القاعدة 43 من كتاب 48 قانون للقوة (قواعد السّطوة) للكاتب روبرت جرين
الحكمة:
الطغيان وقهر الناس يسقطك حتماً في النهاية، تعلَّم استدراج الآخرين لفعل ما تريد. مَن تستدرجه بالإغواء يظل تابعاً مخلصاً لك. يتطلب الإغواء أن تفهم نفسية ونقاط ضعف من تتعامل معهم. لَيِّن مقاومتهم بالتلاعب بمشاعرهم وبكل ما يُرَغِّبهم ويُرهبهم. تجاهلك لمشاعر أتباعك يُنمّي داخلهم الحقد والكراهية ضدك.
انتهاك القاعدة:
قُرب انتهاء حكم لويس الخامس عشر كان الناس يشتاقون للتغيير، وحين تزوج حفيده وخليفته على العرش الذي أصبح لاحقاً لويس السادس عشر من ماري أنطوانيت ابنة إمبراطورة النمسا شعر الفرنسيون ببارقة أمل. استطاعت العروس بجمالها وروحها المشرقة أن تشيع في القصر ألقاً جديداً بعد أن أفسده لويس الخامس عشر بالنزوات والفسوق، وحتى العامة الذين لم يروا أبداً الأميرة كانوا يتحدثون عنها بحب وحماس. كان الجميع قد سأموا من سيطرة العشيقات الكثيرات للويس الخامس عشر على مقاليد الأمور وكانوا يشتاقون لملكة يحبونها ويبجلونها. وحين كانت ماري تتجول في شوارع باريس كانت الجموع تحتشد حول عربتها الملكية وتحييها، وكتبت لأمها وقتها «إنها لَنعمة حقيقية أن يحبك الناس هذا الحب الكبير دون أن تبذل جهداً».
في عام 1774 مات لويس الخامس عشر وتولى لويس السادس عشر الحكم. وبمجرد أن أصبحت ملكة أطلقت ماري أنطوانيت لنفسها العنان للتمتع بالملذات التي تعشقها - فكانت تشتري وترتدي أغلى الثياب والمجوهرات وتصنع تسريحات شعر مبهرة كان بعضها يمتد لثلاث أقدام فوق رأسها، وأخذت تلهي نفسها بحفلات تنكرية لا تنقطع ولم تشغل نفسها أبداً بمن سيدفع عنها هذه التكاليف.
كان أكبر مِتع ماري أنطوانيت هو أن تُصمِّم وتنفذ روائع جنة عدن التي صنعتها في قصر بيتي تريانون الذي بنته على أراضي الفرساي وجعلت له حدائقه الخاصة. حرصت على أن تكون الحدائق طبيعية على قدر الإمكان فحتى الطحالب كانت تأمر بوضعها باليد حول الأشجار والأحجار، ولكي تضفي مزيداً من الجبال الرعوي استأجرت فلاحات يحلبن أجمل الأبقار في المملكة ويصببنه في أوان من الخزف الملكي، واستأجرت فتيات للغسيل وصناعة الأجبان يرتدين أزياء أشرفت بنفسها على تصميمها، وفتياناً يرعون خرافاً حول أعناقها أربطة من الحرير، وحين كانت تنظر لحظائرها كان يمتعها هذا المشهد الرعوي وكأنه لوحة، وكانت حين تشعر بالملل تطوف في حدائق البيتي تريانون تقطف الأزهار أو تتأمل «الفلاحين الطيبين، يقومون بواجباتهم». أصبح القصر عالما مستقلاً وسحرياً لا يدخله إلا المختارون.
مع كل نزوة من نزوات الملكة كانت ترتفع تكاليف البيتي تريانون ارتفاعاً باهظاً، في الوقت الذي كانت فرنسا تتجه فيه نحو الهاوية: انتشرت المجاعة وتصاعد تذمر الشعب، وحتى مجتمع الصفوة البعيد عن الفقر كان يشعر بالغضب لأن الملكة كانت تعاملهم وكأنهم أطفال، ولم تكن تهتم إلا للمقربين منها وكانوا قليلين للغاية. لم تُشغَل ماري أنطوانيت باستياء من حولها ولم تخالط سكان باريس أو تستمع لوفودهم ولم تقرأ طوال فترة حكمها أي تقرير وزاري عن أحوال البلاد. لم تفعل أياً من ذلك لأنها كانت ترى أن من حقها كملكة أن يحبها رعيتها وأن ليس هناك ما يفرض عليها أن تظهر لهم أنها تبادلهم هذا الحب.
في عام 1784 تعرضت الملكة لفضيحة احتيال فقد اشترت عقداً من الماس باهظ الثمن وتبين أنه مزيف وكان ذلك جزءاً من عملية احتيال واسعة. أثناء محاكمة المحتالين انتشر بين الناس مدى البذخ والإسراف الذي تحياه الملكة وعرفوا ما تُنفقه على مجوهراتها وثيابها وحفلاتها التنكرية. أطلقوا عليها اسم "مدام سفيهة" ومن وقتها أخذ استياؤهم يتصاعد يوما بعد يوم. وحين كانت تجلس في مقصوراتها بالأوبرا كان الناس يزعجونها بالصفير، وحتى مجتمع الصفوة انقلب ضدها، ففي الوقت الذي كان يتصاعد فيه بذخها كانت البلاد تتجه نحو الخراب.
بعد خمس سنوات، وفي عام 1789 حدث أمر جلل: بدأت ثورة الشعب في فرنسا؛ لكن الملكة لم تهتم ورأت أن الناس يعبرون عن شيء من التمرد وأن الأمور ستعود لحالها بسرعة وتعود هي لسابق حياتها. في نفس العام زحفت حشود الناس إلى الفرساي وأجبرت الأسرة الملكية على الإقامة في باريس. كان ذلك انتصار للثوار، ولكنه كان أيضاً فرصة للملكة كي تصلح ما أفسدته وتوطد علاقتها بالناس، ولكنها لم تتعلم أبداً الدرس وطوال فترة إقامتها في باريس لم تخرج من قصرها ولو لمرة واحدة. لم يكن يهمها أن يحترق شعبها أو يأكله الخراب.
في عام 1792 أعلن الثوار رسمياً انتهاء الملكية وألقوا القبض على الملك والملكة ووضعوهما في السجن، وفي العام التالي تم إدانة لويس السادس عشر وقطع رأسه بالمقصلة. وأثناء انتظار ماري أنطوانيت لنفس المصير لم يبرز أحد للدفاع عنها- لا من أصدقائها في البلاط ولا من الملوك الآخرين في أوروبا الذين كان من مصلحتهم أن ينجدوا النظام الملكي حتى يثبتوا لمن يفكر في الثورة في بلادهم أن التمرد لا يفيدهم، ولم تدافع عنها أسرتها في النمسا ولا حتى أخوها الذي تولى عرش بلاده، أصبحت ماري أنطوانيت منبوذة من كل العالم، وفي أكتوبر من عام 1793 أحنت رقبتها أخيراً تحت نصل المقصلة، ولكنها حتى وهي تواجه هذه النهاية المريرة لم تظهر أي تواضع أو ندم.
التعليق:
تعرضت ماري أنطوانيت منذ صغرها لمعاملة أكسبتها أسوأ الطباع؛ فحين كانت لا تزال أميرة صغيرة في النمسا كان الجميع يغدقون عليها بالتدليل والتملق، وحين انتقلت لتصبح الملكة المستقبلية لفرنسا أخذ كل من في القصر يهتم بها ويتودد إليها. لم تتعلم أبدا كيف تؤثر في الآخرين وأن تناغم مع متطلباتهم النفسية. لم يكن عليها طوال حياتها أن تبذل أي جهد لتحصل على ما تريد أو أن تتعلم فنون المكر والإقناع والتخطيط لتصرفاتها، وكان مصيرها كمصير كل من تعرضوا للتدليل وإشباع كل رغباتهم في صغرهم بأن أصبحت صورة متوحشة للتبلد والقسوة واللامبالاة بالآخرين.
أصبحت ماري أنطوانيت محل كراهية أمة بكاملها لأنه لا أحد يحتمل معاملة لا يحاول فيها الآخر أن يفتنه أو يقنعه حتى وإن كان بقصد الخداع. لا تظن أن ماري أنطوانيت امرأة من عصر فات أو أن أمثالها قليلون في عصرنا الحالي، بل هم اليوم أكثر مما كانوا في أي وقت مضى، أمثالها يعيشون في فقاعتهم الخاصة ويشعرون بأنهم مولودين ملوكا يستحقون أن يهتم الناس بهم ولا يهتمون بطبائع الآخرين، بل يتعاملون مع الناس بغطرسة. تدليلهم وإشباع رغباتهم في الطفولة يجعلهم يشعرون حين يكبرون أن من حقهم أن ينالوا كل شيء دون جهد، ويظنون أن الناس مسحورون بهم ولذلك لا يحاولون أن يتعلموا كيف يؤثرون فيمن حولهم.
هذه الطباع كارثية في عالم السطوة، وعليك أن تنتبه دائماً لمن حولك وتكتشف طبائعهم وتصيغ كلامك بالطريقة التي تجذبهم وتفتنهم، وكل ذلك يتطلب منك الجهد والمهارة، وكلما علا منصبك تزداد حاجتك لتعلُّم التناغم مع قلوب وعقول رعاياك حتى تجعل منهم قاعدة تدعمك وتحفظ سطوتك. بدون هذه القاعدة ستتخلخل مكانتك ومع أي هَبَّة ريح سيتخلى عنك الجميع ويبتهجون كثيرا بسقوطك.
مراعاة القاعدة:
في عام 225 واجه شيكو ليانج المخطط الاستراتيجي الصيني البارع ورئيس وزراء مملكة شو موقفاً صعباً: أعدّت مملكة واي لشن هجمة ساحقة على مملكته من الشمال والأسوأ أنها تحالفت مع البلاد البربرية في الجنوب التي يقودها الملك مانجهو. كان على شيكو ليانج أن يرد هذا التهديد القادم من الجنوب إن كان له أن ينتصر في حربه مع مملكة واي في الشمال.
بينما كان شيكو ليانج يحشد قواته للزحف إلى برابرة الجنوب نصحه أحد الحكماء في معسكره أنه لن يتمكن من إرساء السلام في تلك المنطقة بالقوة؛ لأنه يستطيع بالفعل أن يهزم مانجهو ولكن حين يعود ليحارب واي في الشمال فإن البرابرة سيعاودون غزو البلاد. قال له الحكيم "الأفضل لك أن تغزو القلوب وليس المدن، وثقتي كبيرة أنك تعرف كيف تأسر قلوب هؤلاء الناس". فأجابه شيکو ليانج "كأنك تقرأ أفكاري".
كما توقع ليانج بادره مانجهو بهجوم قوي، لكن ليانج استطاع أن يستدرجه لفخ ويقتل معظم جنوده وأسر مانجهو نفسه، لكن بدلاً من أن يهين أسراه أو يعاقبهم أتي بهم وأمر بفك قيودهم وقدم إليهم الطعام والشراب ثم خاطبهم قائلا "أنتم جميعاً رجال صالحون، وأعرف أن لكم آباء وزوجات وأبناء ينتظرون عودتكم ويذرفون عليكم الدموع. سوف أطلق سراحكم لتعودوا إلى بيوتكم وإلى أحبائكم وتطمئنوا خوفهم عليكم". فشكره الرجال وهم يبكون من التأثر. بعدها أرسل ليانج من يأتيه بمانجهو الذي كان قد فصله عن باقي الجنود وسأله "ماذا تفعل إن أطلقت سراحك؟". أجابه مانجهو «أحشد جيشي وأحاربك من جديد وهذه المرة أهزمك، وإن أسرتني ثانية سأدين لك بالخضوع والولاء». لم يكتف ليانج بإطلاق سراح مانجھو بل منحه فرساً مسرجاً، وحين سأله قادة جيشه غاضبين عن سبب ذلك أجابهم "يسهل علي دائما أسر هذا الرجل كا يسهل علي إخراج شيئا من جيبي ما أريده هو قلبه وولاءه لي وحين أتمكن من ذلك سوف يسود السلام هنا في الجنوب".
هاجم مانجهو ثانية كما قال، لكن ضباطه الذين أثّر فيهم الإحسان تمردوا وأسروه وأتوا به إلى ليانج. أعاد عليه ليانج نفس السؤال السابق فأجابه مانجهو أنه لم ينهزم في حرب شريفة بل بخيانة ضباطه ولذلك سوف يعود للحرب مرة أخرى وإن أسره للمرة الثالثة فسوف يدين له بالخضوع والولاء.
ظل ليانج يتفوق على غريمة مرة بعد أخرى بالحيلة والمكر، وفي كل مرة كانت قوات مانجهو تضيق به، فقد ظل ليانج يعاملهم بكرامة ولذلك فقدوا حماسهم لمحاربته، وفي كل مرة كان ليانج يطلب من مانجهو أن يستسلم لكنه كان يأتي في كل مرة بعذر جديد: لقد خدعتني، أو تعثّر حظي أو غير ذلك من الذرائع، وإن أسرتني ثانية أقسم أنني لن أخونك. وكان ليانج يطلق سراحه.
حين أُسر مانجهو للمرة السادسة سأله نفس السؤال من جديد وأجابه مانجهو "إن أسرتني للمرة السابعة فسوف أمنحك إخلاصي ولن أتمرد عليك". رد ليانج حسناً... لكن إن أسرتك من جديد فلن أطلق سراحك".
ذهب مانجهو بجنوده إلى أقصى أطراف مملكتهم لينشد العون من ووتوجو ملك ووجي الذي كان لديه جيش هائل ورهيب. كانوا جنود ووتوجو يحملون دروعاً مصنوعة من فروع مغزولة ومنقوعة بالزيت وبعد أن تجف تصبح صلابتها لا تخترق. زحف ووترجو ومانجهو بجيشيهما للقاء ليانج فتظاهر المُخطِّط البارع بالهلع وانسحب بسرعة مستدرجاً أعداءه إلى وادي ضيق، وأشعل النار حولهم فامتدت النيران إلى زيت الدروع وأحرقت الجنود جميعاً.
استطاع ليانج أن يبعد مانجهو وبطانته عن مذبحة الوادي وأسر الملك للمرة السابعة. لم يحتمل ليانج رؤية أسيره بعد تسببه في موت كل هذه الأعداد وأرسل إليه مبعوثا قال له "لقد أرسلني الملك لإطلاق سراحك. أعد جيشك إن استطعت وحاول من جديد أن تهزمه". ذهب مانجهو ووقع على ركبتيه زاحفاً وباكياً أمام البانج وقال له «أيها الوزير العظيم أنت حليف السماء ولن نقاومك بعدها أبداً نحن أبناء الجنوب»، سأله ليانج "هل استسلمت الآن؟"، فأجابه مانجهو "أنا وأبنائي وأحفادي مَسَّنا كرمك الذي بلا حدود، فكيف لنا أن لا نخضع لك؟".
أعد ليانج مأدبة كبيرة تشريفاً لمانجهو وأعاده إلى عرشه وأعاد له الأراضي التي أخذها منه ثم عاد إلى الشمال آمنا على الجنوب، ولم يعد في حاجة إلى أن يعود إليه مرة أخرى لأن مانجهو أصبح حليفه المخلص الذي لا يمكن لأحد أن يفصله عنه.
التعليق:
كان أمام شيكو ليانج خياران: أن يسحق الجنوبيين بهجمة واحدة مكثفة أو أن يكسبهم إلى صفه بالصبر والتودد. أكثر رجال السطوة يميلون للخيار الأول ولا يفكرون أبداً في الثاني، لكن القادة الحقيقيين هم الذين يفكرون للأمام: قد يأتي الخيار الأول بنتائج سهلة وسريعة لكنه يرسب مع الوقت لدى الآخرين مشاعر مريرة، وتتحول مرارتهم إلى حقد وكراهية تجعلك دائماً في خطر - فتبذل جهوداً كبيرة لحماية ما اكتسبته ويجعلك ذلك متجهزا ومرتاباً باستمرار، أما الخيار الثاني فأصعب، ولكنه لن يعطيك راحة البال فحسب، ولكن يجعل الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.
خذ وقتك لتتعرف على مشاعر من تتعامل معهم ونقاط تأثرهم النفسية، ولتعلم أن استخدام القوة يزيد مقاومة الآخرين. أما القلب فهو المفتاح للوصول إلى معظم الناس: لأن معظمنا کالأطفال تحكمنا مشاعرنا. ولكي تلين قلوب من تتعامل معهم عليك أن تستخدم الشدة والتسامح بالتبادل، حرك مخاوفهم، ولكن لا تنس أن تثير فيهم أيضاً مشاعر الحب والحرية والعائلة وغير ذلك، وبمجرد أن يخضعوا لك ستجدهم حلفاء لك يناصرونك بقوة طوال حياتهم.
ترى الحكومات الناس وكأنهم مجرد جموع، لكن رجالنا ليسوا كأي رجال؛ فهم ليسوا أجزاء من كراديس بل أفرادا مستقلين... ومملكتنا تقع في قلب كل رجل من رجالنا.
أعمدة الحكمة السبعة، ت. لونس، 1888، 1935
مفاتيح للسطوة:
في لعبة السطوة ستجد حولك دائماً أناساً لا يهمهم مساعدتك إلا إن كان ذلك يعود عليهم بالفائدة، وإن لم يكن معك ما تعرضه عليهم فسوف يعاملونك بجفاء لأنهم سيرونك إما منافساً أو تافهاً يُضيِّع وقتهم. من يستطيعون اختراق هذا الجفاء هم الذين يعرفون كيف يجدون المفاتيح التي يصلون بها إلى قلوب وعقول الغرباء ليجذبوهم إلى صفهم، أو عند الضرورة يخترقونهم لمجرد تليين دفاعاتهم وتوجيه الضربات المؤثرة إليهم. لكن أكثر الناس لا يتعلمون هذا الجانب من اللعبة، وحين يقابلون شخصاً لا يتواضعون بأنفسهم ليتعرفوا على الخصائص المميزة له بل يتحدثون عن أنفسهم ويحاولون إقحام آراءهم ومشاعرهم في ذهنه، ويجادلون ويستعرضون سطوتهم. ولن يؤدي إكبارهم لأنفسهم إلى زيادة مكانتهم عند المستمع، بل يولِّد لديه العداوة والنفور لأنه لا شيء يغضب الإنسان أكثر من تجاهل الآخر لشخصه وسِماته المميزة، فذلك يُشعِره أن مُحدثّه يعامله كأنه نكرة لا يستحق اهتمامه.
تَذَكَّر أن سرّ الإقناع هو تليين مشاعر الآخرين وتذويب جفائهم بلطف. اِفتنهم بسلاح مزدوج: أَثِّر في مشاعرهم وتلاعب بأفكارهم. انتبه لما يميزهم عن الآخرين (أي سرّ تفردهم) وكذلك لما يشتركون فيه مع غيرهم (من حيث المشاعر العامة التي تأخذ بألبابهم). تفهم مشاعرهم الأساسية مثل الحب أو الكره أو الغيرة، وبمجرد أن تُحرِّك فيهم هذه المشاعر ستزول مقاومتهم ويسهل عليك إقناعهم.
ذات مرة أراد شيكو ليانج أن يبعد أحد القادة المهمين في مملكةٍ منافسةٍ عن التحالف مع تساو تساو عدوه اللدود. لم يتحدث مع القائد عن قسوة تساو تساو أو سوء أخلاقه، بل أقنعه أن تساو تساو معجب بزوجته الحسناء. وكان ماو تسي تونج يخاطب دائماً مشاعر الجموع ويحدثهم بلغة بسيطة. كان ماو مثقفاً وقارئاً متعمقاً لكن في خطبه كان يعبر عن معاناة الجموع بأمثلة جسدية تخفف عنهم مخاوفهم وهمومهم، ولم يكن يتحدث عن الفوائد العملية الكبرى لأي مشروع يبدأه بل كان يصف لهم كيف سيؤثر في حياتهم اليومية العادية. ولا تحسب أن هذا الأسلوب يؤثر فقط في الأميين أو الأقل ثقافة - لأن ذلك يفتن الجميع، فكل من على الأرض مصيرهم الفناء ولذلك يرغبون في التعلق والانتهاء، وإن حرَّکتَ لهم هذه المشاعر وأشعرتَهم أنك تفهم تفاصيل حياتهم فلن يترددوا عن منحك قلوبهم وولاءهم.
أفضل طريقة لفعل ذلك أن تصدم توقعات الآخرين بالطريقة التي فعلها شيكو ليانج حين أطلق سراح الأسرى في حين كانوا يتوقعون منه أشد العذاب، لقد مسَّ ما في أعماق نفوسهم فلانت قلوبهم له. اِستغِل دائماً هذا التباين: حين تدفع الناس لليأس وتجعلهم يتوقعون أشد الألم والمعاناة ثم تمنحهم أي شيء يبهجهم أو يفرج عنهم مخاوفهم ويمنحهم الأمان تتحقق لك عليهم سطوة كبيرة.
يكفيك أن تُظهر بعض اللفتات الرمزية حتى تكسب ودّ الناس وتعلقهم بك، وقيامك بعمل يوحي باهتمامك بهم وتضحيتك بذاتك من أجلهم كأن تظهر لهم أنك تشعر بألمهم ومعاناتهم وتشاركهم فيها يجعلك قدوة ومثالاً في أعينهم حتى وإن كانت تضحياتك أنت رمزية وبسيطة وتضحياتهم هم حقيقية وكبيرة. وحين تدخل جماعةٌ عليك أن تقوم بعمل يُظهر الود والاهتمام بالآخرين حتى تلين لك قلوبهم ويسهل عليهم القيام بالأعمال الصعبة التي ستطلبها منهم لاحقاً.
حين كان ت. إ. لورنس (لورنس العرب) محارب الأتراك في صحراء الشرق الأوسط أثناء الحرب العالمية الثانية تَكَوَّن لديه استبصارٌ عميق: تأكدَ أن الحرب المعتادة لم تعد تصلح للعصر الحديث، فقد ذاب الجندي التقليدي في جحافل الجيوش الهائلة وتحول إلى قطعة شطرنج يحركها قادته، فعزم لورنس على أن يغير ذلك ويتعامل مع قلب وعقل كل جندي كأنه مملكة يريد أن يغزوها لأن الجندي المؤمن بالحرب والمتحمس لها من داخلة يحارب بصلابة ومرونة لا يحارب بها الجندي الدمية.
يصدق استبصار لورنس إلى يومنا هذا في كل مجالات الحياة؛ فنحن جميعاً نشعر بالاغتراب كأننا ضائعون في متاهة ونرتاب من أصحاب السلطة ولذلك فإن أي محاولة لفرض السطوة بالطرق المباشرة والصريحة يؤدي إلى مردودات عكسية وخطيرة، بدلاً من أن تجعل رعاياك دمىً تتحرك بأمرك تعلم كيف تكسب قلوبهم وعقولهم لتُحمِّسهم للهدف الذي تريد تحقيقه؛ فلن يُسَهِّل ذلك إنجاز أعمالك فحسب بل يمنحك مهلة تخطط فيها لخداعهم إن كان عليك ذلك. ولكي تكسب الناس عليك أولاً أن تتعرف على الخصائص النفسية لكل منهم ولا تكن من السذاجة بحيث تظن أن ما ينجح مع شخص ينجح مع آخر. لكي تتعرف على مفاتيح شخصيات أتباعك اترك لهم حرية التعبير بصراحة وانفتاح، لأن ذلك يكشف مواطن ميلهم ونفورهم وهذا هو الرافعة الحقيقية التي يمكنك أن تحركهم بها، أسرع الطرق للأخذ بألباب الناس هو أن تُبيِّن لهم بالتجربة العملية البسيطة ما الذي سوف يتحقق لهم من اتّباع ما تدعوهم إليه، فالمصلحة هي أقوى الدوافع: الأهداف النبيلة تأخذ بألباب الناس لفترة ولكن بمجرد أن يخفت الحماس يبدأ كل منهم في التفكير في مصلحته. والأساس الحقيقي للجندية هو المصلحة؛ وأنجح الحملات هي التي تستخدم غاية نبيلة تغطي بها على فجاجة سعي أصحابها لتحقيق مصالحهم الشخصية، فالأهداف النبيلة تُحمِّس الناس والمصالح تدفعهم لإكمال المشوار.
أفضل من يجيدون الأخذ بألباب الناس هم الفنانون والمفكرون ومن يستطيعون أن يصيغوا کلماتهم بشاعرية، لأن الأمثلة والتشبيهات واستثارة الخيال تعبر عن الأفكار بطريقة أكثر تأثيرا بكثير من الكلمات العادية. لذلك من الذكاء أن تجعل في جعبتك دائماً فناناً أو مفكراً يجيد التأثير في الناس. كان الملوك يحتفظون دائماً بكتيبة من المبدعين، فكان فردريك الأكبر يُقرِّب منه فولتير (إلى أن اختلف معه) ، وكان نابليون يستعين بِـ جيته. وعلى عكس ذلك كان اضطهاد نابليون الثالث لفيكتور هوجو ونفيه من فرنسا من الأسباب التي ساعدت على كراهية الناس له والتي أدت في النهاية إلى سقوطه. من الخطر إذن أن تُعادي من لديهم القدرة على التعبير والأفضل أن تقربهم منك وأن تستفيد من مواهبهم لصالحك.
أخيراً عليك أن تتعلَّم اللعب بالأرقام وتَعلَّم أن زيادة أعداد مؤيديك تدل على رسوخ سطوتك. كان لويس الرابع عشر يعرف أنه يمكن لرجل واحد في بلاطه إذا شعر بالنبذ والتجاهل أن يثير رجال البلاط الآخرين ضده وأن يزعزع سطوته کملك ولذلك كان يتقرب من رجال الصفوة حتى أقل رجل فيهم. عليك أنت أيضاً أن تتخذ الخلفاء والأصدقاء من كل المستويات الاجتماعية وتأكد من أنه سيأتي عليك اليوم الذي تحتاج فيه لخدمات كل رجل فيهم.
الصورة:
ثقب المفتاح: يبني الناس جدراناً تفصلهم عن الآخرين. لا تحاول أبداً أن تخترق هذه الجدران بالقوة لأن ذلك لن يفعل إلا أن يضع بينك وبينهم جدراناً جديدة. هناك أبواب داخل الجدران تنفِذك إلى قلوبهم وعقولهم، داخل كل باب ثقب لإدخال المفتاح. ابحث عن المفتاح المناسب وسيسهل عليك الدخول إليهم دون أن يبدو عليك قبح ووقاحة الافتحام.
اقتباس من معلم: أصعب خطوة في إقناع شخص هي أن تعرف ما يدور في قلبه لتنتقي الكلمات التي تناسبه... لهذا يتوجب على أي شخص يريد أن يكون مُقنِعاً أمام العرش أن يتعرف على ما يُسعِد الحاكم وما يُنفِّره، وما يتمناه وما يُقلقه حتى يتمكن من الوصول إلى قلبه. (هان فاي تسو، فيلسوف صيني، القرن الثالث ق. م.)
عكس القاعدة:
لا يمكنك أن تجد عكساً مفيداً لهذه القاعدة.
المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق