الخميس، 27 فبراير 2020

• العنوسة في الوطن العربي


العنوسة لفظ قد يخدش سمع أي فتاة، وكلمة مستهجنة تستنكرها كل أمراة، ووجه من الوجوه الكئيبة في حياتها. تطرق الكاتبة "كارين صادر" في كتابها "العنوسة في مساحة أنثوية" موضوعاً حساساً، تسوده كثير من المفاه يم الخاطئة والمشوهة. والكتاب دعوة لاعادة النظر لمفهوم العنوسة، تسعى الكاتبة من خلاله إلى دحض الآراء التي تقصر دور المرآة على التكاثر وحفظ النسل. وتدعوها للتخلص من الخوف، والإقبال على العمل والإستقلال الاقتصادي، بعيداً عن أشباح الوحدة والضياع.

تعرض الكاتبة لموضوعها عبر ثلاثة عشر فصلاً، ونراها تحاول جاهدة من خلال تلك الفصول التأكيد على فكرة عدم الأختلاف بين المرأة والرجل، فمرد ضعف الأنثي راجع لخطأ في تربيتها، وقلة ثقتها بنفسها، والطبيعة لم تفرق بين الرجل والمرأة والرجل، ووهبت لكل منهما قدرات متساوية. لكن التربية التي تتلقاها الأنثي وصفات الرقة التي تلص بها، تنمي فيها ضعفها وتضمر فيها قوتها. وتعمد الكتابة بعد ذلك إلى عرض لمفهوم الزواج والعنوسة عبر العصور وفي المجتمعات البشرية كافة.
والسمة العامة هي اعلاء قيمة الرجل فوق المرأة، وتبعيتها له، وحصر مهمة المرأة في الأعباء المنزلية وخدمة الرجل، يستثني من ذلك الحضارة الفرعونية التي مكنت المرآة من تبوؤ مكانة تفوق مكانة الرجل.
إننا نكاد نجد إجماعا عاما على نبذ العزوبة عند الشعوب البدائية واحتقار العنوسة وعدم الزواج بدءا بالبابليين، مروراً باليونانيين ووصولا إلى العرب والمسلمين. فعند البابليين كان على الفتاة أن تتزوج "حشرة" خير لها من أن تبقي دون زواج. أما اليونانيون فقد كانت العزوبة عندهم مشكلة أساسية من مشاكل مجتمع أثينا وكان الزواج ضرورة للمحافظة على الدولة. أما في الشريعة الإسلامية فنجد حضاً وتشجيعاً على الزواج.
وتري المؤلفة أن المرأة تعد منذ الطفولة للعب أدوار محددة في حياتها.
وتصنف في خانة الأثني المجردة من أي صفات إنسانية أخرى عبر تكريس نمط معين لها يقصر دورها على الجري والسعي البحث عن عريس، بأي طريقة، بمعزل عن مستواها التعليمي الثقافي. وفي أثناء انتظارها قد تعلم وقد تعمل ولكنها لا تنسي أنها تقف في محطة، وإن نسيت فما أكثر المتطوعين لتذكيرها بأن شيئا ما ينقصها. ولا ننسي دور القصص والمجلات والمسلسلات التي تقدم صورة المرأة التقليدية الغارقة في احلامها الرومانسية وخيالاتها عن الزواج وقصص الحب. وقد تفقد الفتاة فرصتها في الزواج اذا ما خانها الصبر وغامرت بعلاقة مع شاب قد أفقدها عفتها إذا أغواها أو تفقد حياتها أحياناً.
وعند تناول موضوع الزواج تقول المؤلفة أن ولوج عتبة الزواج يحب أن يتم بكثير من الوعي الفكري والعاطفي، مع التدقيق في اختيار الشريك. وبينما يشكل الزواج المحطة النهائية والغاية الأولي والأخيرة للمرأة. يتجلي مع تحقيق الذات واضحاً عند الرجل كهدف اساسي "لأن ما يحصل عليه في اطار الزواج يحصل عليه خارجه". والفتاة الشرقية المقيدة الحرية تهرب إلى الزواج لتنال قسطاً من الحرية أو لأن قريباتها وصديقاتها قد تزوجن أو انها تزوجن أو انها تتزوج هرباً من كلمة عانس.
ويغدو هذا الدافع جامحاً عند الفتاة تسأل عن مشاريع غدها حتى تجيب "سأتزوج ثم ..." وتورد الكتابة احصاءات عن نسبة العنوسة في بعض البلدان العربية، فنجد أنها بلغت أرقام عالية، متجاوزة 13% في الكويت. وارتفع متوسط الزواج عند الرجال في لبنان إلى 32 عاماً بعد أن كان 28 عاماً قبل عشر سنوات، وبلغ 27 عاماً عند النساء بينما كان 22 عاماً. ويتوقع أن تصبح نسبة العزوبة 60% من الشباب اللبناني في عام 2008، بينما في مصر تجاوز 15 مليون رجل وإمرآة سن الثلاثين دون زواج.
وتظل النظرة متفائلة لعزوبة الرجل، فهو في شباب دائم مازال يملك المال. وحتى لو تأخر في الزواج تبقي العروض المتوافرة أمامه معقولة وهو يقبل على الزواج إذا مل حياة الفوضي ونشد الأستقرار وأثقلت أيامه رتابة الحياة وفقد من يدير له منزله من أم أو أخت. أو إذا وجد الجمال المثالي مجسماً في هيكل فتاة شابه وكان ميسور الحال فيضمها إلى مجموعته القيمة. ويكاد يكون الهم المادي وعبء الزواج وتكاليفه أحد أهم اسباب عزوبة الرجال اللاإرادية، فالشاب الذي يمضي سنوات شبابه- التي يكون فيها أكثر تعطشاً وحاجة إلى الحب والزواج- في سبيل بناء مستقبل معقول، يغدو من الصعب عليه بعد اعتياده حياة الفوضي والحرية أن يبدأ حياة جديدة مستقرة. أما الأنثي فلها "تاريخ صلاحية" وينحصر في تلك السنوات التي تكون فيها قادرة على الخدمة الانجاب، وخلال هذه المدة يجب أن يحدد مصيرها.
ومن أهم أسباب بقاء المرآة دون زواج: النصيب المتواضع من الجمال، والظرف العائلي الذي قد يدفعها للتضحية بشبابها ومستقبلها، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وإقبالها على التعليم حتى مستويات عالية مما يضيع فرص الزواج التي قد تتاح، لها فالمرآة تولد وتربي لتصبح قادرة على خدمة الأسرة مجانا مقابل لقب زوجة، وبرغم إدراكها لهذا الواقع نراها تقبل على الزواج وتنتظره بفارغ الصبر، لأنه القالب الوحيد الذي تكون فيه مقبولة اجتماعياً، والوسيلة الوحيدة التي تضمن لها الأمن النفسي والجنسي والاقتصادي. فإذا ما وطئت عتبة الأربعين وهي دون زواج أصبحت ضعيفة ثقيلة الظل حتى على أهلها، وترشق الفتاة بكم هائل من الأمثال الشعبية المستقاة من تجارب الأجداد، والتي تحمل في طياتها صورة لماضي الأنثي التي تولد يولد معها هم تزويجها كما تدفع احيانا للجوء المشعوذين والعرافين والمنجمين للتنقيب على آثار عريس قادم.
وتورد الكاتبة في سياق مبحثها الشائق مجموعة شهادات مقتطفة من عدة مصادر تتحدث فيها عن معاناة العانسات، كما تورد قصصاً عن عانسات هربن من كلمة "عانس" الرهيبة فتخبطن في شرك زواج حكم عليه بالفشل.
وتتناول الكاتبة الفرق بين عنوسة المرآة وعزوبة الرجل، فتعرض لوضع المرآة في الشرق، حيث مازالت قضية المساواة مع الرجل مطروحة على الصعيد النظري فقط، و"الشريحة الكبرى من الفتيات لا تزال بعيدة عن ميدان التحرر والمساواة، رافضة لحقوقها، وعاشقة لصورة الرجل الظالم والمستبد لحياتها". ومازالت الفتيات وحتى المتعلمات منهن يرددن أقوال الجدات، مقتنعات أن من حق الرجل أن يسير قدرهن، لأنه الأعقل فكيف يمكن أن نخرج بفتيات مثل هؤلاء إلى موقع الندية والمساواة مع الرجل؟ ومما يزيد الوضع بؤسا وجود اتحادات وجمعيات ممثلة للمرآة لا تقوم بدورها المنوط بها في رفع مستوي المرآة والنهوض بها. فهي اتحادات وجمعيات شكلية فحسب.
وتتعرض الكاتبة للحلول المطروحة لحل مشكلة العزوبة فتراها تتباين بين حلول سلبية وحلول إيجابية حيث تقود الحلول السلبية "الحب الحر والزواج المؤقت" إلى فوضي اجتماعية وتحلل خلقي، بينما قد تشكل العفة والانشغال بالعلم والعمل وسيلة للحد من الفراغ والحرمان العاطفي والجسدي.
لابد أن انواه في مراجعتي لهذا الكتاب القيم بالفصل الأخير منه، والذي أفردته الباحثة لاستعراض"أشهر عانسات التاريخ" اللاتي وصفتهن بأنهن "امهات عذراوات للإنسانية". هنا تطالعنا أسماء رابعة العدوية، وماري عجمي، والشاعرة الأندلسية حسانة التميمية، وولادة بنت المستكفي وغيرهن من النساء العرب، فضلا عن أسماء نساء أجنبيات شهيرات مثل هيلين كلير، وإيميلي ديكتسون، وجين آدمز "الحاصلة على جائزة نوبل للسلام" والأديبة الأمريكية جرتورد شتاين وغيرهن كثيرات. إنه فصل شائق يزيد من متعتنا في قراءة هذا الكتاب.
المصدر: 1
إقرأ أيضًا                           
للمزيد
أيضاً وأيضاً





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق