تماثيل رابضة أمام الأبواب تحرس من بالداخل إلى الأبد،
وتحيل المداهم إلى حجر، سطوح منقوشة بنصوص غامضة تشعل النار وتثير الأعاصير لتلتف
حول من يقترب، أبقار ـ في جنوب شرق آسيا ـ تعبأ بأدعيات لتنطلق كالصواريخ ـ أو
كالطوربيدات ـ لتدمير الهدف، ثعابين مرعبة تستجيب للموسيقى ولنصوص (التعزيم)
لتستنيم تحت كف اليد عاجزة أو ساكنة ـ
وهذا أخف أنواع السحر وقد شاهدناه جميعا، واحد في
المكسيك انتقم من زوجته الخائنة عن طريق إطلاق تمساح في أثرها مع أن القرية بعيدة
عن كل الروافد والجداول والأنهار، وقد سعى الناس في أعقاب التمساح فلم يجدوا له
أثرا. واحد في غابات إفريقيا الوسطى طارد أحد خصومه حتى أوقع به بجوار الشجرة التي
يلوذ بها أحد السحرة فانفتحت طاقات في جذعها لتبتلع الخصم. قبائل البوشمن ـ في
إفريقيا أيضا ـ تُجِل ساحرها لحد العبادة ـ أعوذ بالله ـ هذا الذي يشعل نار
التبريك حول المواليد كي ينالوا الإذن بالحياة. في أستراليا ترقص القبائل في كهف
مليء بالأبخرة والصياح والتهليل والحرارة الشديدة، والذي يمكنه أن يواصل ذلك حتى
تهترىء ملابسه ثم تعود ـ هذه الملابس ـ فتظهر من جديد على نفس الجسد، يصبح سيداً
عليهم. حالات سحرية متعددة وكثيرة في الشرق والغرب وفي السهول والوديان وفي
الغابات والصحارى، قام بحصرها أدباء ورحالة ومستشرقون ومغرمون بحالات السحر
والشعوذة، أي كل تلك المشاهد والرؤى التي لايستطيع العقل البشري الاقتناع بها أو
تفسيرها لغموضها واحتوائها على (ما دق وخفي) ومايفعله الإنسان من حيل وألاعيب (بما
فيها من إخراج الباطل في صورة الحق) كما تصفه كتب الدين، أو كما جاء أيضا في
حكايات ألف ليلة وليلة ومايوازيها من كتب حكايات التراث عندنا وعند غيرنا في أنحاء
العالم.
وقد
ورد ذكر السحر في القرآن الكريم ـ وخاصة في قصة موسى وفرعون، في مشهد السحرة الذين
تحداهم سيدنا موسى، وكل الأديان السماوية تسلم بالسحر، وإن كان الإسلام يصفه بأنه
تخييل يخدع الأعين، وهو الشعوذة أيضاسورة طه آية 66 يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى
صدق الله العظيم، وهو ـ السحر ـ من المعتقدات الشعبية من قديم، ويلازم العقل
البدائي الذي كثيرا مايفسر به الظواهر الجوية المستعصية مثل البرق والرعد والمطر
وقوس قزح، ومن المفروض أنه كلما تقدم العقل في طبقات الإدراك العلمي، يتراجع السحر
بسطوته، وهو مايحدث بالفعل إن كان الأمر يتعلق بالشعوذة.
أما
السحر الخالص فلا يزال منطقة مغلقة على كثير من العقول العلمية المعاصرة، يرصد
جيمس فريزر في كتابه (الغصن الذهبي) حالات عديدة يبدو ـ من حماسه في صياغتها ـ أنه
مقتنع تماماً بها، وهناك الساحر العصري الشهير: هوديني الذي أربك العلماء في عواصم
عالمية عديدة، وهو الذي قال إنه كلما اتسع المجال للروح وسلطانها فتح للسحر باب
فسيح، وقد كتب كثيرون من العرب المسلمين عن السحر، ابن النديم في الفهرست، وابن
خلدون في المقدمة، وغيرهما، كانوا قد أشاروا إلى أن هناك سحراً محموداً لايضر،
وآخرين قدموا مايسيء إلى الناس، لكن ذوي الإدراك العالي من الفقهاء والعلماء مالوا
ـ بشكل عام ـ إلى تركه.ولعل سحر الثعابين هو الباقي الآن من ممارسات السحرة التي
يمكن لنا أن نشاهدها بسهولة، جميعنا رأى ذلك، حيث يتم للساحر السيطرة على هذا
النوع من الأفاعي ثم اصطيادها، وكان يمارس في بلاد الشرق منذ عصور موغلة في القدم،
سواء باعتباره وسيلة من وسائل التسلية، أو طريقة لإبعاد الزواحف الخطيرة عن
التجمعات البشرية، أو لإبراز القدرات الخارقة الباقية تحت سطوة الإنسان، إن مشهد
ثعبان الكوبرا الناشر لحنجرته أو (درقته) ـ كما يقول أهل الصعيد في مصر ـ متماوجاً
بها تحت إيقاع الموسيقى ـ في الهند بالذات ـ تمهيدا لخضوعه تحت كف الساحر، لايمكن
إلا أن يهز الوجدان ويثير في الفؤاد وجيفا وتوجسا وخوفاً ووجلاً، كما يمكن أيضا
الهيمنة على الحية السامة ـ والتي ليست في حجم الكوبرا ـ بواسطة حركة إيقاعية
تنبعث من جسم لامع أو عاكس كالمرآة، لكن الموسيقى ذات الإيقاعات المتسقة (أي
الشرقية) تظل عنصراً يصلح لكثير من الأفاعي حتى تلك الثعابين الضخمة ـ العاصرة ـ
في الغابات، المهم أن الأمر لايتعلق بالموسيقى أولا وأخيرا، بل بقدرات العازف
الساحر، والساحرة أيضا، وهو مايتوارثونه عن أسلافهم في كثير من الأحيان، ولعل وجود
رسم الحية الفرعونية على واجهات المقابر المصرية القديمة وفي تيجان الملوك وفي
مساند مقاعدهم يشير إلى عالم السحر الموغل في أنواع الثعابين.
إقرأ أيضاً
أيضاً وأيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق