الجمعة، 6 ديسمبر 2019

• نساء العرب أقلية وتخلّف


 (المرأة نصف المجتمع)، عبارة تنقصها الدقة. صحيح أن الله قد خلق نوعين من التوازن الطبيعي اللازم لاستمرار البشرية فجعل عدد النساء شبه متساو مع عدد الرجال، وصحيح أننا نَصِفُ الأسرة بأنها ذات ضلعين أساسيين: الرجل والمرأة. الأب والأم. ومع ذلك وبالرجوع لإحصاءات الواقع العربي التي سجلتها منظمات دولية فإن المرأة ليست نصف المجتمع...

المرأة دائما في حزب الأقلية حتى ولو تساوت عددياً مع الرجل! يقول تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام (96) عن التنمية البشرية في المنطقة العربية إن المرأة العربية أو هكذا تقول الأرقام أقل حظا من الرجل، وأكثر تخلفا من غيرها، لكنها أطول عمرا وأفضل صحة وخلقا!
ولكن.. ماهو معيار التقدم والتخلف
لقد مضت قرون طويلة والأمة العربية (خارج الإحصاء) ومازالت أجزاء منها غير محصاة إحصاء دقيقاً!
و.. عندما دخل العالم عصر النهضة وعرف العرب عصر التنوير، وزاد التواصل مع الآخرين وحدث التفاعل مع ثقافاتهم، وعندما اتسع الانفتاح على العالم الخارجي، وحدث الجدل: هل نحن أمام حضارة عالمية واحدة وثقافات متعددة.. أم أننا أمام حضارات مختلفة، عندما حدث كل ذلك وحدثت معه ثورة الاتصال أو ثورة المعلومات بات السؤال ملحا: وماذا عن المرأة العربية التي تمثل عدديا نصف سكان هذه المنطقة التي يعيش فيها 252 مليون نسمة?
في البدء كانت المعرفة
يتخذ تقرير التنمية البشرية القراءة والكتابة والتعليم مؤشراً أول لتقدم المرأة أو تخلفها، ويقول: إن تحسنا سريعا قد حدث، ولكن مازالت نسبة التخلف عالية. معظم النساء في سبعة بلاد عربية ـ من 15 بلداً جرت حولها الدراسة ـ أميات، والنسبة العامة تقول إن 40% فقط من النساء يجدن القراءة والكتابة مقابل 56.6% من الذكور وبتحديد أكثر فإنه بين الإناث فوق 15 سنة من العمر، فإن عدد غير الملمات بمبادىء القراءة والكتابة 37 مليون شابة وامرأة.. وكلهن رصيد للجهل وغياب المعرفة.
بطبيعة الحال فإن النسبة تتفاوت من دولة عربية إلى أخرى، فنسبة من يجدن القراءة في اليمن 26% من النساء، لكنها تبلغ 37.6% في الكويت و 78.2% في الإمارات و 89.4% في لبنان.
فإذا انتقلنا من دائرة القراءة إلى دائرة التعليم فإن نسبة المترددات على المدرسة الابتدائية من الشريحة السنية المفترض ترددها: 78% فقط.. في مقابل معدل عالمي وصل إلى 87%.
والبنت تقل في التعليم الثانوي لتصل إلى 44% فقط و.. هكذا يأتي المؤشر الأول ليقول إنه إذا كان التعليم هو مفتاح الدخول للحياة العملية والعامة.. وإذا كانت القراءة هي بداية المعرفة فإن نحو نصف النساء العربيات خارج هذه الدائرة. هناك تقدم، لكن الثغرة مازالت متسعة.
وينعكس ذلك على وجود المرأة في مجال العمل. إن مشاركة المرأة في القوى العاملة ـ إذا احتسبنا سن العمل 51 عاما ـ لايتجاوز 25% من النساء في هذه الشريحة مقابل 40% كمعدل عالمي.. والتعريف هنا للقوى العاملة لايشمل العمل المنزلي أو العمل العائلي الذي تقدمه المرأة الريفية في الحقل، إنه العمل المنظم والذي ينعكس على دخل مكتسب، والأرقام تقول: للنساء 20% من الدخل وللرجال 80% منه.. والرجال وحدهم يحتكرون معظم الوظائف القيادية في المجتمع.
النساء أطول عمراً
ويبدو أن لمتوسط الأعمار قاعدة عامة تسود أنحاء العالم.. فالنساء أطول عمراً، ونساؤنا على هذا النحو.
لقد ارتفع متوسط العمر في المنطقة العربية إلى مافوق السبعين، وهبط في بعض البلدان إلى تحت الخمسين، ولكن كمتوسط عام وبالمقارنة بين الرجل والمرأة فإن العمر المتوقع عند الولادة وفقا لأرقام 1995: 61.5 عاما للذكور.. و 64.1 عاما للإناث.. والفضل ليس في نظام التغذية، ولكن ـ وكما يقول بعض الخبراء ـ فإنه يرجع للتركيب الفسيولوجي والنفسي للمرأة. إنها تعيش أكثر، تلك هي القاعدة.
في هذه الدائرة تأتي مؤشرات الصحة، ويأتي من بينها إحصاء جديد لنسبة الإصابة بمرض فقدان المناعة (الإيدز).
وتسجل المرأة العربية أقل نسبة من الإصابة بالإيدز في العالم.. النسبة لاتتجاوز 0.5% في مقابل معدل عالمي يبلغ 7.7 من كل مائة ألف.. ومعدل للدول النامية 6.7 من كل مائة ألف من السكان.
المرأة العربية، ومثلها الرجل العربي أكثر حصانة، والأسباب تتعلق بالدين والعرف والتقاليد ومعنى الشرف والسلوك القويم.
و.. تمضي المؤشرات لتقول إن العلاقة وثيقة بين تعليم المرأة ودخولها سوق العمل وبين التنمية الاقتصادية.. فالمرأة الأكثر علما أكثر إنتاجية.. وعندما تتخلف المرأة عن العمل ينعكس ذلك على حجم الإعالة في الأسرة العربية حيث يتحمل الرجل قسطا أكبر من المسئولية، وحيث يتسع نصيب الفرد فيمن يعول.. وعلى عكس مايحدث في المجتمعات الأكثر تقدما.
المرأة العربية إذن في منتصف الطريق. مضت بعض خطوات للأمام مع تزايد حركة التعليم، وحركة التنمية، واشتداد التواصل مع العالم.. لكنها مازالت في المؤخرة من حيث مشاركتها في سوق العمل. صحيح أن نسبة المشاركة قد ارتفعت من 8% عام 70 إلى 21% عام 90 بالنسبة لشمال إفريقيا، ومن 22% إلى 30% في بلدان غرب آسيا. الأرقام صحيحة لكنها مازالت تقول: إنها أضعف نسبة مشاركة في العالم. نساء الغرب أكثر مشاركة، والأسيويات والإفريقيات يعملن في مجالات أوسع. ووحدهن نساء العرب يبقين في المؤخرة.
الجديد، والخطير هي تلك الدعوات التي نسمعها بعودة المرأة للبيت تحت دعاوى دينية تارة، ودعاوى اقتصادية تارة أخرى.
وأظن أن المرأة العربية تعيش الصراع على جانبيه.. الصراع بين تيار الاستنارة والاندماج في حضارة جديدة لاتؤمن بتخلف أحد عنصري المجتمع.. وبين تيار السلفية الذي يضع قيودا على حركة المرأة، وعقلها. إنه تيار يعني بالشكل والمضمون.. بقضية الحجاب وموقع المرأة في المجتمع.
بعض علماء العرب ينسبون هذه الظاهرة ـ ظاهرة تخلف المرأة ـ للإسلام.. فهل هذا هو الإسلام فعلا? وهل يقف الإسلام ضد توظيف كل قوى المجتمع? وهل يمكن أن تتقدم المجتمعات وقد تركت خلفها نصف عدد السكان?
الأرقام ذات دلالة.. والقضية تستحق اهتماما أكثر، فنسبة مشاركة المرأة إحدى علامات التقدم، وإحدى وسائل النهضة.. ولايكفي أن يكون بيننا وزيرة هنا ومديرة هناك.. الفيصل: مجمل حركة المجتمع.



إقرأ أيضاً          
أيضاً وأيضاً





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق