السبت، 24 مايو 2025

• قلق الامتحان وتوتر الاختبار عند أبنائنا الطلاب

قلق الامتحانات

تعد الامتحانات وسيلة تقييم وتقويم مستويات التحصيل الدراسي لدى الطلاب خلال مختلف المراحل الدراسية، وهي أداة رئيسية في العملية التعليمية التعلمية، حيث إنها المقياس الذي يؤكد مدى استيعابهم التعلمات والمهارات التي تلقوها خلال فترةٍ دراسيةٍ معينة. ومن خلالها يمكن تحديد نقاط القوة والضعف لديهم، وتمكين المدرسين من التعامل مع المتعثرين منهم بما هو مناسب. كما أنها تحفزهم على تحسين مستويات مهاراتهم ومعارفهم، وتعزز قدراتهم على البحث والتكوين الذاتي والاعتماد على النفس.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الامتحانات تصبح مدعاة للخوف والتوتر، بما تسببه من قلق نتيجة ما يواكبها من ظروف غير صحية، تجعل الطلاب يرزحون تحت ضغوط كبيرة تؤثر على صحتهم النفسية والجسدية.

تتوالد الهواجس والمخاوف لدى أبنائنا في فترات الامتحانات، فتقض مضاجعهم وتدخلهم في دوامات الخوف ونوبات الهلع، بدءًا من الصفوف الابتدائية حتى نهاية مراحل الدراسات الجامعية. فنجدهم في تلك الفترات يعيشون أوقاتًا مشحونة بالتوتر، وإذا كان هذا السلوك ينم عن الإحساس اللاشعوري بالمسؤولية والخوف من الفشل، وعن الضغط المجتمعي المسلط على رقابهم، فإن لذلك تبعات تنعكس على مردوديتهم، لذلك نجدهم يتنفسون هواء الخوف والحيرة وعدم الاستقرار النفسي. ونراهم يدرسون ويستعدون ويحضِّرون بجدية واجتهاد، لكن ما إن توضع أوراق الامتحان أمامهم، ويقرأو الأسئلة حتى يجدوا أنفسهم في حالة ارتباك وتشتت الأفكار، وقد يغمى على بعضهم، لذلك اعتدنا مشاهدة سيارات الإسعاف أمام أبواب المؤسسات التعليمية أيام الامتحانات وهي تنقل ضحايا الخوف إلى المستعجلات.

والغريب أن حالات الهلع هذه لا تقتصر على الأبناء فحسب، بل تنتقل عدواها إلى الآباء والأمهات، وكل ذلك راجع إلى الهالة المخيفة المتوارثة التي تحيط بالدراسة، فيكبر معها الأبناء محملين منذ صغرهم بهذا الرعب الذي يترسب في نفوسهم، وترسخه الأجواء التي تخلقها المدرسة بكل مكوناتها. وهذا الخوف قد يصل إلى حد الهلع المزمن، نتيجة ارتفاع سقف العلامات الجيدة المتوقعة منهم، وهذا السقف يرتكز على مفاهيم خاطئة ومغلوطة يضعها الأهل والمدرسون والمجتمع، وهي توقعات غير واقعية أو مبالغ فيها، مما يجعل الكثير منهم ضحايا الهواجس وتوجس الفشل في تحقيقها.

وهذا ما يجعل الطلاب ينوءون تحت نير مشاعر الإحباط حتى قبل إجراء الامتحان، ويؤدي بهم ذلك إلى حصد نتائج سيئة وغير مُرْضية، فيتحقق لديهم ما كانوا يخشونه، نتيجة فقدانهم الثقة في قدراتهم الشخصية. وقد ترتبط هذه المواقف بعدم فهم أسس التربية الصحيحة لدى بعض الأسر، أو بارتباك مستوى التحصيل الدراسي الذي تتسبب فيه أخطاء تربوية من قبل بعض المدرسين، كطرق التدريس غير الملائمة، أو المناهج والمقررات الدراسية السيئة.

ظاهرة شائعة

لقد تحول الخوف من الامتحانات إلى ظاهرة شائعة، وربما انقلب عند بعض الطلاب إلى أمراض نفسية تستدعي العلاج، إذ يشعر العديد منهم بالتوتر الشديد قبل وأثناء الاختبارات، فتنتابهم مشاعر غير منطقية ومتناقضة، أساسها التوهمات السلبية لما ستسفر عنه النتائج بعد ظهورها، وتعتريهم سلسلة من نوبات الهلع التي تتجلى في أعراض جسدية كالصداع وسرعة ضربات القلب وضيق التنفس وفرط التعرق مع برودة الأطراف، وجفاف الفم والحلق، ومشاكل المعدة والدوخة والإرهاق، واضطراب النوم وفقدان الشهية، وكل هذا ينتظم في سلسلة من عذاب نفسي قوامه قلقٌ وحزنٌ وكآبةٌ وفقدانُ الشغف، مما يعيق قدرتهم على التفكير السليم والأداء الجيد. وعلى الرغم من استعدادهم للامتحان، وتحضيرهم الجيد، فإن التفكير السلبي يربكهم ويسبب لهم الفشل في الإجابات عن الأسئلة الدقيقة.

ورغم السلبيات العديدة للخوف من الامتحانات، فلابد من الاعتراف ببعض إيجابياته إن كان في حدود المعقول، إذ إن بعض التوتر المقبول يحفز الطلاب، ويمكن أن يساعدهم على أداء أفضل، لأن هناك نوعين من التوتر حسب الطب النفسي، توتر إيجابي محفز وتوتر سلبي محبط، وعلينا أن نركز على التوتر الإيجابي الذي يحفز ملكات الاجتهاد والتوثب نحو آفاق الأمل والنجاح والتميز، ذلك لأن القلق الطبيعي جزء من حياتنا اليومية، وعلينا أن نتعلم كيف نروضه بالمحافظة على الهدوء والصفاء الذهني والسلام النفسي، وإدارة المخاوف لتحقيق نتائج إيجابية في تعاملنا مع الأحداث، فالتوتر المتطرف يشل التفكير ويشتت التركيز، ويصيب المرء بالعجز وخيبة الأمل، ويغرقه في الأفكار المدمرة. ويقوده إلى اكتئاب يحتاج علاجًا نفسيًّا.

هالة دعائية

تساهم مواقع التواصل الاجتماعي بشتى أشكالها وأنواعها في خلق هالة صاخبة تحيط بالامتحانات، وبخاصة الامتحانات الإشهادية، حيث تتناولها بشكل مبالغ فيه ومشفوع بمعلومات مضللة، وحلول مزيفة، فيؤدي ذلك إلى خلق انطباعات مشوهة وأفكار غير متوازنة في أذهان الطلاب، مما يتسبب في مجموعة من التأثيرات السلبية التي تعود عليهم بالضرر والأذى. فتوقُّع الفشل والنتائج المخيبة للآمال، يدفع إلى الوقوع تحت وطأة الضغوط النفسية التي تجعل الطالب وأهله يعيشون في دوامة من المعاناة لا حدود لها.

كما تعد تجارب الطالب السلبية السابقة مع الامتحانات سببًا لهواجسه ومعاناته من نوبات الهلع، فتعرضه للفشل في امتحانات سابقة، أو تعرضه للعقاب أو اللوم والتوبيخ، يزيد من ترسيخ الشعور بالخوف في نفسه، إذ يجعله التفكير في ما عانى منه سابقا غارقًا في خضم المشاعر السلبية، فتزداد لديه حدة التوتر في الامتحانات المقبلة.

كما أن التنافس المبالغ فيه بين التلاميذ يمكن أن يزيد حالة القلق والتوتر، فأغلب الطلاب، وبخاصة الجادين، يعتقدون أنهم لم يدرسوا جيدًا، أو أنهم مازالوا في حاجة لمزيد من الوقت للمراجعة، فيصابون بالقلق والتوتر خوفًا من عدم قدرتهم على الإجابة، وبذلك تتضاءل ثقتهم في نفسوهم، ويشل الخوف قدراتهم. وهذه الأسباب كلها تتضافر وتؤدي إلى نوع من الخوف المرضي من الامتحانات، والذي يتجذر في أعماقهم، وبخاصة عندما يقتنعون بأن نجاحهم أو إخفاقهم سيحددان مصائرهم ومستقبلهم، وأن إخفاقهم سيحرمهم من التقدير المجتمعي، ويضعهم موضع سخرية وإحراج، لأن الناس تعطي قيمة كبيرة للعلامات العالية المحصلة في الامتحان.

حلول ممكنة

للتغلب على فوبيا الامتحانات، لابد من اتباع بعض الطرق التي قد تساعد على التقليل من القلق والتوتر، وعلى تحسين الثقة في النفس، إذ يمكن وضع خطة متوازنة لمراجعة الدروس قبل مواعيد الامتحانات لتخفيف الضغوط النفسية، والسيطرة على المواد الدراسية، ومطلوب من المدرسين تهيئة الطلاب نفسيًّا حتى لا يشيع الخوف بينهم، وتجنب كل ما يمكن أن يزرع الإحباط واليأس في نفوسهم. فإذا تغلب الطالب على خوفه قبل وأثناء الامتحان، ستتجدد طاقته العقلية، وتستقر قدرته على التركيز، وهذا ما سيخول له إمكانية النجاح والتفوق، وبذلك سيقتنع بأن القلق لا يفرز إلا الخيبة، وفي هذا المجال لابد أن تكون تغذيته صحية ومتوازنة، ونومه كافيًا حتى لا يصاب بالإرهاق. وهنا يأتي دور الأهل لمساعدة الأبناء ودعمهم عن طريق التوجيهات الصحيحة، وإشباعهم بالأفكار الإيجابية المشجعة.

وعليهم ألا يبالغوا في رفع التوقعات التي ينتظرونـها منهم، وعدم مقارنتهم بالغير سواء كانوا إخوة أو أصدقاء أو أقرباء. ولابـد من استبعاد أساليب العقاب، بل يجدر بهم مكافأة الأبناء عند فوزهم، وتحفيزهم عند تعثرهم، وتعليمهم الشجاعة ورباطة الجأش، وكيف يحولون أي عثــرة إلى تجــربة إيجابيــة يستفيـــدون منها، ويكتسبون منها القوة لصناعة النجاح والتميز والانفتاح على رحابة المستقبل الواعد.

بواسطة عائشة الأزوكي

 المصدر: 1

إقرأ أيضاً:

7 تقنيات عالمية لتقوية الذاكرة

كيفية التعامل مع انتقادات الآخرين وتجاوز تأثيرها السلبي

اتخاذ قرار الزواج بثقة: دليل للشباب والبنات

وظائف الصيف للمراهقين: الفوائد ودور الأهل في الدعم

مشكلات تواجه شباب اليوم: التحديات والحلول الممكنة

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق