الثلاثاء، 23 أبريل 2024

• كتابة الهَمْزة إشكاليّةً وحلولاً

الهمزة

شكَّل حرف الهَمْزة مُشكلة نُطقيّة بين من يَسهِّلونها إلى حرف علّة يناسب حركتها (قبيلة قريش)، ومن يحقّقونها (قبيلة تميم). ونشأ عن هذه المشكلة مشكلة أخرى تتعلَّق برسمها، وخاصّةً بعد أن وضع الخليل بن أحمد الفراهيديّ رمزًا لها، كان عبارة عن رأس العين، وهو حرف صغير قياسًا لسائر حروف الهجاء، فكان لا بُدَّ له من كرسيّ؛ كي يظهر جليًّا ضمن سائر حروف الكلمة.

وشكَّلت كتابة الهَمْزة في العصر الحديث مشكلة إملائيّة تعلُّميّة، انبرى لِحَلِّها نَفَر من علمائنا، ولكن، ومع الأسف، لم تُثْمِر جهود هؤلاء، بل بقيت المشكلة هي هي، تشكِّل مع كتابة الألف في آخر الكلمة المشكلتين الأشَدّ صعوبةً في تعلّم العربيّة.

تعريف الهمزة:

 أ- في اللّغة: الهَمْزة، في اللّغة، مَصْدر مَرّة من «هَمَزَ». وهَمَزَ فُلانًا: غَمَزَه، أو اغتابَه وغَضَّ منه، أو بَخَسَه، أو دَفَعه، أو ضَرَبَه. وهَمَزَ الشّيْطانُ الإنسانَ: هَمَسَ في قلبه وسْواسًا. وهَمَزَ الشَّيْءَ: كَسَرَه وهَمَزَ به الأَرْضَ: صَرَعَه.

ب- في الاصطلاح: الهَمْزة نوعان:

أ- هَمْزَةُ وَصْل: هي هَمْزة زائدة يُؤتى بها للتّوصُّل إلى النُّطقِ بالسّاكِن، ونجدها في:

- الأسماء: ابن، ابنة، ابنُم، امْرؤ، امْرأة، اسم، است، ايمُن، ايم. وكذلك في مثنّى الأسماء السّبعة التّالية: اسم، است، ابن، ابنة، ابْنم، امْرُؤ، امرأة، وفي المنسوب إلى كلمة «اسم».

- مَصْدر الفعل الخماسيّ، نحو: «اجتِماع»، والسُّداسيّ، نحو: «اسْتِفهام».

- ماضي الفعل الخُماسيّ، نحو: «اشْتَركَ»، والسُّداسيّ، نحو: «اسْتَخْرَجَ».

- أمْر الفعل الثُلاثيّ، نحو: «اكْتُبْ»، والخُماسيّ، نحو: «اجْتَهِدْ»، والسُّداسيّ، نحو: «اسْتَفْهِمْ».

ب- هَمْزة قطع: هي الحرف الأوَّل من أحرف الهجاء في التّرتيبَيْن: الألفبائيّ والأبْجديّ. تساوي في حساب الجُمّل، الرَّقم واحدًا. وهي صوت حَلْقيّ شديد، مخْرَجه من الحَنْجَرة، ولا يوصَف بالجَهْر، أو الهَمْس.

 وسُمِّيت الهَمْزة هَمْزَةً؛ لأنَّها تُضْغَط. وسُمِّيت هَمْزة القَطْع بهذا الاسم؛ لأنَّها تقطع أو تفصِل ما قبلها عمّا بعدها في النُّطق.

 وتختلف هَمْزة الوَصْل عن هَمْزة القَطْع من وجوه عديدة؛ منها أنَّ هَمْزة الوَصْل لا يُنْطق بها، إلّا إذا وقعت في ابتداء الكلام؛ أمّا هَمْزة القَطْع، فيُنطق بها دائمًا، سَواءٌ أوَقَعَتْ في ابتداء الكلام أم في درْجه.

 وهَمْزة الوَصْل حرف زائد؛ فليست فاءً للكلمة، أو عَيْنًا، أو لامًا؛ أما هَمْزة القَطْع، فتكون أصليّة، نحو هَمْزة: «أَخَذَ»، أو زائدة، نحو هَمْزة: «ألْوان»، أو بدلًا من حرف آخر، نحو: سماء» (الأصل: سماو)، وتكون فاءً في الكلمة، نحو: «أكلَ»، أو عينًا، نحو: «سألَ»، أو لامًا، نحو: «قَرَأَ».

 وكان اللّغويّون العرب القُدامى يسمّون الهَمْزة ألفًا. يدلّك إلى ذلك جملة أمور، منها:

أ- إنَّ قِيَمَ الأصوات العربيّة يُعبَّر عنها بصدور أسمائها، فالاسم «باء»، مَثلًا، يُعَبِّر صدره، وهو «ب» عن الصَّوت «ب»، وكذلك التّاء، والثّاء، وسائر حروف الهجاء. وهكذا يُعَبِّر صوتُ الاسم «ألف» صوتيًّا عن «أ»، أي: ما سُمِّي الهمزة فيما بعد.

ب- إنَّ حروف الهجاء العربيّة كانت مُرَتَّبة قبل نَصْر بن عاصِم، هكذا: أ ب ج د ه و ز... وعُرِفَت بــ«الأبجديّة»، والحرف الأوّل منها هو الألف رسمًا، والهمزة نُطْقًا. وعندما رتَّبها نصر بحسب أشكالها: أ ب ت ث ج ح خ... بقي الاسم «الألف» يُعَبِّر عن الهمزة.

ج- إنَّ «الألف» الفينيقيّة تقابِل ما يُعرف عندنا، اليوم، الهمزة.

د- تصريح بعض اللّغويّين، ومنهم ابن جنّي الّذي قال: «اعْلَمْ أنّ الألف الّتي في أوّل حروف المعجم هي صورة الهَمْزة».

هـ- لو لم تكن الهَمْزة هي الحرف الأوّل من حروف الهجاء، لما عاد لها رَسْم أو وجود في حروف الهجاء.

 وكانت الهَمْزة تُسَمّى أيضًا «النَّبْرة»، وفي «لسان العرب»: «النَّبْرُ بالكلام: الهَمْز... مَصْدر نَبَرَ الحَرْفَ يَنْبِرُه نَبْرًا: هَمْزَه». وفي الحديث: «قال رجل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا نَبيءَ الله»، فقال: «لا تَنْبِرْ باسمي، أي: لا تَهْمِزْ، وفي رواية: فقال: «إنّا، مَعْشَرَ قريش، لا نَنْبِرُ... والنَّبْرَةُ الهَمْزة».

 والنَّبْر، كما جاء في حديث الرّسول صلى الله عليه وسلم، لا تعرفه قبيلة قريش الّتي كانت تُسَهِّل الهَمْزة إلى حرف علّة يجانِس حركتها، وإنَّما هو من خصائص قبيلة تميم، وقد هَزَمَت اللّهجة التَميميّة اللّهجة الحجازيّة في هذه الخاصّيّة، فشاعت في اللّغة الفُصحى.

رسم الهَمْزة قبل الخليل بن أحمد الفراهيديّ (ت170هـ/786م)

كان العرب ينطقون بالهَمْزة الابتدائيّة؛ ويرسمونها ألفًا، ومن هنا تسمية الهَمْزة ألفًا، كما تقدَّم؛ أمّا الهَمْزة المتوسّطة، فكانت قريش تُسهِّلها إلى حرف علّة يناسب حركتها؛ في حين كانت قبيلة تميم تحقّقها (تنطق بها). ولـمّا شاعت اللّهجة التّميميّة، وأراد القرّاء أن يقرأوا المصحف بلهجاتهم، وأن يُمثِّلوا الهَمْزة، اتّخذ كُتّاب المصاحف في ذلك طُرُقًا مُتعدِّدة، ورسموها نقطة ونُقْطتين، إذا كانت منوَّنة، مثل: «السّماء بنا»، ورسموها كالرّقم 7 (سبعة) في مثل «يستهزئون».

رسم الهَمْزة الخليليّ وانتشاره

 عندما استبدل الخليل بن أحمد الفراهيديّ النّقاط الّتي وضعها أبو الأسود الدّؤَليّ للإشارة إلى الحركات (الأصوات الصّائتة)، بالرّموز (الحركات) المعروفة اليوم، رأى أنَّ الهَمْزة لا رمز لها، فاقتطع من العين رأسها، وجعلها رسمًا للهَمْزة، وكتبها قطعة. وشاعَ رسمُ الهَمْزة، كما شاعَ اسمها أيضًا.

 وأراد النُّسّاخ، بعد الخليل بن أحمد، الإشارة إلى اللّهجتين: القرشية والتّميميّة، فكتبوا نحو: «يستهزئون» بياء وهَمْزة معًا، و«يؤمنون» بواو وهَمْزة أيضًا؛ ليقرأ بالهَمْزة من حقّقها، وبالياء أو الواو من سَهَّلها. وكان هذا أصل الازدواج في كتابة الهَمْزة. فلو أنَّها كُتِبت حرف لين لمن يسهِّلها كما ينطقها، وهَمْزة لمن يحقّقها كما ينطقها أيضًا، لما كان اضطراب، ولا كان في كتابة الهَمْزة صعوبة، ولكنّ الأمرَ مضى على هذا الازدواج، وتبعه اختلاف العلماء واضطرابهم فيما تُرسم به الهَمْزة في بعض المواضع... وبقي الاختلاف في رسم الهَمْزة... في بعض مواضعها قائمًا بين العلماء إلى الآن.

 رسم الهَمْزة في العصر الحديث (اليوم)

 استمرَّ الاختلاف في رسم الهَمْزة، وخاصّةً الهَمْزة المتوسِّطة، بين العلماء في العصر الحديث، وأصبح لكلّ قطر عربيّ قواعد خاصّة به بشأن كتابتها، فالقواعد الّتي ينتهجها الكَتَبة المصريّون تختلف عن القواعد الّتي ينتهجها اللّبنانيّون، مثلًا. ويشمل الاختلاف الكثير من الكلمات المهموزة بين أقطار الدُّوَل العربيّة. وفيما يلي قواعد كتابتها كما جاءت في كتاب «المرجِع في الإملاء» الواسع الانتشار في لبنان، مع الإشارة إلى ما يخالف هذه القواعد مِمّا يعتمده غيرُ اللّبنانيّين.

أ- رَسْم الهَمْزة الابتدائيّة: تُكْتب الهَمْزة الواقعة في أوّل الكلمة على الألف، إذا كانت مضمومة أو مفتوحة، نحو: «أُمّ»، و«أب»، وتحت الألف، إذا كانت مكسورة، نحو: «إنَّ».

ولا تـتغـيَّر هـذه الكــتــابـة، إذا دخــــل عــــلــيــهـــا حــــرف. وشــــــذَّت كتابة «لَئِنْ»، و«هؤلاءِ»، و«لِئلّا» وهَمْزة «إذ» الّتي دخل عليها ظرف، نحو: «يومَئذٍ»، «حينئذٍ».

ب- رَسْم الهَمْزة المتوسِّطة السّاكنة: تُكْتب الهَمْزة المتوسِّطة السّاكنة على حرف يُجانس حركة الحرف الّذي قبلها، أي: إنَّها تُكْتب:

- على كرسيّ الياء (أو على النَّبرة)، إذا كان الحرف الّذي قبلها مكسورًا، مثل: «بِئْر»، «ذِئْب».

- على كرسيّ الواو، إذا كان الحرف الّذي قبلها مضمومًا، مثل: «لُؤْم»، «بُؤْبُؤ».

- على كرسيّ الألف، إذا كان الحرف الّذي قبلها مفتوحًا، مثل: «رأْس»، «مَأْلوف».

ج- الهَمْزة المتوسِّطة المُتحرِّكة: إذا توسَّطت الهمْزة، وكانت متحرِّكة، فإنَّه يُقارَن بين حركتها وحركة الحرف الّذي قبلها، وتُكْتب بحسب الحركة الأَقْوى: الكسرة أوّلًا، فالضَّمَّة، فالفتحة، فالسّكون، أي: إنَّها:

- تُكْتب على كرسيِّ الياء (أي: على النَّبرة) إذا كانت مكسورة، سواءٌ أكان الحرف الّذي قبلها مكسورًا، مثل: «مُبْطِئين»؛ أم مَفْتوحًا، مثل: «مُطْمَئنّ»، أم مضمومًا، مثل: «سُئِلَ»، أم ساكِنًا، مثل: «صائِم»، أو إذا كانت مضمومة بعد كَسْر، مثل: «مبادِئُكم»، و«مِئون» (جمع «مِئة»)، أو مفتوحةً بعد كسر، مثل: «فِئَة»، أو ساكنة بعد كسر، مثل: «اطْمِئْنان»، أو إذا كانت مفتوحة بعد ياء ساكنة، مثل: «بيئة»، و«هَيْئة».

- تُكْتب على كرسيِّ الواو، إذا كانت مضمومةً بعد فَتْح، مثل: «يَؤُمُّ»، و«خَؤُون»، أو بعد سكون، مثل: «أَرْؤس» (جمع «رأس»)، و«التّفاؤل»؛ أو بعد ضَمّ، مثل: «رُؤُوس»؛ أو إذا كانت مفتوحةً بعد ضَمّ، مثل: «يُؤَكِّدُ»، و«مُؤازرة»، أو إذا كانت ساكنةً بعد ضَمّ، مثل: «مُؤْمِن»، و«رُؤْية».

- تُكْتب على كرسيِّ الألف، إذا كانت مفتوحةً بعد سكون، مثل: «نَشْأَة»، و«يَرْأَس»، أو بعد حرف مفتوح أيضًا، مثل: «سأَلَ»، و«اكتأَبَ»، أو إذا كانت ساكنةً بعد حرف مفتوح، مثل: «يَأْمر»، و«مَأْسَدَة».

- تُكْتب دون كرسيّ، إذا كانت مفتوحةً بعد ألف، مثل: «قراءة»، و«تَساءَلَ»، و«كساءان».

د- رَسْم الهَمْزة المتوسِّطة عَرَضًا: إنَّ الهَمْزة الـمُتوسِّطة عَرَضًا هي:

- الهَمْزة المتطرِّفة الّتي جاء بعدها ضمير، وفي كتابتها مَذْهبان: مذهب يكتبها بحسب قواعد الهَمْزة المتوسِّطة، فيُكتب هكذا: «يقرؤون»، و«يبدؤون»، ومذهب يكتُبها بحسب قاعدة الهَمْزة المتطرِّفة، فيكتبها هكذا: «يقرأون»، و«يبدأون».

- الهمزة المتوسِّطة الّتي بعدها حرف واحد، ثمّ حُذف هذا الحرف لِسببٍ نحويّ أو صرفيّ، وفي كتابتها مَذْهبان: مذهب يعاملها معاملة الهَمْزة المتوسِّطة؛ لأنَّ تطرّفها عارض، فيكتب «ينأى» في حالة الجزم هكذا: «لَمْ يَنْأَ»، ويكتب اسم الفاعل من «أَنْأى» هكذا: «مُنْئٍ»؛ ومذهب يعاملها معاملة الهَمْزة المتطرِّفة لجَعْل القاعدة مُطَّرِدة، فيكتب هكذا: «لَمْ يَنْءَ»، و«مُنْءٍ».

هـ- الهَمْزة المتطرِّفة: إذا تطرَّفت الهَمْزة، فإنَّها تُكْتب على حرف يُناسب حركة الحرف الّذي قبلها، أي: إنَّها تُكْتب:

- على الواو، إذا كان ما قبلها مضمومًا، مثل: «جَرُؤَ»، و«التّباطُؤ».

- على كرسيِّ الياء، إذا كان ما قبلها مكسورًا، مثل: «قارئ»، و«مُبْتدِئ».

- على الألف، إذا كان ما قبلها مفتوحًا، مثل: «قَرَأ»، و«مَلْجَأ».

- دون كرسيّ، إذا كان ما قبلها ساكنًا، مثل: «عِبْء»، و«سماء». وشَذَّت كتابة الهَمْزة المتطرِّفة المسبوقة بواو مضمومة مُشدَّدة، فإنَّها تُكْتب دون كرسيّ (أي: على السّطر)، لا على الواو، مثل: «التَّبَوُّء».

الدّعوات إلى تبسيط قواعد كتابة الهَمْزة، والاقتراحات بشأن هذا التّبسيط

 ليس في الخطّ العربيّ، ولا في الخَطَّيْن: الفرنسيّ والإنجليزيّ اللّذين أعرفهما، ولا في بقيّة خطوط العالم، كما أظنّ، حرفٌ اختُلف في رسمه، وتعدَّدت الآراء بشأنه، كحرف الهَمْزة في إملائنا، فقد رُبط رسم هذا الحرف بـ:

أ- اللّهجات العربيّة بين من يسهِّلُ النّطق بالهَمْزة، وبين من يحقّقها.

ب- القراءة، وذلك لمعرفة حركتها إذا كانت ابتدائيّة، وحركتها وحركة ما قبلها، إذا كانت متوسِّطة، وحركة ما قبلها إذا كانت متطرِّفة.

ج- النّحو والصّرف، وذلك إذا كانت متطرِّفة وجاء بعدها ضمير، أو كانت متوسِّطة وبعدها حرف واحد حُذِف لسبب نحويّ أو صرفيّ.

د- مسألة إزالة اللَّبْس، وذلك في صيغة «افْتَعَل» المهموزة الفاء، المبنيّة للمعلوم، وأمرها، ومصدرها، إذا دخلت عليها الواو أو الفاء.

هـ- مسألة جمال الخطّ بتجنُّب تكرار الحرف، وذلك بكتابة الهَمْزة المتطرِّفة المسبوقة بواو مضمومة مُشَدَّدة، على السّطر (أي: دون كرسيّ)، نحو: «التّبَوُّء»، خروجًا عن قاعدة كتابة الهمزة المتطرِّفة؛ وكذلك بكتابة الهَمْزة المتوسِّطة المفتوحة بعد الألف، فإنَّها تُكْتب على السّطر (أي: دون كرسيّ)، نحو: «قراءة»، و«كِساءان»، و«تفاءَل»، و«قِراءات»، تجنَّبًا لتوالي ألفين أو ثلاثة ألفات، وخروجًا على قاعدة كتابة الهَمْزة المتوسِّطة.

وكان من البديهيّ أن تلفت مشكلة كتابة الهَمْزة أنظار اللّغويّين والمربّين العرب في العصر الحديث، وخاصّةً بعد انتشار المدارس، وزيادة عدد العلوم الّتي يتعلَّمها الطّالب، وهو على مقاعد الدّراسة، وكان مجمع اللّغة العربيّة القاهريّ، والبغداديّ، وبعض لجان المؤتمرات الثّقافيّة العربيّة، وبعض رجال التّربية آراء واقتراحات، أعرض فيما يلي ما وجدتُ أنَّه أهمّها، مرتِّبًا إيّاها ترتيبًا زَمَنيًّا.

أ- اقتراح الشّيخ عبد الله العلايلي: اقترح الشّيخ العلايلي كتابة الهَمْزة على حرف يناسب حركتها إن كانت متحرّكة، وعلى حرف يجانِس حركة ما قبلها، إن كانت ساكنة؛ وذلـــك مهــمــا كان موقعها في الكلمة.

 ويُلاحظ أنَّ هذا الاقتراح يُبقي على كرسيّ الهَمْزة الثّلاثة: الألف والواو والياء، وهو، إذ يُسهِّل كتابة الهَمْزة، من ناحية عدم ربطها بموقعها في الكلمة وحركتها وحركة الحرف الّذي قبلها، يستبدل قواعد كتابتها المعمول بها بأصعب منها، إذ يربط كتابة الهَمْزة المتطرِّفة بالإعراب، وهو مَصْدر صعوبة في اللّغة، وكلّ خطأ فيه سيؤدّي حتمًا إلى خطأ في كتابتها. وعند الوقف يُسكَّن آخر الكلمة، فهل نكتب الهَمْزة المتطرِّفة الموقوف عليها على الألف دائمًا؟

 وكذلك يؤدّي هذا الاقتراح إلى خطأ في كتابة الهَمْزة المتوسّطة، إذا أخطأ القارئ في قراءتها. وهكذا نرى أنَّ اقتراح الشّيخ العلايلي، إذ يحلّ بعض مشكلات كتابة الهَمْزة، يوجِد، في الوقت نفسه، صعوبات أخرى أشدّ.

ب- اقتراح لجنة اللّغة العربيّة في المؤتمر الثّقافي العربيّ الأوّل للجامعة العربيّة: انعقد هذا المؤتمر في بيروت سنة 1947م، واقترحت لجنته الخاصّة باللّغة العربيّة أن تُكْتب الهَمْزة الابتدائيَّة على الألف دائمًا، والهَمْزة المتوسِّطة بحسب حركتها، إلّا إذا كانت ساكنة، فتُرْسَم بحسب حركة ما قبلها، وأن تُكْتب الهَمْزة المتطرِّفة بحسب حركة الحرف الّذي قبلها، فإن كان هذا الحرف ساكنًا، كُتِبت على السّطر دون كرسيّ.

ج- جهود مجمع اللّغة العربيّة في تبسيط كتابة الهَمْزة: ألَّف مجمع اللّغة العربيّة القاهري لجنة لِتيسير كتابة الإملاء، فدرست ثلاثة اقتراحات، يقضي الأوّل بكتابة الهَمْزة بحسب القواعد الإملائيّة السّائدة، ويرى الثّاني كتابتها على الألف دائمًا، ويذهب الثّالث إلى كتابتها بصورتها (ء)، إلّا إذا توسَّطت، وكان الحرف الّذي قبلها يوصل بالحرف الّذي بعدها، فعندئذ توضع على الامتداد الّذي بينهما.

 وبعد التّداول في هذه الاقتراحات، قرّرت اللّجنة «العدول عن قواعد شاملة لتغيير رسم الكلمات، والاكتفاء يحصر الكلمات الّتي يُختلف في رسمها بين الأقطار والكُتّاب، وتفضيل إحدى الطّرق المتّبعة، مع بيان الأسباب الّتي تدعو إلى التّفضيل».

درس مجلس المجمع قرار اللّجنة، فردّه إليها، لتجمع الألفاظ المختلف فيها، مع إبداء الرّأي في طريقة رسم كلٍّ منها.

خاتمة البحث

 لولا هاتان الصّعوبتان، اللتان تم ذكرهما في بداية المقالة لكان الإملاء العربيّ أسْهل الأمالي في العالم، أو من أسهلها؛ وذلك لأنَّ الخطّ العربيّ أقرب إلى الكتابة الصّوتيّة من الكتابة في اللّغتين: الفرنسيّة والإنجليزيّة. فالحروف الّتي يُنطق بها، ولا تُكْتب، لا تتعدّى في اللّغة العربيّة الألف في بعض الكلمات، والواو في كلمات محدودة جدًّا؛ وأمّا الحروف الّتي تُكْتب ولا يُنطق بها، فلا تتعدّى أيضًا، الألف في بعض مواضعها، والواو في كلمات محدودة جدًّا، ولام «أل» إذا دخلت هذه على اسم يبدأ بحرف شمسيّ، وهمزة الوصْل إذا لم يُنْطق بها، وحرف العلّة (الألف، والواو، والياء)، إذا جاءت في آخر الكلمة بعدها همزة وصْل.

«ولكنّ كون إملائنا أيسر من غيره لا يعني مطلقًا ألّا نسعى إلى تيسيره، سواء سعى أصحاب الإملاء الصّعب إلى هذا التّيسير، أم لم يسعوا. فمن الخطـأ التّستُّر بصعوبات الإملاء الأجنبيّ؛ لردّ أيّ دعوة لتذليل صعوبات الإملاء العربيّ. ومن يرفض محاولة تذليل هذه الصّعوبات، بحجّة أن عند غيرنا أشدّ منها وأدهى، كَمَنْ يرفض معالجة ابنه المريض، بحجّة أنّ ابن جاره به مرض أعظم وأكثر خطرًا، وجاره لا يعالج ابنه».

 ومن ضرورة تيسير الإملاء في باب الهمزة بكتابتها على الألف دائمًا، مهما كان موقعها في الكلمة، ومهما كانت حركتها، كما من الضروري كتابة الألف ممدودة دائمًا. وهذان الأمران لا يضيران اللّغة بشيء، ولا يقطعان الصّلة بتراثنا، بل يوفِّر على متعلّمي العربيّة ساعاتٍ بل أيّامًا يمضونها لمعرفة كتابتهما.

بواسطة د. زاهر عبيد

المصدر: 1

إقرأ أيضاً:

إتقان مقابلات الإرشاد المدرسي

المقابلة الإرشادية: الأهداف، المزايا، العيوب والمهارات

فوائد اللعب الجماعي للطفل

10 أسئلة تكشف لكِ إذا كان طفلك اجتماعياً

أساليب العقاب والثواب لضبط الطفل بعد أيام العطلة

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفا

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

قصص قصيرة مؤثرة

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق