الأربعاء، 16 أكتوبر 2019

• لماذا ارتفع سن الزواج؟


كنا نشكو من الزواج المبكر فأصبحنا نعاني من تأخر سن الزواج، فهل نعتبر ذلك مكسبا أو خسارة؟ في بلد عربي كمصر، صدر قانون تحديد سن الزواج في عشرينيات القرن العشرين. حدد القانون سن زواج الذكر بـ 18 عاما وسن زواج الأنثى بـ 16عاما. وربما، إذا اختبرنا هذه السن الآن فإننا قد نسجل عليه انخفاضه.

لكن، الآن، مع نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، لم يعد هذا القانون المصري يقدم النموذج الصحي أو العصري لسن زواج الجنسين. ولكن بمقارنته بالظرف التاريخي الاجتماعي الذي صدر في إطاره فإنه كان متقدما ومتوازنا مع متطلبات المجتمع وحركته العامة حينذاك.
قبل صدور هذا القانون كان سن الزواج منخفضا للغاية. ففي بعض المناطق الريفية كانت الأنثى تتزوج بدءا من سن التاسعة، أما بالنسبة للذكور فكان سن زواجهم يبدأ من الرابعة عشرة. لذلك كان هذا القانون المصري متقدما جدا بالنسبة لواقع عصره. مع ذلك لا يمكن القول إن هذا القانون وضع موضع التطبيق الصحيح في كل أنحاء أو مناطق مصر. بل من المؤكد أنه عانى من تنوع واختلاف في الممارسة وفي التطبيق. والمؤكد أيضا أنه واجه التجاهل التام في كثير من المناطق الريفية في البلاد.
فرص التكافؤ
وحتى يومنا هذا، وعلى الرغم من أن فرص التعليم تتوافر في محافظات مصر كلها، وبالرغم من أن المرأة المصرية حصلت على الفرص المتكافئة في جميع مراحل التعليم وقطاعاته، فإننا نلاحظ تفاوتا في سن زواج الإناث والذكور إذا ما قارنا الزيجات التي تتم في الريف بتلك الأخرى التي تتم في الحضر. كذلك فسوف نجد ذات التفاوت إذا قارنا بين زيجات الطبقات الثرية بتلك الزيجات التي تتم في صفوف الأسر الفقيرة. فحتى يومنا هذا، يرتفع سن العروسين في الحضر وكذلك في صفوف الأسر الثرية أو الأكثر التصاقا بالتعليم والثقافة، بينما ينخفض في الريف وفي صفوف الأسر الفقيرة والبعيدة عن مصادر التعليم والثقافة.
وربما كان من الطريف أن نذكر مثلا أن الفتاة المصرية بدأت الحصول على تعليمها الثانوي في عام 1924، وأن أول دفعة من خريجات الجامعة كانت عام 1934، من بين فتيات هذه الدفعة الأولى كانت أستاذة الجامعة والكاتبة الدكتورة سهير القلماوي والمرحومة السيدة أمينة السعيد، وأن الاثنتين تزوجتا بعد تخرجهما في الجامعة، أي بعد أن بلغتا الثانية والعشرين من عمريهما. كان ذلك حدثا في حياة الأسرة المصرية. فلم يكن من الطبيعي في العقد الثلاثيني من هذا القرن أن تستمر فتاة حتى سن الثانية والعشرين بلا زواج، إلا إذا كانت قبيحة دميمة لا يتقدم إليها شاب طالبا الزواج. المهم أن المصريتين البارزتين في حياة المرأة المصرية وفي الحياة الجامعية والصحفية، د. سهير وأستاذة أمينة، لم تتزوجا في هذه السن المتأخرة، بالمقارنة بمقاييس ذلك العصر، لأن القانون الصادر في العشرينيات رفع سن زواج الفتى والفتاة، وإنما حدث ذلك بشكل تلقائي لأنهما اختارتا طريق العلم والعمل. ولم تختارا طريق الزواج والمكوث في البيت. لقد خضعتا للتطور العام الجاري في المجتمع المصري، لذلك وافقتا القانون دون أن تتعمدا ذلك. بل نستطيع القول إنهما تجاوزتا القانون وسبقتا الواقع المصري السائد حينذاك.
سن الزواج والجيل الناضج
ولا شك أن ارتفاع سن زواجنا أتاح لكل واحدة منا الوعي الكامل وكذلك الإدراك بفكرة الانتقال من بيت الوالدين إلى بيت الزوجية، بما يحمل ذلك من مسئوليات في إدارة المنزل وإعداده وتدبير ميزانيته وتقبل فكرة الحمل واستيعابها وتربية الأطفال وتنشئتهم. وهذه أمور تحتاج كلها إلى درجة من النضج العام التي تسمح بمواجهة هذه المسئوليات التي قد تبدو صغيرة، ولكنها في الحقيقة تتطلب الكثير من القدرات الخاصة.. فلا شك أن ارتفاع سن الزواج بالنسبة لبنات جيلي أسهم في إحداث تغييرات في توجيهنا تجاه المسئوليات التي واجهناها بعد انتقالنا إلى بيت الزوجية. وهو الشيء الذي لم تمتلكه بنات جيل جدتي.
بجانب ذلك، لابد من القول إن انتشار التعليم في البلاد، واستيعابه للذكور والإناث ولكن بدرجات متفاوتة، لم يكن السبب الوحيد وراء الميل التلقائي إلى ارتفاع سن الزواج للجنسين. ولكن يبرز سبب آخر مهم وهو تطور المجتمع ذاته من مجتمع زراعي أو رعوي إلى مجتمع تلعب الصناعة بقيمها العامة دورا أساسيا فيه. فالمجتمعات في مراحل ما قبل الصناعة كانت تميل بحكم طبيعة اقتصادها إلى الإبقاء على الأسرة الممتدة، الأسرة التي تجمع عدة أسر صغيرة وعددا من الأجيال والتي يعيش كل أفرادها حياة اقتصادية مشتركة، يكون الأب أو الجد هو المسئول الرئيسي عن إشباعها. وهي حياة أسرية تلائم المرحلة الزراعية أو الرعوية. أما في الظروف التي تتطور فيها البلاد وتحديدا اقتصادها إلى المرحلة الصناعية أو الصناعية المتطورة، فإن الأسرة ذاتها تميل إلى التغيير والتطور. فتطور المجتمع ودخوله في التنظيم الإداري الجديد ليتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية في مراحلها الجديدة، يساعد على تحقيق الاستقلال الاقتصادي للأبناء وبالتالي يشدهم إلى الاستقلال الأسري.
في هذه الأوضاع الجديدة، عندما تتبلور الاستقلالية وتصبح ملمحا في حياة وتكوين الأبناء، فإنهم عادة ما يتجهون إلى الزواج بعد استكمال مرحلة الإعداد الإنساني لذلك، وهي مرحلة التعليم والبحث عن العمل، وبالتالي يكونون قد كبروا سنا وأصبحوا أكثر نضجا. فهم بالطبيعة يميلون إلى الزواج المتأخر بعض الشيء. والآن نعود إلى السؤال الذي طرحناه في البداية.. هل نعتبر ذلك مكسبا أو خسارة؟
لا شك أنه مكسب كبير، فارتفاع سن الزواج يتيح أكبر فرص النجاح للأسرة التي هي في طور التكوين، لأنه يساعد على بناء دعائمها على عنصر النضج اللازم لاستمرارها، فهو النضج الذي يعني في المقام الأول القدرة على تحمل المسئوليات الأسرية.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق