الأحد، 28 أبريل 2019

• المرأة.. كيف نضطهدها.. ونحبها؟


بعد عقود من الدعوة إلى تحرير المرأة وانطلاقتها في مسيرة الحياة مع الرجل في كثير من المجالات، فإننا لا نزال نلتقي عبر المناقشات والمحاورات المنشورة، والكتب المذاعة على الناس، بأنماط من الرجال- ويا للغرابة من النساء!- تهاجم مبدأ تحرير المرأة، وتلعن الساعة، وقاسم أمين وهدى شعراوي وغيرهما من دعاة تحرير المرأة.

يرى الدعاة الجدد وجوب عودة المرأة إلى مكانها الطبيعي - برأيهم- وهو البيت حيث المطبخ ومقصورة الحريم! وحجة هؤلاء أن المرأة يجب أن تشرف على تربية الأولاد، وكأن تربيتهم مقصورة على المرأة فقط، وليست مسئولية مشتركة بين الرجل والمرأة.
وحجتهم أيضا أن المرأة العاملة سبب من أسباب بطالة الشباب، وهذا يعني- ضمنا- أن التعليم عندما اقتحمت المرأة ميادينه، جعلها تحمل شهادتها، وتخوض بعلمها مجالات اختصاصها، فأغلقت مجالات العمل في وجوه الشباب، وتبعا لذلك علينا أن نحدد مجالات تعليم المرأة حتى لا تحل محل الشاب الحامل للتخصص ذاته.
يدعو أنصار عودة المرأة إلى البيت (البيتوتيون) إلى تحديد مدارس معينة للبنات، وتخصيصها بمناهج تتناسب مع طبيعتها، فماذا ستفعل بتخصصاتها العلمية كالكيمياء، والفيزياء، والرياضيات؟.. بل حتى الآداب؟..
يقول (البيتوتيون) لن يكون لدينا من وراء هذه العلوم للبنات مدام كوري عربية!.. ولن يكون من وراء الآداب خنساء جديدة!..
أما إذا تساءلت عن نوع المناهج التى يقترحونها للبنات فاعلم أنها مجالات التدريب المنزلي، ومهارات الحياكة والتطريز وفن الطبخ باعتبار أن أقرب طريق إلى قلب الرجل.. معدته!.
ومن حجج دعاة التدبير المنزلي أن المرأة عندما خرجت من البيت لطلب العلم في المدارس والجامعات فسدت أخلاقها، وأفسدت أخلاق الشباب- يا حرام!- وكأن الجدران "البرلينية" ومقاصير الحريم والشبابيك الشعرية تحفظ أخلاق المرأة، والشباب!..
العلم والثقافة المستنيرة، ومواجهة الجنس الآخر منذ الطفولة وعبر المراهقة والكهولة، كل ذلك حصن حصين يسلح الشابة والشاب بأخلاقية سليمة قويمة، فما بالك إذا دعمت هذه القيم الأخلاقية الفطرية السلوكية بقيم العلم والثقافة المستنيرة، وعدم الخوف من الشياطين والأبالسة؟.
كيف نعود إلى عصر القمقم؟ أما سمع (البيتوتيون) في كهوفهم الماموثية أن المرأة غزت الفضاء وتحررت من قوانين الجاذبية، والجذبية، والانجذابية؟!.
هذا جانب من جوانب اضطهاد المرأة في عصر الذرة والليزر ولحم ثقوب طبقة الأوزون في الفضاء.. من الأرض!.
عالم بلا امرأة
كيف نعيد- بل نسوق- المرأة إلى الكهوف؟ تصوروا عالما بلا امرأة! بحرا بلا ماء أو.. ملح! كونا بلا نجوم، بلا شموس!.
الشمس مؤنث، الأرض مؤنث، الحياة مؤنث، والموت.. مذكر! عروش أسقطت من أجل امرأة، حروب شنت، وممالك دكت، من أجل امرأة..
ملاحم، أساطير، معابد، روايات، أشعار لا تفنى في فم الزمان، كل هذا بإلهام امرأة.
لكن- مع كل هذا- نضطهد المرأة مرة أخرى بعد الدعوة إلى "بيتوتيتها".. وفوق كل هذا.. نحبها!.
الاضطهاد الآخر هو صورة المرأة في أمثال الشعوب، اقرأوا:
"ابتلع الشيطان المرأة، فلم يستطع هضمها" مثل بولندي.
"عندما تفكر المرأة بعقلها، فإنها تفكر في الأذى" مثل لاتينى.
"سلاح المرأة لسانها فكيف تدعه يصدأ بعدم الاستعمال؟" مثل فرنسي.
"ثلاث بنات وأم = أربعة شياطين للأب" مثل إسباني.
"المرأة شر كلها.. وشر ما فيها أنه لا بد منها" من التراث العربي!.
السينما العربية تضطهد المرأة، فالمتتبع للأشرطة السينمائية الحديثة تروعه فيها صورة المرأة العربية، مما دفع بالمخرجة الأيرلندية- دوروتا- في مهرجان الإسكندرية إلى مهاجمة السينما العربية دفاعا عن المرأة الشرقية!.
قالت: "إن نماذج المرأة التي تقدمها الأفلام العربية مشوهة، وكأن المرأة لديكم غارقة في بئر الدنس، فهي إما قاتلة، أو سكيرة، أو خائنة، أو مغلوبة على أمرها، أو شاذة في علاقاتها حتي مع زوجها.. وتتابع: "وأعتقد أن هذه السمات ليست صفات المرأة الشرقية عموما، وإذا كان السينمائيون العرب يحاولون تغريب قيمهم وفكرهم السينمائي بهدف تطوير السينما والوصول إلى اللغة السينمائية العالمية فهذا خطأ فادح".
كيف نحب المرأة ونشوهها؟!
فلماذا نحب المرأة ونشوهها؟ نشن الحروب من أجلها ونحاربها؟ نضطهدها ونحبها؟!. هل الغاية التلذذ بصياغة فنية جميلة، فيها طرافة بديعة أو توازن بلاغي آسر؟.
المرأة أسمى من كل بلاغات الأقوال، والأمثال والأفلام..
إنها أبلغ من البلاغة ذاتها!..
تذكروا أقوالا أخرى: رفقا بالقوارير. النساء شقائق الرجال. أوصيكم بالنساء خيرا. الجنة تحت أقدام الأمهات.
وأخيرا: هل تتصورون عالما بلا امرأة؟ بحرا بلا ماء؟ بلا ملح؟ كونا بلا نجوم، بلا شموس في السماء؟.
حياة بلا امرأة.. موت. والحياة مؤنث.. الموت مذكر.
بوركت أيتها المرأة: أما، وحبيبة، أختا، وزوجة، وصديقة، لأنك أنت الحياة.
مصطفى سليمان مجلة العربي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق