السيف اليماني
أطلق العرب على السيوف المصنوعة في اليمن اسم السيف اليماني، حيث يذكر ابن هذيل في «حلية الفرسان وشعار الشجعان» «وللسيف في لغة العرب أسماء كثيرة وأوصاف متعددة منها (الجنثي) وهو من أجود الحديد، وقيل الجنثي: هو القين الذي كان يعملها فنسبت اليه، والذي طبع بأرض الهند نسبت إليه قيل هندي ومهند أو هندواني، وكذلك اليماني منسوب إلى اليمن».
كما
ذكر الشمشاطي في «الأنوار ومحاسن الأشعار» «المعضد الذي يمهن في قطع الخشب وغيره،
والخشيب الصقيل، والمهند منسوب إلى الهند، واليماني منسوب إلى اليمن».
السيف
اليماني هو الهدية الأغلى والأنفس التي تهدى للملوك والسلاطين، فقد ذكر في
المرويات الشعبية أن الملكة بلقيس أهدت لنبي الله سليمان - عليه السلام - خمسة
سيوف يمانية من أجود ما جادت بها صناعة السيوف حينها، كما أهدى عمرو بن معد يكرب
الزبيدي سيفه الصمصامة لخالد بن العاص عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
اليمن، ولكن الهدية الأغلى كانت التي أرسلها علي بن محمد الصليحي للخليفة المستنصر
بالله الفاطمي في مصر، وكان على رأسها سبعون سيفًا يمانيًا بمقابض من العقيق
الخالص.
يعد
السيف اليمني دليلاً مهمًا على التطور في مجال الصناعات والحرف التقليدية في
اليمن قديمًا، هذه الصناعة التي لاقت رواجًا وصيتًا حتى صار السيف اليمني مضرب
الأمثال في الشدة والصلابة وللسيوف المصنوعة في اليمن مكانة خاصة عند العرب حتى
صارت مثارًا للتفاخر بينهم، نذكر على سبيل المثال بعض الأقاويل:
يقول
ابن الرومي
جرجرة
من ماء ليل تشرين
كرونق
السيف اليماني المسنون
وقول
أبي تمام
فما
صقل السيف اليماني لمشهد
كما
صقلت بالأمس تلك العروض
وقال
النابغة الجعدي
وقد
أبقت صروف الدهر مني
كما
أبقت من السيف اليماني
كانت
للسيوف اليمانية في العصور القديمة وظائف اجتماعية إلى جانب المهام القتالية، حيث
صنعت سيوفًا مخصصة لأغراض دينية تستخدم في الشعائر الجنائزية فتنكس أثناء الخطوة
الجنائزية وتدفن مع الجثة من ضمن الأثاث الجنائزي، استمرت صناعة وشهرة السيوف في
اليمن الى دخول السلاح الناري بديلاً عن السيف عن طريق العثمانيين، ويوجد في
المتحف الحربي بصنعاء مجموعة لسيوف عثمانية عليها زخارف ونقوش هي مزيج بين الفن
التركي واليمني، وفي الوقت الحالي فإن السيف لم يعد له حضور في الحياة الاجتماعية
سوى استخدامه في بعض المناسبات الاجتماعية، مثل عادات الأعراس خاصة في المناطق
الشمالية، حيث يحمل العريس على كتفه سيفًا يكون الغمد مطرزًا بألوان ذهبية ويظل
العريس حاملاً السيف إلى انتهاء مراسيم حفلة الزفاف وإحضار عروسته إليه، كذلك ما
زالت بعض الأسر اليمنية تزين مجالسها الخاصة بالسيوف اليمنية، حيث تعتبره جزءًا
أساسًيا من الأثاث الفاخر للمنزل والذي يدل على العراقة والأصالة التي تتمتع بها
الأسرة كما أن للسيف له حضوره في بعض الرقصات الشعبية.
سيرة
التبع اليماني شمر يهرعش
شمر
يرعش بن أفريقيس بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش، وهو الذي أحدث السيوف
الحميرية البرعشية، وهى أحكم السيوف سفيًا، وأكثرها جوهرًا. من بقاياها
الصمصامة سيف ذي يزن الذي صار إلى عمرو بن معدي كرب الزبيدي.
ولعل
من الأنسب أن نتطرق بداية إلى السيوف الصواعق لمعرفة أصل السيف: «أما السيوف
الصواعق فثلاثة، وقيل سبعة، وقال آخرون بل أربعة عشر سيفًا ضربت أيام يافث بن نوح
- عليه السلام - الذي جمع الأموال وعبأها خزين، وجعل عليها طلسمًا وركب السيوف على
الطلامس... وأحد تلك السيوف موجود في جبل الملحاء، في بئر الكنز الذي خبأه التبع
اليماني، ويقال إنه يسبك من الصاعق وزن حبة خردل على الفولاذ، ويضرب منه سيف لم
يحمل في غمد».
ومن
الواضح أنه في سيرة التبع اليماني قد أشار إلى شيء من هذا القبيل عندما أورد سيرة
تملكه جزيرة اليمن وأرض حضرموت وبلاد الأحقاف والحجاز، وأراد أن يخرج إلى ناحية
العراق، فأتى جبل الملحاء، وأراد أن يحفر فيه سربًا عظيمًا، فجهزه تحت الأرض مسيرة
ثلاثة فراسخ أو أكثر... ثم أمر أن يحفر في أواخر السرب بلدًا عظيمًا، والأصح سوقًا
عظيمًا بدكاكين متقابلة مصطفة على خيط واحد... وحفر في وسط السوق بئرًا واسعة
وعميقة، وجمع جميع الأموال التي معه وكنزها في تلك البئر، وجعل فيها طلسمًا، إذا
أنزل إنسان رجله على العود المعارض، دار العود؛ وفي العود سيف مصنوع قاطع يضرب
الإنسان نصفين... وما أظن السيف أصله إلا من الصاعقة».
سيرة
أسعد الكامل
الإنسان
اليمني معتز بسلاحه، فهو الرفيق الذي لا يفارقه في سلم أو حرب، حتى صار جزءًا من
زيه التقليدي ووجاهته ومكانته لدى الآخرين، ليغدو مع الوقت من قبيل المقدسات، لا
يتنازل عنه ولا يفرط به، وإذا حدث ذلك فيستصغر ويستنقص من قبل الآخرين ويصبح ذلك
وصمة عار تلحق بذلك المفرط.
تنقسم
الطبقات الاجتماعية في اليمن تراتبيًا الى عدة طبقات منها طبقة ما يسمى بطبقة
المهمشين وأغلب أبناء هذه الطبقة يمنعون من حمل السلاح أو الاشتراك بالقتال الذي
تتبناه قبائلهم، ويعيش أفرادها بحماية القبيلة التي يتبعونها، ويحكى عدة روايات عن
سبب منعهم من حمل السلاح، إحداها تعود إلى أيام سيرة الملك اليمني أسعد الكامل
تقول بأنه: «كان يحارب الروم من بحر الى بحر ولما لجؤوا الى بحر الظلمات طاردهم
أسعد الكامل بجيشه حتى أفناهم، وبينما كان يخوض بحر الظلمات، عائدًا إلى اليمن سقط
سيفه في الماء، فصاح بأهل اليمن أن يهبوا ويخرجوا السيف من بحر الظلمات، فلبوه عن
بكرة أبيهم، وغاصوا مع الملك في ماء بحر الظلمات حتى عادوا بالسيف، ولم يتخلف عن
إجابة نداء الملك إلا حفنة من الناس، فحكم عليهم بالتحقير والسكن في أطراف مضارب
القبائل، ومنعوا من تقلد السيوف وأي سلاح آخر، وسموا من يومها بالأطراف.
فالسيف
مقدس لدى اليمنيين، والحرمان من حمله فيه تحقير، فكان عقاب من تخلفوا عن نداء
الواجب، العار المتمثل في حرمانهم وسلالتهم من حمل السلاح.
سيرة
سيف بن ذي يزن
الصمصامة
أشهر السيوف اليمانية، قال أبو زيد: «الصمصام هو الماضي». وقال الأصمعي: «السيف
الصارم هو الصمصامة الذي لا ينثني ويكون عرض نصله قدر ثلاث أصابع تامة أو أقل وهو
سيف لا ينثني، ذو حد واحد، وله شفرة حادة، والأخرى جافة». وقد قال ابن عباس لبعض
اليمنيين: «لكم من السماء نجمها، ومن الكعبة ركنها، ومن السيوف صمصامها»، وقد مدح
خالد بن الوليد السيف الصمصام في غزوة مؤته بعد أن تكسرت في يده تسعة سيوف، فأعطي
السيف الصمصام، فثبت في يده.
نلاحظ
هنا كيف ربط السيف بين سيرة الملك سيف بن ذي يزن، وسيرة التبع اليماني شمر يهرعش
الذي أخفى كنوزه وجعل السيف حارسا لها. ففي سيرة سيف بن ذي يزن يحكي الرواة عن كيف
«أخذ السيف وتقلد به ونظر إلى جفيرة، وقال في نفسه أنا آخذ السيف وأرمي جفيرة،
فافتض السيف من غمده، وهزه... وأراد أن يرمي الجفيرة؛ فإذا بالصدأ الذي عليه يقع
على الأرض، وإذا هو ذهب خالص... ففرح ورد السيف في الجفيرة، فتصايح الخدام في ذلك
المكان، وقالوا يا ملك، لا تجرده بعد ذلك هنا، فإنه يحرقنا بالطلاسم التي عليه».
لم
يستعد سيف بن ذي يزن كنوز آبائه المكنوزة في جبل الملحاء، لكنه اكتفى بأن حملا معه
سيفهم، حيث يعتبر هنا السيف الإرث الحقيقي الذي يجب أن يمثل قيمة السيادة والقيادة
لدى الفرسان، فالسيف الذي صنع في عهد يافث ابن نوح لم يحصل عليه سوى ذو القرنين
الذي أبطل مفعول الطلاسم، وأخذ الكنوز وتذكر الأسطورة حصول التبع اليماني على أحد تلك
السيوف دون الكنز، وهذه دلالة إلى مدى أهمية السيوف لدى ملوك اليمن حتى أنهم
يفضلونها على أي كنز.
رواة
السيرة الشعبية للملك اليمني سيف بن ذي يزن يؤكدون في أكثر من ملحمة أن السيف
اليماني الصمصام هو السيف المرافق للملك سيف بن ذي يزن في معاركه. نلاحظ ذلك في أكثر
من موقعة، فمثلًا:
-
فلبست الملكة قمرية عدتها وأخذت معها ولدها الملك سيف بعدما لبس عدته (وتقلد
بصمصامته) وقال لوالدته المكان بعيد فقالت يا ولدى هذا مكان قريب فطلعوا ليلاً
الاثنين ولم يعلم بهم أحد من العسكريين.
-
نظر الملك سيف بن ذي يزن إلى ذلك الحال فصاح على عصبة الإسلام أمرهم بالجملة على
الأعداء اللئام فزحفت الإسلام وضربوا (بالحسام الصمصام) ورفع الطن بالرمح ذي
الكعوب المعتدل القوام فما بقيت تسمع للسيوف إلا الرنين ولا للرماح إلا الطنين ولا
للجرحى إلا الأنين وما كان إلا ساعة من الزمان حتى بقيت الجثث كيمان والدماء
كالخلجان والحصا كالمرجان واشتد الضرب والطعان وامتلأ من القتل الميدان (ولعب
السيف اليمان) في أعناق أهل الطغيان.
-
في معركته ضد سعدون يقول مخاطبًا نفسه: «إذا نزلوا إلى هذا المكان، فسأطلع عليهم،
وأبذل فيهم (الحسام اليماني). وقال له سعدون في مقطع آخر: « يا فريد ومبيد الأعداء
اللئام (بالحسام الصمصام»).
-
أما عندما كان سيف بن ذي يزن يسلب الأعداء سيوفهم ويقاتل به، فنلاحظ بأن سيوفهم من
سيوف الهند. يقول الراوي في أحد المقاطع: «ونظر الى حاجب من الحجاب قادم عليه،
وبيده حسام، فصرخ في وجهه، وكبكب له يده ولكمه في صدره، فخسفه الى حد ظهره، وأخذ
منه الحسام، وزمجر على الأعادي اللئام ... وأنشد يقول:
سأفنيكم
بعون الله وحدي
بحد
مهند يزهو صقولا
-
وفي معركته ضد الملكة قمرية، والتي كانت متحصنة في المدينة، التي بناها الملك ذي
يزن، فإن الجيش الذي كان برفقة سيف بن ذي يزن، والمكون من مقاتلين سودان وأحباش
يحملون سيوفًا هندية (عشرة آلاف فارس، من كل بطل مداعس وليث ممارس، على خيل عربية،
وهم في همه قوية، متقلدين السيوف الهندية).
أما
الملكة قمرية، فكان ردها: «ونحن خيولنا شداد، وسيوفنا حداد، ورماحنا مداد... وما
بيني وبينه إلا الحرب، والصدام وضرب (الحسام الصمصام)...».
سيرة
عمرو بن معد يكرب الزبيدي
أشهر
أنواع سيوف الصمصام هو صمصامة عمرو بن معد يكرب الزبيدي. وتدور الكثير من القصص
والروايات حول هذا السيف؛ حيث يقال إنه أحد السيوف التي أهدتها الملكة بلقيس ملكة
سبأ لنبي الله سليمان، كما تذكر بعض الروايات أن الخليفة عمر بن الخطاب سأل يومًا
عن أمضى سيوف العرب، فقيل له: صمصامة عمرو بن معد يكرب الزبيدي، فأرسل إلى عمرو أن
يبعث إليه سيفه المعروف بالصمصامة، فبعثه إليه، فلما ضرب به وجده دون ما كان يبلغه
عنه فكتب إليه في ذلك، فردَّ عمرو: «إنني إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف، ولم
أبعث إليه بالساعد الذي يضرب به». كما تورد المرويات قصة أخرى، تحكي أن ملك الهند
أرسل وفدًا إلى هارون الرشيد يحمل معه هدايا ثمينة، بينها عشرة سيوف من أجود سيوف
الهند، وحين قُدِّمتْ إليه دعا بصمصامة عمرو بن معد يكرب ليختبرها، فقُطعت به
السيوف سيفًا سيفًا كما يقطع الفجل، من غير أن تنثني له شفرة، أو يفلّ له حدّ.
سيرة
عنترة بن شداد
في
السيرة الشعبية لعنترة العبسي يذكر الرواة عثور عنترة على سيف التبع سيد بني
حمير ولقب تبع يطلق على ملوك اليمن الحميريين، وكيف ان هذا السيف كان دليلًا على
عدم هزيمة عنترة (وجد فارسين يتهيأن للقتال والمبارزة فقال ما خطبكما ؟ فاندفع
أحدهما إليه وطلب أن يجيره ، فقال:
أطلعني
على جلية أمرك وأصدقنى نبأك، فقال: نحن أخوان شقيقان، وأخي هذا أكبر مني سنًا،
وأبونا الحارث بن تبع سيد بني حمير، وكان له سيف يسمى الظامئ، ولما أحس دنو أجله
دعاني إليه سرًا وقال: إني أخاف عليك من أخيك فخذ هذا السيف واخف أمره عنه، فإذا
جار عليك من بعدي وظلم، فاذهب به إلى مَن شئت من ملوك العرب فإنك واجد بسببه العون
والغنى، فصدعت بأمره ودفنته في مكان بالصحراء أعرفه، ولما مات أبى تفقد أخي هذا
السيف فلم يجده، فأنذرني بالقتل إن لم أدله على مكانه، ولم أر مفرًا من طاعته،
وجئت به إلى مكان السيف وجعلت أبحث فيما أعرف وما لا أعرف، ولكني لم أجد إليه
سبيلاً، فلم يصدقني وعبثًا حاولت إقناعه، فسل سيفه يبغي قتلي وتهيأت للدفاع عن
نفسي، فكان قدومك إلينا، فاحكم بما ترى بيننا. فتقدم عنترة إلى الفارس الثاني
وقال:
لم
تظلم ابن أمك وأبيك؟ فاستكبر وأبى أن يجيبه وسل سيفه من غمده وهجم عليه يريد قتله،
ولكن عنترة سبقه وغرز رمحه في صدره فخر صريعًا، فشكر الأخ الأصغر لعنترة جميل
عونه، واستردعه إلى دياره وأهله ونزل عنترة عن جواده وجلس على الأرض هنيهة، وجعل
ينكت الأرض بأنامله، فعر بغمد جذبه إليه، وسل منه سيفًا يسيل الموت من حديه، فعلم
أن نجم سعوده لا يزال في صعود، ورجع إلى مالك بن زهير وقص عليه خبره، فسر سرورًا
عظيمًا، واعتقد أن هذا الحادث بشير فوزه ونصره).
وقد
ذكر عنتر بن شداد هذا السيف في أكثر من موقعة
أسمر
من رماح الخط لدن
وأبيض
صارم ذكر يماني
وقال
أيضًا
نُجيدُ
الطعنَ بِالشمرِ العوالي
وتضرب بالسيوف المَشرَفِيه.
المصدر: 1
مهارات الانضباط الذاتي للأطفال: الأساسيات والطرق
تربية الأبناء على مواجهة التنمر:مسؤولية وأهمية
كثرة حركة الطفل دليل ذكاء أم مشكلة؟
إرشادات لتحسين الصحة النفسية للأطفال وتعزيز رفاههم
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق