الأربعاء، 28 مايو 2025

• تأثير الزّهايمر على اضطراب اللّغة

الزهايمر

يُعدّ الزّهايمر من أكثر الأمراض العصبيّة التّنكّسيّة شيوعًا، إذ يترك أثرًا عميقًا في الذّاكرة والقدرات المعرفيّة والسّلوك الإنسانيّ؛ ويشكّل اضطراب اللّغة أحد أبرز الأعراض التي تواجه المصابين، حيث يمسّ جوهر قدرتهم على التّفاعل والتّواصل مع محيطهم؛ وتتباين حدّة هذا الاضطراب من شخص إلى آخر، غير أنّه يزداد تفاقمًا مع تقدّم المرض، ما يجعل التّعبير عن الأفكار والاستجابة للآخرين تحدّيًا متصاعدًا، يفرض نفسه على المريض ومحيطه.

الزّهايمر مرض عصبيّ، تتجلّى ملامحه في تدهور متصاعد لوظائف الدّماغ، إذ تبدأ أعراضه باضطراب الذّاكرة قصيرة المدى، ثمّ تمتدّ لتطال أنماط التّفكير والسّلوك، فتُعيق قدرة المريض على أداء مهامّه اليوميّة بسلاسة؛ ومع تفاقم المرض، تصبح القدرة على التّواصل أكثر تعقيدًا، فينعكس ذلك على حياة المريض، مؤثّرًا في استقلاليّته وجودة معيشته؛ ليحوّله تدريجيًّا إلى أسير للنّسيان والعجز عن التّفاعل مع محيطه.

الآليّات العصبيّة لاضطراب اللّغة في الزّهايمر

في مرض الزّهايمر، تتعرّض مناطق الدّماغ المسؤولة عن الذّاكرة والإدراك، مثل «الحُصين» و«القشرة الدّماغيّة»، إلى تدهور تدريجيّ، ممّا يُحدث تأثيرات عميقة على الوظائف اللّغويّة؛ فتنعكس هذه التّأثيرات في ضعف القدرة على استرجاع الكلمات والتّعبير عنها، فضلًا عن تراجع الفهم اللّغويّ، وصعوبة تحويل الأفكار إلى جمل متماسكة، وتتفاقم المشكلة بفعل تدمير الوصلات العصبيّة التي تُعدّ الجسر الحيويّ للتّواصل بين الخلايا في المناطق المسؤولة عن اللّغة، ما يؤدي إلى تعطيل العمليّات الذّهنيّة المعقّدة التي تسهم في صياغة المعاني وفهمها.

هذا التّدهور المستمرّ يوضّح الانهيار البنيويّ والوظيفيّ لنظام الدّماغ اللّغويّ، فيصبح التّواصل تحدّيًا متزايدًا يواجه المرضى مع تقدّم الحالة.

أنواع اضطرابات اللّغة في الزّهايمر

تؤدّي التّغيّرات الدّماغية في الزّهايمر إلى عدّة أنواع من اضطرابات اللّغة، منها:

-الفقدان التّدريجيّ للكلمات: «Anomia» يعدّ هذا النّوع من أكثر الاضطرابات اللّغويّة شيوعًا لدى مرضى الزّهايمر، حيث يواجه المصاب صعوبة متزايدة في استدعاء الكلمات المناسبة أثناء الحديث، فيتردّد في التّعبير، أو يستعيض عن الكلمة المطلوبة بوصفٍ غير دقيق، وربّما يكتفي بالإشارة إلى الشّيء بدلًا من تسميته.

ومع تفاقم المرض، تصبح هذه الفجوات اللّغوية أكثر وضوحًا، الأمر الذي يؤثّر على قدرة المريض على التّفاعل بسلاسة مع محيطه، ويزيد من إحساسه بالإحباط والعجز عن إيصال أفكاره، كما كان يفعل من قبل.

- اضطرابات الفهم اللّغويّ: «Aphasia» تعدّ من الأعراض البارزة لمرض الزّهايمر، إذ يواجه المريض صعوبة متزايدة في إدراك المعاني اللّغويّة واستيعاب المفردات، ممّا يؤثّر على قدرته على التّفاعل مع الآخرين بسلاسة، وقد يجد صعوبة في فهم الجمل المعقّدة، أو التّراكيب اللّغويّة غير المألوفة، كما قد يعجز عن تفسير بعض الكلمات التي يسمعها، حتّى وإن كانت مألوفة لديه في السّابق.

ومع تقدّم المرض، تزداد هذه الاضطرابات حدّة، فتتلاشى القدرة على فهم الحوارات العاديّة، ما يجعل التّواصل أكثر تعقيدًا، ويضع المريض في عزلة لغويّة، تُفاقم من شعوره بالارتباك، والانفصال عن محيطه.

- الفقدان التّدريجيّ للقواعد النّحويّة: «Agrammatism» يعدّ من الاضطرابات اللّغويّة التي تزداد وضوحًا مع تقدّم مرض الزّهايمر، حيث يفقد المريض تدريجيًّا قدرته على تشكيل جمل سليمة نحويًّا، فيصبح تعبيره اللّغويّ مختلًّا، ويفتقر إلى التّرابط؛ ويواجه صعوبة في استخدام الأزمنة بشكل دقيق، وقد يخلط بين الماضي والحاضر، أو يتجنّب استخدام بعض التّراكيب اللّغويّة المعقّدة، مكتفيًّا بجمل قصيرة ومجزّأة تفتقر إلى الاتّساق.

ومع تفاقم المرض، تتضاءل قدرة المريض على بناء العبارات المفهومة، ممّا يؤثّر على وضوح أفكاره ويزيد من تعقيد التّواصل، فيجد نفسه عالقًا بين الرّغبة في التّعبير، والعجز عن إيصال المعنى بشكل سليم.

- الحديث المفرط أو اللّامعقول: «Pressured Speech» يعدّ من الاضطرابات اللّغويّة التي قد تصاحب مرض الزّهايمر، حيث يُظهر المريض اندفاعًا في الكلام من دون القدرة على تنظيم أفكاره أو التّحكّم في تدفّق حديثه، فيتحدّث بسرعة ملحوظة، متجاوزًا حدود الحوار الطّبيعيّ، وكثيرًا ما ينتقل بين الموضوعات من دون ترابط منطقيّ، فيصعب على المستمعين فهم مقصده؛ فقد يكرّر العبارات ذاتها بشكل متكرّر، أو يعيد صياغة الأفكار بأسلوب غير متماسك، وكأنّ عقله يحاول الإمساك بالكلمات قبل أن تتلاشى من ذاكرته.

ومع تفاقم المرض، يصبح هذا النّمط من التّواصل أكثر وضوحًا، فيؤثّر على قدرة المريض على المشاركة الفعّالة في المحادثات، ويؤدّي إلى عزله اجتماعيًّا، حيث يجد الآخرون صعوبة في متابعته، أو الرّدّ عليه بشكل طبيعيّ.

- اللّغويّة التّلقائيّة: «Paraphasia» تعدّ من الاضطرابات اللّغويّة الشّائعة لدى مرضى الزّهايمر، حيث يعاني المريض من خلل في استرجاع الكلمات الدّقيقة أثناء الحديث، ممّا يدفعه إلى استبدالها بأخرى قريبة في النّطق أو المعنى، أو حتّى استخدام مفردات غير مناسبة تمامًا للسّياق؛ فقد يخلط بين الكلمات المتشابهة صوتيًّا، أو يستعين بتعابير غير مترابطة، فيصير حديثه مبهمًا، وصعب الفهم بالنّسبة إلى المستمع.

ومع تقدّم المرض، تزداد حدّة هذه الأخطاء اللّغويّة، فيصبح التّعبير عن الأفكار أكثر تعقيدًا، فتُضعف قدرة المريض على التّواصل الفعّال، ويخلق حاجزًا بينه وبين محيطه، فينعكس ذلك على حالته النّفسيّة ويزيد من شعوره بالإحباط والعجز عن إيصال أفكاره بوضوح.

التّطوّر الزّمنيّ لاضطراب اللّغة في الزّهايمر

مع تقدّم مرض الزهايمر، يزداد تأثيره العميق على المهارات اللّغويّة، حيث تبدأ الصّعوبات اللّغويّة بشكل طفيف، ثم تتفاقم تدريجيًّا؛ ففي المراحل المبكّرة، قد يعاني المريض من تعثّر بسيط في استدعاء الكلمات المناسبة أثناء الحديث، أو يجد صعوبة في متابعة المحادثات الطّويلة والمعقّدة، غير أنّ هذا الاضطراب اللّغويّ لا يبقى على حاله، بل يتسارع مع تطوّر المرض، ليصبح الفهم اللّغويّ أكثر تقييدًا، فتضعف قدرة المريض على التّعبير عن أفكاره أو استيعاب ما يقال له. ومع بلوغ المرض مراحله المتقدّمة، قد يصبح التّواصل شبه مستحيل، حيث يفقد المريض القدرة على إنتاج جمل مفهومة أو الاستجابة بوضوح لما يدور حوله؛ ويرتبط هذا التّدهور العميق بالتّغيّرات البنيويّة التي تطرأ على الدّماغ، لا سيّما في «القشرة الأماميّة» و«المنطقة الزّمنيّة»، وهما المنطقتان المسؤولتان عن الفهم اللّغويّ واسترجاع المعلومات، ممّا يجعل فقدان اللّغة أحد أكثر الأعراض إيلامًا وتأثيرًا على حياة المريض ومن حوله، إذ ينعكس سلبًا على علاقاتهم الاجتماعيّة والعائليّة، ويصبح المرضى أكثر عزلة، كما يعانون من قلّة القدرة على التّعبير عن احتياجاتهم أو رغباتهم، ويمكن أن يسبّب ذلك زيادة في الشّعور بالإحباط والقلق.

ختامًا، إنّ تأثير الزّهايمر على اللّغة يشكّل تحدّيًا كبيرًا للمرضى وأسرهم؛ فالتّدهور اللّغويّ يمكن أن يؤثّر بشكل عميق على قدرة المرضى على التّواصل والمشاركة في حياتهم اليوميّة. ومع ذلك، من خلال التّشخيص المبكر والدّعم المستمرّ، يمكن تحسين جودة حياة المرضى وتقليل التّأثيرات السّلبيّة لهذه الأعراض.

بواسطة د. رئيفة محمّد الرّزّوق

المصدر: https://alarabi.nccal.gov.kw/Home/Article/27339

 جديدنا كتاب:

 100 قصة حب من كل زمان ومكان

إقرأ أيضاً:

7 تقنيات عالمية لتقوية الذاكرة

كيفية التعامل مع انتقادات الآخرين وتجاوز تأثيرها السلبي

اتخاذ قرار الزواج بثقة: دليل للشباب والبنات

وظائف الصيف للمراهقين: الفوائد ودور الأهل في الدعم

مشكلات تواجه شباب اليوم: التحديات والحلول الممكنة

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

جديدنا كتاب:

 100 قصة حب من كل زمان ومكان






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق