الاثنين، 15 يناير 2018

• الحصان رفيق الحضارة والأدب والإستراتيجية والجمباز

حلم اليقظة التاريخي وأمنية الإنسان، أن يمتطي حصاناً ولو كان يمتلك أفخر السيارات أو الطائرات، وعندما أنقذ الشاطر حسن حبيبته ست الحسن والجمال في سرعة وفروسية، فقد تم ذلك على ظهر جواد، ومن المؤكد أن الأمر لم يكن ليكتب له النجاح التام لو أن الشاطر حسن استعان بجمل أو حمار...

وسوف يعوزك خيال قوي لو تصورت عنترة العبسي - فارس العرب - يغازل عبلة دون أن يمتلك حصاناً، فحتى كلمة فارس جاءت من فوق ظهر الفرس، فقد كان الحصان طوال التاريخ أثيراً لدى العرب يفجر فيهم الحب والشعر والغزو بصفته حيوانهم الأسطوري والخرافي والإستراتيجي، قبل أن تدهمه الدبابات والسيارات المصفحة والطائرات والصواريخ، وهو الحيوان العربي الوحيد الذي نافس أصحابه في نسبه وأصله وفصله، فلكل حصان ثمين ملف يؤرخ له منذ نعومة حوافره وما حاق به من نزوات وتغيرات وأحداث.
وأشهر الخيول - غير جواد عنترة بن شداد - حصان طروادة الخشبي الضخم الذي تسلل في بطنه جيش الأعداء ليداهموا المدينة، وحصان الشطرنج الواقف بجوار الطابية متحفزاً، وحصان المملوك الشارد الهارب بصاحبه من فوق أسوار القلعة هرباً من المذبحة التي دبرها محمد علي الكبير فتكاً بالمماليك، وقد نجا المملوك دون الحصان، ثم حصان الجمباز الخشبي الذي تتقافز على ظهره فاتنات المعاهد الرياضية، وأكثر الخيول مرحاً وسخرية حصان دون كيشوت الذي قاتل به الأوهام وطواحين الهواء في رواية سرفانتس الإسباني، أما مرافقه سانشو بانزا فقد كان يمتطي جحشاً، ويقول العامة عمن كسر عموده الفقري: انكسر حصان ظهره، وفي المأثور ن عموم معاني ندابات الجنائز: (رجع الحصان ودماغه محنية) أي أن الحصان عاد بدون صاحبه وقد شمله الحزن، مع أن صاحبه لا يكون قد لمس حصاناً في حياته.
وأكثر الجياد العصرية شهرة: الحصان الأمريكي الذي يمتطيه الكاوبوي في آلاف الأفلام السينمائية، وحصان حلبة السباق الذي تقام له احتفالات المباريات الضخمة التي يعشقها مدمنو المراهنات، وبقايا خيول (البرجاس) في صعيد مصر وصحراواتها، والبرجاس نوع من رياضة التحطيب على ظهور الجياد تسبقها مطاردات صيد يستبدل فيها شاهد خشبي بالغزال يطعن بالرمال في سرعة، وليس للحصان أية أمجاد في احتفالات نقل العرائس إلى بيوت العرسان، فقد كان ذلك وقفاً على الجمال ثم السيارات، فلم نسمع عن عروس امتطت حصانا ليلة دخلتها إلا في فيلم (رابحة) لكننا رأينا خيولاً تجر عربات نقل رفات موتى العسكريين والعظماء.
والجواد يستجيب لإيقاع التصفيق والطبول والموسيقى، ولعل تراقصه اللطيف يعد امتيازاً خاصاً لا تجيده إلا الخيول العربية الأصيلة، وهو أيضا يستجيب لحركة مروضه أو صاحبه، ويثيره التماع البرق وهزيم الرعد، ولا ينام أرضاً بل يريح واحدة من قوائمه الأربع مستنداً على ثلاث منها ثم يستبدل أخرى بها كلما طالت رغبته في الراحة، وقد احتاز الحصان الكريم لقب الجواد، ويمتاز بالسرعة وقوة الاحتمال وخفة الحركة، ومن ألوانه الكميت والأدهم والأشقر والأحمر والعسلي والأزرق والأسود والأشهب، ومن محاسنه الحجل (بياض فوق الحوافر) والغرة (بياض في الجبهة) ثم هناك نوع نادر اسمه الصادق حيث يغزو شريط أبيض المسافة من أسفل خطمه مرورا بأسفل، الرقبة حتى بوادر صدره.
والحصان - بعد ذلك - هو المقياس العصري للقدرة الميكانيكية، ابتداء من نصف حصان لموتورات رفع المياه، وعشرين حصاناً لسيارتك، وأربعين لآلات الحرث والجر، بغض النظر عن مآل كل ما ورد في هذا عن الخيول والتي ينتهي مصيرها في أغلب الأحوال إلى لحوم تغذية الحيوانات المفترسة بالحدائق، أو إلى جر عربات الركوب وكسح النفايات، وهي نهاية يصعب على الإنسان تصور أن تكون لحلم اليقظة التاريخي.

محمد مستجاب 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق