الجمعة، 24 يوليو 2020

• الإنسان والبيئة كـل هـذا الاستهـلاك!!


شهد المجتمع الأمريكي، في أعقاب الحرب العظمى الثانية، عهداً من الرخاء والوفرة، تحول فيه الاستهلاك إلى فلسفة وأسلوب حياة سائد. بل إن أحد مفكري ذلك الوقت، ويدعى (فيكتور ليبور)، دعا الأمريكيين إلى أن يتخذوا من الاستهلاك وسيلة لخلاص الروح وتحقيق الذات!

ووجدت تلك الدعوة استجابة واسعة، حتى أنها تعدت حدود الولايات المتحدة الأمريكية إلى عدد من مجتمعات الدول الصناعية، فأصبح الاستهلاك صبغة الحياة فيها، وتسللت القيم التي أفرزها، تزحزح القيم الاجتماعية التقليدية الراسخة في تلك المجتمعات، حتى أن اليابانيين استبدلوا ببعض قيمهم الموروثة قيما استهلاكية جديدة، فأصبحت بنود الحكمة الثلاثة لديهم، هي: التلفاز الملون ـ جهاز تكييف الهواء ـ السيارة!
ووصلت عدوى الاستهلاك إلى بعض المجتمعات الفقيرة، ففي الهند ـ على سبيل المثال ـ ظهرت طبقة متوسطة جديدة، يزيد تعدادها على مائة مليون نسمة، ساعدتها ظروف السوق الحرة، وأنظمة البيع بالتقسيط، فانطلقت قوتها الشرائية تخطف كل شيء، من السيارة إلى الوجبات المجمدة، وتحول الإنسان الهندي، ذو الميل التقليدي للمحافظة والبساطة في معيشته، إلى إنسان محموم بالشراء والاستهلاك.
لقد كانت لهذه الموجة الضارية من السلوك الاستهلاكي تبعاتها على البيئة، فقد جارت على الموارد الطبيعية، من غابات وتربة وماء وهواء، وأساءت إلى المناخ العام للأرض. وبالطبع، فإننا لا ندعو إلى نقيض مجتمع الوفرة والاستهلاك الكبير، فليس في الفقر والركود حل لمشاكل البيئة والموارد الطبيعية المنهكة، ولكن علينا أن نحدد لأنفسنا ما يكفينا من احتياجات تستطيع الموارد الطبيعية أن تفي بها، دون أن نسيء إليها ونجور على مخزونها. ونعلم أن ذلك قد يكون صعباً، ولكن من الضروري أن يتوقف البشر ليسألوا أنفسهم، كم يكفيهم ليشبعوا، فقد يساعد ذلك على توضيح حقيقة مهمة، وهي أنه إن لم تتغير معاييرنا الاستهلاكية، ونرى أن (الأكثر) ليس دائماً هو (الأفضل)، فلا جدوى من الإجراءات التي يجرى تنفيذها لتدارك تدهور الموارد الطبيعية.
لقد شهد العالم، في الخمسين سنة الماضية، طفرة هائلة في التقدم التكنولوجي، وارتفاع الدخل الفردي، ورخص المواد الخام، وانخفاض أسعار المنتجات، وأدى ذلك كله إلى ارتفاع مذهل في مستوى الاستهلاك، تؤكده الإحصاءات.. فمنذ منتصف القرن العشرين، تضاعف متوسط الإستهلاك العالمي، للفرد الواحد، من النحاس والطاقة واللحوم والصلب والخشب، مرة واحدة، بينما تضاعف متوسط استهلاك الأسمنت، كما تضاعف عدد مالكي السيارات، أربع مرات، وتضاعف استهلاك البلاستيك خمس مرات، والألومنيوم سبع مرات، كما تضاعف عدد المسافرين جواً 32 مرة، وانخفضت أعمار اللائي يشترين معاطف الفراء الثمينة، من 50 إلى 26 سنة!
وبصفة عامة، فإن الأمم الصناعية تستهلك ثلثي صلب العالم، وأكثر من ثلثي إنتاج الألومنيوم العالمي، وكذلك الحال بالنسبة للنحاس والرصاص والنيكل والقصدير والزنك، وأربعة أخماس الطاقة. ومنذ عام 1950 استهلك سكان العالم من السلع والخدمات ما يعادل ما استخدمه البشر، منذ فجر التاريخ الإنساني، ومنذ عام 1940، استغل الأمريكيون مناجم الأرض بصورة تعادل كل ما عرفته البشرية من نشاط تعديني قبلهم!
ولا ينبغي أن يفوتنا أن لكل نشاط اقتصادي أعباءه البيئية التي تثقل، أو تخف، بتأثير ثلاثة عوامل: حجم التجمع البشري المستفيد من هذا النشاط ـ متوسط الاستهلاك ـ درجة تقدم التكنولوجيا المستخدمة لتوفير الاحتياجات والخدمات لأفراد التجمع البشري.
إن الإسراف في استهلاك مادة طبيعية، مثل الخشب، يتضمن حفزاً إلى اقتطاع مزيد من أشجار الغابات الاستوائية، ويؤدي إلى تحميل مناخ العالم بثلثي كمية الغازات المسببة لظاهرة (الدفيئة)، بالإضافة إلى ثلاثة أرباع كمية الغازات المسئولة عن إنتاج الأمطار الحمضية، مثل أكاسيد الكبريت والنيتروجين.
وعلى أي حال، فمن الممكن التحكم في حجم الأعباء البيئية، بواسطة بعض الإجراءات ومنها: تغيير أنماط الزراعة، واختيار وسائل المواصلات المناسبة، واخضاع التخطيط العمراني والتصميمات الإنشائية للاعتبارات البيئية، وترشيد استهلاك الطاقة، وغيرها من الإجراءات التي تقلل من معدل استنزاف الموارد الطبيعية.
والجدير بالملاحظة، أن المجتمع الأمريكي يتقدم السباق العالمي في ثلاثة أنواع من السلوك الاستهلاكي: النقل والمواصلات ـ الغذاء ـ المواد الخام. وتبدو صورة السباق في النوع الأول (النقل والمواصلات)، وعند قاعها بليون إنسان من سكان العالم، لا يعرفون من وسائل المواصلات إلا أقدامهم!، لذلك، فإن معظمهم يموت قبل أن يتاح له الابتعاد عن مسقط رأسه بأكثر من 50 كيلومترا!
وفي مجال الغذاء، تقول إحصاءات البنك الدولي إن ثمة 360 مليون إنسان يأكلون طعاما غير صحي، ثم نجد طبقة عريضة من سكان العالم، تعدادها 3،4 بليون نسمة، يعتمدون في غذائهم على الحبوب والبروتين النباتي، أما أكلة اللحوم في العالم، فعددهم 1،2 بليون إنسان، تجد بينهم أعلى معدلات الوفيات بأمراض القلب. وثمة تعقيدات بيئية، غير ظاهرة، مرتبطة برفاهية الغذاء في العالم المستمدة من الوقود الأحفوري.. فمثلا يفضل الأوربيون (الخس) اليوناني، ويهمهم أن يزينوا موائدهم بورد مستورد من كينيا، ويأكل اليابانيون الديوك المستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية، ولحم النعام القادم من أستراليا، كما أن ربع الأعناب التي يأكلها الأمريكيون تأتي من شيلي، وبصفة عامة، فإن متوسط المسافة التي يقطعها الطعام الأمريكي، من المزرعة إلى المائدة، يبلغ ألف ميل!
ويرتبط السلوك الاستهلاكي في مجتمعات الوفرة بما يمكن تسميته بالإهدار، حيث أصبحت عمليات التعبئة والتغليف صناعة ضخمة، كما تزايد الاعتماد على السلع التي تستخدم لمرة واحدة ثم تهدر أو تهمل. وتبلغ تكلفة التعبئة والتغليف في الولايات المتحدة الأمريكية 225 دولاراً للفرد الواحد، في السنة، وتزن مخلفات التعبئة والتغليف في بريطانيا 8،4 مليون طن، سنوياً، أما المهملات الأمريكية، فمنها ـ كأمثلة ـ 180 مليون ماكينة حلاقة، وكمية من الألومنيوم تكفي لبناء هياكل 6 آلاف طائرة ضخمة، سنوياً، كما يهمل اليابانيون 30 مليون آلة تصوير كل سنة!
هكذا يجرى الاستهلاك في عالمنا، ويجر وراءه الأمراض التي تصيب البيئة، وأجسام المستهلكين المسرفين أنفسهم، بالأذى. ونحن لا ندين كل أفراد مجتمعات الوفرة، فثمة من يملكون القدرة على الاختيار المناسب، من أجل حياة بسيطة، خالية من المتاعب الصحية والبيئية، وإن كانوا يمثلون القلة.
فما الذي يدفع الكثيرين من إخواننا في الإنسانية إلى الاستهلاك بشراهة؟
هل لأن البشر، بطبعهم، لا يقنعون بما لديهم، كما أكد أريسطوطال: (إن جشع الإنسان لا يرتوي)؟!، أم السبب هو أن الأحفاد أغنى من الأجداد؟

والإجابة عن السؤالين بنعم يجب ألا تجعلنا نغفل وجود قوى أخرى دافعة إلى تنشيط الرغبة في الاستهلاك، مثل قوة الإعلان وسحره، حيث تزايد الإنفاق على صناعة الإعلان في العالم، من 39 بليون دولار في عام 1950، إلى 237 بليون دولار في عام 1990.
فهل يمكننا مواجهة جاذبية السلوك الاستهلاكي وكبح جماحه؟ إن الإجابة عن هذا السؤال بنعم يمكن أن تتحقق إذا التزم المستهلكون بقاعدة ذهبية تقول: من حقنا أن نحصل على احتياجاتنا، ولكن ليس على حساب مستقبل أبنائنا وأحفادنا!
في القائمة الحمراء القردوح
ويسمى أيضا بالقرد الكلبي، أما اسمه المعجمي فالبابون أبو قلادة، وهو قرد أفريقي شرس، له شعر بني قاتم يغطي رأسه وكتفه، أما قرد الـ (جيلادا)، فهو الاسم المعروف به في موطنه الأصلي الوحيد، أثيوبيا، حيث يعيش العدد المتبقي منه، ويتراوح بين أربعة آلاف وسبعة آلاف قردوح، في المرتفعات المعشوشبة والوديان الضيقة، التي ترتفع ألفي متر فوق مستوى سطح البحر.
ويقضي الجيلادا نهاره يرعى العشب في مجموعات مترابطة، تستخدم نغمات عالية مميزة، تقترب من حدود الضوضاء، في تحقيق الاتصال بينها، فلا يشرد منها قرد، فإذا جن الليل، لجأت إلى المنحدرات الصخرية الشديدة لتنام.
المشكلة التي تهدد وجود القردوح في خريطة الحياة على سطح كوكبنا، أنه لا طعام له سوى العشب، بينما يتوسع البشر على حساب بيئة ومراعي هذا القرد المسكين، لتحويل أرض العشب إلى مزارع ومناطق سكنية.
مسألة اتزان دراما بيئية مصورة!
استقر في وجدان الكثيرين منا، عبر حكايات الطفولة، أن الأسد هو ملك الغابة، وإن كان أحد لا يتوقف، في الغالب، لمراجعة صحة استحقاق هذا الوحش لهذا اللقب الجليل. ولا أحد يجهل أن الفيل هو أضخم كائنات اليابسة المعاصرة، قاطبة. والعلاقة بين هذين الوحشين، اللذين يتجمل أولهما بلقب الملك، وثانيهما بعلاقة مودة مع الأطفال في حدائق الحيوان.. العلاقة بينهما تحكمها توازنات القوى، حيث يحرصان، في الطبيعة، على الاحتفاظ بمسافة عازلة، لإبعاد فرص الصدام بين القوتين الكبريين في عالم الغابة.
ولكننا نستدرك، فنقول إن ذلك يحدث، فقط، في الأحوال الاعتيادية، حين تكون كل أمور الغابة متزنة، والحدود واضحة، أما إذا حل عنصر المنافسة على شأن حيوي، مثل الماء، فلا مهادنة ولا حذر، بل مواجهة سافرة.
وقد لاحظ علماء البيئة وسلوكيات الحيوان هذا التبدل في أحوال الأسود والفيلة، في حديقة تشوبي القومية، شمال بوتسوانا، في فصل الجفاف، الذي يمتد من أبريل إلى أكتوبر، حيث يندر الماء، ولا يوجد إلا في بقع صغيرة متناثرة في تلك الحديقة. وقد رصد العلماء أحوال الانقلاب في العلاقات بين الفيلة والأسود عند بقعة من هذه البقع، لا تزيد مساحتها على بضعة أمتار مربعة، ولا يتجاوز عمقها القدم الواحدة، ولا تكفي مياهها قطيعا متوسط الحجم من الفيلة، فالفيل الواحد يستهلك أكثر من 50 جالون ماء يومياً. ويلتف الفيلة حول حفرة الماء، صانعة بأجسامها الضخمة عائقا يحول دون اقتراب المزاحمين العطشى، وبينهم الأسود، بل إن الأمر قد لا يخلو من محاولة لاستعراض القوة، يقوم بها ذكر من الفيلة الفتية، فيتحرش بأسد يربض غير بعيد من مورد الماء، فيضطر الأسد إلى التراجع، فالتوقيت غير مناسب للمواجهة والرد.
وهكذا، يحتدم الصراع، ويصل إلى ذروته عندما تبدأ (استجابة) الأسود ضد هذه الروح العدوانية التي أظهرتها الفيلة تجاهها.. ولك أن تتخيل مدى شراسة هذه الاستجابة التي تبدأ بالإيقاع بالدغافل (صغار الأفيال) الغريرة التي تشرد عن القطيع، ويزداد سعار الأسود مع كل دغفل يقع تحت أنيابها. ثم ينظم الأسود هجوماً ليلياً، فتنتظر قطيعاً من كبار الفيلة، عند حفرة المياه.. وعندما تحين الفرصة المناسبة، تجتمع على واحد منها، تعتليه وتنشب فيه مخالبها وأنيابها، حتى يخرَّ صريعاً.
ولا تنتهي عمليات القتل، ولا يتدخل المسئولون في حديقة تشوبي القومية، فهم يعلمون أن الوفاق القديم كان لصالح الفيلة، فتكاثرت أعدادها، وفاقت حدود الاتزان الطبيعي المحسوب لجميع حيوانات الحديقة!!
أسفلت أبيض.. هواء أبرد!
يعيش سكان المدن في جزر ساخنة، هذه حقيقة يعانيها ـ ويعتادها ـ هؤلاء السكان. انظر إلى هذا المنحنى الحراري، تجد قلب المدينة يسجل أعلى ارتفاع في درجة الحرارة، ومعه الحي التجاري، وتنخفض الحرارة بشكل معقـول في الأحياء الواقعة عند أطراف المديـنة، وفي المناطـق الريفية. والسبب واضح، فالمدن مكتظة بالأبراج الخرسانية التي تسد منافـذ الهواء وتوقف حركته، وهي تكاد تخلو من الأشجار، بالإضافة إلى أن مسطحات بناياتها وطرقها المرصوفة بالقار تمتـص كمية كبيرة من الحرارة، ثم تقذف بها إلى الهواء في وقت لاحق، فيستمر الإحـساس بالحرارة طوال اليوم.
وقد شغلت هذه المسألة أحد مراكز البحث العلمي الأمريكية، فتوصلت أبحاث العاملين به إلى مادة أسفلتية، بيضاء اللون، تبلغ قدرتها على طرد الحرارة، بالانعكاس، خمسة أضعاف مادة الأسفلت القاتمة. وعند تجريبها في تغطية أسطح البنايات، وبعض الطرق، في مدينة فوينيكس الأمريكية، ثبتت فعاليتها، وأوضحت الحسابات أنها تخفض تكلفة الطاقة المستخدمة في تبريد مساكن المدينة بمقدار 37 مليون دولار سنوياً.
الخيول البيضاء تبرد مناخ الأرض!
أتى الدكتور روبرت فروين، من معهد سكريبس للأوقيانوغرافيا، بكاليفورنيا، بنظرية جديدة ملخصها أن أمواج المحيط العالية، ذات الذؤابات البيضاء، والتي يعرفها البحارة باسم الخيول البيضاء، لها تأثير مبرد على مناخ الأرض، إذ إنها تعكس ـ على سطحها الأبيض المزبد ـ كمية من أشعة الشمس أكبر من تلك التي تعكسها مياه المحيط الهادئة، وهذا التبريد الناتج عن الخيول البيضاء يكافيء كمية من الطاقة يقدرها دكتور فروين بحوالي 0،03 وات، لكل متر مربع من سطح الأرض كله، وهي كمية تعادل 2% من طاقة تسخين مناخ الأرض، التي ينتجها تزايد مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
ويقول دكتور فروين، إن التأثير يبدو ضئيلا، ولكنه مؤثر ومحسوس ومشجع، إذ يتميز بأنه يتناسب مع الارتفاع في درجة حرارة جو الأرض، لأن الاستمرار في تسخين مناخ الأرض يؤدي ـ إذا حدث ـ إلى توليد رياح أقوى، وهذه ـ بدورها ـ تصنع أمواجا ضخمة، فيمتليء سطح المحيط، لفترات أطول، بالخيول البيضاء. وقد بينت الحسابات والنماذج الرياضية أن زيادة في سرعة الرياح مقدارها 6 ـ 14 مترا في الثانية، يمكن أن تؤدي إلى مزيد من تلك الأمواج ذات القمم البيضاء، بحيث يتضاعفت تأثيرها المبرد للمناخ الأرضي.
ويضيف دكتور فروين إن هذا التأثير يكون أكثر وضوحا على المستوى المحلي، أو الإقليمي، ويضرب مثلا على ذلك ببحر العرب، حيث تعكس المياه المتمورة جانبا من أشعة الشمس يعادل كمية من الطاقة مقدارها 0،7 وات/متر مربع، وذلك يؤدي إلى خفض درجة حرارة الهواء فوق ذلك البحر بمقدار 0،2 درجة مئوية.

إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق