة أيامٍ، وإلا يُحكَمُ عليه بالموت.

وبدلاً من أن يُحاولَ "شوكو ليانج" تصنيعَ السِّهام والذي كان مستحيلاً، أخذ اثني عشرَ مركباً وملأها بِحَزَمٍ من القَشِّ، وَقَبْلَ الغروب، وحين أَخَذَ الضَّبابُ يُصَعِّبُ الرؤيةَ خلال النهر، أرسلَ المراكبَ نحو معسكر الأعداء. لم تشتبك قواربُ العدو مع مراكب "شوكو ليانج" خوفاً من وجود فَخٍّ ينصبه لهم داهيةُ الحرب وسط هذا الضَّباب، بل أمطروهم بوابلٍ من السهام التي كانت تلتصق بالقشّ، وبعد عدة ساعات عاد البَحّارَةُ المختبئون بالمراكب، واستقبلهم "شوكو ليانج" وجَمَعَ ما يزيد عن المائة ألف سهم المطلوبة.

لم يكن ليانج يفعل أبداً ما يمكن أن يفعله عنه الآخرون، وكان دائماً يلجأ إلى حِيَلٍ من النوع الذي ذكرناه. كان مفتاح استراتيجيته هو التفكير مقدماً وابتداع الطرق التي تغري الآخرين بفعل ما يكون عليه هو أن يفعله.

العنصر المصيري لإنجاح هذه الاستراتيجية هو إخفاؤك لأهدافك وإحاطتها بالغموض وجعلها تبدو للعدو كقوارب ليانج التي ظهرت فجأة خافتة في الضباب. وحين لا يدري منافسوك طبيعة ما تُقدِم عليه يتصرفون بطرق تضعفهم على المدى الطويل، بل الحقيقة أنهم بصبحون مخالب قط بين يديك. إخفاؤك لمقاصدك يسهل عليك أن تقودهم لتحقيق بالضبط ما تريده حين لا يكون من الأفضل لك أن تفعله بنفسك، وقد يتطلب منك هذا أن تخطط لعدة خطوات مسبقاً مثل كرة البلياردو التي تقفز بضع مرات على جوانب الطاولة قبل أن تسقط في النهاية في الحفرة الصحيحة.

كان الفتى الأصفر وائل المحتال الأمريكي المبدع في بدايات القرن العشرين يعرف أنه مهما بلغت براعته في انتقاء ضحيته والتقرب منه فإنه کشخص غريب عنه لا يكون في استطاعته أبدا أن ينال ثقته بمفرده، ولذلك كان يبحث عن شخص مقرب من الضحية ويستخدمه كمخلب قط. كان الشخص المختار أقل على سلم السطوة ولا يغري أحداً بالاحتيال عليه ولذلك يكون أقل ارتياباً، وكان وائل يبدأ بإثارة حماس هذا الرجل بخطة للحصول على ثروة هائلة في وقت قليل. بعد أن يصدق مخلب القط بإمكانية تحقيق الخطة غالباً ما يقوم دون استنفار باقتراح مشاركة رئيسه أو صديقه الثري: حيث يكون لديه الكثير من المال ليستثمره وترتفع بذلك أرباح الجميع، وهكذا يضم مخلب القط الضحية الذي كان يريده وائل من البداية وعندها لن يشعر بالارتياب في الاحتيال لأن من يستدرجه هو مرؤوسه أو صديقه الذي يعرفه جيداً. الحيل التي من هذا النوع هي الوسيلة الأمثل للتقرب من أصحاب السطوة: فمخلب القط هنا يرسخ مصداقيتك ويبعد عنك قُبح أن تظهر مُلِحّاً في التَّوَدُّد.

الطريقة الأسهل والأكثر فعالية لاستخدام مخلب القط تكون غالباً بزرع معلومات لديه ينقلها إلى الشخص الذي تستهدفه. وتُعَدُّ الشائعات والمعلومات المزيفة من الأدوات القوية خاصة حين ينقلها شخص يعرف عنه الجميع الصراحة وعدم القدرة على المراوغة أو التلاعب. حينها يسهل عليك أن تدعي البراءة وإخفاء أنك مصدر هذه الشائعات.

كان المعالج النفسي الاستراتيجي د. ميلتون ه. إريكسون كثيراً ما يقابل حالات من بين مرضاه تكون فيها الزوجة راغبة في العلاج بينما يرفضه الزوج رفضاً قاطعاً، وكان الدكتور ميلتون يلجأ بدلاً من التعامل الصعب لإقناع الزوج يبدأ بمناظرة الزوجة وحدها وينقل إليها تفسيرات لسلوكيات زوجها يعرف أنها ستغضبه حين يسمعها، وكان متأكداً أن الزوجة ستنقل لزوجها هذه التفسيرات وبعد أسابيع لا يتحمل الزوج ويصر على حضور الجلسات مع زوجته حتى يصحح للطبيب أخطاءه.

أخيرا فإن هناك مواقف يؤدي فيها قيامك عمداً بدور مخلب القط من أجل آخرين إلى حصولك على سطوة كبيرة. ذلك هو دهاء رجل الصفوة الماهر، وكان رمزه الأمثل السير والتر رالي الذي ألقى ذات مرة بمعطفه على الأرض الموحلة لتعبر عليه الملكة إليزابيث حتى لا يتسخ حذاؤها. وحين تدفع عن وليك أو صديقك المقرب بؤساً أو خطراً ستجده يَكِنُّ لك احتراماً كبيراً، وسوف يأتيك مردود ذلك عاجلاً أو آجلا. تذکر: حين تجعل مساعدتك تبدو رقيقة وعن طيب نفس سترتد عليك بسخاء وسطوة أكثر كثيراً عن لو بذلتها بِمَنٍّ وافتخار

الصورة: مخلب القط

للقط مخالب طويلة يمسك بها الأشياء وهي ناعمة ومبطنة.

أمسك بالقط واستخدم مخلبه لتلتقط به الأشياء من النار أو لتغرسه في صدر عدوك وتتلاعب به کما يتلاعب القط بالفأر قبل أن يلتهمة. قد تؤذي القط أحيانا لكن في أغلب الأحيان لن يشعر بشيء.

اقتباس من معلم: افعل كل ما يَسُرُّ الناس بنفسك، أما الأشياء المزعجة فاجعل طرفاً آخر يقوم بها عنك، فالأولى تمنحك الحظوة أما الثانية فتستثير عليك المرارة وتجلب إليك الضغينة. والناس يُكرِمون أو يُعاقِبون من يقوم بأعمال تؤثر فيهم، فاجعل الخير يأتي منك بينما تأتي الشرور من آخرين (بالتسار جراتسيان، (1601-1658).

عکس القاعدة:

عليك أن تكون في غاية الحذر والحرص حين تستخدم مخلب القط أو كبش الفداء، فهما کستائر تخفي بها عن الجماهير تورطك في أعمال دنيئة، وإن رُفِعَ الستار في أي لحظة وتَبَيَّنَ أنك المُتلاعب والمُمسك بالدمي تنقلب هذه التقنية ضدك - وتجد الناس يُحَمِّلونك وِزْرَ أخطاء لم ترتكبها وتتداعى إليك المشاكل كانهيار الثلوج وتفقد السيطرة على الأمور.

في عام 1572 تآمرت كاترين دي مديتشي ملكةُ فرنسا للتخلص من جاسبار دي کولوني الأدميرال في البحرية الفرنسية وقائد الطائفة البروتستانتية الفرنسية، وكانت تجمع الأدميرال صداقةٌ حميمة مع تشارل التاسع ابن کاترين، وكانت كاترين تخشى من تأثيره على الملك الشاب، ولذلك رَتَّبَتْ أن يغتاله أحدُ أفراد عائلة جيس، وكانت من أقوى العشائر الملكية في البلاد.

في السِّرِّ كان لدى کاترين ترتيبات أخرى: أن يُلقي البروتستانت على عائلة جيس مسئولية قتل قائدهم، وأن ينتقموا له منهم، وبذلك وبضربة واحدة تَمْحَقُ أو على الأقل تُضعِفُ أخطرَ منافسيها أي كولوني وعائلة جيس.

لكن خطة كاترين فشلت فشلاً ذريعاً في الأمرين معاً، فلم ينجح القاتل حيث أصاب کولوني دون أن يقتله. وكان كولوني يعرف أن الملكة تكرهه ولذلك توجهت إليها شكوكه وأخبر الملك بذلك، وفي النهاية أدى فشل الاغتيال وما تبعه من اضطرابات إلى تداعي الأحداث التي وصلت ذروتها في حرب أهلية بين الكاثوليك والبروتستنات تطورت إلى مذبحة مُريعة قُتِلَ فيها آلاف البروتستانت ليلة الاحتفال بيوم القديس بارثلمو.

إن كنت مضطرا أن تستخدم مخلب قط أو كبش فداء لإخفاء فعل له توابع جسيمة فعليك أن تكون في غاية الحرص والحذر: لأن استخدامهم بتهور قد ينقلب عليك، ومن الحكمة غالبا أن تدخر هؤلاء السذج لتحقيق طموحات بريئة حتى لا تلحق بك أخطاؤهم وتصرفاتهم غير المتوقعة أضرارا جسيمة.

أخيرا فإن هناك أوقات لا يكون فيها من مصلحتك إخفاء مسئوليتك أو مشاركتك عن خطأ ارتكبته، فحين تكون سطوتك آمنة عليك أحياناً أن تلعب دور النادم: بنظرة حزينة تطلب الغفران ممن هم أضعف منك، وأن تقوم بدور الملك الذي يبدي تفانيه وتضحيته بنفسه من أجل شعبه. وكذلك يكون عليك أحياناً أن تظهر مُنَفِّذاً للعقاب لِتَبُّثَ الخوف والرهبة لدى أتباعك، وبدلاً من التَّخَفِّي خَلفَ مخلب قط تظهر قدرتك كإشارة تهديد. لكن عليك أن لا تقوم بهذا الدور إلا في مواقف استثنائية لأنك لو أكثرت من استخدامه سيتحول الخوف إلى رفض

وكراهية وقبل أن تستعد ستطلق هذه المشاعر شرارة تمرد ومعارضة ستسقطك ذات يوم عن سطوتك. عليك إذن أن تعتاد على استخدام مخلب القط لأنه أكثر أمناً.

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)

إقرأ أيضاً:

طرق تأسيس الطفل قبل المدرسة

علامات تشير إلى افتقار طفلك للحب والحنان

أخطاء لا تقعي بها عند تربية طفلك

كيف تساعدين طفلك على تكوين الصداقات؟

نشاطات للبنات المراهقات في فصل الصيف

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والف

 

 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق